نص كلمة سماحته بالمطيرفي. تضييع أربعة أمور يوقع في المحذور
منح المودة لغير أهلها
الحديث الشريف يقول: اربعةٌ تذهب ضياعاً؛ الامر الاول: مودةٌ تمنحها من لا وفاء له، في الحيات، كثيرٌ هم أولئك الذين يُسدى لهم الجميل ولكنهم يتنكرونه بل ربما يأتي بالسالب ايضا، لذلك صح قول الشاعر حينما يقول: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا[2]
المودة مفهوم مقدس شيء كبير جداً يعيشه الاولياء، الاولياء يمنحونه للامة الامة تتقاسمه هنالك من يعيش وفاءاً ويؤدي ما يترتب عليه من الحق جراء ذلك الوفاء المسدى ومنهم من لا تنهض به همته فيخفق في أداء حق ذلك الامر المُسدى فيضيع الوفاء وتضيع المودة
وضع المعروف في غير محله
الامر الثاني؛ ومعروف يوضع عند من لا يشكره أيضاً انت تقوم بالجميل، بالحسن ولكن لا يشكر لك ذلك الجميل، بل ربما أيضاً جاءت النتيجة سلبية والعياذ بالله فبدل ان تشكر على الجميل، على المعروف، على الحسن، على الطيب يسدى لك العكس من ذلك تماماً، لا يقدم لك الشكر وإنما يكون هناك النكران، الجحود، والنكران والجحود على نوعين: قولي وعملي؛ القولي يأتي بما لا ترغب في سماعه، والعملي ان يحدث عملاً يعطي النتيجة عكسية تماماً لما كان قد قام به ذلك الانسان من المعروف، والمعروف طرقه كثيرة وسبله متعددة أحياناً قد يكون المعروف هو الوقوف إلى جانبك، وأحياناً قد يكون مد يد العون اليك، وأحياناً تأمين لقضية ما، وأحياناً يكون من خلال دفع الاذى وهلم جرا.. فعندما توضع هذه المجموعة من صور المعروف في غير محلها تأتي النتيجة مقلوبة، عدم الشكر يعني ضياع العمل تماماً، القاعدة فيما بيننا هي: ﴿ولا تَنسَوُا الفَضلَ بَينَكُم﴾[3] الانسان عندما قام لي بجميل علي ان أرد له ذلك الجميل، اما بالنسبة لمقام ﴿لا نُريدُ مِنكُم جَزاءً و لا شُكورا﴾[4] فهذا مقام الاولياء الكمل وهم محمد وآل محمد عليهم السلام.
تعليم العلم لغير اهله
وعلم يعلم من لا يستمع له، انت قد تتكلم عن المفاهيم عن الاحكام عن صور السلوك والاخلاق عن طرق الحيات المنتظمة لكن الطرف المقابل لا يسمع ولا يفهم ما تقول:
لقد ضاع شعري على بابكم ***كما ضاع حلي على خالصة (وخالصة كانت امرأة جميلة لكن سمراء اللون شديدة السمرة) ولما بلغ الرشيد ذلك أنكر على الشاعر وتهدده بسبب هجاءه لخالصة فقال لم أقل إلا:
لقد ضاء شعري على بابكم *** كما ضاء حلي على خالصه[5]
وقال بعض من حضر: هذا بيت قلعت عيناه فأبصر، العين انقلبت همزة ،انقلب القبيح الى جميل (ضاع، ضاء) انظر الى معدل النسبة هو يسمع الكلام، يسمع الحسن من الكلام، يسمع الطيب من الكلام، لكن سماعه لا يتعدى حدود هذه الاذن يعني لا يتسلل الى العقل ولا يستقر في الروح لذلك كم سمعنا من الآيات، كم طرق اسماعنا من الروايات، كم سئلنا عن احكام وأجبنا عليها ولكن أين الاثر المترتب؟ العلماء افتوا بعد دراسة، الخطباء تكلموا بعد قراءة، و... لكن حينما تكون عند من لا يستمع له النتيجة ماذا تكون؟ تكون ضياع يعني هو اتعب نفسه لكن بلا نتيجة حتى وصل بأحدهم ان يقول:
لقد أسمعت لو ناديت حيـا *** ولكن لا حياة لمـن تنـادي[6].
