نص كلمة:شذرات من حياة الإمام الرضا (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
قيل لي أنت أوحد الناس طراً *** في فنون من الكلام النبيه
لك من جوهر الكلام بديع *** يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلام تركت مدح ابن موسى *** والخصال التي تجمّعن فيه
قلت لا أستطيع مدح إمام *** كان جبريل خادماً لأبيه[2]
اظهار المحبة للآخرين؛ من اجلى مصاديق الخلق الرضوي
مر علينا ذكرى ميلاد الامام الثامن الضامن، انيس النفوس، الامام علي ابن موسى الرضا (ع)، رزقنا الله واياكم سهولة الوصول اليه ان شاء الله والتبرك بعتبته الطاهرة، هذا الامام عظيم، بل ان كلمة «عظيم» اصغر من ان تحيط بعظمته لما هو عليه من اخلاق كريمة، ولما هو عليه من علم جم، ولما هو عليه من محبة للآخر، وهو ما نحتاجه في هذا الزمن كثيرا، نحن قد لا نستطيع ان نتبادل المال فيما بيننا ولكن ليس من العسير ان نتبادل المحبة فيما بيننا وان نظهر ما يدلل عليها من خلال ما يحصل بين الناس عادةً، مثلا هناك أحاديث كثيرة تؤكد وتقول استقبلوا الناس بوجوه مستبشرة، وهذا اقل شيء وهو لا يكلف شيئا، يعني أنا لا اريد منك ان تطعمني وتغذيني، لان اليوم والحمد لله الامور طيبة، يعني لا أقول انه لا يوجد محتاج لكن بشكل عام الأمور لا بأس بها، فمجرد استقبالك للناس بوجه مستبشر هو مظهر من مظاهر المحبة، ايضا من مظاهر المحبة هو ان اعيش فرحتك، وكذلك من مظاهر المحبة هو أن اقف الى جانبك في عزائك، في مرضك، في أي واحدة من نكبات الدنيا التي قد تقع في أي لحظة من اللحظات، يعني صديق أنت تسير معه في اكثر من مكان وإذا بهذا الانسان لا يستطيع المشي معك! لأنه اصيب في جلطة اقعدته! يا سبحان الله!! نفس الشيء ونفس الكلام في المسارات الاخرى.
شذرة من الدرر الرضوية
الكل منا متلهف ومتعطش للوصول الى عتبة الامام الرضا (ع)، لكن هناك سؤال مشروع مطروح وحتى لو لم تجد له جواب لكن السؤال بحد ذاته جميل يحرك الذهن؛ وهو صحيح أننا نشتاق ونتلهف لزيارة الامام الرضا (ع)، لكن الامام الرضا (ع) ليس مجرد قبر وحضرة وزيارة، وانما الامام الرضا (ع) هو مدرسة، الامام الرضا (ع) هو جامعة كبرى، يعني جامعة فيها دروس وفيها درر من الحكم نثرها ووصلت الينا، لنسأل سؤال آخر وهو أننا عندما نذهب لزيارة الامام الرضا (ع) هل نحن حريصين كي نحفظ حديث في الامام من آبائه أو من ابنائه عليهم السلام؟ ام لا مجرد نفرح ونفتخر بأننا زرنا الامام (ع) سبع مرات أكثر أو أقل!؟ لكن هل استحضرت سبع احاديث عن الامام الرضا؟ أو حتى نصف ذلك؟! أليس الروايات الشريفة تؤكد على ان من زاره عارفا بحقه وجبت له الجنة، لكن بينك وبين الجنة هو العمر لابد ان تقضي هذا العمر، وينبغي ان لا تكون فيه مغبونا، لم تأخذ حقك من الامام الرضا (ع) من علمه، من هديه، من سلوكه، من عبادته، من اخلاصه، من محبته للمؤمنين، فهذا أمر مهم، نحن لابد ان نأخذ شذرات في ذكرى شهاداتهم ومواليدهم كي تساعدنا على تخطي هذه الحياة الصعبة، والآتي اصعب، وانا اقول لكم بشكل عام بالنسبة لكوكب الارض القادم اصعب في كل الملفات، وليس في ملف واحد، ونحن نكمل حديثنا بذكر شذرة من شذرات هذا الامام سلام الله عليه حيث يقول (ع): «لا يجتمع المال إلا بخصال خمس: ببخل شديد، وأمل طويل، وحرص غالب، وقطيعة الرحم، وإيثار الدنيا على الآخرة»[3]
لا يجتمع المال إلا بخصال خمس: ببخل شديد؛ للغنى المادي اشياء واجندة تجتمع فيما بينها تحرك وتفعل الأمور وتجعل الشخص ثري ومقتدر من الناحية المادية، الامام (ع) يقول واحدة من هذه الامور هو البخل الشديد، والبخل الشديد هو ان يبخل على نفسه وعلى أهله وعلى عشيرته وعلى مجتمعه وعلى طائفته وعلى شركائه في الدين وبعد ذلك على الانسانية، لان هذه كلها دوائر تتسع، يعني هو بخيل، لكن شديد في بخله، او كما يقال اليوم بخل مركّز.
