نص كلمة: من مكامن عظمة الإمام الحسن عليه السلام

نص كلمة: من مكامن عظمة الإمام الحسن عليه السلام

عدد الزوار: 866

2017-11-21

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1439/2/10هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

جوانب من مظلومية الامام الحسن (ع)

ما زلنا نتفيؤ ظلال شجرة الامامة المتمثلة في الحسن المجتبى (ع) هذا الامام العظيم السبط الاول لنبي الرحمة، الوليد الاول لعلي وفاطمة، رجلٌ في منتهى العظمة، وتقدم الكلام في الاسبوع الماضي في ذكرى شهادته عن بعض جوانب حياته الشريفة وما كان يكتنفها من المظلومية التي احاطت بجميع جوانب المشهد، الامام الحسن (ع) مظلوم بكل ما تحمل الكلمة من معنى؛ ظلمه خصومه حتى انتهى بهم المطاف ان جرعوه السم.

وحصل ظلم وتقصير من شيعته ومريديه، وهذا كان جراء اكثر من سبب وسبب، لكن أهم جانب كان هو قصور معرفتهم بمقام الامامة وما له من فرض الطاعة وهذا جانب مهم ويحتم علينا نحن اليوم ان نتعمق فيه وان نتعرف على مكامن العظمة في ذوات ائمتنا، في مقاماتهم، في مراتبهم ومنهم الامام الحسن (ع) الذي نعيش ذكراه.

جماعة أخرى لم يكن لهذا السبب وانما لعامل الخوف، والخوف كان وما زال ملازماً لمريدي مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) لذلك كانوا وما زالوا يدفعون الثمن غالياً والضريبة باهضة التكاليف، الا انهم يرون ذلك احلى من العسل المصفى ما دام في ذلك رضا لله سبحانه وتعالى وما دام في ذلك تشديد علاقة وادخال سرور على اهل بيت النبوة فهو احلى من العسل لديهم.

جماعة آخرون لا من هؤلاء ولا من هؤلاء وانما وقعوا في شرك التقصير؛ اذ كان بامكانهم ان يتعرفوا والموانع الاخرى كالخوف مثلا مرفوعة الا انهم لم يتحركوا في هذا الاتجاه من خلال طرق ابواب مدرسة المجتبى (ع) وهي مدرسة متشعبة متعددة الادوار، اصلا عندما يسلط الواحد منا الضوء على جوانب مدرسة الامام الحسن المجتبى (ع) يجد نفسه امام ظاهرة غريبة بين الاعلام الذين شرفوا هذا الوجود. الامام الحسن (ع) كونه مث‍‍ل الرابط الاول بين النبوة والامامة اعطاه تميزاً خاصاً وتقدم في الرتب فهو يمثل النبوة عن طريق فاطمة ويمثل الامامة عن طريق علي، فهو ملتقى النور بالنور هذا نتاجه.

أهمية تهيئة النفس لاستقطاب انوار الائمة عليهم السلام

 الذين قصروا في حق الامام الحسن (ع) لا زالت المسافة امامهم مختصرة والمساحة واسعة والاسباب مهيأة والموانع مرفوعة بان يطرقوا ابواب مدينته ويستفيدوا من نمير عطائهم (عليهم السلام) ومنهم الامام المجتبى يبتدئ منهم ولكن لا نهاية له، الله سبحانه وتعالى اراد لهم ذلك، فهم النور وعن نورهم انحلت العوالم وهم النور الذي يرفع ستر الظلمة في كل زمان وفي كل مكان، قد يقول قائل لكن الظلم موجود، الفساد موجود، الحسد موجود، الكذب موجود، الظلم موجود..، نعم هذا لا لان النور ليس موجودا وانما القابل لا زال ملوثاً ليست لديه القدرة في استقطاب ذلك النور الاقدس الصادر عنهم والا الارواح الشفافة الطيبة الطاهرة المصفاة لابد وان تكون محلا لاستقطاب ذلك الفيض المحمدي وهذا ما عاشه الخاصة ممن ركبوا سفينة محمد وآل محمد (ص) كسلمان وعمار وابوذر والمقداد والقائمة تطول .. والذين ايضا وضعوا ركابهم في ركاب الائمة بعد صحبة النبي وهم اكثر من ان يعدوا، الائمة (عليهم السلام) لا يوزعون على الناس او يفرغون على الناس ذهباً كما يفعل الحكام عبر مسيرة الانسان في هذا الكوكب وانما يفرغون على الناس الدرر التي متى ما تمسك بها الناس وفعّلوها في داخلهم فتحت لهم كل الابواب ومنها ابواب الارزاق ومنها ابواب السعادة العامة ومنها ابواب الجاه والقيمة ومنها ابواب العلم والمعرفة وهكذا..

رشحة من نمير عطاء الامام الحسن (ع)

هناك حديث شريف من مدرسته نستنير به، فيه من القيم والمبادئ التي حاول الامام المجتبى (ع) ان يثيرها في وسط الامة، يقول الامام الحسن (ع): «دخلت على أمير المؤمنين وهو يجود بنفسه لما ضربه ابن ملجم فجزعت لذلك فقال لي أتجزع فقلت وكيف لا أجزع وأنا أراك على حالك هذه فقال ألا أعلمك خصالا أربع ان أنت حفظتهن نلت بهن النجاة وان أنت ضيعتهن فاتك الداران يا بنى لا غنى أكبر من العقل ولا فقر مثل الجهل ولا وحشة أشد من العجب ولا عيش ألذ من حسن الخلق»[2]

