نص كلمة:شمولية كرم الإمام الحسن عليه السلام

نص كلمة:شمولية كرم الإمام الحسن عليه السلام

عدد الزوار: 901

2018-10-21

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1440/2/6هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على نبينا الأمين محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

الكرم؛ معناه ومساحاته

الليلة القادمة تظللنا ذكرى وفاة السبط الأول الإمام المظلوم المسموم الحسن بن علي (ع)، الإمام الحسن (ع) عُرف بكريم أهل البيت، البعض يتصور ان الكرم إنما يوصف به ذلك الانسان الذي فتح مجلسه للقاصي والداني، أو الذي تعمر موائده بما لذ وطاب، أو ذلك الانسان الذي يتردد عليه أهل الجاه والمقام، حال ان الكرم حتى لو قلنا ان مثل هذه الأمور يمكن ان تحمل وان ينعت بها من ينعت ولكن لا تحصر في هذا الجانب، بل ثمة امور أكثر أهمية منها، طبعا الانسان الكريم ممدوح سواءٌ كان الإكرام لنفسه أو الإكرام لأهله، أو الإكرام لقبيلته ومجتمعه وهكذا.. هو ممدوح والعرب تقول: «لا يسود بخيل» وفي نص تاريخي آخر يحكي حال العرب ويقرء في علم الاجتماع عند المختصين به: «العرب لا تسود بخيلاً» يعني لا تجعل من البخيل سيداً على نفسها ولا تضفي عليه هذه الصفة، الجانب الثاني هو ان يكون الانسان كريماً في الجانب المعنوي يغدق مما أفاض الله عليه من النعم المعنوية كالسماحة والعفو عند المقدرة وبطبيعة الحال اذا كان ممن نال قسطاً وافياً من العلم ان ينفق مما أفاض الله عليه من تلك العلوم، ومن الطبيعي أيضاً ان الناس تميل لذلك الانسان المتصف بالكرم مادياً ومن باب أولى ان تميل اليه أيضاً عندما يكون متصفاً بالكرم في الجانب المعنوي، رجل الدين الباذل لعلمه فوق ما هو ممدوح من قبل الله سبحانه وتعالى وينتظره الكثير يوم القيامة فهو أيضاً في مجتمعه مقدّم، وإذا كان من اصحاب المقامات المتقدمة وانكشف اعلامياً يكون مقدّرا أكثر.

القراءة الصحيحة لسيرة الامام الحسن (ع)

 الامام الحسن (ع) عرف بكريم اهل البيت لكن دائما نحن نطرح المثال ونذكر أن الامام الحسن (ع) جعل من بيته مضيفاً وهذه صفة حسنة حتى قيل انه انسى كرم حاتم لشدة ما كان عليه من بسط اليد، هذه السمة تضاف له وان كان هو في حد ذاته كمال عقيدتنا في نبينا وسيدتنا وأئمتنا انهم الكمال، هم امثلة الكمال بين البشر من السابقين والحاضرين واللاحقين أيضاً، الامام الحسن (ع) كان يجلس في مسجد النبي (ص) ويفتي الناس ويوضح اسباب نزول الآيات، هذه الحالة مع شديد الاسف لم ترصد بالقدر الكافي ولم يركّز عليها كما ينبغي، لذلك صرنا لا نقرأ الامام الحسن الا من خلال هذه الزاوية؛ انه صالح خليفة الشام، ثم ندخل في فلسفة ذلك الصلح فيما له وما عليه بناءا على القراءات التاريخية ونحن ليس لنا في ذلك شيء، لأن الامام المعصوم بطبيعة الحال لا يمكن ان يصدر منه ما يستوجب التأمل ناهيك ان يكون في دائرة الخطأ، هذا لا يمكن ان نعتقد به لأنه لا ينسجم مع المعتقد، ولا يجوز للإنسان أن يذهب إلى هذا التوجه، مخرجات الصلح منتج الصلح و... هذه مواضيع لا تعنيني كثيرا، لأنها تمثل مرحلة انقضت رتب عليها الآثار وقتها أراد الامام منها المصلحة التي تسير مع الناس من يومهم والى الايام القادمة، لكن الامة تنكبت الطريق، أعرضت ولم تتقبل ذلك المنتج، بل صادرت الكثير منه واوجدت حالة من الضبابية على الكثير من بنوده، بل اكثر من ذلك في حياته شكك المشككون والا ما عسى ان نفلسف ذلك الموقف من احد المقربين من الدائرة الاولى حول الامام (ع) والذي يكمن للإمام في سباط مظلم ثم يطعن الامام (ع) في فخذه بخنجره ويقول له «يا مذل المؤمنين»!! كلمة جدا كبيرة! وهذا الانسان لم يكن اموي مناكف، او في الاتجاه الآخر، بل كان انسان يفترض ان يكون من الدائرة الضيقة للإمام (ع)، لكن بالتالي الامور الى اين سارت... الامام الحسن (ع) صحيح حوله جيش جرار طويل عريض يعد بالآلاف وصحيح ان عدد كبير منهم اجتمع في منطقة النخيلة واعد سلاحه واعد ربما حالة نفسية معينة لدخول الحرب مع خليفة الشام لكن الامام الحسن (ع) سبرهم وامتحنهم فلم يجد منهم من يعول عليه، بحيث ان عبيد بن العباس هو ابن عم الامام ويفترض ان الراية تعقد وتدفع له كمسؤول جيش وقائد لكن هذا في الليل سلم الجمل بما حمل للطرف الآخر وخذل الامام الحسن (ع)! تصور قائد الجيش يقدم استقالته في آخر لحظة لكن كيف؟ على طريقة الفرار يجعل من الليل ستارا له ويفر!

