نص كلمة: شذرات من حياة الإمام الحسن (ع)

نص كلمة: شذرات من حياة الإمام الحسن (ع)

عدد الزوار: 1246

2017-10-31

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1439/2/3هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على نبينا الأمين محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي*وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي*وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي*يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

جاء في الحديث الشريف عن الإمام الحسن المجتبى (ع) انه قال: «ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم»[2]

الامام الحسن (ع) والمجتمع الكوفي

ايام قليلة تفصلنا عن ذكرى شهادة الإمام الحسن المجتبى (ع) المقتول ظلماً وعدواناً على يد جعيدة المدفوعة من قبل العرش الأموي، الإمام الحسن (ع) يمثل علامةً بارزةً في المشهد الاسلامي الكبير بصلحه ومن خلال صلحه هيأ الأرضية للسبط الثاني الشهيد الإمام الحسين (ع) في نهضته العظيمة الخالدة التي حصنت رؤى الاسلام ومسيرته، الإمام الحسن (ع) ورث تركة مثقلة بالصراع وما تمخض عنه من احقاد استقرت في نفوس الكثير من ابناء المجتمع الكوفي الذين كانوا قبل ايام يقاتلون بين يدي الامام علي (ع) في ثلاث حروب طاحنة ثم انقلبوا عليه وقلبوا له ظهر المجن، حتى تخلصوا من الإمام (ع) في ليلة القدر في شهر الله، شهر رمضان المبارك، متقربين بذلك الفعل الى الله تعالى وهذه واحدة من مهازل التاريخ الاسلامي الواصل الينا عبر النصوص، في الكوفة مجتمع خليط من العرب وغيرهم، في الكوفة ظاهر الحال الولاء لعلي وآل علي، ولكن هذا لا يعني عدم وجود بؤر التوتر والنفوس المريضة، يشهد على ذلك ما قاموا به من افعال مع الإمام الحسن (ع) بعد ابيه وختموا صفحتهم بما جرى مع الإمام الحسين (ع) في كربلاء، الإمام الحسن (ع) هو واحدة من مفردات البيت النبوي، من مفردات البيت العلوي من مفردات البيت الفاطمي، سمع من جده النبي (ص) بعد ان درج بين يديه، وسمع من ابيه ووقف الى جانبه في كل المواقف التي وقفها الإمام علي (ع) مما اكسبه تجربةً واسعةً دلل عليها منتجه ألا وهو الصلح او الهدنة التي وقعها مع خليفة الشام معاوية.

كرم الامام الحسن (ع)

ومعروف عن الإمام الحسن (ع) بأنه كريم اهل البيت (ع) وفي زمانه تبوأ موقع «كريم العرب» لما عرف عنه من الندى والسخاء واليد المبسوطة وكان الإمام الحسن (ع) اذا ما دخل عليه سائل كان الاحرص على حفظ ماء وجه ذلك السائل، كان لا يرغب في ان يقف السائل في ذل الحال وانما يقف في موقف الانسان المعتز بنفسه والمحافظ على هويته، كان يقول للسائل: «اكتب حاجتك وانصرف» هذا اسلوبه الذي رسم معالمه وليت الامة تقتفي آثاره وتسير على نهجه، لكن مع الأسف الشديد اصبحنا في حال حتى القريب لا يجود على اقرب الناس اليه حتى يلبس الطرف الآخر ثوب المذلة! وفي هذا تنكب عن طريق اهل البيت عليهم السلام، والمعروف وكما جرت عليه عادات العرب وتوارثها المسلمون يرغب السائل ان يبوح بمدحة المعطي، لكن الإمام الحسن (ع) كان يغيب وجهه عن السائل حين الاعطاء حتى لا يرى شيئا من الانكسار على وجه السائل، الإمام الحسن (ع) عندما يبدأ السائل في المدحة يقطع الطريق عليه، وكان يقول (ع):

نحن أناس نوالنا خضل *** يرتع فيه الرجاء والأمل

تجود قبل السؤال أنفسنا *** خوفاً على ماء وجه من يسل

 (والـ «من» هنا موصولة والشعر صحيح)

