نص كلمة في حفل ختام الدروس الدينية بالمطيرفي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
بارك الله لنا ولكم ميلاد السبط الأول ريحانة الرسول الإمام الحسن (ع)، بارك الله لنا ولكم المناسبة وأعادها الله علينا وعليكم والأمة في أحسن حالها.
قراءة للسبط المنتجب الاول من خلال السبط الثاني (عليهما السلام)
عندما نريد ان نعرّف شخصاً نتمحل الطرق لمعرفته، لكننا عندما نريد ان نعرّف واحداً من كوكبة أهل البيت عليهم السلام فلا سبيل لنا يوصلنا إلى المعرفة الحقة إلا ما كان منسوباً لهم، وإلا ما كان صادراً عنهم، فهم خير من يعرّف نفسه حتى لا نجد ذلك في مطويات الكتب وأسفارها الموسوعي منها والمفرّق ترصد لنا المشهد على ان النبي (ص) يعرّف أهل بيته تارة وعليٌ (ع) يعرّف نبي الرحمة تارة أخرى وهكذا ثم تجتمع الروافد فيما بينها لتكون لنا زاداً طيباً سلسلاً ننهل منه حيث شئنا، نريد اليوم ان نقرء الإمام الحسن (ع) من خلال السبط الثاني الإمام الحسين (ع)، يقول الامام الحسين (ع) مخاطباً أخيه الامام الحسن المجتبى (ع): «رَحِمَكَ اللهُ أَبا مُحَمَّد! أنْ كُنْتَ لَتُباصِرُ الْحَقَّ مَظانَّهُ، وَتُؤْثِرُ الله عِنْدَ تَداحُضِ الْباطِلِ في مَواطِنِ التَّقيَّةِ بِحُسْنِ الرَّوِيَّةِ، وَتَسْتَشِفُّ جَليلَ مَعاظِمِ الدُّنْيا بِعَين لَها حاقِرَة، وَتُفيضُ عَلَيْها يَداً طاهِرَةَ الأْطْرافِ نَقيَّةَ الأْسِّرَةِ، وَتَرْدَعُ بادِرَةَ غُرَبِ أَعْدائِكَ بِأَيْسَرِ الْمَؤُونَةِ عَلَيْكَ، وَلا غَرْوَ وَأَنْتَ ابْنُ سُلالَةِ النُّبُوَّةِ، وَرَضيعُ لِبانِ الْحِكْمَةِ...»[2]
كُنْتَ لَتُباصِرُ الْحَقَّ مَظانَّهُ
أيها الأحبة أيها الشباب آبائي أخواني نحن اليوم في مسيس الحاجة ان نتعرّف الحق وأن ننأى بأنفسنا عن أسماء الأشخاص إلا ما عناهم الكتاب المنزل على قلب النبي المرسل محمد (ص)، لذلك أيها الأحبة نقتبس من مدرسة الامام علي (ع) هذا الدرس وهذه القاعدة: «اعرف الحق تعرف أهله»[3]، وهذه القاعدة متى ما تسيدت موقفنا وأخذت بنا أوصلتنا إلى ساحل النجاة، وأما إذا قلبنا القاعدة وجعلنا الملاك في الحق هم الأشخاص فليس وراء ذلك إلا الضياع والشتات والتيه، الإمام الحسين (ع) يعود مرةً أخرى ليقول لنا:
تُؤْثِرُ الله عِنْدَ تَداحُضِ الْباطِلِ في مَواطِنِ التَّقيَّةِ بِحُسْنِ الرَّوِيَّةِ
نحن اليوم في عالم متقاطع يتكالب فيه الأعداء من كل حدب وصوب، الصورة مشوشة الحروف غير مرتبة الذي ينبغي لنا والذي يجب علينا ويتحتم هو ان نقبس من نورهم وان نأخذ من هديهم، ان تكون التقية سيدة الموقف، على ان تكون بحسن الروية بمعنى ان لا نكون في دائرة الإفراط من جهة أو التفريط من جهة أخرى، وإنما نكون في حالة موازنة التي أصّل لها الكتاب المنزل وفرعت عليها السنة المطهرة الصادرة عن محمد وآل محمد (ص)، والتقية أيها الأحبة سلاحٌ لا يجاريه سلاح في حفظ للأنفس والأموال والأعراض والأوطان والأديان وهو الأهم، لذلك ما انفك أئمتنا (عليهم السلام) يؤكّدون على هذا الجانب وينصبون العلامات عند أكثر من مفترق في طريق وطريق، فحريٌ بنا ان نهتدي بهداهم وان نسير على طريقهم وان نأخذ بحجزتهم، فلا منار ولا ملاذ ولا ملجأ ولا منقذ إلا هم عليهم الصلاة والسلام، ثم يقول (ع):
