نص كلمة: من حكم الإمام الجواد عليه السلام في مسجد العباس بالمطيرفي

نص كلمة: من حكم الإمام الجواد عليه السلام في مسجد العباس بالمطيرفي

عدد الزوار: 2670

2015-09-20

شهادة الامام الجواد (ع) ليلة الثلاثاء الموافق 30/11/1436

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على اشرف المرسلين محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

عظم الله أجورنا وأجوركم بالإمام الجواد باب المراد (ع) بلغنا الله وإياكم شرف الوصول والشفاعة على يديه إن شاء الله.

 

الامام الجواد (ع) والبشارة بمولده الشريف

الإمام الجواد (ع) في حياته شكل انعطافة عظمى عاشتها الأمة عامة، وأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام بصورة خاصة، الإمام الجواد (ع) بشّر به ـ أي بمولده ـ وعلى لسان أكثر من معصوم؛ منها ما جاء على لسان أبيه الكوكب الثامن من كوكبة الإمامة الإمام الرضا (ع) عندما قال لأحد أصحابه وهو الحسين بن بشار: «والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولدا ذكرا يفرق به بين الحق والباطل»[2] وهو قسم من الإمام (ع) وقسم الإمام مبرور، الإمام الجواد (ع) جاء بعد ان نشأت مجموعة من الفرق التي تحسب نفسها على مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) جراء تقلبات سياسية من جهة وعدم وضوح الرؤيا في الجانب العقدي من جهة ثانية، الإيمان عند الإنسان ربما يكون في دائرة الاستعارة، اي الإنسان يعار إيمانه لفترة ثم يؤخذ ويسترد منه لعوامل كثيرة، وفي كل هذه العوامل الإنسان يشكل فيها المحورية والسبب الأول، مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ومن خلال مجموعة من المحطات نزل فيها أشخاص تنكبوا الطريق وسرعان ما تبعهم جماعةٌ فتشكلت فرقة، تشكّل الفرق الضالة في وسط الأمة أمر سهل، حيث ما من راية رفعت إلا ولها أعوانها، سواءٌ دعت للحق أو دعت للباطل، لكن إصلاح العوج، إقامة الأمت، تصحيح الانحراف هذا الذي يحتاج إلى الشيء الكثير، هنالك جهود كبيرة صبها الأئمة (عليهم السلام) في سبيل ان يصححوا المسيرة وان يقوّموا الاعوجاج الذي وقعت فيه بعض المجاميع ممن يحسبون على مدرستهم.

الامام الجواد (ع) مدار الحق

من المحطات التي توقف عندها كثيرون هي إمامة الإمام الجواد (ع) أولا لم يعلم ان للإمام الرضا (ع) ولد، هذه من جهة، الجهة الثانية عندما ولد للإمام الرضا (ع) هذا الولد وبعد سبع سنوات الإمام الرضا (ع) يلتحق بالرفيق الأعلى، الإمام الجواد (ع) يصبح إماماً يحدث نقلة نوعية في وسط أتباع المدرسة الحقة لأتباع أهل البيت (عليهم السلام)، الإمام الجواد (ع) بما أوتي من ملكات والتي اودعها الله سبحانه وتعالى فيه استطاع ان يذلل الكثير من الصعاب وان يسترجع الكثير من الذوات التي تنكبت الطريق ومن الجميل لو يسلط الضوء بالقدر الكافي على ما ترتب على الإمامة التي نهض بأعبائها الإمام الجواد (ع) في فترته القصيرة المحدودة مع تلك الحالة من الضياع والشتات والتشرذم في الكثير من أطراف أتباع هذه المدرسة لوقف على سيرة إنسان لا يستغربها عندما يقرع سمعه الرواية المشهورة: «لم يولد في الاسلام أعظم بركة منه»[3]، هذا الامر ليس بالهين، لذلك جاء التعقيب في الحديث يفرق به بين الحق والباطل، في الحديث اشارة الى ان الأوراق كانت مخلوطةً إلى حد يصعب التمييز بين ما هو في دائرة الحق وما هو في دائرة الباطل، الميزان والمعيار هو ما نهض به الإمام (ع)، ما سطره الإمام (ع)، ما أفرغه من علوم في كل باب وفن من فنون العلوم والمعارف، هناك أحاديث وردتنا تقول: «كنا نسبر أولادنا بحب علي بن أبي طالب، فإذا رأينا أحدهم لا يحبه علمنا أنه لغير رشدة»[4] هذا كان في مرحلة من المراحل في مرحلة اخرى أيضا التمسك بولاية الإمام الجواد (ع) في ذلك البحر الخضم المضطرب من المشاكل والمصاعب كان الميزان والمعيار في التفريق بين المسارين هو التمسك بولاية هذا الإمام العظيم.

