نص كلمة سماحته بالمطيرفي: الإمام الحسين عليه السلام عطاء يتجدد
عدد الزوار: 2239
2015-11-11
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
قال رسول الله (ص): «حسينٌ مني وأنا من حسين»[1]
العطاء الحسيني اللامحدود
مرت علينا أيام عاشوراء، حيث مدرسة الحسين الخالدة بكل عطاءاتها، الكلٌ دفع في اتجاهها وتعاطاها وفق الثقافة التي يتمتع بها والروحية التي يتحرك على أساس منها، عاشوراء لها خصوصيتها كما ان لكربلاء خصوصيتها والروايات في هذين الموردين من الكثرة بمكان وأما صاحب القضية وإمام المدرسة الإمام الحسين (ع) فهو أعرف من ان يعرف، بل من أراد ان يعرف نفسه فما عليه إلا ان يضيف نفسه للإمام الحسين (ع) في فكره، في صبره، في إبائه، في جهاده، في تضحيته، كي يقال عنه حسيني، مدرسته واسعةٌ متعددة العناوين، كلنا اقتربنا، كلنا تلقفنا في أروقتها خلال الأيام العشرة الماضية الزاد المقدم، وهذا الزاد يختلف من موقع لآخر، تحكمه الظروف وأحياناً تسيسه الرغبات والتوجهات، وأحياناً تحكمه المصالح، لكن الإمام الحسين (ع) لم ينهض إلا من اجل الإنسان بما هو إنسان، لذلك الإنسان بما هو هو شريك في نهضته حتى أولئك الذين لم يقاتلوا بين يديه ولم يضرجوا بدمائهم ولم يفرق بين رؤوسهم وأبدانهم، حيث انهم يعتقدون ان المسار هو المسار، وان القضية هي القضية، فالنتيجة أنا وأنت والآخر نبقى في دائرة الحسين (ع) اللهم كلٌ يأخذ بقدره ونصيبه، أنت تملك من الأجندة ما لا امتلكه أنا والعكس صحيح وربما مع الآخر، كل منا بناءا على تلك الأجندة التي بيده يستطيع ان يوغل في قضية الحسين (ع) ويمكنه ان يغترف وينهل من معينها الصافي، الأوعية تختلف قد يكون وعاءك كبير بخلاف وعائي الذي ربما لا يكون كذلك، لكن الحسين (ع) بما هو هو لديه القدرة في ان يملأ جميع الأوعية مادام لاذت به واقتربت منه وأرادت الاغتراف من عطائه.
اللوذ بأهل البيت عليهم السلام والأخذ بهم
الخطباء بذلوا جهودهم وأعطوا ثمرة تلك الجهود ولكل مجتهد نصيب ليسوا على قدم سواء، الخطيب العالم يختلف عن غيره، الخطيب المفكر يختلف عن غيره، ربما يكون عالما أو مفكراً إلا انه لا يحمل مسؤولية ولا يرسم معالم الهدف، هذا لا يستطيع ان يعطينا إضافة نحن بمسيس الحاجة إليها في هذه الأيام، نحن أيها الأحبة من آباء وأخوة وأبناء؛ أمامنا الكثير من المسارات ما لم نستفد من هذه الوقفات (كعاشوراء مثلا) لا نستطيع ان نميز بين هذه المسارات، بالتالي تتقاذفنا الأمواج ونصل إلى أبواب مؤصدة أحياناً، وأحياناً يقذفنا الموج إلى ما ورائها لا قدر الله ذلك، أهل البيت (عليهم السلام) كون قائمٌ بذاته، أوجده الله سبحانه وتعالى وهو يحمل جميع عناصر الكمال، فتش عمن شئت لن يسعفك الحض ولن تجد المساعدة والمعينة للوصول إلى نقطة كمال ما لم تنتهي إليهم، هم الكمال، لان الله اصطفاهم، لان الله اختارهم، لان الله أكرمهم، لذلك حارت فيهم العقول وتعددت المشارب حتى في أوساط محبيهم، قسمٌ ذهب بهم إلى مقامات هم عليهم السلام حذرونا منها، وقسمٌ أبعدوهم عن مراتب رتبهم الله فيها، وقسمٌ عاشوا الوسطية التي نص عليها القرآن الكريم ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾[2] هذه الوسطية لابد أن تتجلى في الأقوال، وفي الأفعال، وفي الحركات، وفي النشاطات بل وحتى في مسألة الحب، لأنه حتى الحب عندما يريد الإنسان ان يعيش حباً عليه ان يكون وسطياً في حيه حتى لا تكون العواقب سلبية، لكل فعل ردت فعل، والاتزان سيد الموقف.
