نص كلمة سماحته بميلاد الإمامين الباقر والهادي عليهما السلام
جاء في الحديث الشريف عن النبي الاعظم (ص) انه قال: من صلى عليّ في يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة سبعين منها في الآخرة وثلاثين منها في الدنيا[1]؛ وقال (ص) في حديث آخر: من صلى عليّ في كل يوم ألف صلوات لم يمت حتى يبشّر بالجنة[2]
وقفة قصيرة عند الامام الباقر عليه السلام
الإمام الباقر عليه السلام، باقر علوم الأولين والآخرين، ابن علي وفاطمة، هذا الإمام العظيم أعطى الشيء الكثير من أجل تثبيت قواعد هذا الدين في منعطف خطير مرت به الأمة، هذا الإمام لم يوف الحق في حياته ولا زال، علماً شاخصاً يثبت الظلامة بعد وفاته. الإمام الباقر عليه السلام تحدث عنه النبي الأعظم بل هو الذي نعته بالباقر لأنه يبقر العلوم بقرا[3]. الإمام الباقر عليه السلام ما من إمام إلا وتحدث عن شخصيته وفي ذلك الدلالة الكبرى والعظمى على عظم الشخصية وكبرها، الإمام الباقر عليه السلام أيضاً اقترب إلى مساحة التعريف به من لم يكن على نهجه ونهج آبائه وأبنائه، وعندما يتحدث الإنسان عن مكامن العظمة في شخص لا يتفق معه في المسار، يعطي لتلك العبائر من القيمة ما هو أكثر من منطوقها الصرف، وابن حجر في صواعقه يتحدث عن الإمام الباقر عليه السلام فيقول بعد أن تحدث عن أبيه السجاد عليه السلام: وارثه منهم ـ يعني وارث الإمام السجاد ـ من هذه الكوكبة النيرة من آل محمد (ص) عبادةً وعلماً وزهادةً أبو جعفر محمد الباقر عليه السلام سمي بذلك من بقر الأرض ـ إلى أن يقول ابن حجر ـ فلذلك هو أظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى! ـ لاحظوا شخصٌ ليس على مسار الامام الباقر ما الذي يقول فيه؟ يقول هذه المقامات السامية لا تخفى الا على أشخاص هو ينعتهم ـ ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة ـ أصلاً لا يرى ـ أو فاسد الطينة والسريرة ـ يعني ذهب معه الى مسافة ابعد وإلا يفترض أن يكون الإنسان يقر لصاحب العظمة لعظمته ـ وقيل عنه بالعلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه صفى قلبه ـ أي قلب الإمام الباقر ـ وزكى علمه عمله وظهرت نفسه وشرف خلقه وعمرت أوقاته بطاعة الله وله من الرسوم مقامات العارفين ما تكل عنه السنة الواصفين... من الاتجاه الآخر يتحدث عن واحد من كوكبة الأئمة عليهم السلام ثبتنا الله وإياكم على الولاء لهم.[4]
وقال النبي المكرم (ص) في حديث شريف أن أولى الناس بي يوم القيامة ـ النبي يقول أن أولى الناس ـ أكثرهم عليّ صلاةً[5]؛ وفي حديث آخر عنه عليه الصلاة والسلام قال: من صلى عليّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة.[6]
الامام الهادي عليه السلام
وأما الكوكب العاشر من كوكبة الإمامة فهو الإمام الهادي عليه السلام، ابن شهر آشوب المازندراني في كتابه المناقب[7] يقول: وكان ـ أي الإمام الهادي عليه السلام ـ أطيب الناس بهجةً وأصدقهم لهجةً وأملحهم من قريب عندما تدنو منه وأكملهم من بعيد، إذا صمت علته هيبتةٌ ووقار وإذا تكلم سماه البهاء وهو من بيت الرسالة والإمامة ومقرّ الوصية والخلافة شعبة دوحة النبوة أو شعبةٌ من دوحة النبوة منتضاة مرتضاة وثمرة من الشجرة أو من شجرة الرسالة مجتباة مجتناة[8]
