نص كلمة: مراحل حياة الامام الكاظم عليه السلام

نص كلمة: مراحل حياة الامام الكاظم عليه السلام

عدد الزوار: 872

2018-04-21

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1439/7/23هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على اعدائهم اعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

المدرسة الاسماعيلية والمدرسة الفطحية

ليلة واحدة تفصلنا عن ذكرى شهادة الامام الكاظم (ع)، هذا الامام المظلوم في حياته والمظلوم بعد استشهاده، الامام الكاظم (ع) جاءت حياته بين مرحلتين من اشد المراحل عصفاً لاتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام، المدرسة الأولى هي التي جاءت متزامنةً مع الامام (ع) في ايام امامته الأولى، حيث طفى على السطح جماعات تمحورت حول بعض ابناء الامام الصادق (ع) كالإسماعلية الذين اتبعوا في منهجهم المذهبي اسماعيل ابن الامام الصادق (ع) والفطحية الذين ايضا نهجوا منهجا خاصا بهم مرجعين امورهم لعبدالله الافطح ابن الامام الصادق (ع)، المدرسة الافطحية او الجماعة الفطحية لم يدم بها المقام طويلا، حيث اعتراها الضعف ودب في اوصالها وانتهت من الوجود تقريبا كاملا في اقصر فترة زمنية عرفتها نشوء المذاهب والطرق والتوجهات، الاسماعلية اشتد عودها وضربت في الارض وفتحت الميدان السياسي على مصراعيه وهو الميدان المغلقة ابوابه لفترة طويلة خصوصا بعد شهادة الإمام الحسين (ع) في كربلاء، الاسماعلية قادوا حركة في وسط العالم الاسلامي امتد سلطانهم الى البلقان على نحو التتابع بطبيعة الحال، كما ان لهم مدرسة فلسفية خاصة لا يمكن ان يغض الطرف عنها بالمطلق، علينا ان نعرف ان التعدد المذهبي لا يعني الغاء الآخر، المفترض ان يكون هو التلاقح في الافكار فيما بين المذاهب ليبقى من فيه قدرة البقاء والاستمرار بحسب الادلة والضوابط التي منشؤها الكتاب والسنة والعقل السليم، العقل المطلق لا يمكن ان يوصل الى نتيجة، العقل السليم الذي اسست قواعده على ان تكون في منتهى التماسك والقوة، الامام الكاظم (ع) في هذه الفترة ايضا آلت اليه الامامة لاتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام وفق المنهج المعروف.

المسار الذي سار عليه الامام الكاظم (ع)

ايضا الإمام الكاظم (ع) سار في الناس وباتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام وفق معطيات الخط التي رسم بعد استشهاد الامام الحسين (ع)، لكن الامام الكاظم (ع) رغم حركة التحفظ التي كانت في اعلى درجاتها والابتعاد عن مواطن الاحتكاك الا ان السلطة والخلافة العباسية كانت ترى في الامام الكاظم (ع) مكمن الخطر ومصدر الازعاج الاول، رغم انه لم يحرك ساكناً، التاريخ بمساريه العام والخاص يؤكد على هذا المعنى انه لم يحرك الامام (ع) ساكنا وانما انتهج او مال الى منهجين او مسارين: الاول تربية اتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام على فضائل الاخلاق، الامر الثاني غرس علوم اهل البيت عليهم السلام في اتباع مدرستهم، انتحى الى هذا الجانب وذلك الجانب صب جهودا جبارة وكبيرة، بطبيعة الحال الازعاج ليس بالضرورة ان يكون هو عبارة عن التمرد المسلح كما هو الحال في الأزمنة المتأخرة، بل قد يكون ايضا في جانب الصمت وما يخفي ورائه من الامور الكثيرة والحاكم كائن من كان لابد وان يكون لديه ميزان في مسار الحذر حيث يتوخى الحذر في كل مساحة او من كل شخص يحتمل ان يصدر من جهته او من خلاله امر غير متوقع وغير محسوب، هكذا كان مسار توجس الخلافة العباسية مع الامام الكاظم.

