نص كلمة: نفحات رجبية

نص كلمة: نفحات رجبية

عدد الزوار: 958

2018-04-26

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1439/7/9هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على نبينا الأمين محمد وآله الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

شهر رجب المعظم وما يحمله من خيرات

ايام شهر رجب فيها من الفضل الكثير، ظرف زماني طيب اذا استغله الانسان في شد العلاقة مع الله سبحانه وتعالى من خلال العبادات المتنوعة التي يساعد عليها وعلى ادائها رغبة عموم المؤمنين على القيام بها، من قبيل الصيام ولا اقل من يوم واحد مستوجبٌ للرحمة من قبل الله، غفران الذنوب من قبل الله، سعة الرزق من قبل الله ومجموعة من ثمار الكثيرة التي تقتطف جراء الصيام ولو يوم واحد من هذا الشهر الفضيل، زيارة المولى الشهيد المظلوم الحسين بن علي (ع) فيها فضلٌ كبير، ومن الامور المستحبة الأخرى في هذا الشهر هي مسألة الأدعية المتنوعة والمتكثرة التي جاءت في خصوص هذا الشهر، أي المتعلقة بأيامه وهي عبارة عن باقة روحانية تربط الانسان وتؤكد علاقته مع الله سبحانه وتعالى من جهة، ومن جهة أخرى تحدث حالة من السكون والاطمئنان في داخل نفسه هو في مسيس الحاجة لان يتفيأ ظلالها، ايضا في هذه المدرسة من الدعاء مجموعة من المطالب يجريها الانسان على لسان المعصوم التي صدرت عنه هذه الادعية وافضل ما يخاطب به الله سبحانه وتعالى هو عبارة عن آية من آيات كتابه تجري على لسانك ايها المسلم ايها المؤمن، او نص وصل اليك عن احد المعصومين من محمد وآل محمد (ص)، ونحن اتباع مدرسة بحمد الله تعالى فيها من نصوص الأدعية ما لا تتمتع به مدرسةٌ من المدارس الشقيقة من مدارس المسلمين، بل أكثر من ذلك النسبة العظمى مما تسمعون من خلال وسائط البث العام والخاص مثل التلفزة والإذاعة وغيرها في عموم العالم الاسلامي هي عبارة عن نصوص مجتزئة من ادعية مطولة عن المعصومين عليهم السلام، نعم لا يذكر اسم المعصوم ولا تذكر النسبة لكنها منهم واليهم.

أدعية أهل البيت عليهم السلام وما تتضمن من آثار

 ايها الاحبة اذا الانسان تردد على الادعية وعلى النصوص الصادرة عن اهل البيت عليهم السلام حينها ستتشكل في داخله حالة خاصة من الذوقية بحيث عندما ينسب نص لمعصوم وهو لا يلامس اصول مدرستهم يجد حالة من النفرة، على العكس من ذلك عندما يسمع النص ويجد ان ذلك النص فعلا له اصوله وينسجم مع قواعد عامة اطبق عليها السلف والخلف يجد حالة من الميلان والانفتاح النفسي على ذلك النص ولا فرق في ان تستمع لذلك النص من خلال خطيب او من خلال رجل دين او من خلال احد المؤمنين وعموم المسلمين بالتالي تبقى هذه الحالة، المهم اننا عندما نكثر من قراءة هذه النصوص سنوجد حالة من الشعور اننا نعيش مع المعصوم، عندما تتلو النص احدث حالة من المحادثة بينك وبين نفسك في ان ما تقرأه في هذه اللحظة، في هذه الساعة، في هذا المكان بهذه الطريقة هو نصٌ وصل اليك من المعصوم.

