نص كلمة: سماحته في الشهارين يتحدث عن المحطات التي تمر بها حياة الإنسان
المحطات التي يمر بها الانسان
حياة الإنسان تمرّ عبر محطات متعددة ليس له في هذه المحطات شأن من التقديم والتأخير إلاّ محطة واحدة فقط لا غير ألا وهي محطة الدنيا وهي المحطة في الوسط بين محطتين متقدمتين ومحطتين متأخرتين أما ما تقدم من المحطات الأولى؛
عالم الذر:
عالم الذر هو عالم مستقل له أحكام خاصة به وان لم يكن الإنسان فيه مكلفاً لكن له أثره على مسيرة الإنسان في حياته التي له الخيار تقديماً وتأخيراً.
عالم الارحام
العالم الذي يليه هو عالم الأرحام أيضاً الإنسان يتقلب في عالم الأرحام لا يقدم ولا يؤخر و لا يستطيع أن يقدم ولا يؤخر فيه، ساعة الولادة لا يتحكم فيها الإنسان في بطن أمه نوع التشكل وما يكون عليه أيضاً لا يتحكم فيه في بطن أمه من حيث الطول والعرض والبصر وما إلى ذلك من الأرحام.
عالم الشهود او عالم الدنيا
ثم يأتي العالم الذي منح الله سبحانه وتعالى عبده فيه هذه النعمة الكبرى نعمة البصيرة؛ ﴿و هَدَينـٰهُ النَّجدَين﴾[2] هذا العالم عالم شهود، عالم وجود عالم حاضر قابل لأن توضع اليد على جميع جوانبه، وكذلك الإنسان يستطيع أن يرسم معالمه من خلاله ويحدد أهدافه، أيضاً هذا العالم هو مزرعة الآخرة[3] كما يقول الرسول الكريم (ص) وهو عالمٌ أشبه ما يكون بمحطة الانتظار بما هو الأهم، بما هو الثمرة في الدنيا. الله سبحانه وتعالى امتن علينا فيه بنعم، هذه النعم بمقدورها أن توصل الإنسان إلى ساحل النجاة والفرض أن يكون ذلك إذا كان العبد شاكراً لله سبحانه وتعالى، معنى الشكر يعني توظيف النعمة فيما هي له إذا وظفت النعمة فيما هي له النتيجة ستكون واضحة وطيبة، الإنسان الذي لا يشكر أو الذي لا يعطي للشكر معناه الواقعي وتجسده الخارجي هو الذي يحيد عن المسار، هو الذي ينحرف في السلوك، هو الذي يصل إلى ثمر لا يبتغيه في نهاية المطاف، لكن هذا هو القدر الذي ارتسمه بيده، هو سار في هذا الاتجاه، النتيجة محسومة لو أن ظالم على رأس الطريق ينتظر العبد ثم أصر الإنسان على انتهاج وسلوك هذا الطريق النتيجة ستكون معلومة ومحسومة! كما لو أن ثمة شخص يقف على آخر الطريق وهو يقسم أرزاق الله سبحانه وتعالى سينال نصيبه هذه الامور طبيعية؛ فالله سبحانه وتعالى منحنا نعمة البصر لنتدبر أمورنا التي تعني وجودنا في دار الدنيا وهو أهم شيء الهداية الرغبة في تقسيم الهداية طبعاً ﴿و لا تَنسَ نَصيبَكَ مِنَ الدُّنيا﴾[4] أمرٌ حاكم يعني ليس الامر ان تترك الدنيا نهائياً او تهمل الآخرة وتبيعها للدنيا وإنما؛ الدنيا مزرعة الآخرة إذن يمكن للإنسان ان يزرع في هذه الدنيا ويعتبرها ممر كي يصل للآخرة،، لان للدنيا قيمة عند الله سبحانه وتعالى وكذلك عند الإنسان لها قيمة، الآخرة أيضاً قيمتها محسومة معلومة بالنتيجة في الدنيا هناك شوائب قد تمنع الإنسان من القيام بمسؤوليته تجاه الشكر؛ لان الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لَئِن شَكَرتُم لَاَزيدَنَّكُم و لَئِن كَفَرتُم اِنَّ عَذابى لَشَديد﴾[5]، فالنتيجة محسومة، هذا العالم محسوس في علاقاتنا، في محبتنا، في تعاملنا وتتجلى هذا الامور في الخصومة في العناد في المحاربة في التصديق وسيتجلى في ذلك العالم أيضاً.
