نص كلمة سماحته بالطرف: زينب الإباء عظمة وعطاء
﴿و ذَكِّرهُم بِاَيّـامِ الله اِنَّ فى ذٰلِكَ لآيـاتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكور﴾[2]
وجاء في الحديث الشريف: أحيوا أمرنا، رحم اللَّه من أحيا أمرنا[3]
السعادة وسبل الوصول اليها
بارك الله لنا ولكم ذكرى ميلاد الصديقة الصغرى، زينب الكبرى بنت علي، بنت فاطمة، بنت النبي محمد (ص) سلام الله عليها، وجمعنا الله وإياكم تحت قبتها النوراء عاجلاً انشاء الله.
أظن ان الوقت قد تأخر بنا وبكم فلن استعرض طويلاً النقاط التي سوف أدرجها إدراجاً قدر الإمكان، زينب سلام الله عليها كونٌ بأكمله، زينب سلام الله عليها مرآة الحق والحقيقة لمحمد وعلي، أيها الأحبة من منا لا ينشدُ السعادة ويسعى من أجل الوصول إليها؟ ثم مَن مِن الناس يستطيع ان يحقق ذلك وهو لم ينتهج الطرق والسبل التي يفترض ان ينتهجها في سبيل الوصول إلى تلك السعادة والغاية، السماء هيأت لنا الكثير الكثير ﴿و اِن تَعُدّوا نِعمَةَ الله لا تُحصوها﴾[4] أما أهل البيت عليهم السلام فقد مهدّوا الطرق لنا متى ما أردنا ان نصل إلى ما هو المأمول من السعادة.
انواع السعادة:
1. السعادة النسبية
ومن الطبيعي ان السعادة على ضربين؛ سعادةٌ نسبية وهي التي يتسابق الكثير من الناس في سبيل تحقيقها كأن يصبح رجلاً مرموقاً وصاحب جاه عريض وصاحب قول وكلمة وتأثير، ثم السعادة في داخل منزله ومنه إلى المجتمع من حوله.
2. السعادة الحقيقية
ثمة سعادة من نوع آخر ألا وهي السعادة الحقيقية، والسعادة الحقيقية لا تتحقق إلا مع وجود المعصوم على أن يكون مبسوط اليد على أن لا يكون هنالك من يعترض المسيرة فيما يتمثل في موقع الانقلاب الذي حذّر منه القرآن الكريم؛ اذن السعادةُ الحقيقية في يد الخلف الباقي من آل محمد عندما يبسط يده على القريب والبعيد، على القاصي والداني، على القوي والضعيف السعادة تضرب بعروقها وتتأصل أصولها ثم تتدلل فروع. الحكومات تعيش سعادة في ضل المعصوم، الشعوب تعيش سعادةً في ظل المحكوم بعبارة واحدة الإنسان على وجه الأرض يتلمس أبعاد السعادة الحقيقية كما يتلمّس جميع الأشياء المحسوسة المطروحة بين يديه مهما تهيأت لنا من الأسباب تؤمّن لنا القسم الأول من السعادة أما القسم الثاني الحقيقي سيبقى قاصر الأجندة إلا ان يأذن الله سبحانه وتعالى للخلف منهم صلوات الله عليهم.
الثقافة؛ دورها وروافدها في المجتمع الاسلامي
ومما لا شك فيه ان من أسباب السعادة الخاصة والعامة لكافة الأمم هي الثقافة. أيها الأحبة إنما نعانيه اليوم في وسطنا هو ان الثقافة لم تأخذ طريقها كما ينبغي بل وفي كثير من مربعاتها لا تحظى بالاقتراب منها والتقلب في زواياها إلا في حدود ما هو المألوف وما هو المنقول من ضفة إلى أخرى ليحصر ضمن زاوية من أربع، لذلك على الإنسان المؤمن السائر على خط أهل البيت عليهم السلام ان يفك قيود الأسر من حوله ويتحرك في جميع الزوايا ليخلص بعد ذلك إلى ثقافة على أساس منها يصل إلى ما هو المأمول ألا وهو السعادة، وزينب سلام الله عليها صاحبة المناسبة تعيننا على ان نسير وفق هذا الاتجاه بمعنى ان نحطم الأغلال التي قيدنا بها، سواء قيدنا بها من خلال شريحة ما، او من جهة ما، أو من سواد أعظم في الأغلب الأعم الأكثر الذي لا يعي ما له وما عليه ـ مع شديد الأسف ـ وإنما هي دائرة نعتها علي عليه السلام أتباع كل ناعق[5] لذلك على شبابنا اليوم ان يقفوا مع أنفسهم وقفةً قصيرة جداً جداً يرمقوا من خلالها إلى مسارين: الاول: ما كانوا عليه وهل كان مرضياً أو كان محرجاً؟ وثانياً: ما يفترض ان يصلوا إليه هل بات قريبا أو ما زال بعيدا.