مفهوم العزة عند الامام الجواد (ع)

الإمام الجواد (ع) أعطى كثيرا لكن حديث من مدرسته نهتدي به ونجعل هذا الحديث الشريف عبارة عن مصباح نستضيء به في طريق حياتنا خصوصا ونحن في هذا الزمن الصعب، يقول (ع): «عز المؤمن غناه عن الناس»[5] هذا الحديث لا يدعو للقطيعة بين الناس لان الناس بالناس والأرواح تتجانس فيما بينها لكن المعزة تكمن فيما هو المحذور اي المضاف المحذور ان تستغني عما في أيدي الناس فذلك هو العز الذي لا يتاخمه ذلٌ، العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، مبدأ لكن الإنسان يفرط في الكثير من الاحايين في هذه القيمة بهذا المفهوم الكبير الطويل العريض ألا وهو العزة إذا تخلى الإنسان عن عزة نفسه هان عن الناس أصبح كما يقول الناس سور هابط كل من يأتي يتسوره، في حين على الإنسان ان يعيش متوازنا في أخذه وعطائه، في استقباله وتوديعه، حتى إذا بدرت لك حاجة فضعها في موضعها، افترض ان إنسان وبسبب تقلبات الدهر حصلت له الحاجة، لكن لا تجعل من تلك الحاجة مبررا في ان تقف على من يستحق وعلى من لا يستحق، لان عاقبة ذلك هي الإذلال، تراه يشير لك في كل مجلس ويغمز ويلمز، لأنه ازدى لك جميلا، لأنه ازدى لك معروفا، لماذا؟ لان الصنيعة والمعاطات بادئ ذي بدء لم تكن مع الله سبحانه وتعالى وإنما كانت من الإنسان للإنسان، زمننا يعج بالمشاكل في مثل هذه الدائرة وربما يعطيك ربما يقدم لك ولكن أشبه ما يكون بفخ ينتظر الطائر في يوم من الأيام، لذلك الإمام الجواد (ع) يريد منا ان نرجع إلى الثابت الأول ألا وهو ان الله سبحانه وتعالى أعطى للإنسان معزة، كرامة، قيمة ليس من حق الإنسان ان يفرط فيها بأي وجه من الوجوه وإنما عليه ان يحافظ عليها.

عظمة حرمة الانسان المؤمن

 لاحظوا الحديث الشريف الذي جاء عن امامنا الصادق (ع) يقول «المؤمن أعظم حرمة من الكعبة»[6] الان عندما يحدث شيء في الكعبة ترى الدنيا تقوم ولا تقعد، لكن ان يتحول الناس عامة والمؤمنون خاصة إلى حالة من السحت الأمور تكون طبيعية وكأن شيء لم يكن لا ترى شاجب ولا مستنكر، في حين ان حرمة المؤمن وكرامة المؤمن وقيمة المؤمن عند الله سبحانه وتعالى أعظم من حرمة الكعبة، فإذا أعطاك الله هذه العظمة وهذه القدسية وهذه الكرامة ﴿و لَقَد كَرَّمنا بَنى ءادَمَ[7] على الإنسان ان يحافظ عليها، لا ينبغي ان يحافظ الشخص فقط على أمواله، أو فقط يحافظ على بيته، بل لابد له ان يحافظ على هذا القيمة والعزة المقدسة التي لا تتيح له مجال ان يستعلي على الناس.

التعاطي الصحيح مع مفهوم العزة

لا يأتي شخص ويقول السيد قال لي كن هكذا لأنك لابد ان تكون عزيزاً، لان الإمام الجواد يقول هذا، العزة مبدأ ديني أساس، العزة لك من الله، العزة لك من الرسول (ص)، العزة لك من محمد وآل محمد (عليهم السلام)، لكن هنالك شيء لابد وان يلتفت له وهو ان هذا لا يعني ان لا ترى للناس من قيمة، إذا أحببت ان يحترمك الناس فعليك ان تحترم الناس، أنت أول قدم الاحترام لهم بعد ذلك هم سوف يحترموك، لا أن تفرض عليهم الاحترام، احترم تُحترم، أنت ابدأ بالاحترام، بالتقدير حينها سيقابلك الناس بذلك، إذا تمت لك هذه القاعدة وهذا الأساس وقتها تحرك حيث شئت، لأن العاصمة هو المنطلق الأول؛ العزة التي أثبتها الله لك، فالمعاملة مع الله تدوم، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا وإياكم ممن يعيشون العزة في أنفسهم ويتعاملون على أساس من الاحترام المتبادل مع إخوانهم، والسلام على الإمام الجواد وعلى آبائه وأبنائه المعصومين سلام الله عليهم أجمعين، ورزقنا الله وإياكم الزيارة في الدنيا والشفاعة في الآخرة.

نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يعرف بين روح هذه المتوفاة السعيدة وبين أوليائها الطيبين الطاهرين، لروحها ولأرواح المؤمنين كافة، رحم الله من قرأ الفاتحة مع الصلوات على محمد وآل محمد.