نص كلمة لسماحته بعنوان: الإمام المهدي والانتظار العصري

نص كلمة لسماحته بعنوان: الإمام المهدي والانتظار العصري

عدد الزوار: 699

2013-06-30

وقفة مع علامات الظهور:

قال رسول الله (ص): «المهدي منا أهل البيت»([2]).

بارك الله لنا ولكم المولود السعيد المبارك، وأعاد الله علينا وعليكم الذكرى ونحن وأنتم وعموم المسلمين في أحسن حال نصبو ويصبون إليه.

دقائق قليلة أقتطعها من وقتكم الثمين كي أسلط الضوء من خلالها على جانب معين، ربما يحظى بالأهمية، خصوصاً فيما نعيشه في هذا الزمن، الذي يفترض أن يكون قريباً أكثر مما كان، من عالم ظهور الخلف من آل محمد (ص).

والإمام المهدي (ع) أنشودة السماء وحقيقة البشر. والخلاص والعدالة العامة أهم الأهداف المعلنة عن حركة الإمام المهدي (ع) لذلك نجد أنفسنا بين مسارين، فالعلامات المتتابعة سريعاً هل تعني في الواقع أننا نعيش حالة قريبة جداً من لحظات الظهور؟ أو أنها لا تتعدى مساحة البشائر التي يرى المرء فيها دائماً شيئاً من الهدوء والسكون والارتياح النفسي؟

فالعلماء خاصة، والمؤمنون بصفة عامة، يعنيهم الأمر، ولكن كل بحسبه. فربما تشغل الواقعية ذهن العالم أكثر من العامي، كما أن الأنس والبشارة في ذهنية العامة ربما تشغل مساحة أكبر مما هي عليه في ذهنية العلماء.

لذا ينحلّ عن هذه المقدمة أحد أمور ثلاثة، يتحرك المرء بناء على أساس منها:

1 ـ أن جميع ما نسمع من العلامات المتتابعة، في حالة من العجلة الملحوظة، لا تولد في داخلنا أكثر من الرغبة، فهل دخلت هذه الرغبة في حدود الجدية، أو أنها مجرد رغبة عامة يعيشها أبسط الناس؟

من حقنا جميعاً إذا ما سمعنا عن حصول مجموعة من العلامات التي نصت عليها بعض النصوص الموروثة الواصلة إلينا عبر طرقها، مع الاختلاف فيها صفةً، أن تشتد في نفوسنا حالة من الرغبة شيئاً فشيئاً، على أن تكون هذه العلامة هي المقصودة والدالة على قرب ظهور الخلف الباقي من آل محمد (ص) لذلك تجد أن المرء تأخذه حالة من النشوة الغريبة التي لم يكن يعتادها قبل أن تباشر أسماعه تلك العلامات.

وقبل أن أسترسل وأتدرج في المسارات الثلاثة، لا بد أن أشير إلى أن مجموعة من الكتب ـ لا سيما تلك التي تعنى بجانب الملاحم والفتن، وهي من الكثرة بمكان في القديم والحديث ـ جاءت بمجموعة هائلة من العلامات التي تدلل على قرب ظهور الإمام المهدي (ع)، إلا أن تلك الروايات الواصلة يكتنفها الكثير من الغموض الذي ينبغي أن تفكّ شفراته ليصل المرء إلى حقيقة العلامة المدللة، والأخرى التي تم تصنيعها في مصانع الوضع.

2 ـ سيادة الواقع الإخباري: فنحن في زمن كثر فيه اللغط والهرج والمرج، وصناع الأحاديث، كما كثر فيه ـ مع شديد الأسف ـ المتلقي للكثير من النصوص التي لم تقم بها الحجة، ولم تؤسِّس لها، إنما هي من قبيل الغث الذي أدرج في طيات السمين، فاكتسب لوناً من ألوان الشرعية، أو على الأقل لوناً من ألوان القبول، كما هو الحال إذا ما زُجَّت روايات ضعيفة تحت عنوان كتاب يحظى بالخصوصية والقيمة عند أهل النظر والنقد، أو كتاب لمؤلف بات يشكل رقماً هاماً في الساحة الثقافية والفكرية والدينية.

