نص كلمة سماحته بعد الحدث الدامي في قرية الدالوة
عظم الله أجورنا وأجوركم في ذكرى شهادة الإمام الحسين بن علي (ع) والكوكبة من أهل بيته والسائرين على نهجه، وأعظم الله أجورنا وذوي الشهداء في قرية الدالوة الذين ذهبوا ضحية الغدر، ونسأل الله تعالى أن يرفع لهم الدرجات، وأن يعرّف بينهم وبين محمد وآله.
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ قُتِلُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ أَمْوَاتَاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُوْنَ فَرِحِيْنَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾([1]).
الشهادة في الحديث الشريف حسنة لا تضر معها سيئة، وهي كالولاية في كونها حسنة لا تضر معها سيئة.
ويقول سيدنا الإمام: الخير فيما وقع، وهو مؤدى كلام لسيدنا محمد (ص) عندما كانت تحل به فاجعة أو نازلة أو كارثة، سماوية كانت أو يتسبب بها الناس بظلمهم.
وتسليماً لأمر الله سبحانه وتعالى نقول: الخير في ما وقع. فظاهر الأمر فيه ما فيه، إلا أن واقعه بالنسبة لله تعالى يختلف عن قراءاتنا كاملاً، فلطف الله خفي في كل شيء، ولا نستطيع أن نستنطقه أو نقف على حدوده لأنه محصور في ساحة قدسه ولطفه جلت قدرته.
ولذوي الشهداء نقول: هنيئاً لكم هذه الأرواح الطاهرة التي عرجت إلى الملكوت الأعلى، واستقرت بين يدي محمد وآل محمد، ونسأل الله تعالى أن يجعلهم شفعاء لنا. فلهذه الأرواح السامية الطاهرة قيمتها عند الله سبحانه وتعالى.
وبطبيعة الحال أن الحدث عظيم، وفيه خطورة ودلالات وإشارات وإيحاءات، وقد سبق وأن حذرت كثيراً في صلوات الجمع طوال سنتين، أن خطر هؤلاء يكمن في كونهم منافقين، ولا ينطبق عليهم سوى هذا العنوان، والمنافق لا تستطيع أن تجد له حلاً، فالمنافق هو المنافق، وربما يصلي في الصف الأول، وربما يتولى الكثير من الأعمال التي ظاهرها الخير والمحبة للناس والتقرب إلى الله، ولكنه منافق. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يلطف بنا وبجميع بلدان المسلمين، وأن يجعلها آمنة مستقرة بعيدة عن الزعازع والزلازل التي يحدثها الإنسان لنفسه ظلماً. ونسأله تعالى أن يحفظ هذا الوطن لنا، وأن يجعله بعيداً عن دائرة السوء، وما يريد أعداء الإنسان والإسلام والخلق والقيم أن يحدثوه.
إننا أبناء مجتمع الأحساء، وهي المنطقة الوحيدة في العالم التي تعيش نسيجاً مذهبياً لا نظير له. فالمذاهب السنية بجميع تقسيماتها وطرقها، والشيعية بجميع تقسيماتها ومراجعها، وهو مشهد لا يوجد إلا في هذا البلد. وقد مرت قرون طويلة والمجتمع مترابط، قلب أحدهم على الآخر، ويخسأ هؤلاء أن ينالوا قيد أنملة من هذا المجتمع في وحدته وتماسكه وتعاونه وإخائه ومحبته، فالأحساء عزيزة بأهلها وتاريخها وموروثها ودينها وأخلاقها ومحبتها وذوبانها وإخلاصها، ولا يستطيع أحد أن يزايد على وطنية هذا المذهب الشريف، وقد أثبتت الأمور أن أبناء هذا المذهب هم أبناء هذا الوطن، منه وإليه، ولن نبخل بشيء في سبيل أن يبقى هذا الوطن كما هو عليه من الأمن والأمان والهدوء والاستقرار والمحبة، ولو كلفنا ذلك جميع قطرات الدم، وليأخذوا حتى يرضوا، فإن تضحيتنا من أجل ديننا وسلامة وطننا لا يمكن أن نتخلى عنها بأي حال من الأحوال، ولن يغلى على ديننا ومعتقدنا ووطننا ومجتمعنا وشعبنا وأمتنا الإسلامية في أي مكان دم ولا روح ولا غال، فكل نفيس هو في خدمة هذه الأبعاد.
