مشاركة لسماحته في المجابل بمناسبة عيد الغدير
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الحفل الكريم؛ السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته
بارك الله لنا ولكم ذكرى العيد الأكبر، سيد الأعياد وأشرفها، ذكرى تتويج المولى الأعظم الإمام علي (ع) بالخلافة الحقة، وأعاد الله علينا وعليكم المناسبة وجعلنا وإياكم من الثابتين المستقرين على ولايته في الدنيا وممن تنالهم شفاعته في الآخرة.
جاء في الحديث الشريف عن الصادق من آل محمد انه قال: «... الرواية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد»[1]
القراءات المتعددة للإمام لعلي (ع)
عليٌ (ع) يمكن للواحد منا ان يقرأه بأكثر من قراءة وقراءة، أولئك الذين عاشوه تعددت قراءاتهم وانتهوا إلى ما انتهوا إليه؛ بين محب غال وعدو قال.
الغلو في علي (ع)
أما الذين غلو في علي (ع) فألهوه وجعلوا منه رباً، وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بطي صفحتهم من على وجه الأرض، فالغلو بهذه الدرجة لم يعد له جماعة تبرمج له أو تقتات على أساس منه، عليٌ (ع) عندما اجتاز بجمع في شهر رمضان يأكلون قال لهم ألا تعلمون انه الشهر الذي حرم الله فيه الأكل والشرب على المسلم المكلف؟ قالوا بلى! قال: إذن ما يمنعكم من ذلك! مرضٌ أم سفر؟ فقالوا: لا هذا ولا ذاك وإنما أنت الذي منعتنا! فنزل عليٌ (ع) وقال لهم عودوا أو أوريت عليكم الاخدود نارا، قالوا إنما الذي يعذب بالنار هو الله وانا نشهد انك أنت الله! وقتها أمر لإمام علي (ع) بإجراء حد التعزير في حقهم لتستأصل شأفة الغلو الذي لا حدود له[2] ﴿وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ بعلي (ع).
العداء لعلي (ع)
أما القراءة التي بالاتجاه الآخر؛ فهم أولئك الذين قالوا في علي (ع) فناصبوه العداء وناجزوه الحرب من معركة الى معركة ابتدؤوها في الجمل، ثنوها بصفين وختموها بالنهروان وعلي (ع) هو علي الذي لم يكن لينكص في يوم من الأيام أو يتخلى عن القيام بتكليف في موطن أي كان ذلك الموطن، جرد سيفه واعمله فيهم حتى باتت الأمة على مشارف نقمة نوعية كان بمقدورها ان تقدم العيش الرغيد والحيات السعيدة لكن الأمة أبت إلا ان تناجز علي (ع) اما هذه المرة من وراء ظهره فبيتت له قتلةً إلى يومنا هذا لا زالت الأمة تدفع ضريبتها، قتل المولى في محراب صلاته بسيف بدر، ومن قبل اناس كان العداء قد استفحل في صدورهم، قوم عرف ظاهرهم بالصلاح، منهم حملة قرآن، ومنهم رهبان ليل، ومنهم من لا يترك مجالا يستطيع من خلاله ان يتمظهر بحالة من مظاهر الإيمان والقداسة التي لا يتوافق ظاهرها مع باطنها.
القراءة المطلوبة منا للإمام علي (ع)
عليٌ (ع) غادر من هذا العالم وتلك كانت قراءاتهم وهذه نتيجتها اما نحن اليوم من نعيش عصرنا، هذا العصر الذي بات بمقدور الإنسان ان يخاطب الإنسان في أقصى الدنيا وان يجمع في خطابه ومن خلال خطابه وفي لحظة واحدة بين مستمعين له احدهما في مشارق الأرض والشمس تشرق، والآخر عند مغربها وهي تودع يوما كان الإنسان في وضع لا يحسد عليه وربما التمس العذر للبعض منهم لكن نحن أيها الأحبة الحجة علينا يوم القيامة أبلغ لان العناصر قد اكتملت في أيدينا لا يستطيع الواحد منا إذا ما أراد ان يتعرف على كوكب من كوكبة الإمامة ان لا يصل إليه بأيسر الطرق وأقربها إلى نفسه بل وهو في حالة من السهولة المتعدية للحدود، أيها الأحبة والنشء الطيب الذي بين أيدينا أكبرت فيكم صمتكم وهدوئكم عند تلاوة القرآن وها هي الحالة مستصحبة معكم، أقول أيها الشباب الطيب المؤمن يا أبناء علي (ع) يا من تعيشون عليا إماماً، يا من أعطيتم لعلي عهداً وميثاقاً، أقول لكم اجلسوا مع أنفسكم جلسةً قصيرة استعرضوا ما مضى ثم أعرضوه على علي (ع) وانتم تتشخصونه بين أيديكم اقرؤوا الماضي واقرؤوا الحال الذي انتم عليه.
