نص كلمة :مشروع الإمام المهدي الإصلاحي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
اسعد الله أيامنا وأيامكم في ذكرى ميلاد الخلف الباقي من آل محمد، جعلنا الله وإياكم من أنصاره وأعوانه والذابين تحت لوائه والمصلين خلفه والمستشهدين بين يديه.
﴿اِذا جاءَ نَصرُ الله و الفَتح * و رَاَيتَ النّاسَ يَدخُلونَ فى دينِ الله اَفواجا * فَسَبِّـح بِحَمدِ رَبِّكَ و استَغفِرهُ اِنَّهُ كانَ تَوّابا﴾[2]
فتح مكة وما تخلله من أحداث
فتحان عظيمان على البشرية عامة؛ الفتح الأول تم في مكة المكرمة على يدي النبي الأعظم محمد (ص)، عندما دخلها من الأبطح وراية الحمد ترف في يد الامام علي (ع)، أمّن أهلها الذين ناصبوه عداءاً ونازلوه حرباً، حتى سالت الدماء أوديةً، دخلها بكلمة واحدة ليبسط السلام والأمن والمحبة والرحمة والعفو على الجميع حيث قال لهم (ص): ما تظنون إني فاعلٌ بكم؟ قالوا: أخٌ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، ثم قال: من دخل بيت فلان فهو آمن، ومن دخل في بيت فلان فهو آمن، حتى وصل الى اعتاهم واعندهم ابي سفيان، قال: ومن دخل دار ابي سفيان فهو آمن ومن اغلق بيت داره على نفسه فهو آمن،[3] دخلت العرب افواجا في الاسلام من كل حدب وصوب هذا كان الفتح الأول.
الفتح الأكبر؛ ظهور المهدي الموعود (ع)
اما بالنسبة للفتح الآخر فهو فتح تنتظره البشرية وهو قدرها، كل الأمم في ذلك سواء، تتعدد العناوين ولكن تبقى الصورة موحدة عند الجميع، هي مسألة المنقذ، المنقذ للبشرية الذي ينقذ البشرية من الظلمات الى النور، من الفقر الى الغنى، من الخوف الى الأمن، من العداوة الى المحبة وما إلى ذلك من الامور والصفات التي لكل واحدة منها نقيضها او ما يضادها، الامام (ع) يضع حداً، هذا الامام او هذا الموعود او هذا المنتظر في الديانات السابقة تمت الاشارة اليه، في الأنظمة الوضعية التي لا حول لها ولا طول ولا تتعدى مساحة المدرك البشري ايضا تفترض هذه الحالة من النمطية وتتصور وجود ذلك المنقذ وان لم تعترف بما ينصص على ما هو المنصص عليه، لكن ابجديات فكرها نهاية المطاف لا تجد خلاصا، لأنه ما من نظام بشري الا واتكأ على الجانب المادي كأساس لكينونته وحركة الدفع فيه الا انه لم يحقق رغبة الشعوب وانما بقيت الشعوب مسحوقة ومقهورة، في العصور المتأخرة جاءت الشيوعية وكُنست وجاءت الماركسية بشيقيها وكُنست وجاءت الرأسمالية وسادت الموقف وهي الآن تلملم أوراقها ولكن بالتالي مصيرها الى الكنس وزبالة التاريخ.