تواضع الامام الحسن (ع)

الإمام الحسن (ع) كان في منتهى التواضع على انه في موقع خلافة المسلمين العامة والامامة، وذات يوم مر على قوم يفترشون الارض وبين ايديهم شيء من الطعام قيل كسر الخبز اليابس، فدعوه للأكل معهم، فترجل الامام (ع) ثم تبسط لهم بعد ان بدأهم بالسلام! هذه هي آداب الائمة، وهذه هي آداب كبراؤنا وعظماؤنا، لكن مع الأسف اليوم يوجد بعض الناس مثلا عندما يريد ان يدخل الحسينية يسأل هل أن فلان موجود أم لا، فإذا كان موجود لم يدخل الحسينية خوفا..! فهل هذه تربية اهل البيت؟ هل هو مسيرة ائمتنا عليهم السلام، فبعد ان تبسط الامام الحسن (ع) معهم وشاركهم زادهم دعاهم الى بيته، في اليوم الثاني جاؤوا فتبسط لهم واطعمهم وكساهم، يعني الامام لم يقل انا إمام في مقامي هذا وعظمتي وخلافتي و... وهؤلاء أناس بسطاء افترشوا في الشارع ولا يليق بي أن أكون معهم، اليوم قد يتصور الواحد منا انه عندما يصبح في موقع معين سواء موقع ديني كإمام جماعة أو قاضي أو وكيل مرجع أو في مقام دنيوي مثل مدير أو رئيس دائرة أو ضابط عسكري أو... يصبح «أنا ربكم الاعلى» فلابد أن يؤتى اليه ولا يأتي هو! حاله كحال الكعبة التي ينبغي ان تأتي اليها وتتخضع وتطوف سبعة اشواط حتى يرد عليك كلمة! انقلبت الموازين عندنا وحدث انقلاب تام، ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾[3] الخلل اذن يكمن فينا، الحديث الشريف يقول: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»[4] فيجب ان نلتفت.

أهمية التزود من محطات أهل البيت عليهم السلام

نحن في رحاب الإمام الحسين (ع) من شهادته الى اربعينه، هذا الموسم تتخلله مجموعة من المحطات في كل واحدة منها زاد طويل عريض لا أقصد بركة الأكل والشرب لسفرة الامام الحسين (ع)، بل مثلا سيرة الإمام زين العابدين الذي مر علينا ذكرى شهادته في شهر محرم الحرام، ماذا اخذنا من سفرته، أو ما الذي اعددنا لأنفسنا في شهادة الإمام الحسن (ع) وأي شيء أخذنا من مأدبته، وبعده تأتي شهادة الإمام الرضا (ع) وبعدها «الاربعين» المناسبة العظيمة الاليمة التي ينبغي ان لا تتحول الى مجرد استعراض ويجب ان لا نجردها من حيثياتها وقيمها ومبادئها، وختام شهر صفر هو رحيل النبي الاعظم محمد (ص) هذه المحطات ينبغي ان نتوقف عندها ونتزود منها، المدعو انا وانت ومن مضى ومن يأتي كل بحسبه، اذا كان لديك قدرة واستعداد على الاستقطاب المعنوي بسم الله هذا الامام الحسن امامك، ليس لديك استعداد لاستقطاب الفيوضات المعنوية من اهل البيت فعليك ان تراجع حساباتك، بركة الامام الحسين (ع) وسفرته يجب ان تكون لكن ليس في ثوب الاستعراض وليس بالمتاجرة بالحسين وآل الحسين (ع) لابد ان تطهر البركة النفس ويجب التفاعل مع آثارها المعنوية هذا هو المطلوب فينبغي ان تكون مأدبة وبركة الامام الحسين (ع) خارج دائرة الاستعراض وفي ضمن حدود دائرة المعنويات التي خرج الإمام الحسين (ع) من اجلها بعد ان هيأ له الإمام الحسن (ع) الارضية التامة واحسن الإمام الحسين (ع) استثمارها، وفقنا الله واياكم لكل خير، رزقنا الله واياكم زيارة الامام الحسن المجتبى (ع) وشفاعته انه ولي ذلك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.