وَتَسْتَشِفُّ جَليلَ مَعاظِمِ الدُّنْيا بِعَين لَها حاقِرَة،
إذا ما أراد الانسان ان يجعل الإمام الحسن (ع) قدوة عما له وما عليه لابد ان ينظر الى طرفي المعادلة بدقة وتمعن الطرف الاول الدنيا، القرآن الكريم يقول: ﴿ولا تَنسَ نَصيبَكَ مِنَ الدُّنيا﴾[4]، والإمام الحسن (ع) يقول: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً»[5] لكن هذا هو الطرف الاول للمعادلة، اما الطرف الثاني وهو الأهم فهو الآخرة أيها الأحبة، إذا اتسعت عيوننا وتقلصت عقولنا أقبلنا على الدنيا وأدبرنا عن الآخرة وفي ذلك ضياعٌ عظيم، لان الدنيا مزرعة، نزرع فيها ولا حصاد إلا في ذلك اليوم.
وَتُفيضُ عَلَيْها يَداً طاهِرَةَ الأْطْرافِ نَقيَّةَ الأْسِّرَةِ،
من يجاريك يا أبا محمد في شرف نسبك ومن يجاريك في طهريتك، من يجاريك في كرمك وسخائك؟ ما مد يده يوماً الى حطام وإنما كان يأخذ منها ما يؤمّن من خلاله عيشاً كريماً له ولأهل بيته وللمؤمنين من حوله.
وَتَرْدَعُ بادِرَةَ غُرَبِ أَعْدائِكَ بِأَيْسَرِ الْمَؤُونَةِ عَلَيْكَ،
البعض من المتجنين على التاريخ والصارفين للنظر عن حقائقه يقولون ان الإمام الحسن (ع) إنما دخل في الصلح مع معاوية بغية شيء واحد وهو السلامة لنفسه وأهله! لو كان الأمر كذلك لما كاتب الطرف الآخر اي معاوية قائلا له: «فإنك دسست الرجال للاحتيال والاغتيال وأرصدت العيون كأنك تحب اللقاء، وما أشك في ذلك فتوقعه إنشاء الله»[6] لكن بالنتيجة الظروف تبقى لها ما لها من الإسقاط المباشر على المشهد بحيث يشكل في الكثير من الحالات رسوم العوائق أمام الانطلاقة في كل المسارات العلمية والفكرية والثقافية والاجتماعية والى يومنا هذا مع شديد الأسف لا زال المعرقلون وقطاع الطرق الذين استبدلوا من قطاع الطرق في جانبه المادي الذين يسلبون الناس أموالهم ويبتزون أعراضهم ويهددون أرواحهم إلى قطاع طرق من نوع آخر، يحاربون الكلمة الحرة ويصادرون الموقف الشريف ولا يقبل منك أيها الإنسان المؤمن إلا ما أراده الهوى والميل والاتجاه والجماعة المتكتلة على نفسها، نحن أتباع مدرسة الإسلام القوية بإسلامها القادرة على ان تسافر في الكثير من الأجواء والمجالات، جراء ما تتمتع به من علم وجراء ما تتمتع به من أدب وجراء ما تتمتع به من فن وجراء ما تتمتع به من روح كلها انفتاح. أيها الأحبة الانغلاق على الذات والانطواء على النفس والتقوقع عند حدود مجتمع ضيق يدفعنا الكثير، علينا ان ننفتح على المجتمعات من حولنا، لأننا مهما كنا عليه من مقام وما وصلنا إليه من منزلة يبقى ان لا نتجاوز ان نكون مفردة ضمن كلمة لها ابتداءٌ وانتهاء فحري بنا أيها الأحبة ان نكون المفردة الأنصع والأكثر جمالا والأقدر على العطاء في ضمن هذه الكلمة المنسوجة.