القوانين الدينية وأهميتها في المجتمع
السماوات وضعت قوانينها منذ اليوم الاول، صحف ابراهيم وموسى، قبلها نبوة نوح، قبل ذلك ابراهيم بعهدة التكاليف الاولى، كلهم جاؤوا لنظم قانون البشر، لكن باعتبار ان الدين تشغل المساحة التي لا يستهان بها من كينونته عوالم الغيب الانسان يستعجل الشيء ولا يستنظر ما هو المرجى، لانه يرى المصلحة فيما وقع في يده واما ما لا يقع في يده فهو يتنظر في مصلحته، وفي مثال بسيط الأب مما لا شك فيه انه يسعى لمصلحة ابناءه، لكن اذا كان هناك مصلحة في اليد ومصلحة مرتقبة تجد الأب يتحرك في اتجاه تحصيل المصلحة القريبة من اليد، وان كانت تلك المنتظرة اكثر ثمرةً وقدرةً على البقاء والاستمرار وانعكاسا على مسيرة الابناء، لان حياة الابناء دائما وابدا تختلف عن حيات الآباء، إن في التقدم أو في التأخر، بالنتيجة نحن اتباع ديانة هي خاتمة لجميع الديانات والرسالات أودعها الله سبحانه وتعالى اصول ما يحتاجه الانسان في نظم حياته الخاصة والعامة، يعني ما يتعلق به وما يتعلق به وبالآخر سواء كان في حدود اسرة أو مجتمع ضيق او في مساحات وآفاق بعيدة مثل نظم دول او نظم عالم بأكمله، كل ذلك مودع كأصول، لكن اين تكمن الاشكالية؟ يعني انتم اليوم تجدون في اكثر المجاميع التي تؤسس وتسيس وتوّجه على عناوين المجاميع في وسائل التواصل الاجتماعية مثل الواتساب أو البرامج الاخرى تجد الغمز والهمز واللمز والتنقيص والتسقيط يطارد المسألة الدينية بشكل واضح ومستمر! السبب ما هو؟ هناك اسباب ظاهرية بمقدور اي واحد منا ان يصل اليها، لكن هناك اسباب مستورة لا يصل اليها الانسان الا بعد عناية طويلة وجهد كبير، ربما يصل الى بعض الاشارات او الاضاءات التي على اساس منها يصل الى المرتكز فيه، والا في الأغلب الاعم الاكثر تبقى في حدود ما هو الظاهر.
مكونات الاستقرار النفسي عند الانسان
الانسان المؤمن ونحن عندما نقول الانسان المؤمن يعني الانسان الذي يتكئ على قاعدة صلبة اسمها الايمان، هذا الايمان هو عبارة عن الدين الصافي المصفى النقي المنقّى وهذا هو الذي جاء به الرسول الاعظم (ص) عن السماء من اجل سعادة البشر، في مكوّن المسلمين الصغير في عهد الرسالة كان المسلم يعيش العزة والكرامة، ويعيش الالفة والمحبة وهذه الامور المعنوية تعتبر أهم من الأمور المادية، لانني مثلا قد يكون عندي رصيد وقدرة وامتلك دار واسعة وسيارة ورفاهية الا اني غير مستقر لا في جانب الأمن الصحي ولا في جانب الامن الحركي ولا في اي جانب من الجوانب التي يفترض ان يسود الأمن فيها كل هذا غير موجود، فهل اعيش السعادة؟ ابدا، فلا يمكن ان أعيش السعادة بدون امن واستقرار نفسي وسكون نفسي، ولابد ان لا يطاردني شبح الفقر والفاقة كي أعيش السعادة وينبغي ان لا أعاني من المرض كعدو، ولا أعاني العدو المتربص أيضا، والعدو ليس بالضرورة ان يكون العدو البعيد، احيانا العدو يكون قريبا منك بل وفيك وهذا اخطر بكثير من ذلك، لان الحديث النبوي الشريف يقول: «أعدي عدوك نفسك التي بين جنبيك»[4]، هذه مدرسة اهل البيت عليهم السلام هي التي تقول بان هذا العدو الكامن في الداخل متى ما تمرّد حينها ستكون الضريبة ثقيلة جدا.
الفتح الحقيقي الكامل يتحقق حين الظهور
الامام المهدي (ع) عندما يأذن الله سبحانه وتعالى له بالظهور يسعى كل الناس في تحصيل مكونات السعادة، يعني لا يكون هناك تعارض مصالح بحيث يعرقل حركة المشروع المهدوي، أصبح انا المسؤول عن المشروع واسعى من أجل تحصيله، وتصبح انت المسؤول عن المشروع وتسعى لتحصيله، تتظافر الجهود تتحق الغاية، تنتشر العدالة، وتتولد السعادة، السعادة المنشودة، تلك الفترة هي التي يقول عنها القرآن: ﴿اِذا جاءَ نَصرُ الله و الفَتح * و رَاَيتَ النّاسَ يَدخُلونَ فى دينِ الله اَفواجا﴾، وفي ذلك اليوم لم يكن الدخول صوري وغير مستقر، بل هو دخول حقيقي ثابت ومستقر، لذلك يتحول الانسان كالنبتة التي: ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾[5]، انت ايها المؤمن اصلك ثابت وفرعك في السماء لذلك تخرج الارض الخيرات، تنزل السماء غيثها، تخضر الارض ببركات اشراقة وجه الخلف الباقي من آل محمد (ص).
