نص كلمة: في ذكرى ميلاد أبطال كربلاء
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
اسعد الله أيامنا وأيامكم، بارك الله لنا ولكم في ذكرى المواليد الثلاثة، رزقنا الله وإياكم في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم.
غسق الليل انتماء بسمة الصبح اصطفاء
نور اقمار تجلت تملؤ الدنيا بهاء
سبط طه في علاه امطر السحب ابتداء
ولزين الخلق طراً راهب الليل لواء
وكذا المشرق دوما قمر الطف وفاء
فلنصلي في ارتقاء وعروج وانتشاء
قطرات من بحر فضائل سيد الشهداء (ع)
السبط الثاني للنبي الأعظم محمد (ص) انه من النبي والنبي منه بصريح هذه الرواية النبوية الشريفة: «حسينٌ مني وأنا من حسين»[2].
أبو الأئمة الأطهار، كما جاء في الحديث الشريف: «إن الله تعالى ... اختار من الحسين الأوصياء يمنعون عن التنزيل تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأول الجاهلين، تاسعهم باطنهم ظاهرهم قائمهم وهو أفضلهم»[3].
هو سيد الشهداء بالمطلق ممن تقدم أو تأخر كما ورد في الحديث القدسي الشريف: «اما انه سيد الشهداء من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة»[4].
كرامة الشفاعة في تربته وكرامة الشفاء في تربته، كما أكد على هذا المعنى امامنا الصادق (ع) من خلال هذا الحديث الشريف: «في طين قبر الحسين عليه السلام الشفاء من كل داء وهو الدواء الأكبر»[5].
أما البركة في زيارته فحدث ولا حرج، زرته عن قرب أن تسنى لك أو زرته عن بعد إن تعذر عليك، فان الإمام الحسين (ع) في عالمه الخاص اقرب إليك من نفسك، تعلق به، اطرق بابه ليلا ونهارا، ستجد جوابك من عالي علاً ومن أرفعها سناما، وهذا المعنى أيضاً ورد في الحديث الشريف المروي عن الإمام الصادق (ع): «من زار قبر الحسين (ع) لله وفي الله أعتقه الله من النار وآمنه يوم الفزع الأكبر، ولم يسأل الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا أعطاه»[6]، لكن إذا أردنا ان نطرق الأبواب باباً بابا فعلينا ان ننطلق من داخلنا بعد ان نطهر الداخل حتى يصل من الصفاء إلى مرحلة يصبح مؤهلاً في أن يكون موضعاً لأن تنقش عليه الأسماء الطاهرة لمحمد وآل محمد(ص)، من خلال ما نقوم به في باب ما وجب وننتهي عنه في باب ما نهى، لا يطلب منا أولاً وبالذات أكثر من هذا؛ أن نمتثل الواجب وان نترك المحرم وإذا علت همتنا واستجابت أجسادنا لرغبات الروح شفعنا ذلك بمستحب هنا او هناك وابتعدنا عن مكروه ربما تسلل إلى دواخلنا بمحطة أو أخرى.
تراث الامام السجاد (ع) السرمدي
الإمام زين العابدين القمر الثاني الذي نتبرك بذكرى مولده ترك وراءه زاداً لا تحد حدوده، لأنه لديه القدرة في أن يتولى أو يتكثر مع الأيام من خلال ما يقرأ ويستنبط، فجميل بنا أن نسأل: هل لما خلّفه في بيوتنا نصيب؟ هل لما تركه وديعةً في أيدينا ما يؤمن مشروع حركة يترتب عليه أن نكون في مرحلة أو في محطة متقدمة على ما كنا عليه سابقا؟
1ـ الصحيفة السجادية؛ أين هي المواضع التي تشغلها من بيوتنا؟ هل هي في مجلس استقبالنا؟ أم في صالة اجتماعاتنا؟ أم في ركن وزاوية؟ أم أنها إلى اليوم لم تهتدي إلى بيوتنا سبيلا وأغلقنا الأبواب بوجهها فلا نسمع منها إلا قطعا يجود بها علينا بعض رجالات العلم في مساجد يترددون ويقيمون الصلاة فيها، ثم بعد ذلك وداعا وداعا إلى الملتقى .. يا زين العابدين نطلب منك الشفاعة ونحن لم نتمثل طريقتك ولم نتقلب في ساحة المطلق من خلال ما نسجته من دعاء لا يصل إليه البشر إلا من خص بالمقام الأخص الأخص الخصيص وذلك لا يكون إلا في الأنبياء والأوصياء والأولياء من آل محمد (ص).
2ـ رسالة الحقوق؛ أي حق قرأناه وبأي واحد من تلك الحقوق نهضنا؟ أي هذه الحقوق يتحرك في مساحات بيوتنا ويقطع الطريق معنا وينير الدرب لنا ويسلّك المسار ويجسّر الجسور لنعبر إلى حياة أفضل وعيش رغيد في جانبيه المادي والمعنوي؟ كثيرٌ منا من يحرص على بناء المادة ويتساهل في بناء المعنى أو تحصيل المعنى لبناء الروح.
3ـ المناجاة الخمسة عشر؛ هذه المناجاة هي عبارة عن خمسة عشر طريقا بمقدورها ان تحقق لك مسار العروج، فكما أن السماء أسرت بالنبي (ص) وعرجت به، فبمقدور هذه المناجاة أيها الأحبة ان نؤمن ذلك، فهل تحركنا في مساحاتها؟
4ـ دعاءُ أبي حمزة الثمالي؛ ونحن على أبواب شهر رمضان المبارك ـ بلغنا الله وإياكم الشهر الفضيل ـ نتثاقل من قراءته وان جدنا في شيء من ذلك ففي ليالي ثلاث تسمى بالقدر ليلة اخفاها الله بين الليالي وان ضاقت دائرتها في العشرة الاواخر من شهره جلت قدرته رمضان المبارك، لكن ليسال كل واحد منا نفسه هل كلفت نفسك ان تضع يدك في يد الإمام زين العابدين (ع) من خلال هذا الدعاء ولو مرة واحدة وشهر رمضان يطرق بابك!
5ـ قصيدته المشهورة؛ التي قطعت الاودية والشعاب والتي يقول في مطلعها:
لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ واليَمَنِ * * * إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ[7]
هذه القصيدة التي تلقفتها حناجر المبدعين وتحركت في حدودها اقلام الباحثين ضيعناها حتى باتت تنسب لغير المولى زين العابدين (ع).
فضيلة من فضائل العباس (ع)
وأخيراً القمر المنير من خلال أخوته الصادقة، من خلال معرفته الحقة بإمام زمانه، ورد في الحديث المروي عن الامام الصادق (ع) انه قال: «كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الايمان»[8] يصدّق هذا ما جسّده سلام الله عليه في كربلاء، حيث قدمت له العروض وأبى إلا أن يرفع مبدأ الأخوة عاليا والتضحية ساميا، قدّم أخوته بين يدي إمام الحق المفترض الطاعة، ثم قدّم نفسه قربانا وهو في حالة من الانتشاء، في حالة من الصفاء، في حالة من السمو، أيها المؤمنون انتم في دائرة هؤلاء، فحافظوا على البقاء في هذه الدائرة بالإكثار بالصلاة على محمد وآل محمد.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.