نص كلمة سماحته في حفل تكريم اللجان القائمة على الزواج الجماعي بالساباط

نص كلمة سماحته في حفل تكريم اللجان القائمة على الزواج الجماعي بالساباط

عدد الزوار: 778

2013-07-08

النعم الإلهية:  

قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوْا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوْهَا([1]).

  إن النعم التي أولانا إياها رب العزة والجلال من الكثرة بمكان، بحيث لو اجتمع الجن والإنس على أن يخلصوا إلى نتيجة، لتعذر عليهم ذلك. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في الآية السابقة، فالواو فيها للجمع، ومفادها عمومية الانطباق على جميع الأفراد.

فمن تلك النعم التي تستوجب الشكر، نعمة الوجود في هذا العالم المادي، فلولا الوجود في هذا العالم لا يمكن أن نصل إلى الهدف الكبير، وهو الكون على مقربة من محمد وآل محمد (ص) في عالم الآخرة. فالدنيا طريق، ومزرعة ﴿وَفِيْ ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُوْنَ([2])، ولكن الغاية هي الوصول للأسمى، وهو في الدنيا أمر نسبي، كأن يصل الإنسان إلى مقام معين، ثم يترقى، فيرى أن الآخر تقدمه، فيبحث عن الرقي أيضاً، لكن المحل الأسمى الذي لا يجاريه مكان، هو أن يتبوأ الإنسان مقعده يوم القيامة على مقربة من محمد وآل محمد (ص) .

والنعمة الأخرى نعمة الدين، بأن يولد الإنسان على فطرة الإسلام، ومن أبوين مسلمين، فهذه نعمة قد لا يستشعر قيمتها بادئ ذي بدء، إلا أنه عندما يقف مع نفسه قليلاً، ويرمي ببصره نحو الأطراف، قريبةً كانت أم بعيدة، يجد أن هذه النعمة الكبيرة تستحق الحمد والشكر القولي والعملي، بأنه تولّد من أبوين مسلمين، اختصرا عليه المسافة في الإذعان للحق والارتباط بالمبدأ. ولا بد أن يترجم ذلك الشكر القولي إلى فعل وانطباعات في الخارج، في أماكن متعددة.

ثم هنالكم نعمة أخرى ذات قيمة عالية جداً، هي نعمة الولاء لمحمد وآل محمد (ص)، فالولاء لهم مفتاح قبول الأعمال، والركون إليهم أحد أهم الأسباب الجالبة لسعادة الإنسان. فمما لا شك فيه أن الارتباط بالولاء على أساس تفعيل ماله من مساحة في الداخل، يُحدث إشراقاً في النفس والروح والقلب والوجدان، مما يستوجب إفاضة على الأطراف من حوله. لذا تجد أن الإنسان الموالي عندما يتفاعل مع الولاء في تحصيل المعرفة أو العبادة أو الارتباط بأسرته أو انطلاقته في مجتمعه، أو ما إلى ذلك، يجد أن إشعاع الولاء يقوده نحو الهدف، وإذا ما سار وفق ذلك الإشعاع، فلا كلام أنه سوف يجني الثمار، وهي كبيرة جداً، منها ما هو قريب، ككلمات الشكر أو التكريم أو الذكر الطيب، ومنها ما هو بعيد ذو قيمة أسمى وأرفع، وهي أن يقدم الإنسان جهده؛ لأنه يعشق ذلك الجهد، ولأنه يعلم أنه يضع ذلك الجهد في مواضعه، وأن ما يبذل من جهد لا يدخل في دائرة الخسران، لا في دائرة الوقت ولا الجهد ولا غير ذلك.

نحن نعيش نعمة كبرى هي نعمة الولاء التي تربطنا بأهل البيت (ع). يقول الشاعر:

لا  عذَّب  الله  أمي  إنها  شرِبت
حبَّ  الوصيِّ  وغذتنيه  في اللبنِ
وكان  لي  والدٌ  يهوى  أبا  حسنٍ
فصرتُ من ذي وذا أهوى أبا حسن

هذا الحب، الذي ينطلق من الولاء هو الذي يبعثنا أن نتحرك جميعاً ضمن حدود دائرة واحدة.