رافد الايمان بالغيب
من أهم مفاهيم الثقافة التي ينبغي التركيز عليها هو مفهوم الغيب، أيها الأحبة الإسلام اتكأ على هذا الجانب، في أمور الدنيا في الكثير من المسارات المغيبات حكمت المسار، لذلك المدد السماوي غيبي لم يطلع عليه الا صاحب الرسالة بأمر من الله سبحانه وتعالى ثم تجسد واقعاً والمعارك كاشفة وما قاله النبي عما سوف يقع بعد رحيله دليلٌ بين على هذا واما ما يتعلق بالآخرة فحدث ولا حرج فمنذ أن ينتقل هذا الإنسان من عالمه المادي الصرف من خلال روح هي تعني فيما تعنيه، المعنى، اللباب، الجوهرة، تنفتح أمامه الآفاق الأخرى هذه الآفاق هي عبارة عن علم غيب ما الذي يجري للميت وهو يقلب، ما الذي يجري بالميت وهو في قبره، ما هي الادوار التي يعيشها الميت وهو يقطع هذه المسافة التي ربما تطول بين هذا العالم و عالم الشهود الآخر بين يدي الله سبحانه وتعالى، اذن الغيب ضرورة وضرورة ماسة علينا ان نتعرفها وعلينا ان نأخذ بها.
الرافد الأهم؛ معرفة أهل البيت عليهم السلام
ان معرفة أهل البيت عليهم السلام حق معرفتهم والسير على هديهم من أهم الروافد التي ينبغي ان تبنى ثقافة الإنسان المؤمن في هذا اليوم من الجميل ان نقرأ لمن كتب من حولنا ان في الشرق أو في الغرب، علينا ان ننفتح على الفكر من حولنا، سواء كان يمثل الطابور الرأسمالي او الطابور الماركسي، كل هذا متاحٌ مباحٌ من حقنا ان نتعاطاه وان نأخذ بالحسن منه لكن شريطة ان يكون الإنسان الذي يرغب في ان ينفتح على هذه الآفاق التي من حوله لديه بناء محكم محصّن مؤمّن من خلال موروث أهل البيت عليهم السلام وعندما نقول هذا لا نعني بذلك الجمود وإنما نعني الانفتاح على النص الذي وصلنا عبر الطرق المعتبرة، إذا تحصّن الإنسان، إذا بنا وصبّ قواعده ثم ثبت أعمدته ثم شبك بينها من خلال جسوراً متقنة الربط، وقتها لا يضره ان يقرأ الكتاب الفلاني أو الكتاب الفلاني لفلان من المؤلفين الذي يتهم بألف وباء وجيم وما ... أو لفلان آخر حيث حصّن نفسه، حيث أمسك بقالب القوة والاقتدار في قولبة الأفكار من حوله نعم هذا أمرٌ مجازٌ متاحٌ مباحٌ مشاعٌ بل عليه ان يندفع على أساس من ذلك لأحد أمرين الأمر الأول: أن يكون من خلال قراءته نقل نصاً من خلال يد أمينة على النقل وهذا ما نحتاجه. الأمر الثاني: ان يجعل من نفسه عامل دفاع أما بالعدل والإنصاف لا بالظلم والتجني وهذا وذاك كلاهما اليوم يخبطان في مجتمعاتنا خبط عشواء ونسأل من المسئول عن ذلك حتى نتمكن ان نضع الحلول ونسيج الحدود وقتها نطمئن على جيلنا الطيب المبارك.
