نص كلمة: علي عليه السلام مفردة استثنائية بين المفردات
مشاركة لسماحته في العتبان بمناسبة عيد الغدير
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
أيها الحفل الكريم بارك الله لنا ولكم هذه المناسبة وأعادها الله علينا وعليكم المناسبة ونحن وعموم المسلمين في حال من الأمن والرخاء.
جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق من آل محمد (ع) انه قال: «... الرواية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد»[2]
علي (ع) مفردة استثنائية بين المفردات
عليٌ (ع) مفردةٌ استثنائيةٌ بين المفردات التي عرفها الوجود الإنساني كيف لا يكون الأمر وعلي (ع) جمع بين جوانبه ما لو وزّع على البشرية جمعاء لناءت بحمله، فعليٌ (ع) هو الشجاع الصابر، الإمام الذي تحرك في دائرة الصبر، الصبر الايجابي في سبيل ان يتقدم بالأمة إلى مديات أكثر مما كان يتصور، عليٌ (ع) تقلب في مواطن عدة وكان له في كل موطن منها بصمة تميز، تمناها أو تنمى واحدة منها من قرأ في نفسه الكثير لكنه لم يهتدي إلى ذلك سبيلاً ولم يتبصر طريقا وإنما بقيت المفردات حصر على من أمن لها ظرفا لائقا وشأنها، علي (ع) الجوهرة التي لا تقاس بها جوهرة، لأنها صناعة الرب جلت قدرته وتحفته لنبيه الأعظم محمد (ص) النبي (ص) اعمد كل وجوده من اجل إبرازها صافية نوراء كانت تبحث عن ظرفا لتتسلل إليه، الظرف هو القلب الذي هو عندي وعندك وعندهم لكنها أوعية قد تضيق وتتسع وبقدر ما تضيق وتتسع أيها الأحبة بقدر ما تجد في كينونتها مساحةً كي ينعكس عليها قبس إشراق من نورانية علي (ع)، جئنا إلى هذا الوجود شرفّنا في وجودنا وشرفّنا في عوالم قبل ذلك هما النوران تمازجا؛ «خلقت أنا وعلي من نور واحد»[3]؛ «إن عليا مني بمنزلة النور من النور»[4]
لا عذب الله أمي أنها شربت *** حب الوصي وغذتنيه باللبن
وكان لي والد يهوى أبا حسن *** فصرت من ذي وذا اهوى أبا حسن
الامام علي (ع) وليداً في الكعبة
الإمام علي (ع) أول يد تلقفته يد النبي (ص)، عندما خرجت به أمه من الكعبة المشرفة وليداً، إشراقة نور وجه علي تتمازج مع إشراقة وجه نور النبي (ص)، ويتحد النور، منطلقه الكعبة، منتهاه عند عرش القدرة، نورٌ هو العظمة، نورٌ هو الذي يتبصر من خلاله العارف مسارات الحقيقة في هذا الوجود، من أراد ان ينهل من منبع غير هذا فعليه ان يفتش، دونه الأرض شرقاً وغربا، شمالاً وجنوبا، ان استطاع تحليقا فليحلق، أو أراد ايغالا في الأرض فليوغل، يبقى عليٌ (ع) هو علي لا يضره الغلاة، كما لم يقدم له شيئا الغلاة بدورهم علي (ع) المنطقة الوسطى بين منطقتين لا يعرف حدودها إلا من عاش إيمانا، هو الاعتدال بقراءته، وهو الاعتدال في قراءاته، وأما إذا تجاوز الإنسان هذه المساحة فليس إلا الضلال المبين، غال فيه قومٌ دخلوا حظيرة كفر وقال فيه قومٌ ودخلوا حظيرة كفر، لا هؤلاء نجوا ولا تسببوا في رسم معالم طريق نجاة، ولا أولئك استطاعوا ان يتخلصوا من مسؤولية الاشتراك بدم علي (ع)، عليٌ إشراقة في قلوبنا علينا ان نحافظ عليها، علينا ان نستفيد منها خصوصا ونحن في زمن صعب، الأمواج فيه متلاطمة، والأفكار يضطرم بعضها البعض الآخر ما الذي أعددنا من أجندة وأسلحة ماضية كي نقارع الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، والبرهان بالبرهان بعيدا عن حالة الخيلاء التي لا قواعد أساسية لها، علينا أيها الأحبة ان نتمسك بالأصول والأصول مهمة.
علي (ع) في مكة المكرمة والمدينة المنورة
عليٌ في مكة له حالٌ وأحوال من الكعبة إلى الشعب، إلى المبيت ثم الهجرة وأما في المدينة فحروب طاحنة ما كانت لتحسم لصالح الإسلام لولا علي وهذا ما يشهد به مخالفه ناهيك عن مؤالفه، عليٌ (ع) في المدينة يجمع بين مرحلتين؛ المرحلة المتقدمة بحيات النبي (ص) كانت تعني مساحة الحروب من بدر واحد وخندق وما الى ... الراية لم تفارق كف علي (ع) لا يذب الكرب عن النبي (ص) إلا علي (ع) وهذه الروايات التي تملأ بطون الكتب عند الآخر وهي فائضة عن الحاجة إذا ما أراد الإنسان ان يتخذ دليلاً أو حجةً على أي طرف كان لكن: ﴿وتَعِيَها اُذُنٌ واعِيَة﴾[5] وصفة الواعية أمرٌ مهم أيها الأحبة.
علي (ع) في الكوفة
أما علي (ع) في الكوفة وهي خاتمة المساحات فله شان آخر اظهر العلوم وحسم الحروب ولولا الظرف المأساوي والأمة التي لم تحسن قراءة مولاها لما كانت الأمة الإسلامية على ما هي عليه اليوم تستعيد مراحل كانت فيها لا ترضى لنفسها السلام الذي أراده علي (ع) وإنما اختارت لنفسها أن تشق في الأرض انهارا من الدماء، لا لشيء أيها الأحبة إلا لان البوصلة قد انحرفت عن الجهة التي ينبغي ان نتجه إليها، هنا السؤال الذي يطرح نفسه أيها الأحبة هذه البوصلة التي تبحث عن موجّه هل اعددنا أنفسنا لكي نكون شركاء في إعادتها إلى اتجاهها الصحيح؟ أم نحن بين متفرج وكان الأمر لا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد، لا مع نفسه ولا مع أهل بيته ولا ابناء حارته ولا الشركاء معه في مذهبه ودينه، وبين شخص آخر أراد ان يحمّل الدين أكثر مما يتحمل حتى ضاع وأضاع الآخرين من حوله، نحن أتباع شرعة وسطى نحن أتباع مذهب يأبى لنفسه الا ان يكون وسطيا في كل شيء فعلينا ان نمسك بمنطقة الوسط، لانها المنجاة ولا منجاة إلا من خلالها، ثبتنا الله وإياكم على الولاء الصادق لمحمد وآل محمد وأعاد الله المناسبة علينا وعليكم، وجمعنا الله وإياكم عند المولى في ذكرى غديره وهي المساحة او المنطقة الرابعة الذي توقف فيها عليٌ (ع) اما وقفته فقد كانت للتتويج، توّج بالإمامة، رضي بها من رضي وتنكر لعلي من تنكر، الكل ذهب إلى ربه وبقي علي (ع) يضيء الوجود بإشراقه فلنكن علويين في أقوالنا ولنكن علويين في أفعالنا، لان علي (ع) ما أراد لنا إلا ذلك وفقنا الله وإياكم لكل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.