نص كلمة:شذرات من مدرسة الإمامة في تعاليم الحياة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
ورد في الحديث الشريف عن المولى الإمام علي (ع) أنه قال: «من أصبح على الدنيا حزينا فقد أصبح لقضاء الله ساخطا ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فقد أصبح يشكو ربه ومن أتى غنيا فتواضع لغناه ذهب ثلثا دينه»[2]
جوانب من النعم الإلهية على الانسان
الله سبحانه وتعالى انعم علينا بنعمة الوجود ورفد هذه النعمة بمجموعةً من النعم منها كمال الخلقة؛ ان يخرج الانسان من رحم أمه وهو معافى، في أحسن تقويم من جميع جوانب مركبه من الروح والجسد، من النعم ان يجعل ذلك الانسان في كنف أسرة كريمة ترعاه وتحافظ على مصالحه، تغذيه وتربيه، تجمع بين البعد المادي والمعنوي، من النعم المفاضة على الانسان أيضاً نعمة الأمان والانسان يدفع الكثير من أجلها، قد يغير او يستبدل موقعاً بموقع بحثاً عن الأمن والأمان والاطمئنان، من النعم المفاضة على الانسان انه اجتماعي بطبعه، يألف ويؤلف، يحبه الآخرون ويحب الآخرين، أيضا هذه واحدة من النعم، القرآن يقول: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾[3]، المسألة ليست هي مجرد إنفاق مادي وإنما المسألة مسألة تبسّط، محبة طافحة يلمسها الإنسان لأول وهلة وعند أقرب نظرة يقرأ الطرف المقابل، يلاقيه بوجه حسن، ابتسامة مرسومة تكشف ما في داخله أشبه برسالة بريد من الداخل إلى الخارج، يتلقاها المتلقي ويرتب عليها الشيء الكثير من الآثار، هناك الكثير من الأمور لا نقرأها قراءة صحيحة حتى نقف على ضدها، لأننا إذا وقفنا على ضدها استطعنا ان نستكشف ما لذلك الشيء من القيمة والجودة العالية مثلا: السليم يمرض، فإذا مرض عرف ما للسلامة والصحة في البدن والروح من قيمة، اليوم اذا جلست في مجلس وألقيت وأدرت بصرك ذات اليمين وذات الشمال تجد في المجلس من هو دونك في التمتع بحالة الصحة والعافية، حينها عليك ان تحمد الله على هذه النعمة التي لم تسلب إياها، لكن عليك أن تعرف بانها ليست حتما جزما على الله سبحانه وتعالى ان تكون لك رفيقةً حتى ترد إلى ملحودتك وهي النهاية التي لابد منها، لذلك على الانسان أن يستغل صحته ما استطاع إلى ذلك سبيلا بغية الوصول إلى الهدف.
نعمة الإيمان بالله ورسوله وأوليائه
من النعم؛ الإيمان بالله سبحانه وتعالى، الإيمان بالنبي الأعظم محمد (ص) والإيمان بإمامة المعصومين من آل محمد عليهم السلام، إذا تربع الإيمان في قلب الانسان هانت جميع القضايا عليه بحيث يعيش في مربع التسليم لله سبحانه وتعالى في كل شيء، يصبح حامدا لله سبحانه وتعالى، يمسي حامدا لله سبحانه وتعالى مهما جرى عليه، ان جرى عليه الأمن، او ان جرى عليه أي جانب من الايجاب حمد وشكر، لأنه تحصل عليه، كذلك ان جرى عليه ما هو خلاف ذلك بمقتضى التسليم والانقياد إيماناً يقدّم الحمد لله سبحانه وتعالى الذي لا يحمد على مكروه سواء، اكثر من ذلك لا يشكو مصيبةً نزلت به.
ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فقد أصبح يشكو ربه؛ بعض الناس عندما تنزل به اقل القليل تراه يتشكى بحيث انه يتنقل من مجلس إلى مجلس يتشكى ويبرز الحالات التي نزلت به، في حين أن الانسان قد لا يعي ما هو المنتظر له في مستقبل الايام، ربما تتألم أو ربما تتضور جوعا ولكن في ذلك رفعة، رفعة مقام في يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، أو ربما هو طي صفحات من الذنوب قدمها الانسان بين يدي الله سبحانه وتعالى وقد أجرى عليه المصيبة واحل به النازلة كي لا يأتي على واحدة من تلك الصفحات وفيها شيء يطالب به، وعندما يأتي يوم القيامة وهو اليوم الذي يقول عنه القرآن الكريم: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾[4] يرى الامور سليمة وطيبة معه، والسبب هو أن الانسان مثلا عندما يفقد عزيز له، صحيح انها نازلة وتحتاج إلى حالة جدا متقدمة من الايمان والتسليم والانقياد والطاعة، لكن عليك ان تنظر الى امامك وتتيقن بأن الله فقط هو العالم وانت لا تعرف ما هو الموعود به من الأجر، هناك بعض الناس يقسّم رحمة الله وغفران الله بمزاجه! في حين ان هذا هو شأن البارئ سبحانه وتعالى، وفي يوم القيامة ان لم تحملك رحمانيته حملتك رحيميته، لأنه رحيم بجميع العباد، وليس فقط رحيم بالمسلمين أو بالشيعة او السنة وانما هو رحيم بالعباد ولولا الرحمة الإلهية لساخت الارض بمن عليها، فلابد ان نلتفت الى هذه القضية.
