نص كلمة:مالنا وما علينا من التراث الفاطمي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
الزهراء سلام الله عليها؛ كاملةٌ مكملة تكوينا واكتسابا
قبل ليالي صادف ذكرى شهادة الزهراء سلام الله عليها، السيدة المظلومةً المغصوبةً المقهورة، الزهراء سلام الله عليها وديعة النبوة في يد الإمامة، هذه الوديعة لم تسلم فيما تبقى من أيام عمرها بعد فراقها لأبيها النبي الأعظم (ص) وإنما جرى عليها من الخطب الشيء العظيم الذي يقرّح العيون، الزهراء سلام الله عليها صنعت على عين السماء وعنت بها يد النبوة وتكفلتها الإمامة فيما بقي، الزهراء سلام الله عليها قصيرة نسب، فإذا قيل فاطمة بنت محمد (ص)، لا يتبادر إلى الذهن إلا فاطمة سلام الله عليها، الزهراء سلام الله عليها كاملةٌ مكملة لا على نحو الاكتساب فقط، بل وعلى نحو التكوين في الكثير من محطات حياتها، فهي استثناءاً، لم تتقلب في الأصلاب والأرحام وإنما من صلب النبي (ص) إلى رحم خديجة ثم أشرقت أنوار الزهراء بنت النبي محمد (ص)، يأتي خطابٌ مباشر للنبي (ص) أن أمر أم المؤمنين خديجة سلام الله عليها و يأتي خطابٌ مباشر آخر للنبي (ص) أن اعتزل خديجة أربعين ليلةً، لما أتمتها هبط الأمين جبرائيل بطبق كما ذكر في الروايات المعلومة والتي طرقت اسماعكم[2] طبقٌ من الجنة منه تكونت الزهراء سلام الله عليها، إذن لهذه المرأة سلام الله عليها من الخصوصية ما لأحد من البشر، مريم التي سبقتها لها تخصصٌ وانفراد في جهة ما.
التزود من عطاء الزهراء سلام الله عليها اللامحدود
الزهراء سلام الله عليها لطف، الزهراء سلام الله عليها نور، الزهراء سلام الله عليها عطاء، من ابرز عطاءاتها الكوكبة النيرة من الأئمة الأطهار من علي (ع) وحتى الخلف الباقي من آل محمد (ص)، فهي أم الأئمة الاطهار عليهم السلام، ولمن أراد الوصول للزهراء سلام الله عليها في عطاءاتها والتزود مما بذلت، فان الطرق بعدد الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم موصل اليها، الامام علي (ع) يروي عن فاطمة وهو الامام الأول وهو نفس النبي (ص) بصريح القرآن الكريم: ﴿أَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾[3] الحسنان يرويان عن أمهما، الإمام عن الامام ثم الامام عن الامام حتى يصل الى الزهراء سلام الله عليها، روايات كثيرة رويت عن الزهراء سلام الله عليها إلا انها لم تصل الينا للخصوصيات؛ قسمٌ منها هو من الميراث الذي ادخر للخلف الباقي من آل محمد (ص) عندما يؤذن له بالفرج وتكشف تلك الأسرار ويتعرف الناس من هي الزهراء بنت النبي (ص)، لذلك لا تستغرب ايها المؤمن وايها المسلم لما جرى على الزهراء سلام الله عليها، لان الامور لو اخذت طريقها دون اعوجاج من هنا او هناك حتى انتهى بوأدها: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾[4] لأخذت الأمة بأسباب السمو والرفعة، لأنه لو أخذ بما قالت لآلت الأمور الى علي سلام الله عليه دون الحاجة الى الفصل والانعزال ربع قرن من الزمن وما كان يتقدم عليه غيره، وفي حساب الاحتمالات ما يساعد الانسان القارئ والمستنطق لمفردات التاريخ ماذا لو ان الامور سارت في صالح علي (ع) كما خطط النبي (ص) واراد في قضية جيش اسامة وتخلية الاجواء في المدينة المنورة، تصوروا لو ان الامور اخذت مسارها لعلي (ع) ومن بعده الحسن (ع) ولم تكن هناك حرب جمل ولا صفين ولا نهروان ولا سقيفة قبل ذلك كيف كانت الأمور؟! انت اجلس مع نفسك واقرأ بحساب المحتمل، لان هذا من حقك، نحن بدل أن نقضي الكثير من أوقاتنا بموضوع الهجوم على دار السيدة الزهراء سلام الله عليها أو عدم الهجوم عليه، حال ان العامة يثبتون ذلك في كتب أحاديثهم وكتب تاريخهم وكتب ادبهم وعلى قاعدة: «من فمك أدينك»، اذهب إلى الأمور التي تساعدك اليوم على التخطي للكثير من العقبات التي قد تعترض مسيرتك سواء المسيرة الأسرية أو المسيرة الاجتماعية أو المسيرة المذهبية أو المسيرة الدينية أو المسيرة الانسانية، اجمل واكمل وأتم أيقونة عرفها الوجود في الجانب النسوي هو عبارة عن فاطمة بنت النبي محمد (ص)، ولو أن هذه الأحاديث كانت بأيدينا، يعني أحاديث الزهراء عن ابيها، لأنها اقرب الناس للنبي (ص) بالتالي هي صحبته منذ نعومة اظفارها الى حين ارتحاله (ص) وما ارتحل إلا والزهراء سلام الله عليها كانت إلى جنبه ومعنى ذلك في مستتر السر أن الزهراء سلام الله عليها كانت تمثل ظرفا وأذناً واعية.
