بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعداءهم أعداء الدين

رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

بارك الله لنا ولكم ذكرى ميلاد السيدة الجليلة الفاطمة المعصومة بنت الامام الكاظم (ع) وبلغنا الله واياكم شرف الوصول الى عتبتها الطاهرة والمثول عند قبرها الشريف.

جاء في الحديث الشريف عن الامام الصادق (ع) انه قال: «إن لله حرما وهو مكة، ألا إن لرسول الله حرما وهو المدينة، ألا وإن لأمير المؤمنين حرما وهو الكوفة، ألا وإن قم الكوفة الصغيرة، ألا إن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم، تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم»[2]

السيدة المعصومة سلام الله عليها؛ عابدة عالمة عاملة

السيدة فاطمة المعصومة‌، سيدةٌ جليلة في عمر الورد ودعت الدنيا، أبوها الإمام الكاظم (ع)، أخوها الإمام الرضا (ع)، ابن أخيها الإمام الجواد (ع)، ثلاثة من الأئمة المعصومين يكتنفون هذه الذات الطيبة المباركة، أمها نجمة ـ على الأصح ـ وهي امرأة عابدة عالمة عارفة، تلقت السيدة المعصومة سلام الله عليها معارفها الأولى على يديها، تكفلها أخوها الإمام الرضا (ع)، افرغ عليها من العلوم الخاصة الكثير، كانت مميزةً بين اقرانها في بيت ينسب لأشرف إنسان على وجه الارض، السيدة المعصومة سلام الله عليها حياتها شابهت حيات جدتها الزهراء سلام الله عليها بنت النبي محمد (ص) من جهات عدة، المعصومة سلام الله عليها عابدة من جهة وعالمة من جهة وعاملة من جهة أخرى، مثلث متكامل الأضلاع كل ضلع من هذه الاضلاع الثلاثة له قيمته واثره.

عبادتها: عندما نزلت إلى مدينة قم بعد النكبة التي حلت بها في مدينة ساوة وقُتل من كان معها من إخوتها وأبناء إخوتها واصطحبها الاشعريون رضوان الله عليهم الى قم أنزلوها احد دورهم، اشعلت تلك الدار بفيوضات العبادة واشراقات الايمان، رغم نحافة جسمها جراء ما حل بها في الطريق والعلة التي باتت تنشب إظفارها في ذلك الجسد الضعيف الذي ارهقته الايام جراء ما جرى على أبيها الامام الكاظم (ع) من الظلم والجور، حيث السجون المتلاحقة والاضطهاد و... ايام قليلة واذا بروحها المقدسة قد عرجت الى الملكوت الاعلى، بيتها الى اليوم يعرف بـ «بيت النور»، وصفة النور قد انتزعت من الاشراقات النورانية التي أفاضتها على أهل قم من خلال تلك الدار وهي دار يتبرك بها.

علمها: السيدة المعصومة سلام الله عليها في جانبها العلمي كانت احد الأبواب المفضية لمدرسة الإمام الرضا (ع) المعروف بفقيه أهل البيت عليهم السلام، كانت تجيب الاسئلة للنساء مباشرة وللرجال بالواسطة هذه الاشراقة أيضا انعكست بعد ذلك أي بعد ان التحقت بالرفيق الأعلى حيث ما لاذ بقبرها والتمس اللطف والفيض والعون من الله سبحانه وتعالى بشرفها ولشرفها الا ونال مراده، العلماء الكبار في المعقول والمنقول يحنون الهامات اعزازا واجلالا واكبارا لها، وفي هذا دلالة واضحة على ما كانت تعنيه هذه السيدة، النساء اللواتي هن من أهل بيت النبوة كُثر، لكن من تبوأوا المقام المتقدم اسماء تذكر وتحفظ، السيدة الزهراء سلام الله عليها خارجة بالتخصص والتخصيص ايضا، لكن السيدة الحوراء زينب الكبرى سلام الله عليها هذه لها ميزتها، رقمٌ كبيرٌ في المعادلة، السيدة المعصومة سلام الله عليها لها شانيتها لكن من يعرف تلك الشأنية؟ يعرف ذلك الذي قرأها.

ضريحها ملاذ القاصدين

أصحاب المعقول ككبار رواة الحديث عن الأئمة (عليهم السلام) كانوا عندما يصلون إلى مدينة قم سواء للاستيطان بها جراء الظلم العباسي في العراق وقتها حيث كانت مدينة قم الملاذ، أو كان للزيارة عندما كان يحطون رحلهم، يذكر الشيخ العباس القمي صاحب كتاب مفاتيح الجنان (رضوان الله تعالى عليه) في أحد كتبه باللغة الفارسية: ان كبّار المحدثين من مشايخنا ومشايخ مشايخنا كانوا إذا وصلوا عند مسجد الإمام العسكري يخلعون نعلهم ويكملون الطريق حفاة إلى ضريحها المقدس! تصوروا هؤلاء الذين شرفوا بالذهاب الى مدينة قم هم  ليسوا من سروات الناس هؤلاء قمم بمثابة المراجع اليوم، بل ربما هم في مرتبة متقدمة، حتى أصحاب المعقول كان ديدنهم هذا، باعتبار ان اصحاب المنقول يصاحبهم التواضع و... بخلاف اصحاب المعقول الذين يذهبون احيانا الى البعيد، لانه لا يرى شيئا الا ويريد ان يحكم به العقل.