حفظ السر وكتمانه
الامر الآخر؛ وسر يوضع عند من لا حضانة له، تجلس عند شخص وتتحدث معه وتقول له هذا الكلام هو سر لا يخرج من بيننا لكن تستغرب بمجرد انك خرجت من عنده يتلقاك شخص ويتحدث لك بكل تفاصيل الحوار الذي دار بينك وبين ذلك الشخص الذي ائتمنته على سرك! هو أوعدك بانه لم يتكلم عند احد بهذا السر، نعم هو لم ينطق به الا انه كتبه وارسله رسالة نصية عن طريق الجوال الى الاخرين، هو يتصور انه لم يكذب، الظاهر حقا انه لن يتفوه به! علينا ان ننتبه وندقق عند من نودع الاسرار، وعلينا ان لا يخدعنا الظاهر، الشكل، المنظر، اللباس كل هذه الامور قد لا تدلل على الدين وقد يكون الباطن شيء اخر، فالسر امانة قد تهد أسرة بناءا على كشف ذلك السر، قد تضيع مصلحة على اساس من إفشاء ذلك السر، قد تهدم علاقة بين اثنين او اكثر بسبب افشاء ذلك السر، ونعم ما قال الشاعر:
ألا كل سر جاوز الاثنين شاع
بالامس كنت تتحدث الى شخص جالس بجنبك وتطلب منه كتمان سرك، الامور اليوم تختلف حيث هناك شيء اسمه جوال متعدد الاغراض والطبائع تعال وانظر لترى كم من المشاكل اليوم حدثت بسبب هذا الصديق الصغير الذي نضعه في جيوبنا، وينام الى جانبنا، ويحضر مأدبتنا، معنا حيث ذهبنا، وحيث جئنا، هو صديق كسائر الاصدقاء، ولكن للصداقة ضابطية لابد وان تحكم، اليوم قد الشخص بما هو هو يمكنك ان تأتمنه على سرك لكن اذا كان معه صديق مرافق له دائما سوف يصعب الامر.. لذلك علينا ان نضع السر عند أهله، عند من لهم الحصانة، يا ايها الاب ويا ايها الاخ ويا ايها الابن؛ الصداقة ليست مسألة ملاطفة في الكلام ومكاشرة بالاسنان كل واحد كشر اسنانه بوجه الثاني لا يعني هذا ان هناك صداقة ومودة، مع شديد الاسف هناك اسنان كاسنان الذئاب تنهش صورة الابتسامة عبثا ولكن:
وأن الذئب يترك لحم ذئب ***ويأكل بعضنا بعضا عيانا[7]
هو يبتسم بوجهك ابتسامة ظاهرة الا انه في العمق في التمركز له انياب ذئب لا تدري من اين ينهشك فعلينا جميعا ان نبعثر اوراق الصديق حتى نرى هل هو فعلا مستودع سر ام لا، لان القرآن الكريم يقول: ﴿امرَاَتَ نوحٍ وامرَاَتَ لوطٍ كانَتا تَحتَ عَبدَينِ مِن عِبادِنا صـٰلِحَينِ فَخانَتاهُما﴾[8] يعني كشفوا سر النبوة، وافشاء سر النبوة ليس بالامر الهين بل هي مصيبة عظمى. ولا يعني كلامنا هذا انه في يومنا الحاضر الانسان الذي لديه حصانة ويحافظ على السر هو معدوم وغير موجود، لا حاشا وكلا لكن من ليس لديه الحصانة الكافية أيضاً موجود. نسأل من الله سبحانه وتعالى ان نكون ممن حصن نفسه في ايام شهر رمضان، شهر رمضان مدرسة من ضمنها بناء هذه النفس وأحد جوانبها هو حفظ السر وكتمان السر، ولكي نسمو ونرتقي ونرتفع علينا ان نحافظ على هذه الحيثية وهذه الامور. من جانب اخر ايضا انت ايها الانسان الذي جاءك خبر وضرب اسماعك شيء بدون اي تأمل تعمل له گروب وگروب على الواتساب وتقوم بارساله قد يكون الخبر غير صحيح، اكثر اخبار الواتساب غير صحيحة مع شديد الاسف فيها التسقيط، فيها المحاربة، فيها الاشاعة، فيها الفتنة، فيها الكذب، فيها الدجل، فيها النفاق و... احيانا قد يرسل لك شخصاً رسالة كلها حب في ظاهرها لكن نتيجتها هي دفع ضرائب بهيضة، فعلينا ان نكون حذرين، كذلك قد يرسل احد رسالة الى راعية البيت يقول لها ان زوجك في البلد الفلاني في المكان الفلاني مع الجماعة الفلانية كان على هذا الامر! هو اصلا لم يكن كذلك، وعندما تسأل منه لماذا فعلت هذا قد يضحك ويقول لا لشيء سوى انني كنت امزح! وهل هذا محل مزاح؟ وفقنا الله واياكم لكل خير، اخذ الله بأيدينا وايديكم، أعاد الله علينا وعليكم الشهر الفضيل ونحن وانتم ومن يلوذ بنا وبكم والمؤمنين من شيعة امير المؤمنين عامة الى أحسن حال.