وهنالك أمر لا بد من الإشارة إليه، وهو أن الثقة كبيرة في المسؤولية بأنهم على تمام القدرة في أن يقفوا على أبعاد ما جرى، ليضعوا الحلول لما قد يقع ـ لا قدر الله ـ وهو أمر محتمل في هذه الجماعة المنافقة المارقة عن المبادئ والقيم والدين والأخلاق، فلا يستبعد منهم شيء. فثقتنا كبيرة بهم، وهم أعرف بالطرق والوسائل والأساليب التي ينتهجونها في معالجة الأمور، ولا ينبغي لنا نحن أن نجعل من أنفسنا مقننين، فالأمور بيد من بيدهم الأمر من المسؤولين، ومن المؤكد أنهم لن يألوا جهداً في أن يقفوا على حقيقة الأمر، وأن يقدموا من يستحق أن يقدم للعدالة، ليجري فيه حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا ما نأمل أن يكون قريباً، ليكون رادعاً لكل من تسول له نفسه أن يعبث.
والأمر الأخير الذي أود التنبيه إليه هو ما يُتناقل من الأخبار في وسائل التواصل، كالوتسب وغيره، وأوصي بالحذر منها بشدة، فالإشاعات أحياناً أشد فتكاً من الحادث نفسه، فالإشاعة تمهد الطرق، وتهيئ الأسباب والأجواء لمن يريد أن يعبث، في أي مكان كان.
لذا أرجو ممن يتلقى خبراً، أن لا يوسع دائرته بالنشر والإبلاغ، ومن يرى أنه يمتلك معلومة يمكن من خلالها الوصول إلى الحقيقة فدونه الجهات الرسمية المسؤولة. أما أن يتلقى المتلقي الأخبار والرسائل، فينشرها، ويروج في المجالس، ويطرح ما يشاء في المنتديات، فإن ذلك لا يأتي إلا بالوبال والخسران المبين.
لقد رحل هؤلاء الشهداء إلى بارئهم في يوم اختاره الله تعالى لهم، وقد استشهدوا في بيت الحسين (ع) وهو المكان الثاني من حيث القدسية بعد المساجد، ومحل أنوار الإيمان، وفيه بكاء المؤمنين، وخشوع القلوب، وفيه ما فيه، فهنيئاً لهم ألف مرة، وهنيئاً لأهليهم، فقد تقدم هؤلاء بين أيديهم شفعاء ليشفعوا لهم يوم القيامة.
إننا أبناء مدرسة الشهادة، فلا يخيفنا الدم، ولا يفل القتل من عزيمتنا وحبنا وانتمائنا وإخلاصنا، فهذه مدرسة أهل البيت (ع)، ومن منهم لم يقتل أو يشرَّد؟ وعندما نقول: يا ليتنا كنا معكم، ينغرس في داخلنا بُعد الاستعداد للتضحية من أجل المبدأ والقيم.
ولا ننكر أنها فاجعة أليمة وحادثة كبرى، ولكن من ألطاف الله بنا أن لدينا أسوة في كل حدث، مهما عظم وكبر، وفي كربلاء لوحة لو اجتمعت الجن والإنس على أن تُخرج لها مثيلاً لما استطاعت، فهي بلسم جراح للصغار والكبار والرجال والنساء. فجميع المشاهد في واقعة الطف تخفف الكثير مما ينزل بنا، وأسأل الله تعالى أن لا يبتلي أحداً بمصاب، في أي مكان كان. فنحن أتباع دين الإنسانية، ولا نتمنى أن يقتل أي إنسان على وجه الأرض، مسلماً أو غير مسلم.
فالإمام الحسين (ع) ـ ونحن ممن نحسب على مدرسته ـ عندما يقدم طفلاً رضيعاً، أو شبلاً مثل القاسم، أو شاباً مثل علي الأكبر، أو كهلاً مثل العباس، وأخيراً يقدم نفسه في نهاية المطاف، فكل ذلك ليقول لأتباع هذا المذهب: لا تبخلوا بشيء على مذهبكم.
في مثل هذه الساعة بدأ الحسين (ع) مرحلة نهاية العلاقة مع هذه الحياة الدنيا، وإعداد النفس للعروج إلى الملكوت الأعلى، فقد انفتل من صلاته وجرى ما جرى.
نسأله تعالى أن يحشر هؤلاء الشهداء مع إمامهم الحسين (ع) وقد أكرمهم الله تعالى به وفي ليلته ويومه. فنسأله تعالى أن يكتبنا ممن يزور الحسين الإمام (ع) وتناله الشفاعة على يديه، وأن يكرمنا بلباس الشهادة، في أي وقت وأي مكان فيه طاعة لله تعالى، فكرامتنا من الله الشهادة، إلا أن شهادتنا ليست في قتل الإنسان.
نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.