وهذا الأمر لا بد من الالتفات إليه والتدقيق فيه، لأننا ما عدنا نعيش كما كنا في الماضي، نجترُّ الكثير مما وصلنا من القضايا التي لم يقم عليها الدليل والبرهان، سواء كان ذلك في عالم النص، أم في عالم الرؤى التي باتت تشغل مساحة كبيرة من ذهنية الكثير من الناس الذين لم يسمحوا لأنفسهم أن يقتربوا من الواقع قبل أن يتقبلوا الوارد، وهذه واحدة من الإشكاليات المهمة في ذهنية المتلقي.

فعلينا إذن أن نتعامل بدقة مع تلك النصوص التي نصت على الكثير من العلامات التي أكدت قرب ظهور الإمام المهدي (ع) حتى أن قراءتها واستعراضها من قبل الكثير من الفضائيات اليوم، بات لا يتعدى حدود التسويق، أكثر مما لذلك الأمر من الأهمية والدلالة على الغرض.

فعلامات الظهور على قسمين، منها ما هو حتمي الوقوع، وهناك شبه إجماع على أنها لا تتعدى خمس علامات، أما هذا الكم الهائل الآخر من العلامات التي يؤمَّن لها شيء من الغطاء على أساس من الأحاديث والروايات المجعولة الموضوعة في الكثير من حالاتها والتي لا تتصف بالصحة، إنما هي في الأعم الأغلب روايات ضعيفة، بل الأكثر من ذلك أن قسماً منها موضوع مدسوس، وعلامات الدس والوضع فيها واضح بيِّن، بل إن رائحة الوضع في بعضها تدعو للكشف عن أسرار ذلك النص الوارد في كتاب ما، مع أن تلك الكتب في عنوانها العام تضاف إلى ذوات كبيرة بحسب الظاهر. فعندما يحاول المرء أن يستنطق النص، ويبذل الجهد ويتعمق، يجد أن الكثير من ذلك لا واقع له في عالم الخارج.

فالخبر الوارد، أو الرواية، أو الرؤيا أحياناً، حيث يدعي البعض أنه عاش واقعاً ما من خلال رؤيا رآها في زمان أو مكان ما، والأكثر من ذلك الروايات الواردة إلينا بطريق نتعامل معه نحن على أنه موثوق، كأن يوردها الخطيب الفلاني أو رجل الدين الفلاني، أو أنها وردت في قناة فضائية أو موقع إلكتروني، كل ذلك لا بد من التوقف فيه، فلا القناة تصحح السند، ولا الخطيب يستطيع أن يضفي حالة من التصحيح على نص يحمل من الضعف والسقم والضعة الكثير.

فالخبر الوارد عن علامات الظهور المدعاة في الكثير من الأحيان، علينا أن نتبينه ونقف أمامه طويلاً، لأن الجيل إذا ما كان يعذر في الماضي، فلا عذر له اليوم، فالمعلومة المحجوبة سابقاً باتت اليوم أقرب إلى يدك من غيرك أكثر مما تصور. وبقدر ما نعيش حباً وولاءً وارتباطاً ورغبةً في التشرف بالنظر إليه، علينا أن نمنح أنفسنا فرصة كافية لنستعيد قراءة النصوص، ونقف على دقائق الأمور فيما هو المدعى من الرؤى، التي تصدر في كثير من الأحايين من أناس لا يمتلكون القيمة الواقعية التي يمكن أن تنحلّ عنها تلك الرؤى.

3 ـ أما الأمر الثالث، وهو الأهم والأكثر خطورةً، هو أننا بعد أن نتجاوز الرغبة في وقوع الشيء، وتمحيص مقدماته، ننتهي إلى الاعتقاد.

والاعتقاد اليوم بات من المفاهيم التي تعصف بها الكثير من الرياح العاتية، وأعني بذلك الجذب والتجاذب بين الأطراف في ساحات المجتمع في أكثر من مكان ومكان، حتى أن البعض منا نصب نفسه حارساً على المعتقد، فعلى أساس من تلك الحراسة والخصوصية يُدخل من أحبَّ، ويخرج من الولاء والمحبة من لا يحب، وتلك إشكالية كبيرة.

