نص كلمة: وقفة قصيرة مع مناسبات الأطهار عليهم السلام
الامام العسكري (ع)؛ واعداد الامة للتعامل مع غيبة الامام (ع)
الأيام القليلة الماضية مرت علينا ذكرياتٌ ثلاث في كل واحدة منهن قيمتها الكبرى عند الله وخيرها الكثير علينا، الذكرى الأولى هي ذكرى ميلاد الإمام الحسن العسكري الكوكب الحادي عشر من كوكبة الإمامة الحقة من آل محمد (ص) وقد نهض هذا الإمام العظيم (ع) بأعباء الكثير من الملفات ولعل في الطليعة منها الحفاظ على حياة الخلف الباقي من آل محمد (ص) وهذا يحتاج إلى جهد كبير، لأن القضية المهدوية مربوطة بأبناء الأمة عامة وحيث ان الغيبة للمعصوم للمرة الأولى تتفق مع من يتبعونه في الإمامة بعد إمامة ظاهرة تمثلت في المولى علي (ع) والكوكبة من أبناءه حتى فترة الخلف كانت الأمور سهلة طبيعية لكن ان تنتقل الأمة إلى مرحلة مغايرة تماما لسابقتها تحتاج إلى إعداد روحي وتحتاج إلى تثبيت عقدي لذلك نهض الإمام (ع) بهذا الملف ألا وهو إعداد الأمة للتعامل مع هذه النقلة الكبيرة في حياتها، الإمام العسكري ينتقل إلى الله سبحانه وتعالى مسموما مظلوما شهيدا، الخلف المهدي يبقى في وسط الأمة ثم بعد ذلك يختفي هذه الفترة الطويلة لحكمة تقتضيها السماء ويجهلها البشر وان حاول البعض ان يتمنطق في هذه المسألة لكن هذه الحالة من التمنطق لا توصله إلى أدنى ما يمكن ان تتم الرغبة في الوصول إليه.
ظرف الامام الحسن العسكري (ع)؛ المحاصرة، المضايقة والسجن
ظرف الإمام الحسن العسكري (ع) ظرف استثنائي صعب حرج على أتباع مدرسة أهل البيت بل يعتبر من اشد الظروف من اشد الحالات التي مر بها أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام هي فترة الإمام العسكري (ع) حتى كان يخاطب شيعته ويطلب منهم عدم السلام عليه إذا ما رأوه في الشارع خوفا عليهم: إذا رأيتموني في الشارع فلا تسلموا علي حتى لا تؤخذوا بي؛ يعني يقال هذا من أتباع الحسن بن علي العسكري فيؤخذ به للعلاقة، للمحبة، للارتباط الولائي كان الظرف بهذه المثابة وأما المحاصرة والمضايقة والسجن الذي تعرض له إمام (ع) فهو لا يخفى عليكم كما أنه لم يخفى عليكم لأنكم أتباع مدرسة يغذيها منبر الإمام الحسين (ع) الذي ما انفك منذ شهادة الإمام الحسين (ع) وسطوع نجم هذا المنبر الشريف كواحدة من نتائج كربلاء العظمى وهو يغذي الأمة بالعلوم، بالمعارف، بالثوابت من عقائدنا، بالطيب من السلوكيات والأخلاقيات، لذلك أنت لا تستغرب عندما تجد الموالي يستحضر الكثير الكثير من النصوص الشريفة الصادرة عن محمد وآل محمد (ص) بل حتى الأطفال إذا استوقفتهم اليوم وأردت منهم ان يقرأوا شيئا من أحاديثهم تجد ان الأطفال يقرأون الكثير من أحاديثهم هذا لم يتلقوه من مدرسة وإنما تلقوه من خلال مدرسة واحدة ألا وهي مدرسة أهل البيت (الحسينية) هذه المدرسة الطيبة الطاهرة المباركة والمبارك فيها بألطاف الشهيد من آل محمد سلام الله عليهم، وأما بالنسبة للمضايقة فيكفي ما هو الواصل تاريخيا ان في بيت الإمام الهادي والعسكري عليهما السلام لشدة المضايقة في سبيل الوقوف على الوليد الذي يأتي للإمام الحسن العسكري (ع) كان الحصار شديدا حتى إذا أزمعت المرأة الدخول إلى بيت الإمام (ع) تفتش وإذا ما همت بالخروج تفتش لعلها أخرجت الطفل الذي قد يكون هو في علم الله المهدي وهم يبحثون عنه كضالة حتى وصلت الحالة بهن أي بنساء بيت الإمام (ع) أنهن إذا أردنا ان يؤدين الصلاة لا يستطعن الأداء للصلاة في وقت واحد وإنما تصلي المرأة ثم تدفع بالخمار لأختها أو للثانية التي تنتظر الصلاة لعدم وجود الخمار الساتر لما يستوجب ستره في الصلاة، إلا خمار واحد هذه الحالة كانت في بيت الأمام الحسن العسكري (ع) طبعا البيت فتش أكثر من مرة، اخذ ما فيه أكثر من مرة، الإمام سجن أكثر من مرة، تعرض إلى الظلم وتعرض إلى الكثير من الأمور التي لا أحب ان ادخل في تفاصيلها.
ظلامة الزهراء؛ وضرورة اخذ الدروس والعبر منها سلام الله عليها
أيضا مرت علينا ذكرى شهادة السيدة المظلومة سلام الله عليها الزهراء بنت النبي محمد (ص) وهذه السيدة الجليلة كانت مظلومة ولا زالت إلى يومنا هذا مظلومة، الزهراء سلام الله عليها عندما تقترب من حدود سيرتها الطاهرة تجد ان الظلامة كانت تطاردها سلام الله عليها منذ ان غمضت عين النبي (ص) دخلت في ذلك المعترك الخطر ملف صعب جدا ألا وهو الحفاظ على إمام الأمة بالحق المنصب من قبل السماء بواسطة النبي الأعظم محمد (ص) في الغدير والكل بايع له لكن سبحان الله هي نبوءة قرآنية: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾[3] وهو تحقق خارجيٌ أدخلت الأمة نفسها في نفق مظلم، الأمة لو أنها تعاملت مع الزهراء سلام الله عليها كما ينبغي لما أصبح حال المسلمين كما هم عليه اليوم من هذا الضياع والشتات والتشرذم، الزهراء سلام الله عليها الظلامة تطاردها اننا إلى اليوم بطبيعة الحال لم نستطيع ان نفتح الأبواب الموصلة إلى الزهراء كما ينبغي، الزهراء لا يمكن ان تحصر في زاوية واحدة ويقال المظلومة ثم نطوي نعم هذه الظلامة هي التي يرفعها المهدي وهي شعاره، لكن هناك قضايا أيضا تهمنا ونحن في مسيس الحاجة لان نأخذ منها الدروس والعبر، ان نجعل لنا منها منارا في حياتنا، من قبيل طريقة التربية عند الزهراء للحسن والحسين وهي تقدمها للأمة كأنموذجا أكمل، تصوروا لو ان الاباء والأمهات ساروا على هذا النهج من التربية العلوية والفاطمية ما عسى ان يكون النتاج نحن لا نقول ان من سيتربى وفق هذه المدرسة سيكون هو الحسن والحسين لكن يكون مثال يحكي تلك الحقائق النورانية وهذا مطلب كبير، البعض قد يقول ان الزهراء والامام علي عليهما السلام و باقي الائمة عليهم السلام معصومون، نحن لا نتمكن من ذلك! نقول ان النبي (ص) أصل العصمة وهو سيد العصمة والقرآن يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [4] لماذا إذن ينتدبنا القرآن؟ لأنه يريد منا ان نصل إلى أعلى درجات الكمال التي يمكن ان يصل إليها الانسان، شعارنا في ذلك قدوتنا في ذلك هو عبارة عن محمد وآل محمد عليهم السلام، الزهراء سلام الله عليها، ناهيك عن علمها، عن عبادتها، تعاملها مع المولى علي (ع) اليوم أيها الأحبة ولا أطيل عليكم في المحاكم الكثير من القضايا التي تهدم البيوت على أساس منها، السبب ما هو؟ السبب هو عدم قيام الزوج بما ينبغي ان يقوم به في قبالة الزوجة والعكس صحيح عدم نهوض المرأة بمسؤولياتها أمام الزوج وأحيانا لأمور لا ينبغي الوقوف عندها ناهيك ان تنتهي إلى الطلاق، تهدم اسر تشتت أبناء، يخرج لك جيل مشوه، والسبب هو هذا، ان يبتعد الإنسان عن هذه المدرسة، عن هذا الينبوع الطاهر.