عند ضريحها تحل المعضلات

 من أئمة مدرسة العقل النظري هو صدر المتألهين صاحب كتاب الاسفار الاربعة الذي مدرسته الى اليوم مسيطرة على جميع اروقة الفلسفة في الشرق ـ على الأقل ـ باعتبار الغرب صاحب فلسفة مادية، هذا الرجل العظيم اعتكف في مدينة كهك والتي تقع قرب مدينة قم وفيها قبر السيدة زينب أخت السيدة المعصومة، هذا العالم كان إذا تعقدت عليها المطالب وانسدت في وجهه الأبواب نزل من مغارته وقطع الاعتكاف (اقصد من الاعتكاف هي الخلوة وليس الاعتكاف الشرعي) وقصد الى عتبة السيدة المعصومة سلام الله عليها، يقول كنت لا أخرج من حرمها الا وقد حلت المعضلة، ربما يأتي شخص ويقول لي سماحة السيد المعروف عنك أنك لا تقبل في مثل هذه القضايا، أقول انا لا اقبل بما لا يمكن ان يقرء ولا يلتمس له وجه من العقل، يعني عندما يقول لي شخص مثلا صارت زحمة عند الاشارة وجاء صاحب الزمان وحركها! حينها اقول له عقلي لا يتحمل هذا، أو يقول لي بان الامام الحسين (ع) رأيته يسقي الناس المعزون الذين يركضون في عزاء طويريج، انا لا اتحمل هذا، غيري قد يتحمل لكن أنا لا أتحمل مثل هذه الامور.

التماس نزول الفيض عند مضجعها

 لكن من الطبيعي ان حالة الانس والاشراق عند المعصوم (ع) تختلف عما في مكان آخر أو عند الكعبة في بيت الله تختلف، اصلا مثال بسيط انت عندما تصلي ركعتين عند ضريح أحد الائمة المعصومين ـ بلغكم الله ذلك في القريب العاجل ان شاء الله ـ تنويها قربة الى الله تعالى وتستحضر انك في حضرة المعصوم (ع) ثم ارجع الى الفندق وصلي هذه الركعتين حينها سترى الفارق فيها بمساحة السماء الى الارض! أنت جرب هذا، فصدر المتألهين عندما كان يخرج من مدينة كهك ومن عالم المادة الصرف ويأتي الى عند السيدة المعصومة الى عالم المثل، عالم النورانية.. هو يعرف قيمة من قصد اليها والا لماذا يقطع كل هذه المسافة مشيا على الاقدام؟ هو جاء وهيئ نفسه لاستقطاب الفيض الالهي، حينها يحصل له هذا الشيء، نحن عقيدتنا فيمن هم دون الأئمة وليس الائمة، لان الائمة (عليهم السلام) لهم حساب آخر، من هم دون الائمة ان لهم القدرة في تحريك ذرات الكون هذه عقيدتنا، السيد الامام (رضوان الله تعالى عليه) هذا الرجل الذي قلب موازين الدنيا في القرن العشرين عندما يقصد اول ما يقصد الزيارة والتماس البركة من هذه السيد الجليلة ماذا يعني هذا؟ .. طبعا هناك مئات الآلاف من رواة الحديث وفقهاء ومؤلفين وخطباء و... عبر مسيرة اكثر من الف سنة هؤلاء مروا عند هذا الضريح وقفوا امام هذا الضريح التمسوا لهم الفيض والبركة وحصل لهم ما حصل، لكن مع الأسف صار البعض يتجاوز هذه السيدة ولا يزورها! يعني مثلا عندما كان الامر سهل في زيارتها (ان شاء الله الامور ترجع الى حالتها الطبيعية الاولى، لان هذا بالتالي عارض كالعارض الصحي لكن ان شاء الله سيزول بعون الله تعالى) كان البعض يذهب لزيارة الامام الرضا (ع) ولا يأتي لزيارة السيدة المعصومة عليها السلام بحجة ان هذه السيدة هي صغيرة!! في حين هي في الروايات كريمة اهل البيت عليهم السلام، نحن نقول عن الامام الحسن (ع) بانه كريم اهل البيت، وعندما يقولون كريمة اهل البيت فوراً يتبادر في الذهن السيدة المعصومة، لانها كريمة في حياتها، كريمة بعد وفاتها ايضا، لان عقيدتنا نحن بان اولياء الله احياءٌ عند ربهم يرزقون هذا ما صرح به القرآن الكريم وليس لرواية حتى يشكك البعض فيها، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يقضي حوائجنا وحوائجكم ويشافي مرضانا ومرضاكم ويدفع البلاء عنا وعنكم بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين وبشرف السيدة المعصومة سلام الله عليها.