فقد يبنى الاعتقاد على رؤيا مثلاً، كأن يرى البعض في المنام أن الإمام المهدي (ع) صلى في الموضع الفلاني، ثم يقول المعبّر في تعبيرها: بناء على ذلك فإن الفرج قريب! ولكن هنالك العديد من الأمور تفرض نفسها: من هو الرائي؟ ومتى رآها؟ وكيف؟ وأين؟ وما هي ملابسات الوضع الشخصي لمن ادعى الرؤية؟ وما هو قربه أو عدم قربه من المعصوم؟ كل تلك الأمور تشترك فيما بينها لتوجب إسقاطاً معيناً على الأمر المدعى.

إننا نجد بعض الناس، ممن تكون الرغبة في داخله جامحة، لا يتجاوز حدود التسليم، لأن لديه رغبة أن يعيش يوماً أو أياماً في ظل المهدي، ومن منا ليست لديه هذه الرغبة، ولكن ينبغي أن تبنى على أساس من الواقع، لا على أساس من الرؤى والتخيلات.

وهناك قسم من الرؤى التي تنقل إلينا، ينبغي فيها أن نتفحص حال الناقل، ولا يكفي أن يكون بيني وبينه صداقة ومحبة، كما لا يكفي أن يكون ظاهر حاله طيباً حسناً، فليس بالضرورة أن يكون ثبتاً فيما نقل، أو يكون على درجة عالية من استكشاف حالة الخطورة المترتبة على ذلك النقل، فيدخل المجتمع في حالة من الهرج والمرج دون أن يصل إلى نتيجة، بناءً على أحدوثة نشرها وبثها فردٌ من أفراد المجتمع. وهذه واحدة من أهم الإشكاليات التي نعانيها اليوم.

والأمر الثالث الذي لا يقل خطورة عن سابقيه، أن نعتقد بذلك، فمن المشكل أن يبني المرء معتقده على غير أساس ولا دليل ولا أصل يرجع إليه حين إرادة التفريع، وهي واحدة من المصائب التي ابتلينا بها في زمن بتنا فيه نشغل الموقع المتصدر بين جميع الملل والنحل من حولنا، فعلينا أن لا نكتفي بهذه الحالة من النشوة التي نعيشها اليوم، من التقدم في الكثير من ميادين الحياة، بل الأهم أن نكون على مستوى المسؤولية في تسويق المشروع المحمدي كما ينبغي، وعلينا أن نكون دعاة لهم بغير ألسنتنا، فاللسان يحمل الكثير، لكن ما يتطابق مع الوجدان والداخل هو الحجر الأساس والقاعدة والركن والأصل والدليل الذي يلاذ به ويُعتصم عند الزعازع([3])، فالمعتقد أمر مهم، لا بد أن يبنى على خبر وصل إلينا بطريق معتمد، لتتأجج الرغبة فينا لاستشراف ظهور الخلف الباقي من آل محمد (ص).

إن خروج الإمام المهدي (ع) سوف لن يكون مبوَّباً، إنما سيكون مفاجئاً للأمة، فبينما هي مشغولة بأداء المناسك، والطواف حول الكعبة، إذ بالمنادي ينادي بين الركن والمقام أن قد ظهر الخلف الباقي من آل محمد (ص).

أما العلامات المدعاة بين الفينة والأخرى، فهي وإن أمّنت لنا حالة من الاستشراف، إلا أنها لا ترقى إلى درجات اليقين، فكم من العلامات القطعية المحسومة عند البعض قبل قرون، كشفت القرون المتعاقبة أن لا واقعية لها من حيث ما يستوجب الخروج الملازم. وربما نعيش اليوم علامات لم يعشها من كان قبلنا، وسوف تكتشف الأجيال بعدنا، أن ما تسالمنا عليه، وما بشر به بعض الخطباء البسطاء، وأوهموا الكثير من مجتمعاتنا أن الإمام سوف يقف على باب المدينة الفلانية، أو الحسينية الفلانية، أو غيرها من الدعاوى غير المبنية على أساس متين، ما هو إلا سراب، وسوف لن تغفر لنا الأجيال ذلك.

الاستعداد للظهور:

إن أمر الخلف الباقي من آل محمد (ص) هو سرٌّ من أسرار الله تعالى، لذلك نجد في الدعاء: إلهي بحقّ فاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها، والسرّ المستودع‏ فيها، ففي بعض المؤشرات الروائية أن السر المستتر في الزهراء (ع) هو السر الأعظم، وهو الخلف الباقي من آل محمد (ص).

