نص كلمة: ماذا بعد عاشوراء؟

نص كلمة: ماذا بعد عاشوراء؟

عدد الزوار: 1178

2017-10-19

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1439/1/19هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين جميعاً ورحمة الله وبركاته

تقبل الله اعمالنا واعمالكم، رزقنا الله واياكم زيارة الامام الحسين (ع) وشفاعته انه ولي ذلك.

لا بدية أخذ الدروس والعبر من عاشوراء

عشرة ايام تصرمت، الهبت فيها المشاعر وتحدّرت من خلالها الدموع، ازدحم الناس في المساجد والحسينيات ومجالس الذكر، ثم انفض الجمع وجفت الدموع وسكنت المشاعر. لكن بقي هناك سؤال مهم وهو: هل التفتنا الى الوراء قليلا ايها الاحبة لنستعرض ما استطعنا جنيه من خلال تلك الايام الحسينية التي دوّنها الامام الحسين (ع) بقطرات دمه الشريف من نحره المقدس يوم عاشوراء العظيم المشهد المخيف المرعب، الامام الحسين (ع) من الواضح البين وكما بينه هو (ع) في اكثر من موطن انما خرج لطلب الاصلاح: «انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي»[2] هذه الامة التي اجتمعت كي تبكيه وتندبه ويفترض ان يكون قبل هذا وذاك ان تستفيد من علومه وعطائه ومعارفه، لان الامام الحسين (ع) لا يمكن ان يختصر في واقعة الطف سواءٌ في محلها كربلاء، او في زمانها عاشوراء، او ما تمخضت عنه الاحداث من قتل لم يستثني حتى الطفل الرضيع ولم يقف عند حدود ان يوري الخيام بالنار على اهل بيت النبوة والرسالة حتى فررنا النسوة والاطفال الى البيداء، الإمام الحسين (ع) نهض ليضخ الدماء في الرسالة التي جاء بها النبي (ص) من جديد، الامام الحسين (ع) يعني الامامة التي اراد الامام الحسين (ع) من خلال نهضته ان يعيدها الى مساحة الاشراق والنورانية والعطاء، الامام الحسين (ع) سئل في التفسير واجاب، وسئل في الاخلاق واجاب، وسئل في الفقه واجاب، وسئل في الاجتماع ونظم امور الناس واجاب، والقائمة تطول ..

حادثة عاشوراء بمساحة السماء والارض لا ينبغي تضييقها

ولكن من حقنا ان نسأل ايها الاحبة بعد تلك الايام الفاجعة التي مرت علينا تعنون بذكر عاشوراء هل من الصحيح ان يستغرق منبرنا الحسيني الذي هو الميراث الاكبر والاشمل الاجمل من حيث ما يترشح عليه من الاضافة لصاحبه وهو الامام الحسين (ع) ان نستهلكه في قضايا قد لا تأخذ بنا كثيرا ولا يكون مردودها كبيرا علينا، لان الامام الحسين (ع) اكبر من مسألة كرامة تحصل في موقع او في زمان لشخص هنا او هناك، فذلك الامام الحسين لا ينتظر منا ان نستجمع الاحلام التي تطرقنا ليلاً ونحن في عوالم فصل عن المادة الخارجية لنجعل منها اشراقةً نقرأ الامام الحسين (ع) من خلالها ونريد له الديمومة وان نسافر بفكره وعطاءه من خلالها! الامام الحسين (ع) اكبر من ذلك الامام الحسين (ع) مدرسة، الامام الحسين (ع) مدينة علم ومعرفة ومن اراد الحسين (ع) عليه ان يستحضر حسينا في كل حركاته وسكناته في الاقوال والافعال، عاشوراء لوحة عظيمة رسمها الامام الحسين (ع) متعددة الالوان، يستشرف عطاؤها الجميع فللشيخ الكبير فيها نصيب وحبيبٌ يرفع رايته ومن كان كهلا فدونه قمر بني هاشم الرجل العظيم المضحي المواسي و«العبد الصالح» وهي عبارة جرت على لسان الصادق من آل محمد، وان اراد الشاب وهم الذين يشكلون الشريحة العظمى من مكوننا الاجتماعي اليوم فلهم في الاكبر والقاسم وكوكبه خيرة من اهل بيت من آل عقيل ومن ابناء من ناصروا الحسين في كربلاء عليهم السلام القدوة، علينا ان لا نبرح مساحة عاشوراء بل نستحضرها فيما يتواءم وينسجم معنا وكلها تمثل لوحة انسجام لكن من الطبيعي ان يعيش الواحد منا من ماثله في واحدة من الحيثيات يكون من خلالها اكثر التصاقا وقربا الا ترى ذلك ايها المحب انك تأنس فيمن هو قريب منك عمرا تستطيب مجلسه تنفتح عليه تأخذ منه وترد له، قدوتنا كربلاء، انموذجنا الارقى والاسمى والاكمل والانبل كربلاء، لكن ليست كربلاء المحصورة في الكرامة فقط ولا في الاحلام فقط ولا في قضايا تختلق ربما، بل كربلاء بمساحة الارض والسماء، فعلينا ان لا نضيقها.

