نص كلمة:مكانة العالم في وسط الأمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
ورد في الحديث الشريف عن النبي الأعظم محمد (ص) انه قال: «عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه ذهاب أهله»[2].
العالم وأثره في المجتمع
من الواضح الجلي ما للعلم من أهمية في وسط الأمة وفي وسط المجتمع، المجتمع إذا تواجد حملة العلم بين جنباته ينمو في معارفه وثقافته وأدبه وسلوكه، على العكس من ذلك المجتمعات المتصحرة من هذا الجانب ومن هذه الناحية، فإنها تعيش الغلظة، أصلا أمورها لا تكون مرتبةً، العالم في حد ذاته وجوده بركة، لأنه يؤمّن الطريقة بيننا وبين عوالم الآخرة التي تنتظرنا ولابد من يوم فيه نرحل إلى تلك العوالم، وقتها نحن وما قدمنا، إن خير فخير وإن شر فشر، العالم إذا كان موجوداً في المجتمع اشراقاته، هديه، بيانه، عاصميته للمجتمع تكون حاضرة وثابتة، هنالك مجتمع لا يحظى بهذه الخاصية بمعنى أنها سالبة بانتفاء موضوعها، أصلا لا وجود لعالم فيها لا بمكونه المادي ولا بالروح المعنوي.
غربة العلماء في بعض المجتمعات
ولكن هناك أيضاً مجتمع فيه أمثال هؤلاء العلماء في أوساطه إلا أنهم يعيشون الغربة، أو كما يقول المولى الامام علي (ع): «عالما ضاع في زمان جهال»[3]، ونحن نعلم أن الجهل يقود الانسان إلى مطبات وحفر كثيرة فيصبح العالم مهجورا كما ان القرآن يهجر: «ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل :مسجد خراب لا يصلي فيه أهله وعالم بين جهال ومصحف معلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه»[4] فأحد الذين يشكون إلى الله هو هذا العالم الذي يعيش في الغربة فيما لو كان في وسط الجهلاء، وهذا الجاهل لا يعي ما يقوله العالم ولا يدركه ولا حتى يحاول ان يتفهمه، أصلا هو لا يريد ان يستوضح الامور، يعني هو يسمع ولكن لا يريد ان يستوضح، ثم هناك داهيتان: داهية ان يكون جاهل ولا يلتفت انه جاهل ويحافظ على تلك السمة من الجهل وكأن العالم ليس في وسطه، طهارته غير صحيحة، صلاته، واجباته الشرعية، العرفية، الاجتماعية علاقته مع الله لا ينظمها من خلال عالم الدين، هذا لون، وهناك لون آخر وهو ان هذا يسأل أو يسمع في المجلس، يسمع في المسجد، يسمع في الحسينية، يسمع في الشارع، يسمع في المدرسة، في الاستراحة، في العمل وهكذا.. يسمع ولكن لا يفهم ما يقال ولا يرتب الآثار على فهمه، حال أنه لا نسبة ولا تناسب بين ما قيل وما تمَّ فهمه أو تناقله فهذه هي المشكلة.
آل محمد عليهم السلام؛ الأطباء الذين احكموا مراهمهم واحموا مياسمهم
سادة العلماء هم عبارة عن محمد وآل محمد (ص) وهم بمثابة الأطباء الذين احكموا مراهمهم واحموا مياسمهم[5]، كلنا يذهب إلى الطبيب عند اقل إصابة بمرض، يعني مثلا اذا شخص اصابه مسمار يهرع الى الطبيب، لأنه يخاف ان يتسمم بدنه، لكن لماذا لا نقول له اذهب الى الطبيب الروحي والعالم الديني قبل ان يتسمم دينك، عقائدك، ضوابطك، سلوكك، عبادتك!؟ لماذا تأتي بعد عشرين أو ثلاثين أو اربعين عاما من العبادة وإذا هي هباء منثوراً: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾[6]، لأنه لم يستفاد من هذا النور الذي الى جانبه، النبي الأعظم محمد (ص) كان يبدأ اصحابه بالكلام لا أن يبين لهم وإنما كان يحضر مجالسهم ويحضرون مجالسه، وإلا لما وصلت إلينا السنة المطهرة ولولا السؤال لم يحصل جواب وعندما لم يحصل جواب يعني أن مجموعة من القضايا لا يكون لها تأسيس، الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم نفس الكلام، تعدد ادوار ولكن وحدت هدف، الإمام علي (ع) له دور ولكن الهدف هو ذلك الهدف، الإمام الحسن (ع) له دور ولكن عين ذلك الهدف، الإمام الحسين (ع) له دور وهو ذات الهدف إلى آخرهم الخلف الباقي من آل محمد (ص) نفس الهدف، هدف الإمام الحجة هو عين الهدف، وهو ذلك الشعار الذي رفعه الإمام الحسين (ع): «أني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»[7]، هدف واحد، غاية واحدة وهو السمو في الانسان، لأنه اذا سمى الفرد يسموا المجتمع، وإذا سمى المجتمع تسموا الأمة وترشد وهكذا الأمور تسير معنا.