وبناء على ذلك لا بد أن نكون على أهبة الاستعداد التام لاستشراف ذلك النور، والتبرك بطلعته النَّورى، ونتفاعل معه في كل مستوجبات الحدث. فلنسأل أنفسنا: هل نحن على درجة كافية من الاستعداد بحيث لا نندم على الساعة التي أُذن له فيها بالفرج؟

ربما يقول قائل: أوَبعد هذا الكدح الطويل العريض، والتحمل الشديد للمصائب والمحن، ثم يخرج المنقذ المخلِّص، ناشر العدالة العالمية، فيجد طبقة من الناس في حال من الحسرة وعدم الرغبة في خروجه (ع)؟

الجواب: نعم، والأمر واضح، وسوف أنتزع درساً اجتماعياً اسقطه على واقعنا الاجتماعي. فكل من تقدم الإمام المهدي (ع) من الأنبياء والأئمة (ع)، تعاملوا مع مجريات الأحداث على أساس من الأحكام الظاهرية، فيشهد الشاهدان على قضية ما، فترتب الآثار، وبعض الحدود تحتاج إلى أربعة شهود، كالزنا مثلاً، وهكذا في سائر الأحكام، أي أنهم يتعاملون مع الظاهر لا مع الواقع الفعلي، فربما كانت الشهادة خاطئة في إصابة الواقع، إلا أننا متعبدون بترتيب الواقع عليها، وقد أعطى الشارع للشهادة صبغةً تأمين الحكم الشرعي، إذا ما أراد القاضي أو الحاكم الشرعي أن يعتمده. وهذا حقيقة لا لبس فيها.

أما في زمن المهدي (ع) فالأمر أخطر، وسوف تنقلب المعادلة تماماً، وتكون الأحكام واقعية لا ظاهرية. فلو أن شخصاً سكن داراً، لم تكن عملية البيع والشراء فيها منضبطة بالضوابط الشرعية، فإن حقيقتها سوف تظهر في ذلك الزمان. وهكذا إن كان هنالك من يعيش زمناً طويلاً على الكثير من الأموال التي ورثها من ميت أوصى ولم تنفَّذ وصاياه فيما ينبغي، وهذا أمر موجود، فالكثير من الأثلاث معطلة، والوصايا متوقفة، ومثلها الكثير من الأمور، فما لم تحصل دعوى من شخص ما، وشاهد يشهد، فإنها تبقى مستورة. لذا نجد في الحديث: «لو تكاشفتم ما تدافنتم»([4]). فنحن اليوم نتعامل على الظاهر، فمن كان ظاهره حسناً شهدنا له بالعدالة، قال رسول الله (ص): «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان»([5]).

هذا في واقعنا الحالي، أما الإمام المهدي (ع) فلا يتعامل على أساس هذا الحساب، إنما يكون حكمه في القضايا حكماً واقعياً، لا يُنقض ولا يبدل بحكم آخر.

فلا شك أن هناك نمرقة من الناس عندما يخرج الإمام المهدي (ع) ترفضه، ولذلك نجد في بعض الروايات أنه يخرج له من ظهر الكوفة بضعة عشر ألفاً من البُتْرية([6])، فيقولون له: ارجع من حيث جئت، فلا حاجة لنا في بني فاطمة([7]).

فهناك الكثير ممن يجلس في مجلس السهلة، ويدعون بدعاء الفرج، ويضعون أيديهم على رؤوسهم ويطأطئونها إجلالاً له، ولا يتركون دعاء العهد، وزيارة آل ياسين، والمواظبة عليها، إلا أن الإيمان ليس لقلقة لسان، إنما هو عقد في الجنان، وعمل بالأركان، فقد تتصور أن زيداً من الناس أكثر إيماناً من فلان، لأنه يأتي للمسجد أكثر، أو يكثر من الدعاء، وهذا ليس دليلاً، ومن الوهم لدينا أن نتصور أن طبقة رجال الدين في الأمة كطبقة الأولياء الصالحين، أو حتى الأنبياء، وهذا هو المأمول، لكنه ليس الواقع بالضرورة، فقد ترى أحياناً من يجوب الأسواق والطرقات، أو ينزوي في مجلس من المجالس، فتتصور أنه لا حظَّ له من الإيمان إذا ما قيس بفلان، لكن الله أخفى وليه في عباده([8]). فربما يكون ذلك المغمور في نظرنا أفضل بكثير عند الله، وأقرب إليه ممن تصورت فيه الكثير.

