نص كلمة مجموعة الإمام الحسن تستضيف سماحة العلامة أبو عدنان في حفلها
جاء في الحديث الحسني عن الامام الحسن عليه السلام انه قال: سمعت جدي رسول الله (ص) يقول: خلقت [انا] من نور الله (عز وجل)، [النبي يتحدث عن نفسه] وخلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبوهم من نورهم، وسائر الخلق في النار[2]
اشراقات نورانية
محمد وآل محمد هم نور الأقدس النور الذي منه تفتحت عوالم الأنوار وانحلت عنه عوالم الذر وتجسدت عوالم الشهود، نور محمد وآل محمد نورٌ من ذلك النور، والحديث صريح في هذا المعنى، النور في إشراقه يحتاج إلى ظرف، والظرف هو عبارة عن روح هي قوة نتحرك على أساس منها، متى ما صفت كانت محلا للاستقطاب، ومتى ما أهملت وتراكم عليها الدرن كانت في حالة من العجز عن الاستقطاب واضحة، لذلك نجد أن الكثير الكثير من المؤمنين يواصلون مسيرتهم في طريق الإيمان ويتعلقون بعوالم الغيب، بينما البعض الآخر الذي أهمل هذا الجانب في روحه ربما يقع ولا اقل يتعثر في الطريق، رغم انه يحمل في داخله ما يدفعه في الاتجاه الصحيح وهي الفطرة التي فطرنا الله عليها، إيمانٌ بالله نورٌ أول، وإيمانٌ بالنبي نورٌ من نور أي نورٌ ثاني، ثم إيمانٌ بالولاء واقرارٌ لأهل الولاء من آل محمد وهو النور الذي منه خُلقنا، بالنتيجة هنالك نور أول ووسائط نور ثم ما نحن نعيشه من النورانية الحقة، النور الاول نور الاله جلت قدرته، اصل النور، ثم نور النبوة والامامة وهو الواسطةٌ بيننا وبين العوالم، نحن ايضا نحظى بهذه الخاصية، لاننا نشكل جزئا من ذلك النور؛ وخُلق محبوهم من نورهم لولا هذه الاشراقة من النور المحمدي العلوي الفاطمي الهاشمي تسري في عجين طينتنا الاولى لما حصلت لنا هذه الحالة من الالتصاق والاندكاك والذوبان في حقيقة النور الموصل ألا وهو نور علي وابناء علي عليه السلام، هذا النور الذي يمثل أمانة في ايدينا علينا ان نحافظ عليه قدر امكاننا، علينا ان لا نفرط في حرف من حروفه، وعلينا ان لا نخفق في التعاطي مع إشراقة نور من انوار حروفهم عليهم السلام، هذه مسؤوليتنا نحن.
كيفية التعاطي مع انوارهم القدسية
ربما يسأل سائل كيف نحافظ على هذه الجذوة، وهذا القبس النوراني؟ الجواب هو ان هذا الشيءٌ سهلٌ وبأيدينا هم طرحوه بين ايدينا وبينوه لنا من خلال أمور؛ الامر الاول: ان نتعرف عليهم كما ينبغي، ان نتعرف على ذواتهم، الامر الثاني: ان ننهل من معينهم ومن نميرهم الصافي الغير مشوب بكدورة من الآخرين، والذي وصل عنهم بالطرق السليمة، علينا ان نتعاهد ارواحنا ونغذيها ونسقيها من هذا المعين السلسل، الامر الثالث: ايها الاحبة! علينا ان نعقد قرانا مع عتباتهم الطاهرة قدر امكاننا، وان لا نطرح التبريرات والاعذار امامنا حتى تتحول الى عقبات تمنعنا من الوصول اليهم، ايها الاحبة! الروايات تعطينا هذا المعطى؛ ان الغبار المتصاعد من وطئ اقدام الزائرين يؤمّن الانسان من لهيب جهنم؛ «فإن النار ليست تمس جسما عليه غبار زوار الحسين»[3] وهذا ثابتٌ في سائر المراقد شرفنا الله واياكم شرف الوصول اليها.
