اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
جاء في الحديث الشريف عن ثامن الحجج الامام الرضا (ع) انه قال: «لا يكون المؤمن مؤمنا حتى تكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيه صلى الله عليه وآله وسنة من وليه عليه السلام. فأما السنة من ربه فكتمان السر. وأما السنة من نبيه صلى الله عليه وآله فمداراة الناس. وأما السنة من وليه عليه السلام فالصبر في البأساء والضراء»[2]
الامام الرضا (ع) والبيت العلوي
الإمام الرضا (ع) تصادف ذكرى مولده الشريف بعد ليلة ان شاء الله، الإمام الرضا (ع) منذ ان وطأة اقدامه خراسان والخيرات تغمرها كيف لا يكون ذلك وهو واحدٌ من الاسباب المتصلة بين الأرض والسماء، الإمام الرضا (ع) عندما تحرك من المدينة الى خراسان خلف ورائه بيتا وهذا البيت يتشكل من عدة افراد لكل واحد منهم مقامه ومكانته ومنزلته بين أهل المدينة، الحسنيون والحسينيون كانت لهم الكثير من الحركات بعد مقتل الإمام الحسين بن علي (ع) لم تهدأ ثورة العلويين جراء عدم هدوء النفوس واستقرارها، ولأن الخطب جلل والمجزرة مروعة والكارثة العظمى التي حلت في كربلاء لم تكن مسبوقة ولا معهودة في اوساط تلك المجتمعات، لذلك كان الجرح عميقا كيف اذا اضفنا الى ذلك مجموعة من العناصر الخاصة بمن استشهدوا وعلى راسهم السبط الثاني سلام الله عليه، حيث بيت النبوة، بيت الامامة، بيت الزهراء، بيت هبط فيه جبرائيل، بيتٌ ترددت فيه الملائكة، بيت خرج منه الى العالم نور لا زال العالم يستضيء به، هؤلاء ضرجوا بدمائهم، فمن الطبيعي ان لا تهدأ النفوس، لذلك عندما كانت تلوح بارقة او تسنح فرصة تتحرك راية هنا او هناك بغض النظر عن الانتماء والارتباط الحقيقي بالمعصوم او الإمضاء أو عدم الامضاء، اما بالنتيجة ما يختلج في النفوس يبقى طبيعة الانسان هي هذه، الامام الرضا (ع) عاصر طرفا من الخلافة العباسية المأمون بما كان يمتلك من ذكاء، من دهاء، من خبرة اراد ان يسور القضية وان يحيطها بسياج بحيث تهدأ الاوضاع من حوله وهذا دليل على فطنته ودليل على قراءته الصحيحة للوضع من حوله، لأن ما خرج من حركات خارج دائرة هذا البيت في تلك الفترة لم يحتفظ اصلا التاريخ له بما يؤمن وصول قضيته.
أسباب وآثار قبول ولاية العهد
فهو وضع يده على الجرح ومكمن الخطر وارتأى ان يقرب ابرز شخصية في هذا البيت، فاختار الإمام الرضا (ع) بطبيعة الحال، هذا الاختيار من قبل المأمون سواء كان اختيار شخصي، ابتدائي او وليد السؤال والبحث بالنتيجة الإمام الرضا (ع) فرض نفسه على انه الشخصية الإسلامية الأولى بين المسلمين التي تستوجب لفت النظر والعناية بها، المأمون راسل الإمام الرضا (ع) الامام (ع) لم يقبل، راسله بادئ ذي بدئ بالخلافة ان يتنازل عن الخلافة على ان تكون في الرضا والمحاججة موجوده بينهما والمراسلة مثبتة في التاريخ عندما وجد المأمون من الإمام عدم القبول اشخصه، يعني جاء به من المدينة الى خراسان خارج رغبة الإمام (ع) اذ ان الامام (ع) لم يكن مختارا اصلا في الانتقال وترك المدينة الى خراسان، لما وصل الى خراسان اعاد المأمون العرض عليه من جديد، وقال له يا بن العم انما خرجن لطلب الرضا منكم، وانا اعمامي واجدادي ظلموكم، انا اريد الآن ان ارفع الظلامة عنكم وان اتنازل عن الخلافة! الإمام الرضا (ع) الذي تمده السماء بفيضها، الإمام الرضا الذي يحمل بين جنباته علوم آل محمد (ص) لا تمر عليه مثل هذه المؤامرة وانما كانت مكشوفة كرأي العين يراها، البصمات واضحة، الهدف بين، رفض الإمام الرضا (ع) هذا العرض، المأمون عرض عليه ولاية العهد ايضا الامام رفض لم يقبل بولاية العهد، فقال له المأمون اما وقد ان وصل إلى هنا فإما ان تقبل ولاية العهد او اعملنا فيك ما عمل في آبائك واجدادك يعني اما السجن والسم والخروج مقتولا من السجن او يحصل له كما حصل للإمام امام الحسين والامام علي عليهما السلام، فقبل الإمام الرضا بولاية العهد تحت هذا الظرف وتحت هذا الوضع،[3] رغم ذلك ان الامام الرضا (ع) حاول جاهدا ان يكشف جانبا من المغيبات او المقصى من علوم اهل البيت عليهم السلام عن الساحة لذلك وصل الينا بعض منها فبين ايدينا فقه الرضا (ع)، بين ايدينا مناظرات الامام الرضا (ع)، بين ايدينا محاججات الامام الرضا (ع)، بين ايدينا بعض القضايا الدقيقة في بعض العلوم ذات الجانب المدني الحضاري، للإمام الرضا (ع) بصمة وبصمة واضحة في هذا الامر.