وامل طويل؛ يعني آخر مفردة يفكر فيها في حياته هو أن يأتيه ملك الموت يوما ما، عندنا رواية نبوية شريفة تقول: «يشيب ابن آدم وتشب فيه خصلتان: الحرص، وطول الأمل»[4] يعني لا يعتبر من موت الآخرين، في حين ان هذه كلها رسائل مرسلة له ولغيره من بني البشر كي يتعظوا.
وحرصٌ غالب؛ قد يقول القائل بأن الحرص هو نفس البخل، الجواب هو ان الحرص يختلف عن البخل، لان البخل معناه انه لا ينفق، بخلاف الحرص الذي يكون الانسان فيه حريص على ان لا يصل الخير الى انسان آخر، فمثلا عندما يسمع بان فلان من الناس حصل على مال يحرص كي يستحوذ هو على ذلك فتراه يلهث في تحصيل الريال (ليس في انفاقه) وحتى لو كان عمره ثمانين سنة لكن لا يهمه ان يقوم بأعمال هابطة من أجل ان يحصل على مقدار من المال وهو شديد الغنى عنه وليس بحاجة له، لأنه مثلا عنده أولاد وهم كفوه ذلك، لأننا نحن اليوم أبناؤنا ولله الحمد يعملون ولا يوجد واحد منهم أدار ظهره على ابيه أو امه، بل هم يقومون بالواجب لهم من كل النواحي، وهذا انما جاء لان الآباء زرعوا فيهم هذه الخصال، لان الآباء ربوا أبناءهم وعلموهم على ذلك، والأبناء يردون الجميل، ونحن اذا نعيب أبناءنا فإننا نعيب انفسنا، واذا تكلمنا عليهم فإنما نتكلم على أنفسنا، اي اذا كان الابن غير صالح فهذا نتيجة ان الأب غير صالح، ونحن عندما نقول بأن تربية الأب لم تكن صحيحة لا نقصد فقط انه كان يقتر على أبنائه في المال، بل لابد ان يراجع هذا الأب جميع ملفاته وكيف كان يتعاطى هو مع والديه لأنه «كما تدين تدان».
وقطيعة الرحم؛ يعني قد يكون هناك انسان وجهه يتلألأ مع الآخرين، لكن مع اخيه او مع ابن عمه أو ابن عمته أو ابن خاله أو خالته أو... مكفهر مظلم كقطع الليل المظلم! سبحان الله، أنت وجهك مشرق، لماذا مع هؤلاء بهذه الحالة؟! ألم يشترك هؤلاء معك في مجموعة من الاصول والثوابت؟! لماذا لا تبتسم معهم ألم تخشى ان تكون خصيما لعلي بن ابي طالب (ع) يوم القيامة؟ فقطيعة الرحم اليوم بلوى الكل يشكي ويشتكي منها، الامر الاخير:
وإيثار الدنيا على الآخرة؛ البعض يقول بالنسبة لي لا توجد عندي مشكلة، لان الامام علي (ع) هو قسيم الجنة والنار! صحيح أن الامام علي (ع) هو قسيم الجنة والنار، لأنه يفرق بين الحق والباطل كما يؤكد ذلك النبي الاعظم محمد (ص)، لكن أليس الامام علي (ع) هو نفسه يقول: «أعينوني بورع واجتهاد، وعقة وسداد»[5] حتى يسهل عليّ أن أدخلكم الى الجنة بسهولة فعندما أقول ليدخل فلان الى الجنة لابد ان يكون ملفك نظيف وطاهر ونقي لا ان تقدم ملفك واذا هو مليء بالغيبة والنميمة والحسد والافتراء والمحاربة والتسقيط واكل مال اليتيم وعدم أداء الواجبات و...
فالإمام الرضا (ع) مدرسة، فينبغي ان توظف الرحلة والسفر الى زيارته بأمور دينية وأن نقوي من خلال هذا السفر الارتباط والعلاقة مع أمام زماننا المهدي (ع) أو على أقل التقادير أن نتعلم مسألة شرعية أو رواية عن اهل البيت أو كرامة عنهم عليهم السلام حتى يكون عندنا فعل وتفاعل مع المعصوم (ع)، وفقنا الله واياكم لكل خير ورزقنا الله واياكم زيارته عاجلا انه ولي ذلك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.