التعاطي الايجابي مع التقنية الحديثة
أيها الاحبة من نعم الله الكبرى المساعدة على قراءة عصرية لحيات علي، لتراث علي، لعطاء علي، لمجد علي، لعلم علي، لصبر علي، لقناعة علي، لهداية علي والقائمة تطول .. كل شيء بأيدينا من خلال ملامسة بسيطة سريعة لمجموعة من الازرار، هي نعمة التقنية التي باتت في يدك وفي يده وفي يدي وفي يد الآخر كيف نتعامل مع هذه النعمة؟ هل اتخذناها سلاحا لنقوي حالة الإيمان في داخل وجداننا؟ هل استفدنا منها كي نستعين بها عند الحاجة والضرورة؟ أم أننا نتعاطاها في الهوامش التي لا تقدم ولا تؤخر، بل ربما حملتنا وأدفعتنا الشيء الكثير من الخسائر لا لشيء إلا لأننا اخفقنا في موضع التعامل معها، الذي ينبغي ان لا يكون كما نحن عليه اليوم في الكثير من مساحاتنا، الم نشغل ونلهى عن جانب من عباداتنا جراء سوء التخطيط والمعرفة والثقافة الواعية بهذه التقنية العالية التي باتت بأيدينا؟ الم تعد هذه التقنية تشكل حاجزا بيننا وبين القيام بالمصالح والواجبات مع أهلنا في بيوتاتنا، أيها الأحبة هل الحالة من التعاون والتكاتف والمحبة والقيام بحقوق أصحاب الرحم والقرابة هي على حال أحسن مما كانت عليه قبل هذا اليوم؟ أيها الشباب الطيب! اجلسوا مع أنفسكم قليلا، اطرحوا ما مضى واستحضروا ما انتم فيه واستشرفوا ما قد يأتي بعد أيام قليلة، كم هي المسافات والتقاطع بين هذه المثلثات الثلاثة؟ هل نستطيع ان نجمعها لنخرج من ورائها بشكل يقدم لنا الأجمل؟ أم أننا لا زلنا في وضعنا، في حالنا مستسلمين لوضع لم يفرض علينا بقدر ما افترضناه نحن على أنفسنا، أيها الأحبة حتى اذا ما اجتمعنا في منتدياتنا واستراحاتنا وفي مشاويرنا وفي اسفارنا ما عاد الصديق الجار ولا عاد الصديق ذوي القربى وما عاد الصديق الذي اشترك معه في مجال ومجال وإنما الصديق هو عبارة عن قطعة صغيرة أصلها جماد تحركها تقنية عالية معي في كل أحوالي؛ في مسجدي؛ في حسينيتي، في مدرستي، في دائرة عملي، في بيتي، مع أصدقائي في السوق، في الشارع بل حتى في المقبرة! لنسال: علام نجتمع مع هذه التقنية، مع هذا المولود الجديد أي الجوال او ما رافقه، ما هو الحال وما هي العلاقة معه؟ هل هي صحية؟ هل هي في وضع نمتدح أنفسنا على أننا أحسنا التعامل معه، أم أننا على العكس من ذلك تماما.
المؤمن مرآة المؤمن
أيها الأحبة النوايا هي النوايا وليس من حق احد ان يحاكم نشء على نواياه، بل وليس من حقه ان يحاكم أحداً على نواياه لكن لا يمنع ان يرجع الإنسان لثوابت دين ومرويات وصلتنا عنهم عليهم الصلاة والسلام الحديث الشريف يقول «المؤمن مرآة المؤمن»[3] ليكن كل واحد منا أيها الأحبة مرآت لأخيه، يعرض نفسه عليها ليرى الصلاح فيها فيزداد، أو ليرى العكس من ذلك فينأ بنفسه، يعمد إليها مخليا ومجليا ومصفيا أيها الأحبة! أيها الشباب! لا زالت الدنيا في أيدينا والأيام أمامنا خصوصا انتم أيها الأبناء الأحبة الحيات أمامكم بكل تقسيماتها ليس عليكم إلا ان تحسنوا التعامل معها ومن ضاعت الدنيا من يديه فالآخرة أضيع، لأنها الطريق الموصل إلى هناك، فإذا استطاع الواحد منا أيها الأحبة ان يتهجى المفردات وان يتلمس معالم الطريق في هذه الدنيا فان الطرق أمامه في الآخرة معبدة ولا طرق اسلك ولا طرق اقصر ولا طرق أكثر إنارة من الطرق التي مبتداها محمد وختامها محمد (ص).
