نص كلمة سماحته بالمطيرفي: مقياس الأخوة الحقة لدى الإمام الصادق
في الحديث الشريف عن الصادق من آل محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام انه قال: إذا أردت أن تعلم صحة ما عند أخيك فأغضبه فإن ثبت لك على المودة فهو أخوك وإلا فلا[2]
جوانب من حياة الامام الصادق عليه السلام
قبل أيام قليلة مرت علينا ذكرى شهادة الإمام الصادق عليه السلام، الامام المظلوم، صاحب القبر المهدوم، كل حياة هذا الامام العظيم كانت مدرسة، من أي باب ولجت اليها، فانت في نعيم، ومن حيث اردت ان تنهل فانت على حياض واسعة، الامام الصادق عليه السلام ضاق به اهل زمانه، هذا هو الواقع الذي كان يعيشه الامام عليه السلام، لا كما يتصور البعض انه عاش بين دولتين تداعت الأولى وتوثبت الأخرى والكل يطلب رضاً هو يقرب طرفاً على العكس من ذلك تماماً، الامام لم يسلم من أذى الدولتين؛ لا الاموية ولا العباسية، لكن ما صدر من ابناء العمومة كان اشد قسوةً على الامام الصادق عليه السلام مما جرى من قبل الأمويين والامر طبيعي، لان الدولة الأولى تكاد تطوي آخر صفحة من تاريخها وحضورها بينما الدولة القادمة تريد ان تثبت لجميع من يشمله حدود تلك الخلافة انها في منتهى القوة والاقتدار وانها تقدم الدرس من الواحد إلى العشرة ومن العشرة الى المائة ومن الحي الى المدينة وهكذا الامر تصاعدياً.. نعم عظمة الامام الصادق، علوم آل محمد التي يمثلها الامام الصادق عليه السلام من هم فرضت وجودها على المشهد، هديه، التعاطي مع الاحداث في منتهى درجات الحكمة والدقة والحذر، الخوف الواضح البين على اتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام، لذلك كان اذا ما اراد ان يتخذ قراراً يقرأ فيه المجموع من حوله وهذا درسٌ كبير وشاملٌ ايضاً من الحري بمن يكون له الامر ان ينهج ما انتهجه الامام الصادق عليه السلام، ان يتوقف عنده، لان المنهج الذي انتهجه هو عين الحكمة وله قابلية المسايرة مع جميع الأزمنة والاماكن والتعاطي مع مجمل القضايا.
توثيق اواصر المحبة في المجتمع
كان الامام الصادق عليه السلام يشدد على توثيق العلاقات بين ابناء المجتمع الواحد وكان يسعى جاهداً عليه الصلاة والسلام في ان يبذل ما بمقدوره ان يقوم به في سبيل تشديد عرى العلاقة بين الافراد ليطلق منها نسيجاً واحداً وكتلة واحدة، الخطاب الموجه لها من اجل البناء لدائرة مستشرفة اوسع ولمن اراد ان يحدث ربطا يجد ان التأكيد على مسار الاخوة الذي اسس له النبي (ص) في مسألة المؤاخاة بين المهاجرين والانصار في منتصف الطريق يأتي الامام الصادق عليه السلام ليشدد هذه القضية عندما نأتي للإمام الحسن العسكري وهو الرابط الاخير بين منظومة الامام الظاهر والامام الغائب والمغيب، الغائبة، بأمر الله والمغيبة بأفعال العباد، بالنتيجة كان الامام الحسن العسكري عليه السلام عندما نرجع الى موروثه نجد التشديد على هذه القضية قضية الاخوة والمحبة والعلاقة والتضحية من اجل الاخ يعني الاخ يضحّي من اجل اخيه وان لم يشاركه في نسب بيد اننا نجد اليوم ان الامور على العكس من ذلك تماما، حيث هي بين الأخوين الشقيقين وبين الاخوين ما لا يولد عاقبة محمودة الا ما شذ وندر، اما المعظم وسيدة الموقف هي المشاكل وطاحونة الرحى الذي تطحن اواصر الاخوة فلا يبقى منها الا الهمل وكم هو حري وجميل في ان يتحرك الانسان ويتناغم ويتفاعل مع ما اراد الامام الصادق ان يجذره بين ابناء الامة في مسألة الاخوة.