ومن أتى غنيا فتواضع لغناه ذهب ثلثا دينه؛ يعني يتواضع للغني ليس من أجل أن الانسان هو الانسان وإنما لأن بين يديه دراهم، والمال مهما بلغ فانه سوف يزول في لحظة من اللحظات مثل نعمة الصحة مثلا، فترى ذلك الانسان العزيز بالإضافة يعني لأنه غني وإذا به ذلك الانسان الذي يسأل الناس! فكما ان الصحة لا تدوم كذلك الغنى لا يدوم، بل أكثر من ذلك حتى ان العلم الذي يعتبر هو اهم من المال قد يزول من الانسان، فترى الانسان المتنعم بعلمه ووعيه وفكره وثقافته و... اذا به وفي لحظة من اللحظات يصبح هذا الانسان لا يهتدي الطريق حتى إلى بيته، يحدث عنده اختلال بسيط في العقل في الذهن واذا به يشطح فإما ان يخرج من الجادة والعياذ بالله وهذا ممكن لأنه لا يوجد ضمان لاحد بحيث يقول انا عالم، أنا آية، أنا ... وان الجنة مضمونة لي! لا يوجد هذا الشيء ابدا، هذا ابليس الذي لم يكن علمه بالقليل بحيث انه يناقش رب الارباب في اصل الخلقة حيث أشكل وقال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾[5] وهذا الكلام هو كلام عالم وليس جاهل، لكن بالتالي نتيجة هذا العلم وكما يقول القرآن: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾[6]، يعني هذا الذي يحمل أسفاراً لم يكن دارساً؟ نعم دارس لكن الصورة التقريبية للذهن بهذا المعنى، قد يأتي شخص ويقول هل هذا يعني اننا لا نحترم العالم، لأنه في يوم من الأيام ممكن أن يزول من عنده هذا العلم؟! طبعا لا، لأن للآداب بين الناس لوازم؛ إما لوازم عرفية أو لوازم دينية أو لوازم تربوية، ثلاث مسارات توصلك إلى هذا الشيء فلابد ان نحترم، وقد يقال بان هذا الغني أيضاً أنا لا احترمه! لأنه عنده اموال! لان الحديث يقول: ومن أتى غنيا فتواضع لغناه ذهب ثلثا دينه؛ فيعني ذلك انني لا أحترم أي غني وعليّ ان اقطع العلاقة مع أي غني ولا أكلمهم!؟ طبعا لا، لان الرواية النبوية الشريفة تقول: «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»[7]، الغني إذا قدم للناس ما افترض الله عليه من الحقوق، شاركهم في الصغيرة والكبيرة، قدم لهم الدعم في قضاياهم، دفع عجلة مشوار الحيات معهم من خلال امواله و... قد يكون هذا عند الله اقرب وأفضل من سائر المؤمنين، الروايات تذم الغني الممسك الذي يكنز أمواله ولا ينفقها وهو حارسٌ عليها ويرهق نفسه من أجلها وبعد موته يأتون أهله وحتى الرحمة لا يترحمون عليه فضلا عن المجتمع، في حين يوجد كثير من الفقراء خلاف ذلك، وامس كان قد توفي عندنا احد الفقراء وهو الحاج احمد الشواكر (ابو يوسف) رحمة الله عليه فتشييع جنازته كانت وكأنما المتوفى هو عالم! في حين كان هذا الرجل فقيرا ومات في بيته، وهناك أغنياء تتعثر تشييع جنائزهم، فهذه المسألة أيضا لابد من الالتفات اليها وهي ان الغني المتواضع المحب للناس والذي يده ممدودة بالبذل والخير هذا له الكرامة وله الاحترام وله التقدير، لأن بهؤلاء تبنى المساجد، تشيد الحسينيات، يزوّج الفقراء، تصان الأسر، تدفع حركة التدين والتبليغ .. نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يحفظنا وإياكم وان يجعلنا وإياكم من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين بحق الصلاة على محمد وآل محمد.