العلماء الأتقياء هم ورثة الائمة عليهم السلام
في زمن الغيبة الامناء على الامة هم علماؤها الأتقياء العدول اصحاب القدرة على تحريك آليات الاستنباط والبحث في مواردها، في تأمين الحاجة، فكما ان اطباء الأبدان يجهدون في سبيل استخلاص مراهم للأبدان فكذلك علماؤنا يصلون ليلهم بنهارهم في سبيل استخلاص مستحضر من الاحكام الشرعية لسد هذا الخلل، نحن لا ندري أي جهد يبذله علماؤنا في سبيل هذا الأمر، يعني هذا يأخذ من أجسادهم، يأخذ من راحتهم، يأخذ من اعمارهم، يأخذ من علاقاتهم مع اقرب القريب منهم، ليس الأمر بسيطاً وهيناً، البعض منهم في كتاب واحد يعطي من عمره عشرين عاما! بل أن أحد العلماء يقول أنا أعطيت من عمري من أجل راوي خمسة عشر عاما ولم أكن متأسفا في لحظة من لحظات حياتي على ذلك، يقول لان هذا يؤمّن الطريق، هذا هو حال علماءنا. طبعا مراجع الأمة، قادة الامة، كبار العلماء في وسط الامة هم الطليعة لكن لا يعني نهاية الدور هنالك أيضا دور مناط بمن هو دونهم في إيصال رسالتهم وبيان احكامهم وتوضيح روآهم وتقديم الافكار التي اجهدوا أنفسهم في سبيل استنارة طريق الأمة من خلاله، من الذي يقوم بهذا الدور هل المرجع نفسه؟ الذي يقوم بهذا الدور هم العلماء من دونهم، الخطباء، الكتّاب، المحاضرون هؤلاء الذين يقومون بهذا الدور، ممن له أقدام راسخة في باب العلم والمعرفة.
وقفة قصيرة عند المرحوم السعيد آية الله السيد طاهر السلمان رحمة الله عليه
العم المرحوم الفقيد السعيد آية الله سيد طاهر السلمان رحمة الله تعالى عليه الذي فقدناه قبل أيام هذا من الذين يقبض العلم بقبضه، لأنه يملك في داخله القدرة على تحريك العناصر في استنباط الاحكام، يعني مجتهد، يعني عالم مسلّم، نعم قد يأتي شخص ويكتب أو يعرّض أو يتكلم ويقول ماذا رأينا منه؟ ليس الأمر دائماً يرجع الى العالم، انت لماذا لا تقوم بدورك؟ لماذا لا تلعب الدور المتناسب معك، انت في استحضار العالم، في الاقتراب من العالم لماذا لا تقوم بدورك؟ الذين خرجوا لتشييع سماحة السيد وحضروا مراسم العزاء مأجورين مشكورين وهذا تكريم للعلماء والعلم، لكن هل ذهبت له في يوم من الايام لاستجلاء امر أو لبيان حكم أو ... هذه المنطقة كم أنجبت من العلماء الفحول، صحيح أنهم لم يتصدوا للمرجعية في الآونة الأخيرة (أي الخمسين أو الستين عاما الماضية) لكن هذه الفترة لم تكن عقيمة لمن له الأهلية للتصدي لشأن المرجعية لكن تقواهم وورعهم وعفتهم وخوفهم على دينهم حال دون ذلك وهذا شيء آخر، لكن الامة أيضا لها دور ولها تكليف، فبالنتيجة هذا السيد الجليل غادر وترك مساحة وفجوة كبيرة، فكيف تسد الخلة، انا اقول لكم وجود العالم لا ينحصر فقط عندما يتكلم، نعم عندما يتكلم فهذا نور على نور، لأنه بالتالي وكما يقول أمير المؤمنين علي (ع): «تكلموا تعرفوا»[8] لكن لو لم يتكلم هذا العالم فهل يكون عديم الفائدة كما يقول البعض!؟ طبعا لا، لأن مجرد وجود العالم إذا كانت في مثل قيمة هذا الرجل العظيم رحمة الله تعالى عليه لها قيمتها، لها أثرها حتى رجال الدين الذين دونه في العلم لوجوده يوجد حالة من العاصمية في عدم التجاوز والذهاب الى البعيد، يعني الأبن أمام أبيه لا يقوم ببعض الأعمال احتراماً لأبيه، أو الطالب لا يقوم ببعض الأعمال مقابل الاستاذ في المدرسة ولكن عندما يخرج من المدرسة يقوم بما يريد ان يقوم به، نفس الشيء طالب العلم إذا أمن هذا الجانب يذهب إلى البعيد.