وَلا غَرْوَ وَأَنْتَ ابْنُ سُلالَةِ النُّبُوَّةِ، وَرَضيعُ لِبانِ الْحِكْمَةِ
أيها الأحبة السبط الثاني الإمام الحسين (ع) بعد ما قدم من صفات يقول في حق أخيه: وَلا غَرْوَ وَأَنْتَ ابْنُ سُلالَةِ النُّبُوَّةِ، وَرَضيعُ لِبانِ الْحِكْمَةِ، الإمام الحسن (ع) كريمٌ في أصله، أصيل في موقفه، الإمام الحسن (ع) شجاعٌ مع نفسه، صريح مع الطرف الآخر، الإمام الحسن (ع) رضي ان يتنازل في موطن يحتم عليه الموقف ذلك، لذلك قدم ما قدم، اما ثمرة الموقف فمن خلال الرؤيا والروية التي انتهجها الإمام الحسن (ع) ولولاها لما كتب للطف من خلود ولولاها لما تردد اسم الحسين (ع) في أوساطنا ولولاها لما بقي للدين ما يدلل عليه، الإمام الحسن والإمام الحسين إمامان قاما أو قعدا ليس في حدود القيام والقعود التركيبي الذي يحصل لي ولك ويصدر مني ومنك وإنما القيام والقعود المعنوي في جميع فقرات حياتهم نحن لا نفرق بين احد من أولياءنا كما أمرت السماء: ﴿لا نُفَرِّقُ بَينَ اَحَدٍ مِن رُسُلِهِ﴾[7] أئمتنا منظومة واحدة، أيها النشء الطيب، زادكم منهم، منهلكم العذب إنما يجري على أيديهم، من أراد سمو في نفسه ورفعةً في مقام ومن أراد ان يطرق أبواب السماء ليمثل بين يدي القدرة في أحسن حال فما عليه إلا ان يتبتل وفق معطيات مدرستهم (عليهم السلام)، كيف كانوا يتعبدون، كيف كانوا يتبتلون، كيف كانوا يتواضعون، كم هم عليه من الخشية والخوف من الله سبحانه وتعالى.. نعم هم يقدمون لنا الدروس ولكن هل وقف الزمن حاجزاً دون ان نستفيد منها؟ كلا الذي يقول ذلك هو كمن يرى الشمس في رابعة النهار ويقول لا أراها! بل هم أجلى من ذلك بكثير، فما الشمس والقمر بضوئهما إلا من خلال جذوة منهم عليهم الصلاة والسلام، فلو لم يكن في الوجود محمدٌ وآل محمد لما كان للشمس والقمر هذه القدرة على الاشراق لله وهم محط استقطاب اللطف الأول من قبل الله سبحانه وتعالى، هذه عقيدتنا التي لا نرفع يدنا عنها ولا نساوم عليها ولا نتخلى عنها مهما كانت الظروف.