اهل البيت عليهم السلام هم ابواب الله المشرعة
امامنا الحسن عليه السلام ايضا له حديثٌ حسن آخر وهو من المثبتات يقول فيه: «ولولا محمد (ص) وأوصياؤه كنتم حيارى لا تعرفون فرضا من الفرائض، وهل تدخلون دارا إلا من بابها»[4] الابواب اليوم المشرعة والمفتوحة كثيرة لكن المفضي من هذه الابواب الكثيرة الى المدينة الحقة حصرٌ على باب واحد؛ «يا علي انا مدينة العلم وأنت بابها»[5] محمد مدينة العلم وعليٌ بابها، هو هذا الباب الوحيد الذي يمكن ان نطرقه ويفتح لنا، ومتى ما فتح انفتحت العوالم بين ايدينا وامتد بصرنا الى الآفاق البعيدة، ايها الاحبة منفك ائمتنا عليهم الصلاة والسلام يعبّدون لنا الطرق ويفتحون امامنا المسارات لعلنا نستجيب، اذا استجبنا فهو لنا فلاح في فلاح، وان أبينا أو تأبينا عليهم ذلك فهم اهل كرم واهل جود واهل رحمة واهل شفقة لن يغلقوا بابا امامنا بعد اذ فتحوه ولن يمنعوا طريقا امامنا بعد ان هيئوا اسبابه، الامور كلها بأيدينا نحن الذين بمقدورنا ان نختار، هو لطفٌ منهم، هو تشريفٌ منهم، هو تكريمٌ لنا على غيرنا، فهل استجبنا لهم مقولتهم، الحمد لله هذا الحفل النوراني يحمل من نورانيتهم الشيء الكثير والدليل على ذلك هي روح الاستمرارية والانصهار والذوبان والتوحد في سبيل رفع شعار وإيضاح منار يتعلق بواحد من اقدس ذواتهم ألا وهو كريم آل محمد الامام الحسن عليه السلام، سيرةٌ ومسيرة لها ابتداءٌ واساس، اما نهايتها فلا تقفل ولا تغلق ابوابها الا حيث يأذن اللطف الالهي للخفي وللحجة من آل محمد عجل الله تعالى فرجه الشريف بالظهور، وقتها تنتهي المسيرة، لتفتح ابواب مسيرة أخرى علينا.
ابا الحسن؛ علي عليه السلام
ايها الاحبة البيت العلوي البيت الذي يشكل فيه الركن الاول علي عليه السلام ابوة علوية كمالٌ في كمال اسطورةٌ لا تجارى في جميع الميادين وكافة المسارح، ان بحثت عن علي وهو الاب، فهو السيف الذي لا يجاريه سيف، ان اتيته في عبادته وتنفله فهو الراهب الذي لا يعطينا الراهب في اقصى تجلياته واحدة من ادنى مفردات التجلي عند علي عليه السلام، علي عليه السلام ان طرقته في ادبه فهو الذي اسس واعجز من جاء بعده والى اليوم ينابيعه تتفجر وتفيض فصاحة وبلاغة، ينشدّ اليها عمالقة أدب لا تثنى لهم رقابٌ ولا تحنى لهم رؤوس ولكنها تتصاغر امامه عليه السلام، ابوه علي عليه السلام الذي اعطى من نفسه النصف للآخرين في وقت ابى الا ان يركب من الخيل جموحها، من تنكب الطريق وقاطع علي عليه السلام بقي علي يحمل ذاك القلب النابض بالحب والشفقة حتى على أعدى أعدائه والد خصومه وهم الخوارج اذ يقول في حقهم: «هم اخوانٌ لنا بغوا علينا»[6] ولم يتكلم باكثر من هذا ابدا، بل لم يعقب وراء شارد منهم، روح علي روح السمو والرفعة، أبوه علي عليه السلام الذي عندما دنى من بيت مال المسلمين لم يكن في الحق منه الا كأصغر اصغرهم، وكشخص مسلم يعيش في اقصى نقطة من الدولة التي هو عليها رسم الخلافة، الحسن نهل من أبيه موارد عدة وان كان في الاعتقاد ما يعطي مساحة اكثر عمقا ودلالة على ان لذواتهم من الكمال الوحدوي ما فيه من الوضوح ما لا يستدعي اقامة الدليل عليه، هم يقولون: «أوّلنا محمد، أوسطنا محمد، آخرنا محمد، كلنا محمد، كلَّنا نور واحد»[7]
ام الحسن؛ الزهراء البتول عليها السلام
