نص كلمة: طلب الرزق من مكفرات الذنوب
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين محمد وآله الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يفْقَهُوا قوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
النبي الاعظم (ص) وادائه لأمانة تبليغ الرسالة
عندما أمر النبي (ص) بتبليغ الرسالة للأمة التي كان قد وُلد في أوساطها وكان معروفا عند آحادها بالصادق الأمين، ولما تلا الآيات الأولى من الكتاب المنزل تشريعاً آمنت طائفة وكفرت أخرى، الا ان النبي (ص) مضى في تبليغ رسالته، وقتها لم يكن الطريق معبداً ومحفوفاً بالورود والأزهار وإنما كانت العقبات تطرح أمام حركة الرسالة والعوائق أيضاً كانت ترسم واقعها في وجه حركة النبي (ص)، لكنه (ص) كان يزداد اصراراً على ابلاغ الرسالة كلون من ألوان القيام بأداء الأمانة وهي الأمانة الثقيلة التي كلفته السماء بإيصالها، القرآن الكريم وكما هو واضح فيه تبيانٌ لكل شيء، فكان النبي (ص) قد أجهد نفسه في مكة المكرمة في تثبيت الأصول والقواعد التي تضمنتها الآيات الشريفة، فكان الحراك منه على أساس تثبيت قواعد الإيمان، الايمان بالله سبحانه وتعالى، الايمان بالرسالة، والايمان بالمعاد، بان ثمة عالم آخر ينتظر هذه البشرية، كان النبي (ص) قد حوصر في الشِعب، وجرى ما جرى عليه، مرّ عام الحزن، توفيت ام المؤمنين خديجة، التي كانت الرافد الكبير لحركة النبي (ص)، بعدها تبعها في الوفاة كافل النبي (ص) أبو طالب (ع)، كان هذا الامر كفيلاً في ان يهد من قوى النبي (ص)، الا انه (ص) وبمدد من السماء ازداد صلابةً في الموقف وشجاعةً في اتخاذ القرار.
هجرة النبي (ص) من مكة الى المدينة
وعندما خرج من مكة الى المدينة، تبدلت الاحوال، خرج من مجتمع يحاصر، يقاتل، يضغط بكل ما أوتي من قوة في سبيل ان يوقف حركة النبي (ص)، ومن اجل ان يحجم في دور النبي (ص) في بلاغ رسالته إلى مجتمع آخر ملؤه المحبة ويحكمه واقع التضحية من اجل هذا الزائر وهذا المهاجر الكريم، رسول السماء لأهل الارض الحبيب المصطفى محمد (ص)، عندما وصل الى مقربة من المدينة خرج الانصار اهل طيبة، اهل يثرب يرددون الاهازيج فرحاً بوصول النبي (ص):
طلع البدر علينا ***من ثنيّات الوداع
وجب الشكر علينا *** ما دعا للَّه داع
القمر هو آية من آيات الجمال في الطبيعة، لذلك صوروا مقدم النبي (ص) واشراقة وجهه عليهم بإشراقة هذا الكوكب الذي يراه الناس بطبيعة الحال بهذه الكيفية من الاشراق خصوصا في ليال الكمال حال انه كوكب في ذاته تكوينا لا يحمل هذه الخصوصية وانما هو الانعكاس لما ترسله الشمس من إشعاع وإشراق، لكن بالنتيجة الصورة المنتزعة عملت عملها في نفوس اهل طيبة الطيبة، فصاروا يرددون تلك الأبيات.
طبيعة المجتمع المدني في زمن الرسول الاعظم (ص)
أهل المدينة شكروا النعمة، وضحوا من اجل الرسالة ومن اجل النبي (ص)، ومعروف ان مجتمع المدينة مجتمع حضاري، مجتمع يهتم بالتجارة واستصلاح الأرض والفلاحة، وكانت المدنية تضرب في جميع زوايا هذه المدينة، حيث كان لليهود فيها نصيب ولعرب الجزيرة العربية نصيب، وبقايا من هنا وهناك روافد تصب في هذه المدينة الطيبة، ثقافاتٌ ايضا تلاقت فيما بينها في هذا المكان، استقر الوضع مع النبي (ص) جرت عملية المؤاخاة بعد وصول المهاجرين الى المدينة حتى لا ينشق الصف، دمج المهاجرين في الانصار، فاصبح لكل رجل من اهل المدينة أخ من المهاجرين من اهل مكة، تعاونوا، تكاتفوا وساروا مع النبي (ص) في تحقيق أهداف الرسالة، بطبيعة الحال عندما تحصل الثروة تصاحبها الكثير من الإخفاقات، الذنوب هذه أيضا تحتاج الى علاج لذلك النبي (ص) وكما يقول امير المؤمنين علي (ع): «طبيب دوار بطبه قد أحكم مراهمه، وأحمى مواسمه»[2] يعني النبي (ص) كان يشخص الداء ويضع الدواء، والدواء يحمله معه، سواء كان الدواء الروحي (من خلال الوحي والرسالة) أو الدواء المادي، لذلك الامام علي (ع) لم يكن مبالغا في وصف النبي (ص) وانما كان يصفه على نحو الحقيقة كما يراه خارجا.
