نص كلمة:عقبات في الطريق

نص كلمة:عقبات في الطريق

عدد الزوار: 1206

2017-04-14

في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1438/7/6هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد وآله الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

غفر الله لنا ولكم، تقبل الله أعمالنا وأعمالكم، اسعد الله أيامنا وإياكم في المواليد العظيمة لأهل بيت العصمة عليهم السلام وعظم الله أجورنا وأجوركم في ذكرى شهادة الإمام الهادي من آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، رزقنا الله وإياكم زيارتهم في الدنيا وشفاعتهم في الآخرة.

ما يخشاه النبي الأعظم (ص) على أمته

جاء في الحديث الشريف عن النبي الأعظم محمد (ص) انه قال: «أشد ما يتخوف على أمتي ثلاثة: زلة عالم، أو جدال منافق بالقرآن أو دنيا تقطع رقابكم، فاتهموها على أنفسكم»[2]

 ما خلفه أهل البيت عليهم السلام من ميراث عظيم يحمل الشمولية لجميع جوانب حيات البشر، الا اننا ربما لا نتعامل إلا مع النزر اليسير منه فيما تقتضيه الحاجة والضرورة في باب المعاملات على نحو الفردية في الأغلب الأعم الأعظم، حال ان الدين المعاملة مع شيء من جانب العبادات، نتعاط أيضا الواضحة منها والقريب المؤكد عليه كالصلاة والصوم والحج وبعد ذلك تتفاوت الفروع فيما بينها.

زلة عالم

الأمر الأول الذي يخشاه النبي الأعظم علينا (ص) من هذه الثلاثة هي؛ زلّة عالم، الجاهل إذا أخطا، الجاهل إذا وقع في الاشتباه من السهل ان تقال عثرته، لان الخطأ والاشتباه الذي يجري على يديه في الأغلب لا يتجاوز حدود الضرر به أو بالأقرب في الأقرب منه، على العكس من ذلك بالنسبة للعالم إذا ما زل، فإن الزلة منه لا تقتصر في حدود هذه الدائرة، بل تتعداها الى مساحات اخرى، لأن الذين يسيرون وراء هذا العالم ويأخذون بأقواله ويقتفون آثاره هم عامة الناس من حوله، ومن بلغه شيء جرى في تطبيقه والعمل وفق معطى ذلك القول، لذلك إذا كان على الإنسان بالعنوان العام ان يكون حذراً يقضاً ملتفةً كي لا يقع في دائرة الزلل فان على العالم ما يستوجب من ذلك أضعاف مضاعفة.

 الأمر الثاني: أو جدال منافق بالقرآن؛ أيضا هناك حديث شريف لرسول الله (ص) يقول فيه: «كم من قارئ القرآن والقرآن يلعنه»[3]، القرآن فيه آيات تحث الإنسان لتأدية الواجب وفيه آيات تدفع الإنسان من الوقوع في المحذورات، الإنسان المنافق هو الذي لا تتطابق أقواله مع ما انطوت عليه نيته أو أفعاله، أحياناً الإنسان يبتسم ولكن ينطوي وراء الابتسامة الشيء الكثير، أو أحيانا الإنسان يسلّم ويأخذك إلى الأحضان ولكن وراء ذلك الشيء الكثير خصوصا مع وجود المصلحة، بخلاف الإنسان الذي لا يوجد بينك وبينه شيء، فان الأمور حينها ستجري على سياقاتها وسلاستها وبساطتها، لكن مع وجود علقة في البين أو غرض تجد الأمور تأخذ ألوان أخرى وتتبدل الاشكال التي يتقلب فيها، مثلا يريد ان يخطب من جهة معينة امرأة حينها المعاملة سوف تختلف خاصة في الأيام القريبة من الخطبة، أو يريد أن يشتري بيت أو قطعة ارض أيضا نفس الشيء طريقة المعاملة ستتبدل وتنقلب رأسا على عقب فتراها في اتجاه آخر، اخطر من هذا وذاك من يجادل، لكن بلباس النفاق متذرعاً بالقرآن كلما تحدثت له عن شيء يقرأ لك آية من كتاب الله يحتج بها، قبل ذلك هو لا يؤمن بها ولا يلتفت إليها ولا يعيرها اهتماما، لذلك نحن نرى الحديث الشريف يقول: «ثلاثة يشكون الى الله عزَّ وجلَّ، مسجد خراب لا يصلي فيه اهله، وعالم بين جهال, ومصحف مغلق قد وقع عليه غبار لا يٌقرأ فيه»[4] يعني المصحف مغلق ويملأه الغبار بسبب عدم الرجوع اليه لكن عندما تكون هناك خصومة وترتقي إلى مستوى الجدال يرجع اليه، وما هو الجدال الا تلبيس الحق الباطل ـ والعياذ بالله ـ يعني الباطل يلبس لباس الحق، الداعم الأساس لهذا المسار تارة تكون آية من القرآن أو رواية عن أهل البيت عليهم السلام أو قول منقول عن احد العلماء أو الصلحاء أو العرفاء، حتى يثبت به الحجة، حال انه ملتفت ان الأمر ابعد ما يكون عن الحق والحقيقة، وفي هذا السياق آيات قرآنية كثيرة.