وضع الصداقة والمحبة على المحك
كل انسان يدعي الاخوة والصداقة والمحبة والالفة والخلة و... لكن احيانا عندما توضع على المحك نجد ان هذه العلاقة تنتهي، تضمحل، تتلاشى لأسفه سبب، ولأول وهلة، ولأمر لا يستحق ان يلتفت اليه الانسان، لكن تباع العلاقة وتنتهي، هم يشتركان في خوان واحد، يدخلان في شركة واحدة، يسافران في طريق واحد، والجلسة الواحدة تجمعهم آناء الليل واطراف النهار على حساب الأهل والعيال والقضايا المهمة والملحة، صحبة مكاشرة الاسنان واضحة ترسل الرسائل لكن ما في القلوب هو الخفي الذي لا يستطيع ان يقف الانسان على حقيقته الا من خلال التصرفات الا من خلال الافعال والاقوال وهذا الامر ايضا واضح وبين لذلك يقول الشاعر: يعطيك من طرف اللسان حلاوة *** ويروغ عنك كما يروغ الثعلب
في البداية الامور طيبة لكن عندما يحدث اتف شيء راغ كما يروغ الثعلب، الثعلب وكما هو المعروف بإمكانه ان يعجز عشرة رجال.. الا ان الاخ المتمرد والصديق الذي لا يحفظ الصحبة هو أسوأ حالا من الثعلب، والكاف هنا للتشبيه للتقريب لا للمزاوجة والمقاربة، بالنتيجة اهل البيت عليهم السلام عندما يصفون حالة من الحالات المتسمة بالمرضية يسعون لوضع الحلول هذه الحلول تكون على نحوين تارة لتخفيف ذلك الألم الحادث قدر الامكان، وتارة اخرى لاجل البتر والقطع والاستئصال والتخلص.
خطورة عدم استخلاص الاخوان
ايها الاحبة نحن في حياتنا اليومية نرى بان الانسان بما هو هو إذا ما ابتلي بمرض ـ ابعد الله الامراض عن المؤمنين والمسلمين عامة ـ يحاول ان يدفع ذلك بالأبسط ثم يرتقي معه ان لم يجد حلا حتى تصل النوبة لاستئصال الاجزاء وقى الله المؤمنين شرور الامراض والابتلاء، لكن بالنتيجة الامور قد تؤول الى هذا المستوى، في الصداقة الامر نفس الشيء وان خطر الاخوان اذا لم يخلصوا الاخوة والمحبة اشد خطرا من المرض الكامن بالجسم، لان المرض لم يتعدى حدود الفتك بهذا الجسم، لكن تبقى الروح سليمة، بخلاف الاخ الذي اتخذته اخا وهو لم يكن اخا، والصديق الذي اصطفيته بين الاخوة ولم يكن في مستوى الصداقة المشكلة جدا مهلكة ومردية.
طريقة معرفة صدق صداقة الصديق
الامام الصادق عليه السلام يقول انت انظر الى هذا الصديق، احدث موقف معه، لترى الامور اين تذهب هل هو يتعامل مع الامور بالتي هي احسن ام ينقلب على عقبيه، يسعى للإطاحة، يسعى للوشاية، يسعى للتهم وتلفيق القضايا التي لا اساس لها، انظر اليه الى اين تذهب به الامور، لان البعض عندما يحدث شيء بينك وبينه او عدم توافق يذهب للبعيد، ولا يقف في حدود ذلك الموقف وتلك القضية بل يذهب للبعيد، فانظر الى الامام عليه السلام ماذا يقول هو يبين قاعدة لنا وهي اذا اردت ان تعلم صحة ما عند اخيك يعني صاحبك او زميلك في الاستراحة في المدرسة في العمل حتى في المسجد والحسينية يعني الذي يأتي الى المسجد والحسينية لا يعني ذلك انه انتهى كل شيء، افترض انهم يأتون كل يوم الى المسجد سوية هذا ليس دليلا للأخوة والصحبة الدقيقة والصحيحة، يذهبان للحسينية سوية لكن هذا لا يعطي مؤشراً كافياً على ان تلك الحالة هي حالة صحية وسليمة لا هذا غير معلوم الامام عليه السلام يقول اذا اردت ان تعلم صحة ما عند اخيك فأغضبه ضعه في موقف صعب، سبب له حرج لتعلم حقيقة الامر، انت اليوم عندما تجلس عند صاحبك بحركة بسيطة مثلا مد يدك على