الامام الرضا (ع) وربط الامة بالمبادئ الثلاث
1. بالله سبحانه وتعالى
ايضا الإمام الرضا حاول جاهدا ان يربط الأمة بمبادئها الثلاثة؛ بالله بالرسالة بالإمامة وذلك من خلال درس عملي ميداني، الحديث التي تلوناه في البداية يقول فيه الامام (ع): لا يكون المؤمن مؤمنا حتى تكون فيه ثلاث خصال، الإمام الرضا (ع) يقول من السهل ان يدعي شخصا ويقول انا مؤمن، او فلان مؤمن، مثلا يأتيك شخصا ويقول لك اريد ان ازوج فلانة من فلان، بسرعة تقول له حسنا هذا انسان مؤمن! كيف عرفت انه انسان مؤمن؟ أو اريد ان ادخل في شراكة مع شخص، يقول انسان طيب بل انه مؤمن! كيف عرفت انه مؤمن! هذه الشهادة الكبيرة يوم القيامة سوف تسأل عنها، على أي اساس بنيتها؟ من خلال أي مقدمات استنتجتها؟ كلمة «مؤمن» هي سهلة بسيطة خفيفة في اللسان لكنها في الميزان تحتاج ... سنةٌ من ربه لابد للمؤمن ان تكون فيه هذه الخصلة وهي خصلة من خصال الرب، وهي «كتمان السر» ان تطلع على قضية من القضايا فتكتم حدودها، تتحفظ عليها، اليوم احوالنا كيف هي؟ عندما تطلع على منقصة هنا أو خطيئة هناك، او مثلبة عند زيد من الناس، هل تكون كتوما ومتسترا ام لا؟ يعني مثلا انت تطلع على قضية في اطراف الشارع ما ان يصل صاحب القضية الى آخر الشارع الا ويسمع بالقضية أمامه! هذه الامور موجودة، وهذه مصيبة، فهل نقول لمثل هذا مؤمن! رغم انه هتك الستر تخلى عن هذه الصفة السامية اي كتمان السر؟ الله سبحانه وتعالى من شدت ما يحافظ على سر الناس لم يسمح لملك اليمين ان يكشف لملك اليسار وهكذا العكس اصلا هم لا يتقابلون، اصلا في الروايات يوم القيامة الملك الاول يأتي منفردا ثم يأتي الملك الثاني من بعده لم يأتوا سوية! البعض ليس فقط مسألة سمعت بل يذهب ويفتش ويبحث! ما لك و شأن الناس؟ ما هي مصلحتك؟ هذه واحدة.
2. بالرسالة
وأما السنة من نبيه صلى الله عليه وآله فمداراة الناس، الانبياء عليهم السلام خاطبوا الناس على قدر عقولهم من خلال واقع التجربة، هذا الذی هو حاصل، وانا في قناعتي حتى الشخص الذي لا یتكلم قد لا یسلم! لانه سوف يقال لماذا ساكت؟ لماذا لا یتكلم! لا يتركوه لحاله حتی اذا ما اراد الانسان ان یغلق بابا أو ان یردم هوة ایضا لا یقبلون منه.
3. بالامامة
وأما السنة من وليه عليه السلام فالصبر في البأساء والضراء، الباساء والضراء احیانا تكون ولیدة الرزق، اي یقتر على الانسان فی رزقه لیروا عندما یدخل فی هذا الامتحان یصبر او لا؟ هل عنده تحمل ام لا؟ عندما یبتلى فی جسده هل يذهب یشكوا هنا او هناك، ام لا یصبر؟ یبتلى باذیة جار، باذیة شریك، باذیة زوج بنت، باذیة ...انظر كيف یتعامل معها، ایها الأحبة! الانسان لا يتقاضا كل شيء فی الدنیا، هناك كثير من الامور حسابها وكتابها موكل الى الآخرة،هناك غبطة، هناك حسد، في یوم القیامةهناك ﴿ونَزَعنا ما في صُدورِهِم مِن غِلٍّ﴾[4] لكن الغبطة موجودةفي يوم القيامة لا يمكن أن يأتي انسان اتعب نفسه وتقرب الى الله واصلح ذاته مع انسان یحمل معول الهدم وتفریق الجماعات وتشتیت المجتمعات ويجتمعا معاً! هذا لا يمكن ان يحدث في يوم القيامة، هناك حساب وكتاب، هناك شخص يجاور الامام الحسین (ع) يعني يكون قريب وجار للامام الحسين (ع) وهناك شخص لا یصل الی هذه المرتبة، أليست فیها غبطة؟ یعنی هو لم يجاور الائمة عليهم السلام فی الدنیا كذلك لا يجاورهم في الاخرة! هذه مصیبةوكارثة، نسأل من الله سبحانه وتعالى ان یكتب لنا ولكم الوصول الی عتبته الطاهرة وان یجعله شافعا مشفعا فینا، وان یبصرنا بعیوبا انه ولی ذلك، والسلام علیكم ورحمة الله وبركاته.