همسة خفيفة في اذن الابناء
أبنائي أحبائي همسةٌ أقولها: ها انتم تغلقون أبواب فصل تثقيفي ديني قام بأعبائه مشايخ وفضلاء من أهل القرية ومجموعة من الأحبة الذين وقفوا معهم وقفة شرف وتضحية اذ كانوا يقطعوا المسافة إلى هنا في كل ليلة ليساعدوا على بناء أبنائنا بناء دينيا عقديا فكريا سلوكيا، هذه هي الثمرة التي نرجوها من رجال علمنا الذين نذروا أنفسهم من اجل هذا وما يترتب عليه، أبنائي حضرتم ليالي معدودة هي اشرف الليالي، أقول لكم لا تقطعوا العلاقة مع الكتب التي قرأتموها وتم توضيح المطالب فيها لكم، وهنا أقول لهؤلاء الاساتذة عليكم ان تشددوا العلاقة بينهم وبين ما قرؤوه، تابعوهم في التطبيق ما أخذوه أحبتنا هو التنظير مع لمسات خفيفة من التطبيق لكن المسؤولية الكبرى في أعناقكم، ارجعوا إلى الوراء قليلا من الذي علمكم الطهارة عندما كنتم في بداية تكليفكم؟ ومن الذي علمكم الصلاة وفق ضوابطها وأنتم في أيام حياتكم الأولى؟ أيها الأحبة وانتم أقول لكم إذا لم يتحقق هذا لآبائكم وقد تحقق لكم فهو من نعم الله عليكم الذي ينبغي ان تطيلوا الشكر فيه والشكر ليس بالكلام وإنما بالفعل ان تطبقوا ما قرأتموه ان تجعلوا له تجسيدا واقعيا في عبادتكم، في وضوئكم، في طهارتكم، في صلاتكم، في مطالب العقيدة التي تلقيتموها على ان تمسكوا بحبل الله المتين، على أن تثبتوا على الصراط المستقيم، على ان را تديروا ظهركم ولا تنحرف البوصلة بكم يمينا ولا شمالا، أيها الأحبة! أبنائي! أعزائي! نحن أبناء قرية كريمة وما ضر ان يشذ من يشذ، لكننا أصحاب موقف وأصحاب قضية ولنا تاريخ شريف ولو لم يكن من أقدس شذراته الا الشيخ الأوحد لكفانا، فلنا فيه قدوة ولنا فيه أسوة فهو رجلٌ عالمٌ عابدٌ عارفٌ بمقامات أهل البيت (عليهم السلام) زرع بذرة ولاء وسارت أجيالنا عليها، فحري بنا نحن أبناء الأوحد ان نحافظ على هذا وان نمسك به وان نعض عليه بالنواجذ.
همسة خفيفة في اذن الاساتذة
أيها الأحبة كلمة لأخواني وأعزائي الأساتذة الذي أسهموا في نجاح هذا الموسم التبليغي الرائع أقول: هذه زكاة ما تعلمتموه ما قمتم به هو الواجب أمام ربكم وأمام نبيكم وأمام أئمتكم وبالأخص الخلف الباقي الناظر إلينا في كل حركاتنا وسكناتنا وهو واجب أمام مجتمعكم وأمام أولياء أمور كانوا يعلقون الأمل عليكم فيها وما خابوا بذلك وهو واجب لهؤلاء النشء عليكم وها انتم تؤدون الأمانة فجزاكم الله الخير الكثير، أحبائي من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، ارتبطوا برجال العلم في قريتكم، ذوبوا فيهم بقدر ما يعيشونه من ذوبان في محمد وآل محمد (ص)، تعاونوا معهم بقدر ما يقدمون لكم ينبغي ان لا تخلوا المساجد منكم ولا الحسينيات من حضوركم ولا المنتديات ولا المجالس الطيبة من حضوركم، انتم أهلها كما كان آباؤكم من قبل، وفقنا الله وإياكم واخذ الله بأيدينا وأيديكم وسدد الله خطى الجميع وحفظ الله هذا الوطن الغالي العزيز علينا، وحفظ الله بلدتنا الطيبة بأهلنا، أبنائي بآبائكم وامهاتكم وصلتم إلى ما وصلتم اليه، قدموا لهم الشكر الواجب، جمعنا الله وإياكم على خير. أريدها صلاة قوية فانتم اهل الصلاة، نريدها من هنا لندخل السرور على قلب الزهراء (سلام الله عليها) في المدينة المنورة ثلاث صلوات عالية.