الأمر الثالث: أو دنيا تقطع رقابكم، فاتهموها على أنفسكم؛ وهو مهم جدا، تحدث مثلا قضية معينة، فترفع لها راية في اتجاه او ترسم لها عنوان وشعار، فترى البعض يسرع وراءها ويستجيب لدعوتها! في حين ربما يكون في ذلك هلاكه، في الزمن السابق التقاطعات بين الأشياء والتشارك بين الأشياء كان في أسهل صوره وأقربها، لكن اليوم اصبحت الحياة معقدة، في الزمن السابق كانت الطيبة، البساطة، الإيمان الفطري، عدم التعقيد، عدم طغيان المادة على الناس هي التي تسود المشهد في عمومه، لذلك كانت حياتهم سهلة مرنة بسيطة، وكلما تذكر في يوم من الأيام في مجلس من المجالس شخصا توفى قبل خمسين سنة مثلا يقولون لك: الله يرحم الذين ذهبوا! أنت ذكرت شخصا واحداً لكن هم يقولون لك الله يرحم الذين رحلوا! لان سجلهم، تاريخهم، منطقهم، تصرفهم أجوائهم من حولهم هم رسموها، هم حددوا معالمها، كلها تنضح بالطيبة، بالمحبة، بالسلام، بالمودة وبالتعاون، كان القوي يعين الضعيف، كانوا في تلك الأيام يحملون العثرة فيما بينهم، ويصححون العوج، اليوم أيضا لا زالت الدنيا فيها درجات من الخير لا يقول أحد بان دنيانا اظلمّت وعمّها السواد، يجب ان لا ننظر للدنيا من خلال منظار اسود، الدنيا لا زالت بخير، رجال اليوم هم أبناء أولئك الرجال، غاية ما في الأمر نحتاج إلى يقظة، التفاتة، حضور ذهن، ترتيب أولويات.

أهمية ترتيب الأولويات

لا ينبغي ان أقدم غير المهم على المهم، بل لابد ان أقدم المهم على غير المهم، أيضا لا أقدم المهم على الأهم، بل لابد ان أقدم الأهم على المهم، مثال بسيط: هذه الأيام هي أيام العمرة الرجبية، ومعروف ان الذهاب الى العمرة والإتيان بنسك العمرة في رجب مستحب، ولا يختلف احد بهذا وهو مستحب ومهم أيضا، لكن الأهم من هذا ان هذه التكاليف التي تنفقها في هذا السفر إذا كانت ذمتك مشغولة لطرف آخر فان سداد ما في ذمتك أهم من العمرة، انت سواء اعتمرت ام لم تعتمر المسؤولية الأهم التي في عنقك هي تأدية حق فلان وأنت مسؤول عن هذا يوم القيامة، هنا بيت القصد! مثلا املك ألف ريال، هذه بالنتيجة دنيا وحطام دنيا، لكن هذا الحطام للدنيا قد يوم القيامة أقف على حسابه وقد يوم القيامة يكون سببا في منجاي على الصراط، يعني إذا أنا في ذمتي الف ريال لشخص لا ينبغي ان أذهب الى العمرة واترك ذاك الإنسان المحتاج الذي ربما يكون هو محتاج  ومديون بألف ريال لطرف آخر، هذا فيه حساب وكتاب، قد في الدنيا يمر هذا لكن يوم القيامة الأمر يختلف؛ أحبائي آبائي اخواني أولادي! اصبح اليوم الشخص الذي يقرض شخصا هو الذي يستحي! ولم يعد المقترض هو المستحي! هذا من انقلاب الزمان وانعكاس الصورة والعياذ بالله! أنت تقرضه وأنت تخاف ان تلتقي به حتى لا يقع في الحرج، بالنسبة له الأمر طبيعي ولا يهمه وهو ابرد منك! فالعمرة حسنة ومستحبة لكن اذا كان في ذمتك دين لا تقول أذهب الى العمرة وبعد رجوعي اوفر مبلغ القرض وأسدده! من الذي يضمن لك هذا؟ هل هناك صك برجوع هذا الشخص من العمرة وعدم موته في الطريق! نسال من الله سبحانه وتعالى ان يأخذ بأيدينا وأيديكم، فبقدر ما يكون شهر رجب، شهر عبادة يفترض ان يكون شهر تصحيح وتغيير في حياتنا، وليس عيبا ان يخطأ الإنسان ويشتبه لان الإنسان هو هذا، لكن العيب ان يصر الانسان على العيب وان لا يفتح باب بينه وبين الله، باب بينه وبين الناس هنا تكمن المشكلة. جمعنا الله وإياكم تحت قبة الإمام الهادي من آل محمد.