عالم البرزخ
أما في منظومة عالم المجهولات هناك عالم أخر وهو عالم البرزخ، وعالم البرزخ هو الوسط بين هذين العالمين الهامين عالم الشهود وعالم الغيب او عالم الآخرة وعالم الدنيا، وهذا العالم فيه مظاهر للغيب وفيه مظاهر للظاهر يعني للشهود.
في الوجود قسم مما هو موجود في الدنيا ندركه في أيدينا فهو مشهود، حاضر، تجسم، مادة، ندركه بواحدة من حواسنا وقوانا التي منحها الله سبحانه وتعالى لنا وهي عبارة عن أمور لها تجسّمها حتى البعض يقول هنالك أشياء نسمعها مثل كلمة ضرب إلا اننا لو بحثنا لا نجد كلمة ضرب، لكننا نسمعها وندركها ونعرف ممن صدرت ونرتب الآثار عليها، عالم السمعيات اليوم والصوتيات في العالم يثبت أن لها حيّز في الوجود الكلمة التي نطلقها لها حيزٌ في الوجود تشغله، أنا عندما أقول سبحان الله أو الحمد لله هذه الكلمات لها حيزاً خاصاً في هذا العالم الفسيح ﴿و اِنّا لَموسِعون﴾[6] على عكس من ذلك تماما لو كانت الكلمة سيئة كما لو أراد الإنسان النيل من أحد فاصدر كلمة، هذه أيضاً تشغل حيزاً في الوجود وتبقى متعلقةً في مسيرة ذلك الإنسان لابد من ترتيب الآثار عليه حتى في دار الدنيا وهذا الاثر قد يكون تكويني وهذا واضح وبين سواء كان في القول او كان في الفعل وقد يكون الأثر تشريعي وما يترتب عليه من العقاب، أما العقاب وأما الثواب ان كان حسن فثواب وان كان سيئا فعقاب: ﴿و كُلَّ اِنسـٰنٍ اَلزَمنـٰهُ طـٰئِرَهُ فى عُنُقِهِ﴾.[7]
فان الذي تفوّه بكلام ونال من شخص، او الشخص الذي يتلوّن على الآخر، او الشخص الذي سعى في الوقيعة بين اثنين من المؤمنين او بين مجتمع بأكمله، فهذه الاشياء تبقى معه وتلزمه و نحن قد لا ندرك هذا الشيء. تارة نتكلم بكلام ولا ندرك ان لهذا الكلام اثراً سلبيا، يأتينا احد بأمر ما كان يكون من امور الدين الا اننا بكل بساطة نقول له: دع عنك هذه الامور التي تصدع الرأس! عجبا هل ان الاهتمام بشؤون الدين، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالصلاة، بالصوم، بالحج و... هي امور زائدة ينبغي الابتعاد عنها وعدم تصدع الرأس بها؟ الذي يخرج سيراً على الاقدام لزيارة الامام الحسين عليه السلام في الاربعين، او الذي يخرج لأداء فريضة الحج فهل يصح ان يقال لهؤلاء دع عنكم هذه الامور التي تصدع الرأس و فيها التعب والعناء؟ القرآن الكريم يقول: ﴿لَم تَـكونوا بـٰلِغيهِ اِلّا بِشِقِّ الاَنفُسِ﴾[8]. يرى حالة من احياء المنكر عليه ان يدفع، عليه ان يوضّح ان يبيّن. هل كان بوسع الإمام الحسين ان يجلس في بيته، حاله كحال باقي المسلمين وينئا بنفسه؟ الا انه نهض من اجل الاصلاح في الامة حيث قال عليه السلام: أني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (ص)[9] وهو سيد شباب اهل الجنة وهذه هي سيرة ائمتنا عليهم السلام وديدن علمائنا العاملين الذين حملوا أرواحهم بأكفهم في سبيل اعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى.