الذنوب؛ الأسباب والآثار
هذه الذنوب لها اسبابها، منها ترك الواجب الذي يؤدي الى الذنب؛ يعني الانسان أمر بإقامة الصلاة، لكن هو لا يصلي، يعني وضع دائرة حمراء، أو بالنسبة لسائر العبادات المطالب بها الانسان، أيضا بالنسبة للمحرمات إذا ما جاء بها الانسان ولّدت ذنبا شكلت دائرة تشير الى ذلك الذنب، مثلا هو مارس الكذب أو النميمة أو الربا في مال اليتيم أو...، النبي (ص) وكما جاء في نص الامام علي (ع) «طبيبٌ دوارٌ بطبه»، يعني يعالج الحالات المرضية، والمرض الروحي اكثر فتكا من المرض الجسدي دائما وابدا، عندما يصاب الانسان بالصداع مثلا أو بأي مرض آخر سيكون التخلص من هذا المرض سهل، لكن عندما يتحول الذنب الى حالة مرضية مزمنة يستعصي العلاج كالأمراض الثقيلة الخبيثة ـ اجار الناس منها ـ هذا صعب وصعب جدا المفارقة بين المرض الثقيل المزمن عند الإنسان والذنب الذي تحول إلى حالة اندماجية داخل الإنسان ضرره لا يقف في حدود الإنسان المرتكب للذنب فحسب وإنما يتعدى الى مسافات أبعد، مثلا سوء الخلق والعياذ بالله لم يقف مع نفس الانسان فقط بل يتعداه، الانسان الذي يصبح سيئ الخلق حتى مع نفسه يكون غير راضي، فيذهب لمسافة أبعد يصبح سيئ الخلق حتى مع أولاده، فيكون عليهم طاغوت، مع زوجته سلطان جائر، مع جاره احد زبانية جهنم، مع شريكه... وهكذا الأمور دواليل جراء سوء الخلق وعلى هذه فقس ما سواها.
الذنوب ومكفراتها
بعض الذنوب قد يكون من السهل ان تمحى، مجرد ان تقول «استغفر الله» الذنب يمحى، لكن هناك ذنوب لا يمكن ان يتخلص الإنسان منها بمجرد القول «استغفر الله» لأن هذا الذنب كان له علاقة بالآخر، حينها يتحتم عليك ان تذهب للآخر وتطلب منه ان يعفوا عنك، أو تأكل مال اليتيم وتقول «استغفر الله» أو تأخذ مهر الزوجة أو راتبها وتقول «استغفر الله»، أو كانت عندك أمانة من أموال الناس، تتصرف بها وبعدها تقول «استغفر الله» هذا لا يمسح الذنب، أو تتسبب في فتنة بين المؤمنين! هنا لا يكفي أن تقول «استغفر الله» وتتصور ان الأمر قد انتهى، لذلك نرى النبي (ص) يقول: «إن من الذنوب ذنوبا لا تكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الحج ولا العمرة، تكفرها الهموم في طلب المعيشة»[3]
إن من الذنوب ذنوبا لا تكفرها الصلاة؛ قد مرّ علينا في يوم من الأيام هذا الحديث النبوي المشهور الذي يقول: «أن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما»[4] هذا صحيح الا انه لا يعني بالمطلق، ليس كل ذنب، أو ان الصدقة تطفئ الخطيئة[5] لكن ليس بالمطلق، أو الحج: «من حج هذا البيت، فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»[6] لكن رغم ذلك هذا لا ينفع الحاج ولا يمحي جميع ذنوبه، النبي (ص) يقول الذي يكفرها هو:
الهموم في طلب المعيشة؛ هذا الذي نحن نقصر فيه كثيرا، الشخص يدرس وهمه يريد ان يتوظف ويعيش عيشة كريمة هذا يكفر ذنوبه، أو يتخرج ويصبح همه ان يتوظف في وظيفة ويعيش عيشة كريمة ويشكل أسرة كريمة هذا كفارة لما يتقدم من الذنب، مجرد اشتغال الإنسان بهم الرزق من الحلال هو الذي يمحي الذنوب المستعصية، رغم مرور مساحة الصلاة والصدقة والحج لذلك بوركت صفقة طالب الرزق من مورده الحلال، وفق الله أبناءنا واخذ الله بأيديهم وسددهم وفتح أبواب الرزق أمامهم انه ولي ذلك، وفقنا الله وإياكم جميعاً لكل خير والحمد لله رب العالمين.