نص كلمة: شهر رمضان المحطة الأخيرة لتزكية لنفس
الاعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك
اسبوع واحد وايام قليلة هي الفاصل الزمني بيننا وبين شهر الله، ربيع القرآن رمضان المعظم تقدمته محطتان هامتان الأولى؛ تتمثل في شهر رجب، شهر الامامة وما تضمنه هذا الشهر العظيم من مناسبات كثيرة مربوطة بأهل البيت عليهم السلام بصفة عامة وبعلي عليه السلام، بصفة خاصة.
إن كثير من مفاصل التاريخ الاسلامي جرت على يد علي عليه السلام، وشهر رجب تضمن فصلا هاماً منها. طوبى لمن وفق في ان يقترب من مساحة اللطف الالهي، وطوبى لمن استغل ذلك الظرف الزمني المتمثل في لياليه وايامه.
القيام بعملية التصفية هي المرحلة الاولى التي ينبغي ان يلجأ الانسان من خلالها الى مساحات اكثر سعة ورحابة، ثم يجيء شهر شعبان وهو شهر الرسالة وهذا الشهر العظيم كان يحظى بعناية خاصة من النبي (ص) حتى عبر في الكثير من الروايات بأنه شهر الرسول (ص) [راجع: فضائل الاشهر الثلاثة، ص 64 و 125] وفي ادعية شهر شعبان ايضا ما يثبت هذا الامر.
الرسول الاعظم (ص) يأخذ من شهر شعبان المعد بلا واسطة لشهر الله سبحانه وتعالى بمعنى يحاول ان يقرّب المجتمع من حوله نحو شهر رمضان من خلال الاعداد الروحي الكافي للاستفادة من ايام هذا الشهر ولياليه، حيث أن شهر رمضان فيه دروس كثيرة وعبر كثيرة، ولعل من اهم الامور الموجودة في هذا الشهر الفضيل والروايات ايضا ترشدنا اليه انه يمثل ربيعا للقرآن الكريم، [راجع: زاد المعاد، ص 86] هذا الدستور المحكم، الدستور الذي انزلته السماء على قلب الحبيب المصطفى (ص) ليكون ضمانة لمسيرة البشرية حتى يرث الله الارض ومن عليه.
في شهر رجب نقترب كما قلت لكم من خلال المحطة الاولى المهمة والمحطة الثانية الاهم وهي شعبان ثم الاكثر اهمية وهي ايام شهر رمضان.
في شهر شعبان مرت علينا ذكرى ميلاد منقذ البشرية الاكبر الامام المهدي عليه السلام، وكلنا عشنا ذكرى مولد المهدي عليه السلام، وكلنا اخذنا ونهلنا من بركات هذه الذكرى من خلال المجالس الطيبة المباركة المقامة احتفاء واحتفالا بذكرى مولده الشريف.
وظيفة الانام في زمن غيبة الامام (عليه السلام)
لكن ثمة سؤال مشروع من حقنا جميعا ان نطرحه على انفسنا، علّنا نهتدي الى جوابا مقنعا كافيا شافيا لنا ومرضيا وهو ان زمن غيبة الامام المهدي عليه السلام، زمن يعنينا نحن من نعيش الغيبة بالدرجة الاولى، فبقدر كم المهدي من اهل البيت مسؤول عنا؟ ايضا نحن في دائرة المسؤولية بالنسبة له وبالنتيجة هنالك حلقة مهمة لابد من وضع اليد عليها هذه الحلقة تتمثل في حدود المعرفة التي وقفنا عليها من خلال ذكرى مولده (عليه الصلاة والسلام). هل تعرفنا على المهدي عليه السلام كما ينبغي؟ بمعنى هل استفدنا من منابعها الصحيحة؟ أم أننا اكتفينا بأن القينا العهدة والمسؤولية على الآخرين ليفتشوا لنا من خلال الزوايا لنقرأ المهدي عليه السلام من خلالها.