إحياء مناسبات أهل البيت عليهم السلام
أيضاً مما لا شك فيه ان إحياء مناسبات أهل البيت عليهم السلام ومنها هذه المناسبة العظيمة لزينب بنت فاطمة، بنت نبي محمد (ص) هو من قبيل إحياء الأيام الخالدة لله سبحانه وتعالى والمخلدة، أما أنها خالدة فها هي حية تعيش بين ظهرانينا، وأما إنها مخلدة فهي التي تعطي مدد فلا يستطيع ان يقول احدٌ ان هذا الحفل هو آخر حفل وبعدها لا يكون هناك حفل لذكرى مولد السيدة، وإنما نعد أنفسنا لاستقبال حفل في السنة التي تليها ثم التي تليها حتى ما لا نهاية، أيام الله نعيشها من خلال مناسبات الأفراح والاتراح ونحن عندما نعيشها أيها الأحبة لا نعيشها حالة من التمظهر الشكلي وإنما علينا ان نغوص في أعماق جذورها لأنها تنطوي على الشيء الكثير من العلم، من الفكر، من الثقافة، من الوقود الذي لا نستغني عنه خصوصاً ونحن نعيش جبهةً فكرية مضادّةً تحاول ان توجد شرخاً في مجتمعاتنا.
الانفتاح وعدم الانغلاق على الآخرين
أيها الأحبة ليس من الضرورة بمكان ان يقال ان فلان من الناس لأنه يحمل فكراً تقدمياً ومنفتحاً يحدث خطراً، اما الذي يعيش فكراً انطوائياً فهو الذي يؤمّن الحصانة للدين! أبداً ربما يكون الثاني أكثر خطراً على البناء الثقافي والديني والبيت الإيماني من الأول؛ لأن الأول استطاع ان يقرا ما يقرأ ثم ينفتح بينما الثاني قرأ ثم قرأ وأبى إلا ان ينغلق إذا كنا نقبل ونتقبل في الفترات السابقة ان نعيش حالةً من الانغلاق ويكون لنا الحظوة فاني أقول لكم ان هذه المرحلة قد عفا عليها الزمن وتجاوزها في الكثير الكثير من المسافات لذلك علينا ان ننفتح على بعضنا البعض قبل ان نطالب من الآخر ان ينفتح علينا. أيها الأحبة النبي طبيبٌ دوارٌ بطبه وعلي كذلك والآل من آل محمد هم أيضاً كذلك فلماذا لا نحقق لهم نماذج مصغرة تسير على وجه الأرض تحمل فكراً نيّراً أرادت ان توصله كربلاء متمثلاً في جهاد الحسيني وخطابه ومن خلال صاحبة المناسبة التي أعطت ولم تبخل أعطت في أكثر من موقع وموقع زينب سلام الله عليها واحدةٌ في مناسباتها من تلك المناسبات التي أمرنا القرآن وانتدبنا القرآن ان نحافظ عليها يوم ذكرى ميلاد زينب سلام الله عليها واحدٌ من أيام الله في الأرض لماذا؟ لما له من القدسية وما ترتب عليه من اثر تجلى واضحاً بيناً في المثلث الذي سوف استعرضه سريعاً أيضاً ما الذي ينبغي لنا أيها الأحبة ونحن نعيش هذه اللحظات.
جوانب من حياة السيدة زينب سلام الله عليها:
عظمتها
الأمر الأول ان نستكشف كل هذه العظمة في ذات زينب سلام الله عليها والجواب لو لم تكن زينب عظيمة بهذه المثابة لجاز لنا ان نسأل لماذا لا تكون زينب عظيمة؟ أما ان تكون زينب عظيمة فهو الأمر الطبيعي، زينب تدرجت في حجر النبي، زينب تتغذى من صدر فاطمة، زينب تكلؤها نورانية علي، زينب تسير في مسار واحد مع السبطين الحسن والحسين، اذن زينب إذا ما عشنا الكساء في أبعاده الخمسة (محمدٌ عليٌ فاطمةٌ حسنٌ حسينٌ) إذا أردت أن تقرأ الصورة مصغّرة للكساء اليماني فدونك زينب فلا توجد مرآة كاشفة عن حقيقة ما تحت الكساء إلا زينب سلام الله عليها بنت محمد وآل محمد
تعدد ادوارها
الجهة الثانية تعدد الأدوار التي نهضت بها هذه السيدة الجليلة العظيمة المعصومة الصغرى العالمة الغير معلّمة إلا من خلال الوحي بالواسطة هي تقول: قال الإمام الحسين وهو المعصوم، وتقول: قال الإمام الحسن وهو المعصوم، وتقول قالت أمي الزهراء وهي المعصومة وتقول سمعتُ من أبي ومن جدّي محمد (ص) وإذا كان الحال هذا فما عسى أن تقرأ من جانب وجوانب حياتها إلا وهو ينبض بالجلال والعظمة.