أثر الزمان والمكان على الأعمال

انت قد تصلي ركعات مستحبة، الزمان يؤثر عليها، مثلا لو صليت تلك النوافل او المستحبات في ليالي شهر رمضان ترى ان لها وقع خاص، لو تصليها في شعبان لها خصوصية معينة، في رجب أيضا خصوصية، عندما تذهب يمين يسار الوضع يختلف، لو تصليها في بيتك فرق مما تصليها في المكتب، أو لو تصليها في بيتك تختلف عما تصليها في المسجد، لذلك يستحب للإنسان ان يصلي في المسجد ولو منفردا، نعم اذا لم ينخرط في الجماعة هو حرم نفسه من أجر عظيم لا يحصيه الا الله، لكن خصوص الصلاة في المسجد له ثوابه الخاص، انت انظر الى حالة صلاتك في المسجد وحالة صلاتك في بيتك، اكثر من ذلك عندما تذهب لزيارة احد المعصومين ـ اوصلنا الله واياكم لعتباتهم الطاهرة ـ عندما تصلي ركعتين في الصحن وتصلي ركعتين عند الضريح تحس بالفارق كبير، هو مكان واحد لكن شعورك بالقرب من حضرة المعصوم هو هذا الذي يضفي عليك حالة من القرب المعين، اشراقة خاصة، يعني المكان لعب دوره، الزمان لعب دوره، أو لو أن الشخص تخلص من الشحن النفسية كاملةً، ليس له مشاكل دنيوية، ليس له مطالب مع الناس، كل شيء تخلص منه وجاء يصلي ركعتين فترى صلاته تختلف عن غيره، قراءته لآيات القرآن تختلف الوضع كله يختلف وهكذا سائر الامور.

أهمية الاعتمار في رجب والحفاظ على آثاره

من الامور التي تعوّد عليها الناس ابتغاءاً للأجر والثواب هو اداء العمرة في شهر رجب، العمرة بالمطلق هي مستحبة، زيارة مكة بالمطلق هي مستحبة، زيارة بيت الله الحرام مطلقا مستحبة، لذلك دخول مكة فيه ثلاث اغسال مستحبة؛ الانسان عند ارادته للإحرام وقبل الاحرام يستحب ان يغتسل، لدخوله مكة المشرفة يستحب للإنسان أن يكون له غسل وهذا أيضا له خصوصيته واستقلاله، كذلك غسل نية دخول بيت الله الحرام ايضا له غسل آخر، هذه كلها عمليات تطهير للإنسان من الداخل، نحن ايها الاحبة عندما نقول فلان يغتسل يوم الجمعة، فلان يغتسل في الوقت الفلاني أو للمناسبة الفلانية مثل ليالي القدر أو ... ليست هي مجرد غسل البدن من الخارج وانتهت، لا هذا غسل للداخل، انا اولا واخيرا اغسل داخلي، اثره المعنوي لابد وان ينعكس عليّ، إذا انعكس هذا الاثر المعنوي حينها انا استفدت من هذه الأمور التي من أجلها تم للتشريع، بعدها نذهب للعمرة، بالنسبة لزيارة النبي المكرم (ص) ايضا له خصوصية، لمسجده خصوصية، حينما نريد ان نذهب الى زيارة المعصومين عليهم السلام هذه الخصوصيات ايضا موجودة، فحينما نذهب الى‌ العمرة ونحرم ونجرد من كل الشيء، نلقي الدنيا وراء ظهورنا، نقبل على عوالم غيبية خاصة حينما ندخل الى بيت الله الحرام وتباشر انظارنا الكعبة قبل ان نباشرها، اشراقات بيت الله الحرام من جميع جوانبه قيامك قعودك ركوعك سجودك في محضر الله سبحانه وتعالى في النقطة الاقرب ـ دون تجسيم بطبيعة الحال ـ، لأنه لا ينسجم مع قواعد مذهبنا، لكن هذه الحالة من القرب تكسبني حالة من الانس، انا ابحث عنها، انت تبحث عنها، بعدها عندما أودي اعمال العمرة ماذا سيحدث؟ سوف أكون انا في حالة من الصفاء والنقاء المنقطع النظير، اليوم الذهاب والمجيء للعمرة لا يكلفنا الشيء الكثير، مجرد جهد محدود وبعض حطام الدنيا، لكن آثارها كبيرة علينا، فنحن احيانا نحافظ على هذه الآثار لأمد ومسافة طويلة واحيانا نبيد هذه الآثار في مكة قبل ان نخرج منها، يعني من اول يوم تراه يتذمر من كل شيء، انا رواية واحدة اقرأها كي لا اطول عليكم، لنرى كيف اهل البيت عليهم السلام يؤدبون شيعتهم والذين نتشرف نحن بان نضاف الى مدرستهم، لم يجعلوا لنا مجال نتحجج ونتعذر ابدا، كل شيء جعلوا عليه اضاءات ونصبوا لنا عليه اعلام، قالوا سيروا من هنا كي تصلو للهدف، ابتعدوا من هنا، لان النهاية غير مرضية.