فلا ينبغي لنا ان نتخلى عن مدركاتنا العقلية الشخصية ونترك الآخرين لكي يقوموا بعملية التفكير والقراءة والاستنطاق نيابة عنّا. إنَّ الله سبحانه وتعالى اكرمني واكرمك واكرم كل انسان على وجه الارض بهذه النعمة الكبرى؛ وهي نعمة العقل، هذه القوة الكامنة في داخل كيان الانسان تحتاج الى زاد، تحتاج الى منبع، تحتاج الى سلكين موصل لها يغذيها ويعطيها القدرة على ديمومة الحركة، هذه الحركة التي هي عبارة عن الانتقال من المقدمة الى النتيجة.
إذن، اذا لا نبدي مقدمات، فلا نستطيع ان نخلص الى نتائج. المقدمات ايضا لا نحصل عليها الا من خلال القراءة الدقيقة المركزة الموجهة صوب الهدف. من هنا نسال؛ كلنا ذهبنا الى مجالس الذكر والميلاد الشريف كلنا تعطرت انفاسنا ومسامعنا وسمت ارواحنا جراء ما سمعناه، وما تلقينا من مدائح وعبارات وتعريف قدر الامكان فيما يتعلق بالخلف الباقي، لكن، لنسأل: هل كانت هذه الحركة ممنهجة وفق دراسة علمية بحيث يستقر ما سمعناه في عقولنا او هناك مساوى بين ما نسمعه في مجالس الذكر وما نتلقفه من خلال المحطات وغيرها.
هناك تجربة بسيطة تقول بانه: اذا كان المسموع لا يمكث في ذهن الانسان مسافة طويلة، طيب هذا الامر لا يتعلق فقط بالامر المادي فحسب بل حتى في الامر الديني، على العكس من ذلك تماماً المقروء له القدرة على الاستقرار في ذهن الانسان بما لا يتخيله الانسان، بعبارة اخرى انت عندما تسمع بقضية فيها بعض الابيات من الشعر، او فيها حكمة، او آية من آيات القرآن الكريم، تسمعها سماعا، فهي لا تحظى على مكانة كافية للتخزين في عقل الانسان، بخلاف ما اذا قرأت أو اعددت القراءة، فقد اشفعت نفسك انك في حالة من حالات الاختزان وليس المرور مرور الكرام.
أنظر، فهذه المعلومة او هذه الآية او هذا البيت من الشعر او هذه الحكمة وهذا المثل ينقش له موقعا في عقل الانسان يستحيل أن يمحى مع مرور الايام حتى لو جاءت معلومة اكثر اهمية لا تستطيع ان تمسح ما هو المخزون؛ لذا فأن استدعاء المعلومة في ساعة الحاجة، في آن الحاجة المقروءة المستقرة، تكون اسرع حضورا من تلك المعلومة التي مررت عليها مرور الكرام، هذه تحتاج الى مشهد فيه قوة من الدفع بحيث يحفز جميع القوى الكامنة في داخل الانسان لاستحضار تلك المعلومة الطارئة، التي مررت عليه مرورا جراء السماع فقط وفقط. على العكس من ذلك فيما لو كانت قراءتك؛ فمن هنا نسأل ونقول وهو سؤال يتكرر في الكثير من المناسبات، هل قرأنا عن المهدي عليه السلام، شيئاً؟ المهدي يعنينا الائمة كذلك، في كلام ان كل واحد منا معني بشأن كل امام من ائمتنا لكن المسؤولية مع الامام المهدي اكبر لانه الامام الفعلي وله الطاعة في رقابنا جميعاً، اعمالنا في مثل هذا اليوم يوم الجمعة كما في كثير من الروايات تعرض على المهدي ولا تعرض على اهل البيت، اعمالنا تعرض عليه استعراض فقرة فقرة، وأن ما نقدمه له شيء مهم. [راجع: بصائر الدرجات، ص 424 الجزء 9 باب 4]
هنا نسأل انت عندما تقيم الحفل وتصرف عليه الاموال الطائلة، أليس في نيتك إدخال السرور على قلب المهدي عليه السلام؟ ولا يناقش بهذه احد. فالامام المهدي عليه السلام، عندما ينظر اليك من عالم اللطف الذي يتحرك فيه وانت ممسك بكتاب يتعلق بذاته المقدسة عليه الصلاة والسلام، فكم أن الامام المهدي عليه السلام يصبح مأنوسا؟ وكم وكم تنقل على المهدي سرور بالموازات مع الغير؟
يعني لما يكون عندي مئة نفر، خمس من مائة نفر يعني خمسة بالمائة خمسة من هذه المائة نفر، هؤلاء مفرغون أنفسهم لمدة ساعة او ساعتين من الوقت لقراءة ما يتعلق بشخص الامام المهدي عليه السلام ليقتربوا منه بناءا على حبل المعرفة.