المدينة بيت النبوة وكفى وانقطع الخطاب، الكوفة بيت الإمامة أيضاً وانقطع الخطاب؛ لأننا ما عسى ان نستفهم وراء محمد وعلي وما عسانا ان نستنطق وراء ما أحدثه محمد وعلي زينب سلام الله عليها في كوفة أهل البيت هذا مناخها كربلاء حركة وجهاد يكفي ان زينب شاطرت أخاها مشروعه الرسالي ولا توجد امرأة شاطرت الحسين عليه السلام مشروعه إلا زينب بنت النبي (ص) وعلي. أما دمشق، دمشق هي ساحة الجهاد الكبرى التي تحركت زينب سلام الله عليها لتبرز ما أرادت الدولة الأموية أن تطمس معالمه وان تصادر هويته وان تذهب بواقعة الطف ادراج الرياح وصدقوني لو أن القدر وقف حاجزاً دون زينب والوصول الى دمشق الشام عاصمة الأمويين لما استطعنا ان نعيش الحسين فكراً وما استطعنا ان نعيش الحسين جهاداً وما استطعنا ان نعيش الحسين عليه السلام أبياً وما استطعنا ان نعيش الإمام الحسين حالة خاصة من حالات الإصلاح في وسط الأمة، زينب سلام الله عليها صاحبة الخدر كما يقول يحيى المازني جاورت علي عليه السلام خمساً وعشرين سنة والله ما رأيت لزينب شخصاً ولا سمعت لها صوتاً[6] منتهى العفة والجلال لكنها عندما حانت ساعة الصفر وألقى التكليف الشرعي بواجبه على عاتقها نهضت ووقفت أمام طاغية من طواغيت الأرض لا يماثل ولا يناظر كيف لا وهو الذي ولغت يداه في صدر الشهيد بكربلاء، زينب سلام الله عليها تقول له: فكد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا[7] أسعى سعيك ناصب جهدك، ما تستطيع ان تقوم به، ما يمكنك ان تجنده للهدف والغرض التي أنت تريده ان يتحقق؛ فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، الوحي بقي لان زينب أدلت بما أدلت به الإمامة ثبتت واستقرت؛ لأن زينب كانت الأمينة على الراية التي خلّفها الإمام الحسين وراءه في كربلاء انتزعتها، رفرفت الراية في يد زينب على رأس زينب الحوراء الراية كانت معقودة من كربلاء إلى الكوفة ثم الشام الى المدينة من الابتداء إلى الانتهاء.
ابتدأنا بزينب ونختم بزينب سلام الله عليها بالنسبة لأخواتنا وبناتنا وأمهاتنا في هذا اليوم نقول: أيتها الأخوات الطيبات المؤمنات الطاهرات التقيات النقيات بفضل انتمائكم لمحمد وعلي، زينب تدعوكم، زينب تناديكم، زينب ترغب في ان تحتضنكنّ، زينب تمُد أيديها من عالم الغيب الخاص بها إلى عالم الشهود الخاص بكنّ تقول: أنا زينب التي كنت قبل أربعة عشر قرن من الزمن فهل لي في كنّ من تمثلُني في عالم الوجود هذا اليوم عفةً شرفاً كرامة إباءاً صدقاً إخلاصاً ثم تربيةً للنشء.
نسأل من الله سبحانه وتعالى أن يكون الأمر كذلك واختم حديثي بهذه الابيات رغبة في أمر فأقول: