نص كلمة سماحته بالمطيرفي: مظلومية الإمام الحسن عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
جاء في الحديث الشريف ان الرسول الاعظم (ص) قال: الحسن والحسين إماما حق قاما أو قعدا.[2]
خلافة الامام علي (ع) وما خلفته من تداعيات
أسلوبان اتخذهما الإمامان السبطان المعصومان في الحياة والتعامل مع الأوضاع من حولهم في الظاهر بينهما مفارقة كبيرة، وفي الواقع كلٌ منهما يكمل دور الآخر، عندما استشهد الإمام علي (ع) خلّف وراءه تركةً ثقيلةً هي عبارة عن مجتمع يعيش النقيض في كل جوانبه، خمس سنوات لم تكن الفترة الكافية لأن يصحح الإمام علي (ع) الاعوجاج الذي دخلت به الأمة، بل عندما آلت إليه الخلافة الظاهرية وهي الإمامة والخليفة بالحق، تحركت الألوية من كل جهة وتحفزت النفوس من أجل المقاصة من الإمام علي (ع) من خلال أولاده.
الحروب الثلاثة التي خاضها الامام علي (ع) وآثارها
خلال فترة خلافة الإمام علي (ع) وقعت ثلاث حروب طاحنة كانت كفيلة ان تخلف وراءها الأحقاد والضغائن؛ معركة الجمل والتي وقعت في البصرة الا ان التداعيات حملت طابع الانعكاس على مجتمع المدينة بشكل مباشر، تعقبتها معركة صفين وصفين جرت فيها أنهر من الدماء أكثر مما كان في الجمل خصوصاً ان صفين ألبست بلون الصراع على الخلافة بين البيتين اي البيت العلوي أو الهاشمي بعبارة أدق والبيت الأموي، كما ان لوناً جديداً طرأ على حسابات الحرب ألا وهو العنصر الشامي، في السابق كانت الحروب تقع بين الحجازيين، أو بين الحجازيين والعراقيين، أو بين العراقيين والعراقيين، لكن في صفين طرأ الطارئ الجديد وهو العنصر الشامي، بعد معركة صفين اتضحت ألوية النفاق في يد من تخفق في يد الخوارج، اضطر الإمام علي (ع) لقتالهم لأنهم اظهروا الكفر صراحةً بعد ان كان يتحرك في مكنوناتهم وفي داخلهم، الإمام علي (ع) أمامه في النهروان مجموعة من حيث تمظهرها بالإيمان والصلاح والتقى والورع قطعت مشوارا بعيدا، فمنهم القراء وحملة القرآن ظاهراً، ومنهم من يقطّع الأيام بالصيام تقرباً بالظاهر، كانت ملابسهم رثة، لحاهم مرسلة، جباههم سوداء، ومجتمعٌ يغلب عليه الجهل، كيف يقنع الإمام علي (ع) هذا المجتمع الطويل العريض الذي ملأ قلبه قيحاً بصريح كلام الإمام علي (ع)[3] وان هذه الجماعة ليست على طريق الإسلام بل أنها تنكبت طريق الإيمان وان تمظهرت ببعض أشكاله وألوانه، وقعت الحرب قتل منهم مقتلة عظيمة حتى ان بعض النصوص تقول انه لم ينجوا منهم اي من الخوارج إلا تسعة، وبذرة النفاق المتكثرة اليوم، وجزار البشر اليوم هم من أصلاب هؤلاء التسعة، وبطبيعة الحال عندما يستأصل في البصرة أربعة آلاف في اقل الروايات، حيث هناك رواية تقول أربعة عشر ألف قتيل في البصرة! وعندما يكون الرقم في صفين أيضا بالآلاف، وكذلك في النهروان، وكلهم يسحقون بسيف الامام علي (ع)، حينها ستكون الامور واضحة بالصفة التي وصفناها، قالوا عن علي (ع) انه قتل أصحاب النبي (ص)، الامام علي (ع) عقّب بالتابعين لهم يعني الذين لم يدركوا النبي (ص) وإنما أدركوا صحابته، تحركت عندهم الاحقاد والضغائن، هؤلاء أبناء قبائل وعشائر امتدادهم من الكوفة إلى الحجاز إلى اليمن، بعدما استشهد الإمام علي (ع) وخرج من الدنيا بهذه السيناريو المعلوم غدرا في محراب صلاته في ليلة من ليالي شهر رمضان وهي ليلة القدر (بناءا على بعض الروايات)
الامام الحسن (ع) مظلوم بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى
آلت الأمور إلى الإمام الحسن (ع) بشكل طبيعي وسلس كما يعبر عنه اليوم بانه كان انتقال السلطة سلسلا يعني لا توجد هناك أي مشكلة، لكن بعد ستة أشهر وإذا الأمور تنقلب رأسا على عقب، تحركت هذه البقايا من النهروان، من صفين ومن الجمل وظهرت فيهم حسيكة النفاق، اشتعلت من جديد، فرغت حقدها في الإمام الحسن (ع) الإمام الحسن (ع) مظلوم بكل ما تحمل الكلمة من معنى، هذا الإمام باصطلاح التاريخ المسالم رمز الصلح الأكبر، ابن الرسول (ص)، ابن الامام علي وابن الزهراء عليهم الصلاة والسلام، الإمام الحسن (ع) يعتبر من أهم الرواة لانه يروي عن أبيه وعن جده من المفترض ان يكون من أهم الرواة عن أبيه وعن جده صلوات الله وسلامه عليهم وان كتب الحديث مليئة برواياته، لكن كم الروايات التي تروى عن طريق الامام الحسن (ع)؟! في منتهى الندرة، حال ان المشاريع التي نهض بها الامام الحسن (ع) من الكثرة بمكان، ولو لم يكن إلا الصلح لكفى ان يسلط الضوء عليه وان ترسم معالم عصر جديد الأمة لا تنكص على عقبها من جديد لكن الأمة هذا الذي أرادت لنفسها من قيد القدر، الإمام الحسن (ع) أيضا يدخل عليه احد أبناء عمومته في الساباط، يطعنه بالخنجر في فخذه ويقول له يا مذل المؤمنين![4] وكأنهم لم يجبروا الإمام الحسن (ع) على الصلح والمهادنة! بعدها يحول ركابه إلى خليفة الشام ويحصل ما يحصل، وانتهى الدور.
علاقة صلح الامام الحسن (ع) بقيام الامام الحسين (ع)
الإمام الحسن (ع) لو لم يدخل في هذا المشروع لما تهيأت الأرضية للإمام الحسين (ع) كي ينهض، كما ان صلح الإمام الحسن (ع) لو لم يتعقبه النهوض من قبل الإمام الحسين (ع) لما تم استثمار الصلح وكلاهما مشروعان ربانيان، صلح الإمام الحسن مشروع رباني لانه إمام سواء قام أو قعد، حركة الإمام الحسين (ع) أيضا مشروع رباني لانه هو كذلك امام قام أو قعد، الإمام الحسين (ع) بعد الإمام الحسن (ع) وخلال عشر سنوات لم يجرد سيفه، لانه احترم الصلح وتقيد ببنوده رغم محاولات الطرف الآخر في إثارة الحفيظة، ولكن عندما غاب خليفة الشام وجاء الذي يليه وتظاهر بكل مظاهر التمرد على الثوابت الدينية، حينها وجد الإمام الحسين (ع) ان لا مندوحة من النهوض وتصحيح المسار وان كلفه الغالي من الثمن وكان غاليا، حيث الأبناء، الصحبة، الأنصار الأجلاء صرعوا ثم آلت النوبة إلى نفسه الشريفة، الإمام الحسين (ع) لا شك انه صبت عليه أجلى صور الظلم ويعتبر الشهيد الخالد.
التقصير في حق الامام الحسن (ع)
الإمام الحسن (ع) إذا تعمقنا في جذور قضيته نجد أنها حياة مظلومة، شهادة تكتنفها الظلامة بكل جوانبها تاريخ أبى إلا ان يكون ظالماً لم يشوه تاريخ مسيرة مثلما شوهت مسيرة الإمام الحسن (ع) الشواهد كثيرة لكن لا مجال للتعرض لها. أيها الأحبة أقول في ذكرى أربعين الإمام الحسين (ع) زحفٌ مليوني كان نحو مشهد الامام الحسين (ع)، ولكن من كان عند الإمام الحسن (ع) في ذكرى شهادته! غيرنا من باقي الدول قد يحتاج إلى اخذ الفيزا ويحتاج إلى ترتيبات طويلة عريضة لكن نحن لا يكلفنا الحضور عند الإمام الحسن (ع) شيء، كم يكلفنا تجشم العناء حسن ان نشارك في ذكرى الأربعين لكن أليس من القبيح ان نتنكر للإمام الحسن (ع)؟ ألا تقع على رؤوسنا مسؤولية؟ وهل تم المحافظة على المقامات الشريفة في الأقطار الأخرى إلا جراء الحضور والتواجد الدائم المتصل؟ هل هي لم تتعرض للانتهاكات!؟ لقد تعرضت كربلاء واستبيحت، وكذلك النجف في يوم من الأيام استبيحت، مشهد الإمام الرضا (ع) ضربه الروس بالمنجنيق في يوم من الأيام، هناك مسؤولية تقع علينا، نحن عندنا أربع أئمة مدفونين، أئمة عصمة، تمر علينا وفياتهم لكن لا شيء.. نسال من الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا من المقبولين وان يغفر لنا تقصيرنا في حقهم، وفقنا الله وإياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.