جواله وانظر لترى ماذا يحدث! تنقلب الامور فجأة تصبح انت تريد ان تأخذ اسراره، تتبع عثراته، تتجاوز على حدوده، و.... لماذا لان الامر غير سليم، او تسأله مثلا لماذا انت بالامس ما كنت موجود انشاء الله خير وانظر الى جوابه وردت فعله العنيفة... كل هذه الامور موجودة لا يمكن لاحد ان ينفيها، وهذه البضاعة هي الموجودة اليوم مع شديد الاسف، فأغضبه فان ثبت لك على المودة فهو لك صديق والا فلا لا يساوي شيئا، واحيانا بكلمة واحدة تذهب الصداقة والمحبة والأكل والشرب والذهاب والاياب والتعاون، وخطب مني وخطبت من عنده، وساعدني وساعدته، وشهد لي وشهدت له، كلها تذهب ادراج الرياح، انت تمشي معه وكل القضايا ايجابية لكن صار عندك تحفظ في مسألة كل الماضي يذهب هباء منثورا يكفي انه تكون عنده فاتحة ولم تذهب له تنقلب السماوات السبع والارضين هذا هو الحاصل يكفي انه كان لديه فاتحة وانت لم تذهب له هل يحملك محمل حسن ويقول قد تكون مريض او مسافر او مشغول بامر ما وانتم تعرفون بان مشاغل الدنيا كثيرة او قد تكون في وضع لا تحسد عليه، لماذا لا توجه اللوم لنفسك لانك لم تتصل معه وتسأل منه، ومسألة الفواتح هذه الايام كثيرة يدفع الله البلاء ويمد في اعماركم واعمار اخواننا والمؤمنين والمؤمنات قد تكون في اليوم الواحد ست او سبع فواتح بالنتيجة الناس يزيدون ويكثر الموت بطبيعة الحال هل هذا يعني ان الشخص يترك باقي اعماله ويتفرغ فقط للفواتح يذهب من هذه الفاتحة الى تلك الفاتحة؟ لا يمكن هذا. ايضا مسألة الزواج اليوم جاءتنا اشد خطرا وبلاءا على رؤوسنا، قد في الحزن يمكن ان نقول حزن وعلينا المواساة وامور اخرى لكن في الاعراس الموجب ما هو؟ يعني الموجب الذي يلزمني بالحضور هنا وهناك ما هو؟ انت عليك ان تقدم الدعوة ان أجاب تفضل منه وان لم يجيب الدعوة ولم يأتي التمس له واحد من سبعين عذر، ، ولو ان احد قال لك هو لم يأتي الى هذا العرس لكني رأيته في عرس فلان! فليكن ماذا يعني هذا وما هو الاختراق الذي حصل؟ هل هو رفض آية من القرآن، اسقط حديث عن المعصومين عليهم السلام؟ او مثلا عقيقة، فلان دعاك انت ذهبت له وذاك لم يدعوك وانت لم تذهب له، هذا امر طبيعي علينا ان نأخذ الامور بشكلها الطبيعي لماذا كل هذه الحساسية والقضايا، او طرح بيته للبيع تقول انا جاره لماذا لم يقل لي؟ ما هي العلاقة بين الجار وسبب بيع البيت او قطعة نخل او... كل الاخوة والمحبة، اقترضت منه فاقرضك، وقف معك في مصيبتك و... كلها تذهب هباء، صحيح نحن نبكي على الامام الصادق وصحيح اننا نأكل البركة من زاد الامام الصادق لكن المسألة ليست اكل البركة او البكاء او اللطم على الصدور الشيء المهم هي المعنويات ومكارم الاخلاق، لذلك الامام الصادق عليه السلام يستتبع ويقول «من غضب عليك من إخوانك ثلاث مرات، فلم يقل فيك شرا، فاتخذه لنفسك صديقا»[3] يعني انت تسبب له مشكلة مرة مرتين او ثلاث مرات، لكن هو لا يذهب للبعيدة هنا المكمل الاول فأعده لنفسك هذا هو صديق جميل ينفع للمستقبل لكن الذي من اول موقف يبيع الدنيا والآخرة فهذا لا...
نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا واياكم ممن يقرأ سيرة الائمة الاطهار ويسير على هديهم، بهم نهتدي ومنهم نطلب الشفاعة، وفقنا الله واياكم لكل خير، ولمن مضى علينا وعليكم وعلى المؤمنين الفاتحة مع الصلوات...