حال الناس في زمن الظهور
قد البعض يقول لماذا كل هذا التأخير في الظهور ولماذا لا يظهر الامام (ع)؟! نحن لا ندرك اين تكمن المصلحة، مع الأسف مثل هذه الشبهات تطرح عند بعض البسطاء من الناس مع شديد الاسف، يعني هو لا يطرحها عند اهل الاختصاص ويتكلم معهم، بل يضع الشبهة في وسط مجموعة قد لا تكون لديها الثقافة الدينية الكافية، وبالمناسبة ليس كل رجل دين قادر ولديه القدرة عن الاخذ والرد والنقض والابرام، لان الناس بالتالي هم يتفاوتون، يعني كما يتفاوت طلابنا في المدارس ـ الله يكتب لهم النجاح ان شاء الله في هذه الأيام ـ فكذلك رجال الدين ايضا يتفاوتون، فترى شخصا مثلا يجلس في النجف اربعين سنة الا انه لن يصيب من العلم الا شيئا يسيرا، علما ان الناس قد تمدحه وتقول عنه بان هذا الشخص قد جلس في حوزة النجف منذ اربعين عاما! في حين ان هذا الأمر لا يحتاج لكل هذه الأعوام وانما يحتاج الى جد واجتهاد ومثابرة ومتابعة وتوفيق من الله سبحانه وتعالى، في ذلك اليوم سوف يمسح الامام المهدي (ع) على رؤوس ايتام آل محمد (ص)، يعني الذين يقرّون للنبي (ص) بالنبوة سوف يثبتون على الايمان وترشد عقولهم وبعبارة اوضح يصبح كل الناس «آية الله» من غير تعب ولا يحتاج شخص ان يرجع لمرجع من المراجع كي يأخذ منه حكم شرعي! فيا ترى هل هذه هي نعمة كبيرة أم صغيرة؟! حينها لا تحتاج الى كدح كثير لان الارض تخرج فلذات كبدها، حينها المؤمن يحمل زكاته ولا يجد لها محتاجاً!
الاعمال وأثرها في تقريب أو تأخير الظهور
فهل تعلمون ما هي الخسارة التي نتحملها جراء غيبة الامام المهدي(ع) والخسارة الاعظم تكون عندما نأتي يوم القيامة وتسجل اسماءنا بعنوان الذين يؤخرون ظهور الامام المهدي (ع)، والانسان الحقود، الحسود، الكذاب ، النمام، الذي يأكل اموال اليتامى أو ... هذا ممن يؤخر ظهور الامام المهدي (ع) ولا ينفع دعاء ليلة الجمعة أو كل يوم وبعد كل صلاة «اللهم كن لوليك الحجة...»، بل يحتاج الى عمل وتعب وصدق ومصداقية، ونحن على أعتاب شهر رمضان المبارك، فهل مجرد ان تصلي او تمسك القرآن طوال النهار هو يقرب للإمام المهدي (ع)؟ هذا غير معلوم، لان النبي الاعظم محمد (ص) يقول: «كم من قارئ القرآن والقرآن يلعنه»[6] فلا ينبغي ان نكون نحن من الذين يؤخرون طلعة الامام المهدي (ع)، اللهم اجعلنا من الممهدين لسلطانه، اللهم اصلح انفسنا واصلح ابناءنا، اللهم اجعلنا صالحين مصلحين ولا تجعلنا من الفاسدين المفسدين يا رب العالمين، اللهم عجل لوليك الفرج. جاءنا شهر رمضان المبارك فيجب ان نبرئ ذمتنا، نسأل من الله ان يجمعنا واياكم على خير عند الامام (ع)، لأرواح من مضى من شيعة امير المؤمنين (ع) الفاتحة مع الصلوات.