بينما خمس وتسعين بالمائة مثلما نشاهد اليوم، أنه يمكن الانسان أن يسعى فيوفق لحضور مجلس وقد لا يوفق خصوصاً وسط البعض من الشباب، أقول البعض من الشباب لو تزاحم الحفل، ولو تزاحم مجلس العزاء اكثر من ذلك ولو تزاحم مجلس العزاء في ليلة الوفاة للمعصوم عليه السلام، مع واحدة من المباريات الفاصلة في القسم الرياضي؟ فنشاهده يفضل مشاهدة المباراة، لماذا مفضلة؟ لأن الانسان الذي قدم الوقت لمتابعة المباراة، فقد اعطى حصة زمنية على حساب الحصة الزمنية المقررة للمناسبة.
وهذا ناشئ من عدم المعرفة بحدود المناسبة بعظم المناسبة بخطورة المناسبة لذلك يقدم المهم على الاهم. وهذا لا يعني أن الكرة ليس فيها منفعة، بل نقول أن فيها منفعة، لكن هل هذه المنفعة هي الاهم في المقام؟ طيب نرجع ونستنتج ونقول: هل صحيح عن هذا الجيل الطويل العريض بما اوتي من اسباب الوصول الى المعلومة والتعرف على حدود القضايا الهامة والمفصلية في حياته اليومية لا يميز بين المهم والاهم؟ فهذه كارثة. وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على ان المهدي عليه السلام، لا يشغل والمعصوم بصفة عامة لا يشغل مساحة كافية بحيث تصير منه الاهم المستوجب لالغاء المهم على فرض انه المهم الى هذا المقدار. هذا موجود هذا شيء عملي ولا أحد يستطيع أن ينكره ويقول إنه غير موجود.
صحيح لدينا شباب طيب وطاهر ونقي ورسالي ويراهن عليه وصاحب توجه وعبادة وقراءة لكن ايضا لدينا شباب الانسان يأسف على ان يتخذ لهم مسارا مفتخرا، لذلك نقول لكم أيها الآباء الاعزاء، على فرض وجود واحد اكبر مني بهذا المحفل او الاخوة على اقل التقادير. فهناك مسؤولية كبيرة لما نرى سلوك غير مستقيم في الشارع وشهر رمضان بدل ما يكون مساحة العبادة، مساحة ربيع القرآن، مساحة ذكر اهل البيت، مساحة الدعاء والاستغراق في الربط الالهي، والخ من المساحات؛ فأنتا بالعكس ينقلب الى مساحة طيعة وسهلة ومرنة في سبيل الوصول الى امور غير مرغوب فيها، أقول غير مرغوب فيها، ولا أقول غير ذلك.