اشراقة من نور الآل عليهم السلام
ان من أحد الطرق الموصلة إلى الزهراء هو إمام مذهبنا أي الإمام جعفر بن محمد الصادق صلوات الله وسلامه عليه حيث يقول: «... أحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم وإن تركتموها ضللتم وهلكتم ...»[5]
أحاديثنا؛ أي هذه الاحاديث التي نرويها عن النبي وعن علي وعن الزهراء وعن الحسن وعن الحسين وعن الكوكبة النيرة منهم عليهم الصلاة والسلام هي:
تعطف بعضكم على بعض؛ لنرى اليوم هل أن بعضنا يحن عن الآخر ويعطف عليه أم انه بالعكس يجيش الجيوش عليه ويستنهض الربيضة ويحرك الميتة ويعكر الصفو؟! لأن احاديثهم عليهم السلام من صفاتها انها تعطف بعضكم على بعض.
فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم؛ المهم هل أننا نأخذ بروايات أهل البيت عليهم السلام ام لا؟ لأن المسألة ليست مجرد إضافة وادعاء باني أنا شيعي أو أنا علوي أو أنا حسيني، لان الادعاء والكلام ليس عليه ضريبة اليوم وقد يأتي يوم يكون الكلام عليه ضريبة وقتها لا يتكلم ولا يدعي أحد شيئا، لأن هذه سابقة في القرآن مثبتة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾[6] عندما كانوا يسألون رسول الله (ص) ويزاحمونه وهو في بيته وكانوا يصرخون عندما كانوا في المسجد، السماء امتحنتهم بامتحان بسيط، القرآن يقول: ﴿فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾، يعني عندما تريدون أن تأتوا النبي (ص) اعطوا صدقة لهؤلاء الجالسين على الصفة، هؤلاء الفقراء المعدمين الذين هاجروا وتركوا بيوتهم في مكة، النص التاريخي يقول انقطعوا عن سؤال النبي (ص)! لكن قيل جاء أبو ذر وطرح درهماً بين يدي النبي (ص) كصدقة من بين امة كاملة فقط أبو ذر! فلا تستغرب اليوم نحن عندما ننسى التاريخ نستغرب من الذي يجري اليوم، لكن لو نستحضر التاريخ في كل آن من آناتنا حينها لا نستغرب أصلاً.
وإن تركتموها؛ أي تركتم أحاديثهم، لأن كلامهم ودررهم وأنوارهم هو في القلوب، لكن أي القلوب يا ترى؟ هل في قلب الأخ الذي يريد ان يتخلص من أخيه!؟ أم في قلب الابن الذي يجرجر أباه إلى المحكمة!؟ أم في قلب البنت التي تصفع أمها!؟ أم في قلب الرجل الذي يحلق رأس زوجته!؟ نحن نحضر الحسينيات وكثير من الخطباء أجهدوا أنفسهم وأتعبوا أنفسهم وأعطوا عصارة أفكارهم لنا لكن في مقابل ذلك أي شيء استفدناه نحن؟ تراه يذهب لعدة حسينيات وعدة مجالس في الليلة الواحدة ولكن لم تستقر في ذهنه حتى مفردة واحدة ولم تحرك منه عرقا في اتجاه الصراع والسعادة وإلا لما ارتكب هذه الأمور وهذا الكلام ليس تهويل وانما هذا واقع أيها المؤمنون، هذه شكاوى جيلنا لنا كرجال دين، وأنا أقول لكم القادم في منتهى الخطورة، فماذا أعددنا له؟ أي شيء اعددناه للتعاطي مع أهلنا ومع عوائلنا ومع جماعتنا.
وإن تركتموها ضللتم وهلكتم؛ هذا الذي يجري اليوم، الحمد لله اليوم النعمة موجودة، الحمد لله نعمة الأمان موجودة، الحمد لله اليوم نسير ونصل في اقل وقت ممكن إذا ما أردنا ان نذهب الى أبعد الأهداف، كل شيء في أيدينا لكن هذه النعمة قد لا تدوم ما لم تجد حمدا فعليا، فلابد ان يكون هناك حمد فعلي وشكر واقعي، ليس فقط بالسان نقول «الحمد لله» ولا يوجد هناك فعل وإنما لابد ان يكون بالعمل أيضاً، نسال من الله سبحانه وتعالى أن يفتح علينا وعليكم بصيرة المعرفة بعلوم محمد وآل محمد إنه ولي ذلك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.