الاخبار التي وضعها الوضاعون وأقسامها
حتى لا أطيل عليكم، اختم برواية منقولة عنهم (عليهم السلام) لانهم هم الذين يأخذون بأيدينا إلى حيث الوسطية التي ينشدونها ويرغبون في تحققها، يقول أمامنا الثامن الضامن علي بن موسى الرضا (ع): «ان مخالفينا وضعوا اخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها الغلو وثانيها التقصير في أمرنا وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا وإذا سمعوا مثالب أعداءنا بأسمائهم ثلبونا بأسماءنا»[3].
القسم الأول: وضع الاخبار في فضائل أهل البيت عليهم السلام
فالإمام (ع) يقول: ان مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا، يعني لسنا نحن الذين وضعناها، هناك كثير من الفضائل التي نسمعها اليوم في بعض الحسينيات أو من خلال بعض الخطباء، هي ليست عنهم (عليهم السلام) وإنما وضعها الوضاعون ليقتاتوا من ورائها، وإلا هي ابعد ما تكون، الفضائل إنما تتصف بكونها فضيلة لأنها منسوبة إليهم لا ان الفضيلة تعطي اضافة لهم، هم كمال، هم يشرفون ولا يشرفون، يكرمون ولا يكرمون يقولون (عليهم السلام): ان مخالفينا وضعوا اخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام، يعني ليس طبقة واحدة بل ثلاث طبقات، لاحظوا الامام يقول ان مخالفينا، يعني اولئك الذين لا يعتقدون في مسارهم، احدها الغلو، أي غالوا فيهم، وثانيها التقصير في أمرنا، أي القلو الذي هو في قبالة الغلو القلو بالقاف أي التنقيص (بخلاف الغلو الذي هو الزيادة)، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، يعني عندما يريدون ان يستنقصوا عدوا من أعداء أهل البيت، يذكرون الأسماء ثم يكيلون التهم، هذا ليس حب لأهل البيت عليهم السلام! أنا لا أعلق وأقول كيف لا يكون هذا حباً لأهل البيت عليهم السلام بل الامام المعصوم (ع) هو الذي يقول كيف لا يكون هذا حباً لأهل البيت في الفرض الأول الذي هو الغلو يقول عليه السلام فيه: فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، يعني الناس سوف يقولون هؤلاء مغالين في أهل البيت (عليهم السلام) ما هذه المقامات التي يعطونها لأهل البيت عليهم السلام، نحن كلما تحدثنا عن أهل البيت عليهم السلام فهو دون مقامهم ولا يمكننا ان ندرك مقامهم السامي، هنالك مائز واحد وهو حد الربوبية، الربوبية ثابتة له جلت قدرته، اما كونهم علماء حكماء بيدهم مقادير الكثير من الأمور هذا شيء طبيعي، هذا القرآن نص عليه، السنة المطهرة واضحة بينة فيها، فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، مثلا نحن نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة: «وحِسَابُهُمْ عَلَيْكُمْ» لكن البعض يقول كيف يمكن هذا! ولماذا لم يكن حساب الناس على الله، فبما ان حساب الناس على أهل البيت عليهم السلام، اذن هم الله! نحن لا نقول هذا أبدا، بل نعتقد بأن الله أكرم محمد وآل محمد في ان يجري مسار الحساب على يد محمد وآل محمد، هذا ليس فيه سلب صلاحيات حتى يأتي شخص ويعترض وينفي ذلك.