لا غنى أكبر من العقل؛ اصلا اول مخلوق خلقته يد القدرة هو العقل، حينما استنطقه وقال له: «أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال:... إني إياك آمر، وإياك أنهى وإياك أعاقب، وإياك أثيب»[3]، طبعا ليس المقصود من العقل ان لا يكون الانسان مجنونا، قد يكون هناك انسان في الظاهر هو عاقل الا ان تصرفاته غير سليمة، هذا لا يعد عاقلا بالدقة التعريفية وانما هناك مسامحة في اطلاق لفظة العاقل عليه قد يكون هناك شخص عاقل لكن امواله يعطيها للسفهة من الناس، ينفقها في غير وجهها، أو يشكل علاقة مع أناس مشبوهين ومنبوذين في اوساط الامة، أو يترك الامور في أسرته أو مع ابنائه دون رقيب ودون حساب، هذا الشخص وان كان في الظاهر هو عاقل لم يصدر منه فعل من أفعال المجانين كضرب الناس في الشارع،‌ نعم هذا الحد من العقل موجود عنده لكن العقل الذي يرتب اوراق الحياة الكريمة الشريفة العزيزة التي يتشرف الانسان اذا ما اضيفت اليه غير موجودة عنده، لانه ليس كل عقل يصل الى تلك المرتبة، لذلك الامام يقول هذا اغنى شيء، قد يكون الانسان غني ولديه رأس مال لكن ليس له عقل ما الفائدة، فالعقل هو الغنى الاول.

ولا فقر مثل الجهل؛ الانسان الجاهل كلما اردت ان تعدله ينقلب، والمشلكة احيانا تكبر عندما يصبح الجهل مركبا أي هو جاهل ويجهل انه جاهل، واذا به يريد أن يملي على المراجع وقيادات الامة وعلمائها وكبار القوم وشرفاء المجتمع لا لشيء الا لانه يجهل بما هو عليه من الجهل، فهذه كارثة وطامة كبرى، هذا هو الفقر الواقعي، والا الانسان الذي لا يملك الدراهم هذه درجة من درجات الابتلاء والامتحان، الفقير لا يلام على فقره، لكن الجاهل الذي يجهل انه جاهل ويتحرك في لباس العالم هذا يلام.

يقول عليه الصلاة والسلام ولا وحشة اشد من العجب؛ العجب أيضاً له اسبابه: احيانا الدنيا تخلق عجب، احيانا العبادة تخلق عجب، احيانا الطاعة تخلق عجب، العلم يخلق عجب، العائلة تخلق عجب، الموقع والقيادة ايضا يخلق العجب، لذلك الانسان عندما يكون قريب من واقعه ويكون عارفا بحدود ذاته يبث جوا من الراحة هو يعيشه ويعيشه الآخر شريكا معه وهذا هو المطلوب والا فالمال يأتي ويذهب كم كان من الناس اغنياء واصبحوا فقراء وهناك شواهد كثيرة في حياتنا اليومية، نحن رأينا أناس وصلوا من حالة العدم الى حالة الثراء الفاحش صار لا يسلم على أحد وترك كل اصحابه واستبدلهم بنسخة جديدة (مثل ما يعمل ببرامج الكمبيوتر!) نسى انه كان يجلس مع فلان او كان يزور فلان أو كان يعمل مع فلان ويخرج رحلة مع فلان و... أصبح اليوم لا يشرفه ذلك، واذا بالدائرة تدور، صار يبحث على اصحابه الاصليين! هؤلاء ذهبوا، كيف يمكن ان يزرع الثقة بينهم، هذا الامر صعب جدا.

يقول الامام (ع): ولا عيش ألذ من حسن الخلق؛ أحيانا الانسان يدخله العجب من عبادته يعجب بصلاته مثلا، الشيخ عباس القمي رحمه الله صاحب كتاب «مفاتيح الجنان» والكل يعرف هذا الرجل ويعرف هذا الكتاب القيم وكم لهذا الرجل من الاجر العظيم، وكل من قرأ دعاء أو زيارة من هذا الكتاب فان له من الاجر الكثير، كثير من الناس قد كتبوا الكتب لكن كتاب مفاتيح الجنان صار يتناقله الناس، لان الشيخ عباس القمي رحمه الله صقل نفسه وهذا الكتاب هو عبارة عن مرآت لذاته المقدسة، فهذا الرجل العظيم انتقل الى مشهد في فترة من الفترات وصار يصلي في مسجد گوهرشاد وكانت الصفوف تصطف ويتقدمهم العلماء والمجتهدين للصلاة في يوم من الايام تأخر الشيخ دقائق وعندما جاء واراد الدخول قام في وجهه الناس ترحيبا، فتوقف الشيخ عباس ثم ادار ظهره وانصرف، وعندما سألوه الى أين شيخنا؟ قال دخل في نفسي من هذه الوقفة شيء من العجب يتنافى مع مقام العدالة في امامة الجماعة! لكن انظروا اليوم الى اين صارت الأمور! فلان يصلي جماعة يأتي الآخر ويقول لماذا انا لا اصلي بالناس جماعة نحن في مستوى واحد درسنا معاً ونحن من بلدة واحدة ونحن ... الحساب ليس هكذا لا يمكن ان تفرض شخصا على الناس، الناس هي التي تفرض، الامام الحسن (ع) يقول بان حسن الخلق هو اهم شيء، حسن الخلق يعني ماذا يعني الصدق مع الله الصدق مع النفس الصدق مع الناس اذا حصلت هذه الابعاد الثلاثة فانت في منتهى الخلق المنعوت ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[4] الله لم يطلب من النبي (ص) كثرة العبادة، بل بالعكس خاطبه: ﴿طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى ﴾[5]؛ ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾[6] لكن بالنسبة للخلق خاطبه بانه على خلق عظيم، وفقنا الله واياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.