بعض آداب السفر

يقول الامام الصادق (ع): «المروة في السفر كثرة الزاد، وطيبه، وبذله لمن كان معك، وكتمانك على القوم سرهم بعد مفارقتك إياهم، وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله عز وجل»[2]

المروءة في السفر كثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك؛ ينبغي ان لا يشح الإنسان على نفسه، لا يبحث عن اسوء واضعف الحملات اداءاً، لابد أن يكرم نفسه في السفر، عندما ترى شخص جالس على شيء يأكل لا تزاحمه على لقمته وانت تحتفظ بأموالك في جيبك، هذا خلاف المروءة، قيمتك تسقط، المروءة في السفر كثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك، نعم انا ابتدئ بدعوة الآخر هذا من المروءة، لكن لا يعني هذا ان الآخر يتطفل، نحن نشاهد اليوم في بعض المساحات مع شديد الاسف حالة التطفل على موائد الآخرين، هذا خطأ، احياناً الطرف الآخر غير مستعد فيقع في حالة من الاحراج، اذا كنت تريد ان تصحب معك شخص أو شخصين عليك ان تخبره حتى يأخذ احتياطاته، الامور قد تكون معك بسيطة لكن مع غيرك لا، فمن حيث تريد الخير ينقلب الى شر والعياذ بالله، هنا مرحلة اولى، المرحلة الثانية اهم واخطر واصعب وهي:

وكتمانك على القوم سرهم بعد مفارقتك إياهم؛ في الاسفار قد تحدث بعض المشاكل مثلا الحملدار لم يوفق في بعض الأمور لكن لم يقصد هو الاهمال، مثلا طلب اللحم من الصنف الفلاني لكن تبين انه جاؤوا من صنف آخر فعليك ان تتحملها لا ان تصبح القضية الأهم في العالم الاسلامي! أو أمور من هذا القبيل أو مثلا زميل معك في الغرفة وضع نومه غير متعارف، أو صدر منه امر معين، فعليك ان تكتم هذه الأمور، لأن كتمانك للأسرار اهم من العمرة التي جئت لتأديتها، حفظك لكرامة المؤمن افضل من جلوسك عشرة ايام، أو عندما تذهب لزيارة المعصوم (ع) الأمر نفسه،‌ عليك ان تكتم أسرار المؤمنين وتحفظ حرمتهم، لأن قيمة المؤمن افضل من الذي قمت به، ذهبت وجئت وبذلت، ايها الاحبة حرمة المؤمن عند الله اعظم من حرمة الكعبة نفسها[3]، فيجب على كل واحد منا ان يحافظ على هذه الخصوصية هناك، خاصية ثالثة مهمة لكن ينبغي ان نقرأها بشكل صحيح يقول عليه الصلاة والسلام:

وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله عز وجل؛ عليك ان تمزح وهذا شيء جميل، لا تكون عبوساً قمطريراً مع زملائك في الغرفة او في السيارة او في فلان مكان، امزح لكن بأدب وعفة، مزاح فيه احترام وقيم الرجال، لا يصح من أجل ان امزح وأضحك الآخرين وادخل السرور على الآخرين، أكذب! نعم المزح مطلوب، البشر مطلوب، بذل الطعام مطلوب، لكن كل شيء في حدود ما يرضي الله سبحانه وتعالى، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا واياكم، ان يرزقنا واياكم الحج والعمرة، ان يرزقنا واياكم الزيارة للائمة الاطهار عليهم السلام ويسهل لنا قصدهم جميعا ان شاء الله انه على ذلك قدير، وفقنا الله واياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.