الامام الكاظم (ع) وتعاطيه مع الفقراء

الامام الكاظم (ع) قرّب الفقراء منه وصار ينفق عليهم ويرفع من درجاتهم حتى يلغي ويمسح حالة الطبقية في وسط الامة، لكن بكل هدوء وسكينة، هذه الحركة من الامام (ع) باتت تفزع الخليفة العباسي، لابد ان نشير هنا الى نقطة وهي أن الذين وقفوا الى جانب النبي (ص) في حركته الاولى هم من الطبقة الفقيرة المسحوقة المعدمة، أنتم اقرأوا التاريخ، بخلاف ارباب الاموال الذين كانوا من المناكفين والمعاندين والمقاتلين ضد النبي (ص)، كذلك بالنسبة الى الامام علي (ع) الذي لاقى الامرين لكن ليس من فقراء الكوفة والمدينة وانما من سروات القوم في الكوفة والمدينة والا الفقراء خرجوا معه في معركة‌ الجمل واتبعوها بصفين وثلثوا بالنهروان، فهذه الطبقة المسحوقة هي التي كانت تقاتل، هذه الفترة الطويلة من الزمن احدثت ارباك وطبقية، ومتى ما دخلت الطبقية في المجتمع أو في قرية أو في مدينة أو في أي مكان ما، طالت لقضايا النقص والسلب والتراجع والتدني هذا شيء طبيعي، لذلك الامام عمد لتصحيح هذا الاعوجاج والخلل الذي ولدته مسافة قرابة قرنين من الزمن، عمد لإصلاحه، لذلك أنتم تلاحظون أن حركة الوكلاء للائمة من اصحابهم تنشط في زمن الإمام الكاظم (ع)، الا ان الامام الكاظم (ع) كان مراقبا وملاصقا على نحو المدار الكامل للدورة لحركة وكلائه، هؤلاء الوكلاء بطبيعة الحال لا يتمتعون بمقام الامام وعصمة الامام لذلك حصلت بعض الثغرات، هذه الثغرات البعض يسلط الضوء حين القراءة على جانب منها وهو الجانب المالي وان هؤلاء تمردوا لوجود مجموعة وكمية من الاموال تحت ايديهم، لكن هذا ليس هو مربط الفرس، مربط الفرس يكمن ان هؤلاء كانوا لا يتمتعون بالحصانة العقدية التي تتماشى وما عليه الامام (ع) من نهج واصول. الامام الكاظم (ع) عندما يريد ان يقرّب هؤلاء منه الطرف الآخر يشعر انه مقصى، في حين ان الانسان المصلح سواءٌ كان امام او غير امام عندما يريد ان يرتقي بجماعة او ينتشي لها من واقع معين لا يريد من وراء ذلك اسقاط الآخر، بل ان رمزية الرؤوس لابد منها ويجب الحفاظ عليها وليس هناك منافات ان ارتقي بأبناء مجتمعي من الطبقة الثانية او الثالثة او الرابعة على ان لا يكون على حساب ارباب الطبقة الاولى ما هي المنافات؟ بل بالعكس قد استعين في هؤلاء ـ أي رجال الطبقة الاولى ـ في سبيل النهوض بأصحاب الطبقات الاخرى وعندما ترتقي هذه الطبقات في واقعها الاجتماعي ماذا سيحدث؟ حينها سيكون عندي طبقة واحدة، هذه الطبقة الاولى ستكون قوية وستكون مصداق هذا الحديث الشريف: «المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف»[2] يصبح المجتمع بكل مكوناته من الدرجة الاولى القوية في بنائها المادي وفي بنائها الديني وفي بنائها السلوكي وما الى من الأمور.

عدم الاستخفاف بالفقراء

هناك رواية يرويها الامام الكاظم (ع) عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تستخفوا بفقراء شيعة علي وعترته من بعده، فإن الرجل منهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر»[3]

لا تستخفوا بفقراء شيعة علي وعترته؛ بعض الناس عندما يرى فقير رغم انه شريك معه في الدين وشريك معه في المعتقد الا انه يزدريه، يحتقره، يضيق عليه، لا يوسع له، لا يعطيه صدر المجلس، يمتهنه، يسلم عليه بأطراف يديه، وعندما يدعوه لا يستجيب له، أو عنده جنازة لا يخرج وراءها، يصاب بواحدة من نوازل الدهر والزمن لا يتعاطف معه، لكن اذا جاءه غني!! وهذا ملاحظ، فالإمام يقول لا تستخفوا بالناس بناءا على حالة الفقر التي يعيشونها، لان الفقر امتحان وبلاء لو وقع على انسان كفيل في ان ينهيه في جميع جوانب مكونه الشخصي والاسري والاجتماعي وما الى ... الفقر شين لذلك يروى عن الامام علي (ع) انه قال: لو كان الفقر قالباً حديا لأقمت عليه حدود الله، الفقر يهدم البيوت، لكن هل الانسان هو الذي صنع الفقر لنفسه؟ فالرسول (ص) يقول لا تستخفوا بفقراء شيعة علي وعترته من بعده، لأن هؤلاء الفقراء البسطاء قد يشفع الواحد منهم في مثل ربيعة ومضر، كما جاء في الحديث المروي ان الله اخفى اولياءه بين عباده، فانك قد ترى شخص فقير يصلي ويسبح فتزدريه واذا بينه وبين الله علقة وحبل من نور، او ترى شخص بسيط عند شباك أحد الائمة‌ في وضع معين لكن عنده حالة خاصة مع الله ومع صاحب القبر قد لا يصل اليها الغني وصاحب الوجاهة في المجتمع أو رجل الدين، هذه منح من الله، عطايا من الله، الانسان يساعد عليها ويهيئ ظرفها فعندها الله سبحانه وتعالى يفيض عليه ويعطيه، فالإنسان الذي ينتسب الى عائلة معينة لا ينبغي ان يستخف بالناس، لان هؤلاء‌ الناس جزء من كينونته واحترامه، ولو ان هؤلاء الفقراء الذين يحترمونه أداروا ظهورهم اليه فمن الذي سيحترمه، فلابد ان نلتفت لهؤلاء ونعطيهم النصفة من انفسنا على اقل التقادير، فقدرتك أيها المؤمن الفقير الصابر في الشفاعة في مثل ربيعة ومضر مقام سامي لك لأنك صابر. نسال من الله سبحانه وتعالى ان يوصلنا الى حضرته الشريفة عاجلا ان شاء الله بأمن ويسر وسلامة وان يشفعه فينا يوم القيامة ان شاء الله، وفقنا الله واياكم لكل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.