عالم البرزخ المجهول المخيف
عالم البرزخ عالم مجهول، فحينما نخرج من الدنيا بأعمالنا ندخل الى عالم جديد وهو عالم البرزخ ما هي الفترة التي سوف نقضيها هناك لا ندري، اليوم قد يموت احدا ـ يعطيكم الله انشاء الله العمر الطويلـ ماهي الفترة التي سينتظرها كي تقوم القيامة لا ندري يوم واحد يومين سنة لا ندري ولا يطلع احد من العالمين على هذا الامر ولذلك رواية وان منهم لما يعذب في البرزخ ثلاث مائة ألف سنة[10] والزمن البرزخي يختلف عن زمننا الدنيوي، لكن النتيجة ان هناك برزخاً لكن ماذا ما يحصل في القبر ماذا يحصل بعد الموت نحن نجهله، لكن المؤدى هو انه إذا مات الإنسان قامت قيامته وفيه إشارة واضحة الى اننا بعد الموت سوف نأتي إلى صندوق إما أن يكون مظلماً جراء اعمال قدمناها في الدنيا وهذا أثرها ظهر منها في القبر، القبر الموحش النتن المخيف، والروح في هذه الحالة قريبة من الجسم أما غير متلبسة فيه فتتأذى من رائحة الجسد الميت، روح هذا الميت قد كانت في الدنيا نتحمل عذاب وبلاء أكثر بسبب ما يحمله هذا الجسد في اوسطه، وكانت تعاني وتتحمل، لكن عندما يصير في قبره والروح تأتي مشرفة في داخل القبر وهذا هو عالم يختلف فيه حساب ثاني الروح تعيش مع البدن ستين سبعين سنة مائة سنة أكثر اقل في الحياة الدنيا ويمكن ان يكون هناك امراض، بلاء الا انها صابرة لكن بعد الموت وفي وسط القبر لا الامور تختلف فان الروح حينئذ قد تخلصت من هذا السجن والذي يعتبر من اشد السجون على الروح ودخلت في عالم آخر، الروح تتأذى لما يجري على الجسد لذلك يستحب ان يعجل في تجهيز الميت ودفنه فعالم القبر عالم مخيف، عالم غربة، فيه العقارب و الافاعي كما تذكر الروايات، ماذا سيكون هناك؟ لا ندري قد يكون مشرق بالأنوار وروضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.[11]
وكي لا يطول كلامنا اليوم سوف نؤجل الكلام حول عالم الغيب و الآخرة الى اللية القدمة انشاء الله تعالى. ولو خلينا نحن وعالم البرزخ لكفانا موعظةً
ولو أنا إذا متنا تركنا *** لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا *** ونسأل بعده عن كل شيء[12]
لا تقول هذا شيء بسيط قد يكون هنا في هذه الدنيا بسيط لكن هناك، ليس الامر بالهين، ميزان بائع الذهب يختلف عن ميزان بائع التفاح! وميزان رب الأرباب يختلف عن ميزان بائع الذهب اذ هذا الميزان ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾[13]؛ ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾[14] الذرة لا يمكن لأحد ان يراها مليارات من هذه الذرات تتحرك من حولنا ونتقلب فيها ولا نرى واحدة منها إلاّ بمعونة واشراقة الشمس أو اداخلها في المجهر. بالنتيجة حساب القيامة هو هذا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.