نص كلمة سماحته في الاحتفال بذكرى ميلاد الأقمار من بني هاشم
أقمارٌ ثلاثة من آل بيت محمد (ص):
سادتي مُدَّت إلينا
أقمار ثلاثة... من أيها وبأيها أبدأ؟ وبأيها وإلى أيها أنتهي؟ أبالسبط الشهيد الذي رسم للإسلام نهجاً وصحح للأمة مساراً، وأعاد صياغة التاريخ من جديد؟ كيف لا وهو ابن بنت النبي محمد (ص) ؟ أم من أبي الفضل العباس، رمز الأخوة الصادق، الذي أعطى للأخوة معناها ومصداقها، وتجلت فيه الأخوة في أكثر من بعد، وأبت إلا أن تمضي عهدها بقطرات دم زكي، من نحر نقي، بين يدي سبط علوي؟
أما إمام العارفين، وسيد الساجدين، وقدوة السالكين، الإمام زين العابدين، فله ما يعجز اللسان أن يتفوه فيه بشطر كلمة، كيف لا؟ وهو الذي رسم نهجاً للعبد، هو أقصر طريق ونهج إذا ما أراد من خلاله عروجاً ليستقر بين يدي العظمة بروحه المجردة؟ ودونك الصحيفة التي اختصرت رسالة الأنبياء، والتي لا يستغني عنها عابدٌ ولا سالكٌ ولا عارف ولا متقرب إلى الله، فكيف يستغني عنها من يريد أن يتقرب إلى محمد وآل محمد (ص)؟
يا زين العابدين، يا إمام المؤمنين، من أي المساحات أبدأ؟ من صحيفتك؟ وهي زبور آل محمد (ع)؟ أم من رسالتك وهي دستور آل محمد (ع)؟ أم من خطاباتك في الكوفة والشام والمدينة التي رسمت للأمة الطريق إلى المصفّى من آل محمد (ع)؟
لن أطيل عليكم، ولكن لا بد من ثمرة نقطفها بعد البركات والثواب العظيم الذي نلناه بفضل الصلوات.
يقول الإمام زين العابدين (ع) وهو بشرى لكل مؤمن ومؤمنة: «إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ: ليقم أهل الفضل، فيقوم ناسٌ من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة، فتلقّاهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة. قالوا: قبل الحساب؟ قالوا: نعم، قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: أهل الفضل. قالوا: وما كان فضلكم؟ قالوا: كنا إذا جُهل علينا حلُمنا، وإذا ظُلمنا صبرنا، وإذا أسيء إلينا غفرنا، قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين.
ثم يقول منادٍ ينادي: ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم ادخلوا الجنة، فتلقاهم الملائكة، فيقال لهم مثل ذلك، فيقولون: أهل الصبر، قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرناها عن معصية الله، قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين.
ثم ينادي مناد: ليقم جيران الله في داره، فيقوم ناس من الناس ـ وهم قليل ـ فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة، فتلقاهم الملائكة، فيقال لهم مثل ذلك، قالوا وبما جاورتم الله في داره؟ قالوا: كنا نتزاور في الله، ونتجالس في الله، ونتباذل في الله، قالوا ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين»([1]).
فثواب التزاور في الله، والمجالسة في المجالس الطيبة التي لا يحضرها إلا الطيبون أمثالكم، مما أجمع عليه المسلمون جميعاً. ومعنى المجالسة في الله أن لا تكون في الغيبة والنميمة وتسقيط الناس ومحاربة الأُسر والطوائف، إنما بتلاوة القرآن أو الدعاء أو مناقشة أمر مهم يرتبط بأسرة أو مجتمع أو أمة، وهذا هو شأن الإنسان المسلم، وخير ما يذكر في مجالسنا هو الصلاة على محمد وآل محمد (ص):