نص كلمة :مكانة السيدة المعصومة عليها السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
﴿ اِنّا اَعطَينـٰكَ الكَوثَر * فَصَلِّ لِرَبِّكَ و انحَر * اِنَّ شانِئَكَ هُوَ الاَبتَر﴾[2]
اسعد الله ليلتنا هذه وباركها علينا وعليكم في ذكرى ميلاد كريمة آل محمد السيدة المعصومة (عليها السلام) رزقنا الله وايامكم زيارتها عاجلا وشفاعتها يوم القيامة، ان شاء الله.
في بيان معنى الكوثر
تعددت الآراء في بيان معنى «الكوثر»؛ البعض قال بان المراد من الكوثر في هذه السورة هي السيدة الزهراء سلام الله عليها بنت النبي الاعظم محمد (ص) ويساعد على ذلك مفاد المعنى اللغوي، حيث ان معنى الكوثر منتزع من الكثرة، وان من الزهراء سلام الله عليها انتزع النسل الكثير المرتبط بواسطتها وعلياً بالنبي الأعظم محمد(ص)، ابناؤها يصعب العد والحصر لهم، تفرقوا في جميع البلدان جراء ما جرى عليهم ولاحقهم من الظلم والجور عبر السنين والقرون، لكن ما حل واحدٌ منهم الا ومعه بركاته تفيض على جوانب المكان الذي يتشرف بنزول نسمة من تلك النسمات الطاهرة، هذا بشكل عام كيف اذا كانت السيدة المعصومة سلام الله عليها هي التي تحط الرحال، فاطمة المعصومة بنت الامام، أخت الامام، عمة الامام، العالمة، المحدثة، العابدة، الناسكة الشجاعة الحكيمة الكريمة ...
ألطاف وبركات السيدة المعصومة على مدينة قم وأهلها
السيدة المعصومة بعد وصولها لمدينة ساوة جرت تلك الاحداث الدامية التي قام بها النواصب الذين ينصبون العداء لأهل البيت عليهم السلام من قتل من كان معها فاضطرت الى الخروج من تلك المنطقة والاتجاه نحو مدينة قم المقدسة، شيخ مشايخ قم الشيخ موسى الاشعري رحمه الله خرج لاستقبالها خارج المدينة ومسك بزمام ناقتها حتى انزلها في بيته المسمى اليوم بـ «بيت النور» في منطقة «جهار مردان»، السيدة المعصومة سلام الله عليها لها بركاتها وفيضها ولطفها على كل من اقترب الى حضرتها عارفا بقدرها وهنا بيت القصد، لا يكفي ان نعتقد اعتقادا ساذجا فيهم عليهم الصلاة والسلام، بل علينا ان نتعرف على المقامات والرتب التي رتبهم الله فيها ووضعهم فيها حتى نحسن التعامل معهم، هم خلفاء الله في ارضه، هم سادة البشر، هم مجرى الفيض واللطف الالهي في هذا الوجود ولو خلت منهم الارض لساخت باهلها[3] لذلك ابقى الله ذخيرته للبشرية وهو الخلف الباقي من آل محمد (ص)، في مدينة قم المقدسة فيوضاتها واضحة، جلالة قدرها واضحة، لا يعرفها ويعرف شأنها الا الصحابة المقربون من الائمة الصادقون الصديقون لا جميع الصحابة على الاطلاق، فكما اننا نميز بين صحابة النبي (ص) كذلك نميز بين اصحاب الائمة، كما ان هناك يوجد الغث والسمين، هنا ايضا يوجد الغث والسمين، هنالك من طردهم الرسول وهنا من لعنهم الائمة، أي بعض الذين كذبوا عليهم، لكن النخبة والصفوة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه من الوفاء بالميثاق لهم هؤلاء هم الذين يأخذون بأيدينا للتعرف على حقائق المعصومين والذين يلونهم رتبةً.
سيرة وأدب العلماء عند زيارتها
ما دخل مدينة قم عالم الا وطأطأ بهامة رأسه امام ضريحها المقدس وفي ذلك دلالةٌ واضحة على ما لها من المقام والمنزلة، من شيوخ المحدثين ايام الشيخ الصدوق ومن جاء بعده، الى زمن الاقطاب وارباب المدرسة الاصولية كالميرزا اسماعيل الگيلاني (رضوان الله تعالى عليه) الى ارباب الفلسفة وسادات المقام في الحكمة المتعالية كصدر المتألهين، امام الفلسفة، او ارباب التفسير كالعلم السيد الطباطبائي (رضوان الله تعالى عليه) فيلسوف الشرق، كان يأتي منحنياً اجلالاً وإعظاما لمقامها، ولما فتح الله على السيد الامام (رضوان الله تعالى عليه) الفتح الكبير جاء ليصلي ركعتين بعد اداء الزيارة في حالة من الخشوع والتبتل! رجلٌ قامت الدنيا ولم تقعد من أجله والى يومنا هذا يقف وقفة ذلك الانسان المتصاغر! لماذا؟ لأنه يعرف من تلك الكريمة المودعة.