الاحساس بالمسؤولية
طيب، عندما لم يحدث مثل هذا الحدث الانسان الذي يقول انا لا يعنيني هذا، فهذا ليس ولدي. ما عندنا في الاسلام ليس ولدي، أو هذا ليس من بلدي. ليس في الاسلام هذا ليس ابن بلدي، بل عندنا: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته [ارشاد القلوب للديلمي، ص 184] الحاكم مسؤول عن المحكومين الذين تحت دولته، شيخ القرية، امير القرية، عمدة القرية، الوجيه في القرية، كلهم مسؤول. اللجان التي شكلت في الكثير من المناطق والمدن في سبيل تسهيل مجموعة من الامور الخيرية ايضا هي مسؤولة، فلا يمكن للانسان أن يتخلى عن دوره ويقول والله انا لا يهمني ولا يعنيني, أنت تقول لا يمهني ولا يعنيني، ثق واعتقد أنك في هذه الحالة تكون قد تخليت عن ركن ركين ومهم في تقويم مسيرة المجتمع المترتب عليه على فرض حصول ضياع اكبر شتات واكثر خطورة. لذلك فان شهر رمضان فرصة مواتية فمثل هذه الليلة، والتي يحتمل احتمالا قوي جدا ان تكون هذه الليلة هي الليلة الاولى من شهر رمضان المبارك، فرصة ايها الاحبة كاخوة ناخذ بايدي ابناءنا، كشباب ناخذ ايضا بيد الشباب، انا دائماً اؤكد واركز على هذه القضية رجل الدين عندما يطرق ابواب المتدينين ويتردد على مجالسهم، فهذا لا يشكل انجازا كبيرا، نعم، إنه انجاز طيب، فيه التواصل والمطارحة على نحو الفكر والمسالة لكن الاهم من ذلك ان يطرق رجل الدين المجالس التي عليها علامات الاستفهام، فنحن لا يوجد عندنا خبيث بالاصالة، او انحراف بالولادة هذا غير موجود عندنا. روايات اهل البيت (عليهم السلام لا تقول ذلك بل تقول شيء آخر وهو اننا خلقنا من فاضل طينتهم، [روضة الواعظين، ج 2، ص 296] تلك الطينة الطاهرة المطهرة. فعندما نقول هنالك انحراف في المجتمع نعني بذلك ان هناك خروج عن الصراط المستقيم وانحراف عن الجادة، البعض يقول لو قلت شيئاً لفلان فسوف يكسر سيارتي أو يسيء باموري الاخرى في الحياة، لكن هذا ليس مبرراً وليس شافعاً.
يتحتم على كل واحد منا ان يدعوا الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، لا الشدة والغلظة.
أحياناً يأمر الاب بالمعروف ويريد أن يقوّم اسلوب الولد، وهذا الولد له اخوين اثنين، الاول حسن الاخلاق والثاني أيضاً حسن الاخلاق أما الثالث فهو سيئ الاخلاق في سلوكه طبعاً فليس صحيحاً أن يوبخ الاب ابنه سيئ الاخلاق ويتهمه أنه هكذا، ويقول له أنت سيئ الاخلاق، وانظر أن أخوتك أخلاقهم جيدة، فهذا أصلاً ليس منطقي. فالاب كلما جعل الولد في قفص الاتهام، فقد زاده انحرافا وتمردا، لذلك على الاب أن يشعر ابنه بالاستقامة ويرجعه الى أصالته، فقط أطلب منه وقل له التفت الى المحيط من حولك نحن لا نريد ان نخسرك، فأنت يا بني مشروع مستقبلي وطاقة لابد وان تاخذ موقعها يوم من الايام بين الامة.
نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا واياكم لكل خير وان نسألكم طبعا براءة الذمة من كلمة زائدة قلتها أو ناقصة أو ربما شددنا في بعض المواقف، لكن صدقوني أنها كلمات من القلب ولا أرجو من ورائها الا القبول من قبل الله سبحانه وتعالى إن شاء الله، وفقنا الله واياكم.