وقفة قصيرة عند السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها
المناسبة الثالثة التي نذكر بها اخواننا المؤمنين بعد أنفسنا هي ذكرى وفات السيدة الجليلة كريمة أهل البيت السيدة المعصومة سلام الله عليها، شابهت الزهراء في الكثير من الأمور، شابهت اسمها، فاطمة، شابهتها في مظلوميتها، تعلمون ان السيدة المعصومة خرجت مع احد عشر وقيل سبعة عشر من أخوتها وأبناء عمومتها من المدينة إلى خراسان كي تلتحق بركب الامام علي بن موسى (ع) أخيها في الطريق اعترض ركبها في منطقة ساوه وقتل من كان معها من أهل بيتها يعني شابهت السيدة زينب سلام الله عليها وهي ترى احد عشر كوكبا من كوكبة أهل بيت النبوة يصرعون كالأضاحي أمامها، اعتلت سلام الله عليها، أدركها الخزرجيون في مدينة قم لكن بعد ان وضعت الحرب أوزارها وبعد ما أنهى القراصنة وقطاع الطريق تلك المجزرة البشعة المرعبة والمخيفة جاءوا بها إلى المدينة، تمرضت وأصابتها الحمة لعدة أيام بعدها عرجت روحها إلى السماء لكن فيوضات هذه السيدة الجليلة، كرامات هذه السيدة الجليلة تدلل على علوا مقامها وإلا هي فتاة عمرها سبعة عشر أو ثمانية عشر سنة بالكثير لكن تعال وشاهد هذا المقام الذي يمثل قبلة يتوجه إليها الأولياء عند حوائجهم وعند الرغبة في التماس الوصول إلى الدرجات العلا في الجنة، لاحظوا هؤلاء الأعلام، مراجع الطائفة أعمارهم قرن من الزمن قضوها خدمة في المرجعية، في التدريس، في تربية الأعلام، في تأليف الكتب يخضعون عند عتبة هذه السيدة الجليلة هذا يدلل على ماذا؟ على علو شأنها ورفعت مقامها، وقد قال في حقها الامام الرضا (ع): «من زار المعصومة بقم كمن زارني»[5] لنتأمل اليوم الى وضعنا نحن، يذهب الواحد منا يزور الإمام الرضا (ع) تقبل الله منه نور على نور، تذهب بعد ذلك الى شمال إيران تقضي فيها أيام أيضا نور على نور جميل ان يرفه الانسان عن نفسه، لكن أليس على هذه السيدة الجليلة حق التي ما زالت تغذي الأمة وأتباع أهل البيت بالمراجع، بالعلماء، بهداة الأمة أن يصل عتبتها ويبقى عندها يوم أو يومين أو ثلاثة أيام، لذلك ينبغي ان لا تمر علينا الذكرى ونحن لا نستفيد منها، نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يشفع فينا الإمام المعصوم العسكري، وأم الأئمة الشهيدة المظلومة الزهراء، والسيدة المعصومة كريمة آل محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.