نص كلمة:شذرات من حياة السيدة الزهراء عليها السلام ليلة مولدها
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
اسعد الله أيامنا وأيامكم وبارك الله لنا ولكم في هذه الليلة المباركة المشعة بأنوار الزهراء بنت النبي محمد (ص).
شذرات نورانية زهرائية
في حياة الزهراء سلام الله عليها محطاتٌ كثيرة؛ من الولادة الى الشهادة، دروسٌ وعبر، الزهراء سلام الله عليها خلفت وراءها الكثيرة من الشذرات النورانية، وحريٌ بنا ان نقف عندها وان نستفيد منها قدر المستطاع، أما شفاعتها ولطفها لشيعتها فهو واضحٌ بين، فهي التي لم تكن تدعو ابتداءً إلا لشيعتها، ثم بعد ذلك تدعو لنفسها وكانت تقول سلام الله عليها: «الجار ثم الدار»[2].
العلم والجد في الارشاد وما يترتب عليه من خيرات
من الشذرات التي ينبغي ان نقف عندها ما روي عنها عليها السلام من أنها قالت: «سمعت أبي صلى الله عليه وآله يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدهم في إرشاد عباد الله حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور»[3].
إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدهم في ارشاد عباد الله؛ من جهة؛ كثرة علومهم وجدهم، ومن جهة اخرى ارشاد عباد الله؛ أمران على اساس منهما تحصل الكرامة من الله سبحانه وتعالى، الجانب الأول يختص بالعلماء وذلك لما يقرؤون من العلم ولما ينشرون من العلم وما يعلمون من العلم، ولأنهم أطباء يسيرون بأدويتهم ويعالجون مناطق الخلل في عباد الله سواء كانت في تكاليفهم العبادية أو في معاملاتهم أو في سلوكهم أو في ... هؤلاء العلماء يقوّمون الاعوجاج، يسدون الخلل والفرج التي تطرأ وهي أمور بالنتيجة تحدث ولا عاصم للإنسان من ذلك وهو أمرٌ ليس فقط محتمل بل هو قريب، إلا لمن اختص بعصمة خاصة وإلا فسائر الناس مصاديق لهذه الآية الشريفة: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾[4] وهي تجري مع كل انسان، والعاصمية الالهية مخصوصة لبعض عباده وأما سائر البشر فلا عصمة لهم، يعني الانزلاق والانحراف عند الانسان في أي لحظة من اللحظات يمكن أن يحصل، حتى ذلك الانسان الذي عبد الله اكثر من سبعين سنة لا توجد ضمانة له على الثبات والاستقرار، أو ذلك الذي يدعي الايمان بالنبي والاسلام أيضا لا توجد ضمانة على الثبات والاستقرار، أو ذلك الذي يعتقد بالولاية لعلي وآل علي ايضا قد يطول به العمر ولكن في آخر لحظة النفس تأخذه إلى مساحات مظلمة أو مردية، هذا شيء طبيعي، ومقصودي من الطبيعي لا أنه سهل وممكن ان يقوم به الانسان وإنما طبيعي كونه ممكن ان يقع لأي إنسان بما هو انسان، لكن هذا الانسان في هذه السنوات التي قضاها من عمره كان من المفترض ان يثبت الانتماء للدين الحنيف والثبات والاستقرار في الولاية لعلي وآل علي وهكذا في سائر الامور التي هو مطالبٌ بها، عليه ان لا يغيب عن ذهنه في لحظة من اللحظات أنه غير معرض للابتلاء وأن له حصانة وإلا فإبليس يترصد واعوان ابليس من الجن والانس من الكثرة بمكان، وهؤلاء الابالسة يعملون بدقة وهم قد يحيطون بك وأنت لا تشعر بهم، لكن بعد يوم أو يومين أو ثلاثة واذا انت في المربع الثاني! يعني قد صديق يأخذك الى المتاهة أو ابن رحم وشريكك في الرحم قد يأخذك إلى الضلال البعيد، لا يوجد شيء اسمه ضمان، نعم أنا على الاسلام بالشهادتين دخلت في حضيرة الاسلام وفي عالم الولاء لأهل البيت عليهم السلام ما دمت مقرّ لهم بالولاء وثابت ومستقر، لكن ليست الأمور بهذه البساطة وإلا لماذا نقرأ دعاء «العديلة»؟ نقرأ دعاء العديلة حتى نثبت هذا الايمان في داخلنا وحتى يستقر في داخلنا، ونحن نحافظ على الصلوات في وقتها من اجل هذا الهدف، نؤدي ما تعلق بذممنا من حق شرعي من عبادة حج أو صوم أو خمس أو زكاة أو حق للناس كله من أجل ذلك، وهناك نقطة مهمة بخصوص حق للناس وهي انه لا يتصور أحد ان الحقوق مع الله أصعب من الحقوق مع الناس، وإنما الحقوق مع الناس قد تكون أكثر صعوبة، لان الله سبحانه وتعالى بالتالي رحمن، رحيم، غفور، ودود، حنان منان، لكن هناك مع فلان آدمي والذي قد يكون كريم في الحياة لكن في الآخرة ليس هناك مجال للكريم أو غير الكريم، هناك فقط حسابٌ ولا يوجد عمل، فهذا الشخص فتش عن رصيد فلم يجد لنفسه شيء سوى من أساء اليه وإذا الذي أساء اليه عنده مجموعة حسنات فلا يتنازل عنها وليس لديه سوى هذه الأمور، لأنه لا يستطيع ان يرجع الى الدنيا ليقوم بالأعمال الحسنة: ﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾[5]، يعني أن هذا لا يتحقق في القبر فهل يتحقق في الجنة والنار وفي يوم الحساب والكتاب؟
العالم لابد ان يعمل وينشر علمه
وهذا الحديث يأخذنا ويرشدنا الى شيء وهو أنا مثلا اجمع علم بعقلي ولكن لا أنشر علوم أهل البيت عليهم السلام من خلال الكتابة أو لا اتكلم وأنشر علوم أهل البيت من خلال الكلام أو لا ادرس ولا أربي جيل ولا ... النتيجة ماذا ستكون؟ هنا تبدأ المقامات فهل يحظى بالكسب الكبير والخُلع التي هي معدة للذين يعملون من علماء الأمة أم لا؟
حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور؛ لمن هذه الخلع؟ لعلماء شيعتنا، الف الف حُلة يعني مليون حُلة من نور يعني هي ليست مجرد حلة مثل حلل الدنيا التي قيمتها قد تكون مبلغ معين من المال وانما هي حلة من حلل الجنة ومن نور نسجت من نور الرحمة والكرامة ولكن هذا لا يستحقه إلا العالم العامل، لان رواياتنا تقول: «العلم مقرون إلى العمل فمن علم عمل، ومن عمل علم، والعلم يهتف بالعمل، فان أجابه والا ارتحل عنه»[6]، فهذه واحدة من الشذرات التي تعطينا اياها الزهراء سلام الله عليها، لان البعض يقول أنا لابد أن أدرس سنين عديدة حتى اكون عالما! في حين ان الحديث الشريف يقول: «من حفظ عنا أربعين حديثا من أحاديثنا في الحلال والحرام بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما ولم يعذبه»[7] هذا النداء كان قبل الف واربعمائة سنة، لكن لو عملنا اليوم امتحان أو استبيان للموجودين هنا أو في خارج هذا المكان وقلنا لهم نريد أن نسمع أربعين حديثا وأنا وانت ندعي ونقول اننا من شيعة علي وفاطمة فكم نفر منا ينجح في هذا الاختبار وكم نفر تُخلع عليه هذه الخلع، ألف ألف خلعة من نور، نحن لا نخزن شيء مما تعلمنا ولو خزنا ما عملنا ولو عملنا ما استمرينا، وفقنا الله وإياكم لكل خير بحق الزهراء المرضية بنت النبي محمد (ص). ونحن في هذا اليوم قد انتهينا تواً من دفن آية الله العالم المجاهد في مجتمعه العم الشيخ حسين الخليفة، هذا الشخص الذي يمثل الموضوعية الحقيقية لان يُخلع عليه مثل هذه الخلع، لأنه درس وربى أعلام وأقطاب من منطقته وخارجها وعندما نزل إلى البلاد أيضا فتح بيته وقبل البيت فتح صدره للناس ومسجده والحسينية ولم يترك قرية إلا وطرق بابها، وسعى في حل المشاكل فيها ومد يد العون لأهل العوز فيها، فهذا من الطبيعي أن تخلع عليه هذه الخلع. وفقنا الله وإياكم لكل خير ولروحه الطاهرة رحم الله من قرأ الفاتحة مع الصلوات.