حوزة قم؛ فيض من فيوضات السيدة المعصومة (عليها السلام)
من فيضها وفيوضاتها هذه الحوزة العلمية الكبرى التي احتضنت الاعلام وخرجت الكبّار من الفقهاء والفلاسفة وارباب العرفان والسير والسلوك والقائمة طويلة ... حط آية الله العظمى الشيخ عبدالكريم الحائري رضوان الله تعالى عليه رحله فيها بعد اصرار من اهلها قبل قرابة قرن من الزمن ليتولى امور هذه المدينة في جانبها العلمي، بعدها تقاطر اليه الاعلام والمجتهدون من جميع اطراف مدينة قم ونواحي ايران ليستفيد من منبره، لماذا؟ لأنه يحمل بين جنباته العلوم من خلال مدارس كبرى ثلاث هي: النجف الاشرف، سامراء وكربلاء المقدسة، تقلب على ايدي الاقطاب في هذه المواقع العلمية الكبرى الثلاث، عصارتها افرغها في قم على آذان واعية ونفوس متوجه تنشد الحقيقة وترغب في التقدم والتطور، ثم جاء السيد البروجردي مرجع الطائفة بلا منازع في عصره الذي اتحدت المرجعية بعده في الامام الحكيم رضوان الله تعالى عليه بعد ان كان متقدما فيها أي السيد البروجردي، تتلمذ على يديه اعلام، تخرجوا على يديه، اصبحوا سادة العالم وزعماء المرجعية والحوزة كآية الله العظمى السيد الگلبايكاني الذي رجع اليه ابناء هذه المنطقة الطيبة باهلها تقليدا وآية الله العظمى الشيخ الاراكي والهاشم الآملي والخونساري والقائمة تطول...
الدراسات التخصصية في حوزة قم المقدسة
من قم شذراتٌ الى اليوم يحج اليها العارفون تقدمت في الفلسفة أي الحكمة والعرفان في ابعاده النظرية والعملية العبادية وتقدمت ايضا في التفسير فلا تجاريها حوزة من الحوزات العلمية، كيف لا وتفسير الميزان (للسيد الطباطبائي) وتفسير الامثل (للشيخ مكارم الشيرازي) يفرضان واقعهما على المشهد بكله، قم بهذه السيدة، ومن خلال فيوضاتها وصلت الى ما وصلت اليه، فيها يدرس اكثر من اتباع مائة جنسية في العالم، فيها ما يلامس مائة الف طالب علم، تجري الآن فيها دراسات تخصصية على خلاف ما كان المألوف سابقا اذ كان يدخل الانسان الى الحوزة بقدراته في هذا الموج المتلاطم من العلوم والمعارف حتى لا يشخص ما هي الميول والرغبات والقوة الكامنة في داخله لذلك يقطع السنين الطوال ثم يعود الى اهله دون ان يصل الى نتيجة! لأنه لم يكتشف قدراته الذاتية وهذا الشيء يصدق في سائر شؤون الحياة أي كل واحد ما لم يكتشف الموهبة في داخلة النهاية ستكون واضحة والنتيجة لم تكن بالمستوى المطلوب، الآن يوجد في الحوزة دراسة تخصصية! تصوروا اعطوا للفقه تخصص في التخصص، الم يحصل عندنا اليوم في عالم الطب هذا الشيء! سابقاً كان الطب عام ثم تحول الى تجزأت الاجسام، اليوم تحول الى تجزأة الجزء، واما الآن فقد تحول الى تجزأت جزء الجزء يعني مثلا عندما تكون هناك مشكلة في عين شخص ما، يذهب الى المتخصص لجزء جزء العين، في حوزة قم التخصص اليوم أصبح في جزء الجزء لا في مطلق العلم، وهذا يعني التركيز وبذل الجهد في الجهة الذي تتوجه اليه البوصلة كما ينبغي متناغما مع قدراته الداخلية، لذلك نرى الابداع موجودا ونتائجه واضحة، وهناك الآلاف من الرسائل بمستوى الماجستير والدكتوراه مكتوبة وتم مناقشة الكثير منها، آية الله العظمى الشيخ اللنكراني رضوان الله تعالى عليه له مجمع فقهي يعنى في هذا الجانب لا يدلف الى اروقته الا المتخصص على حساب التخصص في جزء الجزء. نسال من الله سبحانه وتعالى ان يكتبنا وإياكم من الزائرين لعتبة السيدة الطاهرة المعصومة سلام الله عليها عاجلاً وأن يهوّن بعض الامور التي تعيق دون الوصول اليها إن شاء الله وان يجعل الامة الاسلامية في أحسن حالها، ويدفع عنها مؤامرة الاعداء الذين يريدون بالإسلام وبالمسلمين من شرق الارض الى غربها السوء، نسأل من الله سبحانه وتعالى ان ينبه المسلمين من نومتهم وغفلتهم ليلتفتوا لما هم عليه لتكون الاحوال احسن مما كانت عليه ان شاء الله وذلك ليس على الله بعزيز التفاتة بسيطة من الله تكفي، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يمن علينا بلطفها في ان نصل الى عتبتها الطاهرة، ورزقنا الله واياكم ان شاء الله في القيامة شفاعتها، هناك اكثر من رواية تقول بان «من زارها عارفاً بحقها فله الجنة»[4]، طبعا الحديث عن السيدة المعصومة حديث طويل وانها تشبه أمها الزهراء في كل شيء الا العصمة! نسال من الله تعالى ان يرحم موتانا وموتاكم، وان يشافي مرضانا ومرضاكم، ويدفع البلاء عنا وعنكم، ويجعلنا واياكم ممن يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم وان يثبتنا على ولاية محمد وآل محمد.