المعروف في كلام الامام الحسين (ع)

 الامام الحسين (ع) يأخذ بأيدينا الى قضية فلنسمعها منه يقول (ع): «إذا كان يوم القيامة نادى مناد أيها الناس من كان له على الله أجر فليقم قال فلا يقوم إلا أهل المعروف»[3]؛ يعني اذا كان يوم القيامة وقامت القيامة وطويت صفحة الدنيا نادى مناد: أيها الناس من كان له على الله أجر فليقم، لاحظوا الرسالة التي يريد الامام الحسين (ع) ان يوصلها لنا ودققوا فيها جيدا، في ذلك اليوم وفي عرصات القيامة التي يكون فيها الانسان مشغول بما علّق في رقبته وكما يقول القرآن: ﴿الزمناه طائره في عنقه﴾ أو كما تذكر الروايات الشريفة حالة البشر كيف انهم حفات عراة رغم ذلك أن منة الله، كرم الله، لطف الله، محبة الله تشملهم فيأتي النداء من ساحة القدس المطلق أيها الناس من كان له على الله أجر فليقم،. اي الذين قدموا في دنياهم الخير ليأتوا ويأخذوا اجرهم من الله سبحانه وتعالى، فلا يقوم إلا أهل المعروف، الامام الحسين (ع) لم يقل فلا يقوم الا من نصب العزاء عليّ، أو إلا من بكى عليّ، أو إلا من ساهم في تهيئة الطعام من اجلي واكرم الناس، وانما قال: إلا أهل المعروف!

المعروف؛ معناه ومساحاته

لماذا إلا اهل المعروف؟ وما هو المراد بالمعروف؟ ايها الاحبة المعروف له مساحات واسعة بمساحة الدنيا، المعروف بمساحة الارض والسماء، لكن علينا ان نتعاطاه ونتعاهده، علينا ان نثبته من خلال التكرار وليكن المعروف في اهله وكما يقول الشاعر:

ومن يصنع المعروف في غير أهله يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم[4]

المعروف ليس فقط أن تقدم مبلغاً ما لجهة بعينها وانما المعروف اوسع من ذلك بكثير، كأن تدل شخصا على الطريق فهذا معروف، أو ان تميط اذى عن الطريق فهذا معروف، أو تنصر اخاك أيضا معروف، أو ان تقف الى جانب مريض أو تقف إلى من صودر له حق فهذا أيضا معروف، أو ان تكون لين المنطق، سريع الابتسامة، تتحبب الى الآخرين هذا كله معروفٌ، ان تكون لديك ثروة فتنفق على الاقرب فالأقرب هذا معروف، ان تكون عالما فتفرغ مما افاض الله عليك هو معروف اذا أغلقت هذه الابواب وقطعت جميع هذه الطرق فانت ممن تنكب طريق الحسين (ع) انت ممن رد عليه مقولته يوم القيامة تأتي خالية الوفاض لا تكون من اولئك الذين يقومون ويقولون أي رب بررنا آبائنا وامهاتنا ووصلنا ارحامنا واقمنا الجمعة والجمعات وحضرنا في مناسبات الافراح والاتراح، وقفنا الى جانب الضعيف، لم نجامل القوي، نصرنا المظلوم ولم نصطف الى جانب الظالم، ضحينا بكل غال ونفيس من أجل الحق والحقيقة والفضل والفضيلة والسمو والرفعة، هذا الحسين، الامام الحسين (ع) واهل بيته وانصاره استشهدوا وصفوا كأجساد لكنهم لا زالوا المصابيح التي تضيء الدنيا، المصابيح التي تعمر الاسر، المصابيح التي تصون المجتمعات، المصابيح التي تضيء الطرق لمن اراد الوصول الى النهاية السعيدة، هذا الامام الحسين (ع) الذي لم يبخل بشيء فهل علينا الا ان نستجيب له في اقل الشيء!

أهمية التجسيد العملي لنداء «لبيك يا حسين»

كثير في هذه الفترة من يقول «لبيك يا حسين» لكن بعدها ماذا؟ هو يقول «لبيك يا حسين» وهو يحمل في داخله الغل والحقد والحسد والبغضاء والضغينة هذه تساويها «لا لبيك»، اذا كان الانسان يقول للإمام الحسين (ع) لبيك ويغادر منزله الى كربلاء زائرا لكن لا يلتفت الى المال من اين تحصّل عليه، هل نهبه من مال يتيم، هل اقتطعه من ثلث ميت غادر الحياة وينتظر عملا صالح يصل اليه؟ هل هي امانة لآخر تصرّف فيها.. كل هذه الأمور نتيجتها ستكون «لا لبيك» كما نرى بعض الروايات التي تقول مثلا: «رب تال القرآن والقرآن يلعنه»[5] أو «كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ»[6] أو كم من ضارب على هامته والدم يسيل على جسده وهو لا يقدم ولا يؤخر، أو كم من مرسل لدموعه على خديه يكفكفها بمنديل طيلة الليالي العشر ويلطم على صدره لكن لا يجد لذلك اثرا يوم القيامة، من اراد ان يستشعر الاثر عليه ان يقرأ آثاره في حال الدنيا، ان كنت قبل ليالي محرم العشرة احمل غلا وخرجت بعدها بذلك الغل فلست من ضيوفه ولست ممن بكى عليه، فالدموع التي لا تغسل الداخل لا قيمة لها كثرت او لم تكثر، خرجت بحرقة ام ببرودة ام بتصنع، علينا ان نعيش الحسين (ع) كما اراد؛ حركة اصلاح وليبدأ كل واحد منا بنفسه. نسال من الله سبحانه وتعالى ان يرزقنا واياكم الوصول لتلك العتبة الطاهرة وان يجعلنا ممن يعمر مجالسه وان لا ندير ظهورنا له بعد عشرة ايام من مجالس العزاء، لأرواح من فقدنا طوال العام المنصرم ولروح من مضى علينا وعليكم من شيعة امير المؤمنين عاما الفاتحة مع الصلوات.