القراءة الصحيحة لمنهج أهل البيت عليهم السلام
أئمتنا بهذا الحال ومثله، ما الذي علينا نحن أيها الأحبة! علينا أن نقرأ ما ورد عنهم فيهم، فهم أعرف بأنفسهم من غيرهم، وعلينا أيضاً أن نتعرف عليهم ممن أرشدونا للتعرف عليهم من خلالهم وهم العلماء المأمونون على أسرار الرسالة، جاء في الحديث الشريف: يأتي زمانٌ على أمتي يحبون خمساً وينسون خمس، الجميل في مرويات أهل البيت أنها تسير مع الزمن فالذي يعيش في القرن الأول يقول: هذه الروايات تنطبق على هذا الزمن، ثم يأتي زمن آخر وتتضح العلامات أكثر فيقول بل هذا هو الزمن من يعيش في القرن السابع وتأخذ الدنيا دورتها وتكثر المشاكل وتبرز العلامات في اصدق معانيها وأوضحها فتقول الأمة حينذاك أن هذا الزمن هو المعني بتلك الروايات حتى نصل إلى زماننا ونقول أيضاً ما قاله من تقدم علينا، لكن ربما يأتي زمان تكون الأمور فيه أكثر وضوحاً مما نحن فيه، فالمطلوب منا هو القراءة الصحيحة لمنهج أهل البيت، التمسك بحبل أهل البيت، الدعاء بالفرج للخلف الباقي من آل محمد، فالحديث يقول: فيأتي الزمان أو يأتي زمان على أمتي يحبون خمساً وينسون خمس يحبون الدنيا وينسون الآخرة هذا هو درسنا في هذه الليلة ومن دون تعليقات كثيرة، الإقبال على الدنيا اليوم واضح وجلي، نسيان الآخرة أيضاً لا يقل عنه وضوحاً، الموت لا نستشعره إلا حين الحدث، مجالس الفاتحة دليلٌ على أننا نسينا الموت، الاجتماع للصلاة على الميت في المقابر أيضاً دليل على أننا ما عدنا نتأثر بهذه الحقيقة التي تطاردنا ولا مناص منها. في مجالس العزاء، حتى في محل غسل الميت الحديث الطويل العريض يدور حول الدنيا وشؤونها، وإذا ما أردنا أن نبتعد قليلاً كان الموضوع الشاغل هو ذلك الميت المسكين المشغول بنفسه؛ أكل وشرب، سافر وامتنع، أعطى ورفض، حسن السيرة، ريح الله العباد منه، نسيت تلك السنة ماذا كان والى آخره... ونأخذ نشرّح بذلك الميت. فنسيان للآخرة أمر ظاهر وواضح فينا. ويحبون المال وينسون الحساب أصبح اليوم أهم شيء عندنا هو مقدار الرصيد الذي نملكه في البنوك من الريال او الدولار او غير ذلك من العملات الاجنبية، ولا يهمني هذا الحساب من اين جاء وكيف جاء، هل خرج منه حق الله؟ هل خرج منه حق الأهل والقرابة؟ وهذا الذي حل في الأيدي هل حل من حلال ام من حرام، لابد ان يكون هذا هو الملاك. الرواية تقول لست أنا الذي اقول ويحبون المخلوق وينسون الخالق، انظروا اليوم حينما نقول لاحد من الناس حان وقت الصلاة تصبح ثقيلة عليه، تقول له دعاء كميل تصير ثقيلة عليه، تقول له عمرة تصير ثقيلة عليه، تقول له فلان آدمي جارنا عنده قراءة في الحسينية تكون ثقيلة عليه، يستأنس بالناس ما داموا يخوضون في أحاديث دنيوية، فترى الناس حينما يتحدثون عن شخص آخر غائب يبدأون بتشريحه وتقطيعه والاستنقاص منه، فتكون الجلسة جميلة وتطول، لكن عندما يقول أحد من الجالسين لهم: يا جماعة دعونا من هذا الحديث فالنصلي على محمد وآل محمد ويطلبها منهم ثانية وثالثة، فترى الازعاج والامتعاض يبدأ عليهم ويعترضون عليه بالقول: ما هذا الكلام هل نحن جالسين في حسينية؟ إلى هذا الحد وصلت الحالة بنا حيث حتى الصلاة على محمد وآل محمد أصبحت أثقل ما يجري على ألسنة بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ ويعلم الإنسان متى ما نسي الله أنساه الله نفسه. ويحبون المعصية وينسون التوبة، شغف بالمعصية وبالظلم سواء كان هذا الظلم، ظلم الأبناء، ظلم الزوجة، ظلم الإنسان لنفسه ظلمه في العمل و... قائمة تطول وحتى الحسنات اللواتي يذهبن السيئات نسيها، فلا توجد توبة بل أكثر من ذلك هناك من الناس من يشجع ويسوّل للناس ويتبنى المنكر بنفسه وهذه هي رفقة السوء والعياذ بالله، هؤلاء الأدلاء على جهنم، هؤلاء ماذا يقولون: يقول الواحد منهم جرب فهذه المرة الأخيرة ستكون! الحديث يقول: فإن كان الأمر كذلك ـ خمس بخمس ـ ابتلاهم الله بالغلاء، الراتب الشهري رفيع لكن لا يكفي ولا يستطيع الشخص ان يرتب أموره عليه، أتدرون أن هناك بعض الموظفين يستلم رواتب عجيبة غريبة لكن مع هذا هو في حقيقة الأمر أفقر من ذلك الفقير، يقترض من مديره وإذا كان هو المدير يقترض من الموظفين الذين تحته والدنيا مقلوبة! لماذا؟ لسيطرة الترف عليه في حياته وتصرفاته، هذا واقع، أيضاً والوباء كل يوم تراه في شكل معين يوم يقولون: جنون البقر، يوم يقولون كذا وكذا... لكن بالنتيجة هو جنون البشر ماذا فعل الناس وماذا عنونوا، النتيجة هو هذا. وموت الفجأة ما مر علينا حسب عمرنا الذي قضيناه موت الفجاءة بقدر ما هو موجود في هذه الأيام الأسابيع بالكثير الأشهر هذا جالس يتوضأ للصلاة سقط في محل الوضوء ومات، وذاك زوجته تعمل له شاي كي يفطر فتأتي فتراه جثة هامدة، شباب في ريعان العمر... ولا اريد أزعاجكم لكن هذا الواقع، هذا الحديث يقول لست انا الذي اقول الأمر الآخر هو جور الحكام فهذه الايام أين ما تذهب ترى الدنيا مقلوبة والقادم أيضاً أعظم.
اختم حديثي بمقطوعة قصيرة في إمامنا الهادي عليه السلام أقول فيها:
يا هدى الإيمان يا سر الرؤى يا ملاك النور يا ملاك الروح يا نور السماء يا من الدنيا له قد سلمت وأقامت حبه بسم الولاء أنت فجر الدين نبراس الهدى أنت ذات الحق في حتم القضاء أنت كالبدر الذي لاح لنا يرسم البسمة للناس ضياء أمك الزهراء بنت محمد كم أنت بها سرت في الأكوان مرفوع اللواء أنت وحي لو دنى من سره راهب أعطاك للدين إنتماء ولك الأم التي كم عقدت بين أبناء الهدى رسم اقتداء ـ هذا اسم علي الهادي عليه السلام ـ أنت رسم العين في أسراره كعطاء الحق تعطي من تشاء ولك اللام التي كم عقدت بين أبناء الهدى رسم اقتداء وإذا الياء طمى واردها قال أهل العرش ما هذا العطاء روحك الكبرى وسحرٌ ما بها تخطف الأبصار في وصل النماء بارك الله لنا الحفل الذي نحن فيه اليوم حبٌ ووفاء ولد الهادي في سر الرؤى فارفعوا الصوت صلاةً ودعاء
أهل البيت عليهم السلام هم النور الذي نهتدي به ونسير وفق عطاءه ثبتنا الله وإياكم على الولاء والطاعة والانقياد. نسأل من الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا وإياكم في القريب العاجل عند أعتابهم الطاهرة انه ولي ذلك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.