بيان حال الامة عن لسان الامام الحسن (ع)

يقال للأمام الحسن (ع) انت لديك هذا العدد الكبير من اهل الكوفة والكل مستعد للتضحية فلماذا تدخل في عملية الصلح وتضيع آمال الامة وطموحات الامة؟ فيجيب الامام الحسن (ع) بجواب ربما البعض منا يتفاجأ لأنه دائما يتردد عليه ان هذا الكلام هو للإمام الحسين (ع) في حين ان الكلام للإمام الحسن (ع) لكن الامام الحسين (ع) يستشهد به في معرض خطبه وبياناته ما قبل وأثناء معركة الطف يقول الامام الحسن (ع): «إن الناس عبيد المال، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون».[2]

ان الناس عبيد المال؛ الامام الحسن (ع) يجيب من سأله لماذا تصالح وانت بهذه القوة والاقتدار؟ لان الامام الحسن (ع) بالتالي كان له جيش كبير وحتى أنه كان قد كتب الى خليفة الشام: «أما بعد، فإنك دسست إليّ الرجال كأنك تحب اللقاء، وما أشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله»[3]، لكن النتيجة الى أين وصلت مع هذا الكم الهائل؟ لان الناس عبيد المال، لذلك اغراهم خليفة الشام الدرهم بعشرة، بعدها تبدلت المواقف، انسحب من انسحب و... البعض قد يتصور بان قضية خذلان أهل البيت عليهم السلام كانت فقط مع مسلم بن عقيل، في حين لو تراجع اوراق التاريخ سترى والى يومنا الحاضر لو حصل ما حصل سترى نفس النتيجة، فلا يغرك كثرة المصلين أو كثرة الزائرين وكثرة المشاية، الامام الحسن (ع) يعطينا الميزان فيقول: ان الناس عبيد المال، اليوم هناك أناس لو تأتيهم وتقول لهم خذ هذا المبلغ البسيط من المال وتعال وأشهد شهادة زور، سيفعل ذلك، وفي نفس الوقت هو يصلي ويصوم ويزور و يلطم و...

والدين لعق على السنتهم؛ كيف يعني لعق على السنتهم، يعني كالعلكة عندما تجعلها في فمك في البداية فيها حلاوة لكن شيئاً فشيئا تزول الحلاوة بعدها تلفظ كما تلفظ النواة، فالبعض حاله بهذا الشكل.

يحطونه ما درت معائشهم؛ يعني اذا كانت الصلاة فيها منفعة يصلي واذا لا يرى فيها منفعة يتركها، كذلك لا يساعد شخصا الا اذا كان في ذلك منفعة له في غير ذلك فهناك الف فاصلة وفاصلة بينهما وعلى هذا فقس ما سواه..

فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون؛ هذا الكلام للإمام الحسن (ع) ليس فقط يصف فيه حال الجيش في ذلك الزمان، بل هذا هو حال الامة اذا الامة تنكبت الطريق وتخلت عن الموازين والمبادئ والقيم.. لذلك يوم القيامة الناس لم تحاسب على مواقعها بالإضافة الاسرية أو بحسب مراتبها الوظيفية أو مقاماتها الاجتماعية أو مناصبها، يعني لا يقولون لمن لديه أموال قف في الصف ذات اللون الاخضر ويقولون للفقير قف في الصف ذات اللون الأحمر، وإنما يوم القيامة يحشرون حفاة عراة كما تقول بعض الروايات الموجودة، اذن ما هو الميزان؟ الامام الحسن (ع) يقول الميزان العقل، يعني قد يكون هناك صاحب ثروة لكن اهوج، أو صاحب علم لكن اهوج أو صاحب جاه وقبيلة لكن اهوج أو مدير ادارة لكن اهوج وهكذا.. لذلك الرسول الكريم (ص) يقول: «إنما يرتفع العباد غدا في الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم»[4]، العقل هو موضع اشراقة النور المفاض، فاذا كان عقل الانسان فعلا هو بيئة صالحة لاستقطاب النور والفيض سترى انه لا يرتكب الذنوب ولا يتجاوز آداب المجتمع ولا يحارب الآخر ولا يقلل من مقام نفسه.. هذا امامنا الحسن (ع)، فيجب ان نستفيد من مجالس ائمتنا عليهم السلام في وفياتهم وفي مواليدهم ولابد ان تكون هذه المجالس مدارس نستفيد منها، اما اذا كان الهدف اني احضر مجالسهم كي التقي بالشخص الفلاني أو يرضى عني صاحب الحسينية الفلانية أو ان زاد الحسينية الفلانية أفضل من زاد هذه الحسينية و... فأنت لم تذهب من أجل الامام الحسن ولا من أجل الامام لحسين عليهما السلام، نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا واياكم من زائريه وممن تناله الشفاعة على يديه انه ولي ذلك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.