اما الأمومة فالزهراء فاطمة الراضية المرضية الحوراء الإنسية العصمة الكبرى الاشراقة العظمى الناسوت الاقدس البرزخ بين النبوة والإمامة المنجم الذي منه تحدرت انوار الكوكبة الحقة من أئمة آل محمد، أمه الزهراء وهي الصبر في أعلى مراتبه، الا فيما استدعى ان تنزع هذا الدثار لترتدي دثارا لا يقل شرفا ورفعة وسموا عن رداء الصبر ألا وهو الجهاد ومقارعة الظالم، الحجة بالحجة وذلك عندما أُخذ علي عليه السلام ملببا بحمائل سيفه وطرف العمامة على وجهه، من البيت الى المسجد، والزهراء تقوم وتعثر في ذيلها، يجللها الحياء والخطر، ولكن لم يمنعها من القيام بتكليفها، التكليف الذي تمليه عليها السماء ولا مندوحة في بديل عنه لذلك وقفت امام الرجل ولو لم تقف تلك الوقفة لما خلص علي عليه السلام من طائلة ما بنى عليه من اراد ان يرتب الآثار عليه، لكنها الزهراء نبوة مصغرة، امامة مصغرة دمج بينهما، فاطمة الزهراء بنت محمد، الامام الحسن يسمع ويرى، المشهد نصب عينيه الامام الحسن ابن علي عليه السلام يرى أمه وهي تتهجد بمحرابها في عالم عروج روحي متصل بالسماء، ربما لا يشعر ولا يتلمس ذلك الخدم في البيت، ولكن الحسن يبصر ويرى، لان ما وراء الطبيعة قد كشف لهم جميعاً، يقف على بابها وهي تتبتل، الزهراء تنهك نفسها في الدعاء، لكن لا لنفسها ولا لطلب حطام في الدنيا، وانما كانت تدعو لنا ايها الاحبة ولاسلاف مضوا من آباء وأجداد وكذلك تمد دعوتها لكل من يأتي على هذه الأرض مشرفا لهذا الوجود بوطئ قدمه، لانه يحمل ذلك القبس من النور الذي اشرنا اليه واسسنا في بادئ بدئ من الكلام انه نور الحق المحمدي، نور الحق العلوي، نور الحق الفاطمي، نور الحق من آل محمد يتمثل فيمن يعتقد بهم ويسير على نهجهم.
مسؤولية الولاء
ايها الاحبة بقدر ما هي كرامة ان يقال لنا من شيعة آل محمد يحمل ذلك الشيء الكثير من التكليف لان القول الذي يصدر منا يضاف اليهم، والفعل الذي يصدر منا يضاف الينا لاننا منهم: «شيعتنا خُلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا»[8] يعني الشيعة لم يعجنوا بالماء الذي عجن به جميع البشر، ابدا بل عجنوا بماء ولايتهم، يعني جزء من التكوين هو النور على حمل اللفظ صراحة او الماء على حمل اللفظ مع الحاجة الى وجود قرينة مبينة وعلى كلا الحالين ننتهي، اننا نشكل مساحة منهم عليهم الصلاة والسلام وهي اغلى ما في ايدينا، اغلى من آبائنا وامهاتنا وأبنائنا وأموالنا وما اضيف لنا باضافة تركيبية في عالم المادة، هنالك شيئا لا يشترى بثمن ولا يفرط فيه في أي حال من الحالات ألا وهو الولاية لعلي وآل علي، نسأل من الله سبحانه ان يجعلنا واياكم من المتبصرين لدقائق الامور، وان يجعلنا من السائرين على هديهم، والمتمسكين بعروتهم الوثقى، وان يجعل ذلك النور الذي فطرنا عليه كائنا دائما مستقرا في داخلنا، حتى نسلم الامانة لأهلها، نحن في زمن صعب حرج، المغريات اكثر مما نتصور قطاع الطرق اكثر مما نعد ونحصي لكن بشيئا واحد نتخطى هذا ونتجاوز ذاك متى ما تعرفنا عليهم المعرفة الحقة ولا معرفة حقة الا منهم واليهم، ايها الاحبة لن نستطيع ان نتعرف عن الحسن ومن هو الحسن، الا من خلال الحسن عليه السلام، ولن نستطيع ان نتعرف على فاطمة ومن هي فاطمة سلام الله عليها، الا من خلال فاطمة وهكذا سائر الكوكبة النورانية لا نتعرف عليها الا من حيث هي، ونحن لا نحتاج الى مزيد عناء، شرفنا الله بعلماء وخطباء وكتاب وباحثين نذروا انفسهم في ان يقربوا لنا المطالب ويسهلوا لنا المسالك، نشكر الله سبحانه وتعالى على ذلك، ولو لم نشكر لما دامت النعمة علينا نحمد الله على ذلك ان كانت الذخيرة بين ايدينا هي انوارٌ يحملها لنا ايمانٌ واعتقادٌ وتحملٌ للمسئولية من قبل العلماء والخطباء والكتاب والمحققون والناقدون والباحثون والعاملون والمحيون لمراسم اهل البيت، «احيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا»[9] انا لا اشكر الاخوة خاصة الاخ ابو حسن وإنما أقول لهم انتم تغبطون على ما انتم فيه وعليه، ثبتكم الله على ما انتم عليه اخذ الله بأيديكم وأجزل في ثوابكم، جعل طريقكم مفروشا معبدا بالورود ومضاء بأنوار محمد وآل محمد.