القسم الثاني: التقصير في أمر اهل البيت عليهم السلام
أما الأمر الثاني؛ وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، مع شديد الأسف اليوم هناك مسار في وسط المجتمع والمحسوب على مدرسة أهل البيت كلما تقول شيء في حق أهل البيت عليهم السلام، يقولان لا، هذا لله، وكأنما نقول عن أهل البيت بانهم يرزقون بغير مدد من الله، ويعلمون بغير تعليم من الله! متى قال علماؤنا واتباع هذه المدرسة بان الأئمة يرزقون ويعلمون ويحييون ويميتون على نحو الاستقلال! أبداً! ان من يقول بهذا هم من الغلاة وهو خارج دائرة التشيع لأهل البيت بنص الامام الذي قرأناه، وان الله سبحانه وتعالى أعطاهم هذه الخصوصية، الله سبحانه وتعالى كرم بني آدم من بين جميع الموجودات: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾[4] جميع الكون هو مخلوق من قبل الله لماذا الله سبحانه وتعالى كرم بني آدم دون غيرهم من المخلوقات! يعني قد يأتي يوم القيامة احد الحيوانات ويقول لماذا كرم الانسان وتركت انا! مثلا يأتي الحمار ويقول لماذا يضرب بي المثل هكذا: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾[5] أو ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾[6]! هؤلاء في الواقع لا يعدون في تفكيرهم هذه المساحة.
القسم الثالث: التصريح بمثالب اعداء أهل البيت عليهم السلام
اما المورد الثالث؛ واذا سمعوا مثالب أعداءنا، نحن اليوم مبتلين بهذا من خلال القنوات التي باتت تبث سمومها في الآفاق حتى باتت تقض المضاجع في أكثر من مكان ومكان، قنوات معلومة لا يحتاج شخص أي يأتي بأسماء لأنه اصبح الامر واضحا، يذكرون أم المؤمنين ثم يوغلون فيها، يذكرون الخلفاء ويوغلون فيهم وهكذا ... هل هذه تعاليم مدرسة أهل البيت!؟ هل هذا هو سلوك أهل البيت!؟ الإمام يقول: وإذا سمعوا مثالب أعداءنا، فمثلا معاوية عدو لا كلام فيه، لكن بالنتيجة هو لديه أعوان وأنصار ومحبين ومريدين وسلاك مذهب يعتبرونه خال المسلمين وأحد كتاب الوحي، وهذا موجود في التاريخ، بغض النظر عن كونه صحيحا ام غلط لكن بالتالي هذا هو التاريخ، وإذا سمعوا مثالب أعداءنا بأسمائهم ثلبونا بأسماءنا، أنا الآن عمري أكثر من خمسين عاما لا أتذكر في يوم من الأيام في الزمن السابق أني سمعت احد يتطاول على أمير المؤمنين (ع) بهذه الكيفية، أو على الإمام الحسن (ع) بهذه الكيفية، أو على الإمام الحسين (ع) بهذه الهمجية، أو على الزهراء سلام الله عليها بهذه الحالة من الافتضاح والسقوط لولا هؤلاء، هؤلاء نالوا من رموزهم آلت الأمور إلى هنا وهذا الشيء اليوم موجود. نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يبصرنا في أمورنا لأن المرحلة حساسة وخطرة وحرجة، الإنسان مسؤول في بيته عن أولاده وبناته، الإنسان في الحسينية لابد ان يقيد الخطيب من الليلة الأولى وإذا ما رأى هناك يمين أو يسار يضع حد، حتى لو دار الأمر أن يحول دون اتمام باقي الايام، يعني لا يسمح للخطيب بإكمال قراءته لعشرة أيام بل يقطعها، لان حفظ المذهب أهم، لان حفظ النشء أهم من أن يجامل مع خطيب على حساب هذه القضايا المهمة، هذا كلامنا اليوم نحن مسؤولين عنه بالحرف الواحد، وفقنا الله واياكم لكل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.