ثم إن الله سبحانه وتعالى منَّ على البشرية بالأنبياء والرسل والأوصياء، ولم يغلق هذا الباب، حيث العلماء الصالحون السائرون على نهج الأنبياء والأئمة (ع) فهم حماة الشريعة في زمن الغيبة.

ولنتصور ولو للحظات، ونسأل أنفسنا: ما الذي يحصل لهذا الكوكب لو غاب المدد واللطف الإلهي، على نحو إرسال الأنبياء والأولياء، أي توقف السلسلة الرابطة بين الأرض والسماء؟ فمع وجود الرسالات نجد أن الأمر كما هو عليه اليوم، بسبب التمرد والتنكر والانقلاب. يقول تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُوْلٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ([3])، فكيف بنا لو فقدنا تلك الرسالات؟ وما كان يحصل لو أن تلك المبادئ والقيم والأسس والقواعد والأصول التي تبانى عليها العقلاء من بني البشر بفضل هداية الأنبياء والرسل، لم تكن موجودة؟ وكيف ستكون الحياة؟ لا شك أنها ستقوم على أساس اللاسلم، وأن القوي يأكل الضعيف، فهل يمكن للإنسان أن يعيش في مثل هذه الأجواء؟

إن الله تعالى جعل بين أبناء البشر مودة ورحمة في النواة الأولى للأسرة، وهي المودة والرحمة بين الزوجة وزوجها، فلو أنه سلب هذا العنصر، وهو هدية السماء على يد الأنبياء، فكيف يمكن أن تُذلَّل النفس الإنسانية، الصعبة المراس والانقياد، لو لم يكن هنالك تدخل ومدد وتأسيس وإضاءة من أصحاب الرسالات؟

إن الإمام المهدي (عج) معجزة خالدة، فهو معجز في جانبه المادي والروحي. أما في الجانب المادي فأن يعمِّر هذا العمر الطويل وهو يحمل خصائص من هو في حدود الأربعين، كما هو معطى الروايات الكثيرة، وهذا العمر هو  المحطة من عمر الإنسان التي تكتمل فيها قواه، لأنه بعد الأربعين تبدأ مرحلة الضعف، فهذا القانون يتعطل عند الإمام صاحب الزمان (عج) لتبقى هذه القوة حتى يأذن الله سبحانه وتعالى بالظهور.

وكما أن للمعجزة خلوداً في جانبها المادي، فإن لها خلوداً في جانبها المعنوي، وهو مهم وأساسي، فهو فينا عين ناظرة، تكلؤنا وتراقبنا وتحافظ على وجودنا هنا وهناك. ولو تصور أحدنا أن المهدي (عج) ليس موجوداً، فكيف يستقر قرار من يعتقد بوجوده حال أنه غير موجود. فنحن نعتقد أن الأئمة (ع) وسائط فيض بين الأرض والسماء، وبين الخالق والمخلوق، والإمام المهدي (عج) يؤمّن لنا هذه الخصوصية.

من هنا نسأل: أما آن لنا أن نعود للإمام المهدي (عج) من جديد؟ وأن نجلس جلسة مكاشفة مع أنفسنا على الأقل، لا مع أطراف متعددة؟ ونتأمل كم نحن قريبون من الإمام المهدي (عج) وكم نحن بعيدون؟

إن ملاك القرب والبعد من الإمام المهدي (عج) هي أقوالنا وأفعالنا، بما تحمل من الصحة وتستوجب الرضا منه، فنكون قريبين منه، فإن كانت أقوالنا وأفعالنا التي تصدر منا على العكس من ذلك، فلا نزداد عنه إلا بعداً.

أما شبابنا الطيب الذي كنا ولا زلنا نراهن عليهم، فقد أثبتوا أنهم على مستوى المسؤولية، وما قدموه هذه السنة من ملحمة أثبت أن النشء الجديد على درجة عالية من الوعي والاستعداد والفعل والتفاعل. ولولا إيمان هذا النشء الطيب بالقضية التي يحملها، والمحبة الصادقة للمجتمع من حوله، لما نهض بأعباء المسؤولية.