كيفية انتزاع العلم من الأمة
رواية أذكرها وأختم بها حديثي، قال رسول الله (ص): «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا»[9]
إن الله لا يقبض العلم انتزاعا؛ يعني ان الله لا يأخذ العلم وانما يأخذ الواسطة، أي هذا الحامل للعلم والمعرفة، فعندما يأخذه من وسط الأمة فكيف يصبح حال العلم!؟ لأن العلم ليس قالباً حسياً حتى نرفعه من هنا ونضعه هناك وانما هو قالب معنوي في داخل قالب مادي وهو العالم الذي هو هذا الرجل وهذا الانسان الذي هو زيد، عمر و...فعندما يرحل يذهب العلم معه، الآن مثلا لو تطلب شيء أو حكم أو توجيه من سماحة السيد رحمة الله عليه او من الذين ذهبوا هل تحصل على شيء؟ ذهب العلم أو كما يقال ذهب العالم مع علمه.
إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء؛ العالم عندما يموت فهل ان العلم يبقى في بيته أم يرحل معه؟ الأموال تورث وتقسم، البيوت تقسم، المزارع تقسم .. لكن هل أن العلم يقسّم؟ هل رأيتم ناس مات ابوهم العالم جاؤوا الى قبره وقالوا لنقسّم علمه بيننا؟!
حتى إذا لم يبق عالم؛ المقصود هو العالم لا أي شخص يدعي العلم، اتخذ الناس رؤساء جهالا؛ أصبح الآن يستبدلون العالم الكبير بجاهل ينسبون اليه العلم بناءاً على النسبة، واحيانا بناءاً على التلمذة أو ... هذا موجود في مجتمعاتنا.
فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا؛ لانهم لا يدركون علم آبائهم واجدادهم وعلمائهم، فما كانت النتيجة، فضلوا وأضلوا، فرحم الله العلامة آية الله السيد عرّف الله بينه وبين أجداده، وأنا أقول لكم وقلتها أيضاً في جامع الامام الحسين (ع) ان هذه العائلة الشريفة أي عائلة آل السلمان الذي انتمي اليها واعتز بهذا الانتماء لا زالت ولود ولديها القدرة على إنجاب الكثير من العلماء ولنا في الخلف الموجود من العلماء وعلى رأسهم مجموعة من منظومة علمائنا الكبار ومن دونهم ان يؤمّنوا استكمال المسير والحفاظ على ذلك، لان هذه العائلة واقعاً ومنذ اكثر من مائتين عام دائرة العلم تدور في فلكهم، منهم مراجع، منهم فضلاء، منهم اساتذة، ومنهم من وضعوا حجر اساس الحوزة وقاموا بالرعاية لها من زمن السيد هاشم رحمة الله عليه يعني منذ تأسيسها والى اليوم، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يحفظ الحوزة وان يأخذ بأيدي العاملين فيها للأخذ الى ما هو الأفضل لتكون واحدة من الحوزات الكبرى المنافسة ان شاء الله وليس ذلك على الله بعزيز لروح فقيدنا الكبير سماحة الآية ومن مات من علمائنا ومراجعنا البررة الاتقياء ولوالديهم ولوالد من مات على ولاية علي (ع) الفاتحة مع الصلوات.