الامة ومسؤوليتها في قبال الامامة
أيها الأحبة في القرآن آية شريفة ينبغي ان نقف عندها طويلا قال تعالى ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾[4] لهذه الآية الشريفة قراءتان، قراءة خاصة وقراءة عامة، اما القراءة الخاصة فهي ترتبط بالمناسبة لان الحديث عنهم عليهم السلام والذي يسال عنه الإنسان ويستفاد من منطوق الآية ألا وهو الخلافة لعلي الإمامة لعلي (ع) فهي ما نسأل عنها في قبورنا وما نسأل عنها في حشرنا ونشرنا وهي التي ترافقنا وتنير الدرب لنا في تلك العوالم، عالم القبر عالم خاص مظلم لا يضاء إلا بنور علي (ع) واشراقة الإمامة من آل محمد (ص) هذه الآية قد فسرها جماعة من الأعلام من أتباع الفريق الآخر بمسالة البيعة لعلي (ع) في يوم الغدير من هؤلاء الأعلام القرطبي في تفسيره والسيوطي في تفسيره والقندوزي صاحب ينابيع المودة والطبري في تفسيره وصاحب الشواهد في تنزيله أيها الاحبة! القرآن صريح واضح بين اما صدوره فقطعي وأما دلالته فنلجئها لأصحاب الذكر والعلم فيها ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾[5]
الاستضاءة من نور علي (ع)
علي (ع) في حياته محطات واحدة من ابرزها واجلاها المدينة المنورة والتي انفق من عمره الشريف فيها القسم الأكبر، لكن لنسأل أيها الأحبة من أنفسنا هل اطلعنا على نتاج الامام علي (ع) في المدينة؟ هل قرأنا شيئا من عطاء علي (ع) في المدينة؟ لقد اشبع علي (ع) مكتبة التفسير ومكتبة الفقه وما وراء ذلك من العلوم وما يتقدمه وعلى الأخص ما تعلق بأصول العقيدة كل ذلك كان في المدينة المنورة لكن الظروف لم تكن مواتية ولم تكن مساعدة على وصول ما ينبغي ان يصل لكن وصل إلينا شعاع، هذا الشعاع ان استضأنا به أدخلنا في داخل المدينة الكبرى، المدينة العلوية المشبعة بالعلم والفكر والعطاء، علي (ع) أعلمهم، علي (ع) أقضاهم، عليٌ (ع) أشجعهم، عليٌ (ع) اسبقهم إلى الإسلام، لو لمن يكن علي (ع) لما وجد النبي (ص) ضالته في هذه الدنيا، لأنها حالة خاصة، عليٌ (ع) أوجده الله سبحانه وتعالى تحفةً صافيةً مصفاة أراد ان يهديها لأقدس إنسان شرّف الوجود بأنواره، فلم يجد لها كفؤا إلا ان توضع في يد النبي الأعظم محمد (ص)، أيها الأحبة لآبائنا وأمهاتنا علينا حق، علينا ان نشكر لهم هذه الخدمة الكبرى ذات القيمة العظمى ألا وهي ان حافظوا على نور الإيمان يتقلب بين أصلاب وأرحام مصطفاة جزاءهم الله عنا خيرا، أحبائي أبنائي ان أردتم مفاتيح الخير فهي في أيديكم فلا تفرطوا فيها ولا تقصروا في حقها ألا وهم الآباء والأمهات ان أردتم خيرا فعليكم بهؤلاء وهذه وصية رسول الله (ص) وهي وصية علي (ع) لا أثقل على أسماعكم، أسال من الله سبحانه وتعالى ان يجمعنا وإياكم على خير، وان يثبت الولاء في قلوبنا وان يجعلنا ممن ينال تحفته من يد علي (ع) وان يسقينا الامام عليٌ (ع) من كوثره فنحن الأحوج إذا ما شربنا من كف علي (ع) فلا ظمأ، وإذا ما اخذ علي (ع) بأيدينا فلا ضلال، جمعنا الله وإياكم على خير كما اجتمعنا، أسال الله سبحانه وتعالى لي ولكم التوفيق والسداد ودوام المحبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.