كنا في يوم من الأيام نتخوف كثيراً إذا ما غابت بعض الرموز والأسماء ممن حملوا المسؤولية في مراحل متعاقبة لخدمة هذا المجتمع في أكثر من زاوية من زواياه، كالجمعية والنادي والاحتفالات والمراسم، فقد كنا نخشى أن يغيب عنا هذا الجيل ولم تؤسَّس قاعدة متينة وصلبة، يأتي الجيل الثاني على أساس منها ليحمل المسؤولية، ولكن أثبتت الأيام أن جيلنا الثاني لا يقل أهمية من حيث لعب الأدوار عن الجيل الذي تقدمه، فالجيل الأول أسس وحمل مسؤولية كبيرة جداً، وتخطى عقبات حتى وصلت القافلة إلى ما وصلت إليه، وسلم الأمانة، وهم يشكرون على ذلك. أما الجيل اليوم، فإنه وإن كان تسلّم أرضيةً صالحةً خصبة قابلة للإنتاج، وجهود الأوائل فيها واضحة الآثار والمعالم، لكن أن تأتي بالجديد يعني أنك تعيش التجدد، وتعيش المرحلة لا على أساس استصحاب المرحلة السابقة، إنما على أساس أن المرحلة التي نعيشها اليوم تفرض علينا حتمية النهوض بالمسؤولية، بأن نفتح عيناً على الماضي، لنحترم من تقدم، ونستفيد من جهوده وتجربته، وعين أخرى على المستقبل، وهي تعني أن ثمة جيلاً ثالثاً ينتظر، لنصل في نهاية المطاف إلى النتيجة التي نتوخاها، فالجيل الثاني يقف بين جيلين، ولا بد أن يسلم الأمانة بعد سنيّات، ولكن لا بد من تثبيت بصمة نأمل أن تكون واضحة المعالم، ولا تتأتى هذه إلا بإصراركم أيها الشباب الأحبة.

بكم ترفع القرية رأسها عالياً، لأنكم رسمتم البسمة، وأدخلتم الفرحة في كل بيت، ويكفي أن يُشكر المرء في ظهر الغيب، لأن الشكر في الوجه قد ينطلق على أساس مجاملة، لكن أن يذكر بالخير ويشكر على صنيعه من ورائه فهذا هو النجاح، وهو ما يتمتع به جيلنا اليوم.

إنني أشكر الأخ رئيس المهرجان على جهوده الطيبة المباركة، وكذلك المجموعة التي انتظمت من حوله، وتحركت، فكان لكل منهم جهد وبصمة، وإذا ما جمعنا تلك البصمات، فإنها تعني أن (الساباط) من نجاح إلى نجاح، ومن جيل إلى جيل، وأن أي عقبة تعترض الطريق سوف نذللها ونتخطاها ولا نرضى لأنفسنا إلا منصات التتويج، وأن نكون أصحاب الكلمة العالية في كل مجلس ومنتدىً ومحفل وموطئ.

فالمهرجان الجماعي حقق بكم درجة النجاح والامتياز، وعليكم نراهن، ونحن في تمام الثقة أن هذا الجيل، وذاك الجيل، والجيل الآتي يتحركون جميعاً ضمن المنظومة الواحدة التي تعنينا أولاً وبالذات، من أجل رفعة هذه القرية، والأخذ باسمها إلى هذه المحافل الأخرى، لنزاحمها على أساس من النجاحات.

أشكر اللجنة والإخوة القائمين على هذا الحفل الطيب المبارك على إتاحة الفرصة لنلتقي ونتحدث مع بعض، وأسأله تعالى أن يتقبل أعمالكم، ويحفظ جهودكم، ويعرّف بينكم وبين أوليائه، وأن يرفع رؤوسنا والقرية عالياً، وأن يكون القادم من الأيام أفضل مما سبق منها. وشكرنا لجيلنا الأول والحاضر والقادم الذي يتوثب للمستقبل.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.