وهكذا في الإمام والمأموم، فليس بالضرورة أن يكون الإمام أفضل حالاً، وأقرب إلى الله من المأموم، فربما تكون في الإمام أكثر من إشكالية وإشكالية. نعم، نحن مكلفون بحسن الظاهر، إلا أن الواقع فيما بينه وبين الله قد يكون خلاف الظاهر. وفي زمن الإمام (ع) لا وزن للظاهر، إنما يتعامل وفق الواقع، فلن يتقدم في زمنه المفضول على الفاضل.

كيف نتصل بالإمام المهدي (عج):

ومما لا شك فيه أن الإمام المهدي (ع) ينتظرنا، ونحن ننتظره كذلك، وهذا الانتظار يعني أن هنالك مكاناً وزماناً وخطاً واصلاً بين الأمرين، ثم هنالك ركنٌ متقوم بالمنتظَر وهو الخلف الباقي، والمنتظِر، وهو الإنسان الذي يعتقد بإمامة الإمام المهدي (ع). فهنالك إذن طرفان في قضية، وهنالك وصل بينهما، وهو الانتظار، وقد دفعتنا الشريعة، ورسمت لنا مجموعة من الخطوط والطرق المساعدة للوصول إلى حالة الانتظار المقبول والمطلوب والمأمول.

فمن تلك الطرق الزيارات، فنحن أتباع مدرسة أهل البيت (ع) التي فيها من الثروة العالية المتضمنة لواحد من أهم العناوين، وهو زيارات أهل البيت (ع) وهو ما نقرأه في كتب الأدعية، كمفتاح الجنات([9])، ومفاتيح الجنان([10])، ومصباح المتهجد([11])، وغيرها. وهذه الزيارات تشكل إرثاً ضخماً، يستطيع المرء أن يرتبط من خلاله مع الطرف الآخر. فهنالك زيارات عامة تشمل المعصومين جميعاً، كالزيارة الجامعة، وأخرى خاصة، يرتبط من خلالها المرء مع معصوم بعينه، كزيارة عاشوراء مع الإمام الحسين (ع) وزيارة النبي (ص) وغير ذلك.

أما مع الإمام المهدي (ع) وهو الإمام المفترض الطاعة، والذي نعيش في كنف إمامته، والذي يشملنا فيضه ولطفه، وإن كان مغيباً عنا، فإنَّ القضية لا تعدو مساحة ما أوردته روايات أهل البيت (ع) حيث شبهت حاله بحال الشمس التي غيبتها عن الأبصار السحاب([12])، فلا يمنع اختفاؤها وراء السحب من الانتفاع بها. يقول الشاعر:

يا غائباً لم تغب عنا عنايته   كالشمس كللها داجٍ من السحبِ

فنحن لم نتشرف بالحضور بين يديه، لكن الألطاف والفيوضات والخيرات التي تجري من قبله كواسطة فيض بيننا وبين السماء مما لا ينكره إلا من لم يعد يحمل في داخله نفساً صافية نقية قابلة لاستقطاب اللطف والفيض منه (عج).

ومن الطرق الأخرى للاتصال به (ع) بالإضافة إلى الزيارة، الدعاء، وهو أمر مهم، فنحن نتوسل إلى الله تعالى بالدعاء في كل حين، سواء بالدعاء المباشر، أم التوسط بالوسائط، ويحصل لنا المراد، وقد يتأخر عنا، ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور، فقد ندعو ويستجاب لنا، وقد تتأخر الاستجابة، فليس هنالك ردّ للدعاء، لأن الله تعالى كريم.

من هنا فإن الدعاء له بالفرج، ولنا بالتوفيق في اتباعه وطاعته، يعد من أبرز الوسائل للاتصال به (ع) فعلينا من الإكثار منه والتوجه إلى الله تعالى بنيات خالصة أن يوفقنا للتشرف بطلعته البهية.  

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.