نص كلمة سماحته بالحليلة: عيني البصيرة تعين على إدراك المغيبات
وقفة قصيرة حول؛ المحسوسات والمغيبات
الظاهر من الشيء يقابله الغيب كلما وقعت عليه حواسنا فهو ظاهر، ما تبصره العين كقالب مادي فهو الظاهر، ما نحسه بأيدينا، ما نلمسه بأيدينا، ما نتذوقه بألسنتنا، ما نسمعه بآذاننا هي عبارة عن حكاية عالم الظاهر التجسد في الخارج ولا إشكال أن له قيمته في حياة الإنسان لذلك الله سبحانه وتعالى امتن على الانسان بهذه النعم الحواس الخمس التي يتعامل من خلالها مع هذه الممكنات الحوادث الأشياء المتجسدة في عالم الخارج وبقدر ما تكون هذه سليمة بقدر ما يتحسس الشيء من خلال الشيء يعني بما هو هو بما له من حيثيات وتبعاً لذلك يؤثر على سلوك الإنسان في حيات الإنسان تقدماً وتأخراً تخلفاً تتطورا وهذه حقيقة لا ينكرها عاقلٌ أما عالم الغيب الأمور المغيبة عنا الأشياء التي لا تطالها واحدة من هذه الحواس الخمس وهي من الكثرة بمكان ولكن يقدم الأهم فيها على المهم منها وكلها مهمة لكن شيء يتصف بما هو الأهم يعني فوق درجة المهم وهذا كثير منها؛ حقيقة الذات الواجبة الوجود لنفسها بنفسها ذات المطلق ذات الله سبحانه وتعالى هذه الذات لا تدركها بما هي هي واحدة من هذه الحواس فلا يدنا تقع على ذاته المقدسة، تعالى عن ذلك علواً كبيراً ولا أبصارنا ولا أسماعنا ولا... وإنما هي آثارٌ نتتبعها فنصل من خلالها إلى ما يؤمّن لنا حالة من الإيمان وهذه الحالة عبارة عن قوة تدفع إلى التسليم هذه القوة تشتدّ وتضعف عند الناس هنالك من إيمانه قوي ثابت مستقر لا تزعزعه التساؤلات ولا التشكيكات ولا الاعتراضات وإنما يسير معها سير الدليل حيث ينتهي به ويقف على نهايته وثمة أشخاص يحملون إيماناً، قوة إيمانية أما ليست من القوة كالتي يتمتع بها زيدٌ من الناس لذلك يأتي ثم الأمثل فالأمثل قدر ما يحضا من القوة الإيمانية المتماسكة علماء اللاهوت في مسيرتهم منذ القرون ما قبل الميلاد وهم يسعون في سبيل استكشاف هذه القوة التي لا تدركها هذه النعم التي أفاضها الله على الإنسان.
الانبياء والاولياء هم الادلاء على الله
الأنبياء والرُسل أخذوا بيد الإنسان ورسموا له مجموعة من المناهج والطرق التي متى ما سلكها الانسان وصل إلى نتيجة تفيد وضعاً إيمانياً يخلصه من غائلة ما هو المحذور ويدخله في دائرة ما هو المأمول، النبي الأعظم (ص) عشر سنوات في مكة مع من وقف إلى جانبه، مع من وقف في قبالته كان ينهج الدليل في إثبات الصانع واجب الوجود جلت قدرته لذلك نلحظ وبنظرة سريعة إلى الآيات التي نزلت في مكة والسور التي شكلت لها مكة ظرفاً مكانياً تركز على هذا الجانب؛ يعني تأصيل الإيمان بغية استقراره في نفوس المسلمين ناهيك عمن أراد الإسلام أن يوسّع الدائرة فيهم، منهم من أدركته الرحمة ولو بعد الفتح بعد أن تلوثت يداه بدماء المسلمين في أكثر من معركة واكتسب وثيقة من الدرجة الثانية اذهبوا فانتم الطلقاء[3] يعني إيمان تم بالمقايضة لا ذلك الإيمان المستقر في مثل نفس؛ عمار، سلمان او المقداد ناهيك أن تسأل عن علي وآل علي فهؤلاء لهم حسابهم، ثم هنالك مظاهر أيضا أخرى منها مثلا مظاهر الموت أو الروح قبل الموت ﴿يَسـئَلونَكَ عَنِ الرّوحِ﴾[4] الروح كقوة تحرك جميع هذه الحواس المدركة ندرك الحواس ولكن لا ندرك الروح، الآثار الدالة على الله سبحانه وتعالى أكثر من أنفاس البشر كما في بعض الروايات[5] أصلاً نفس البشر دلالة على وجود الموجد أو الواجب؛ سبحان من دل على ذاته بذاته[6] من أكبر الآيات التي امتن الله سبحانه وتعالى عليها بشرف الوجود هي ذات النبي الأعظم محمد وآل محمد (ص) وهي تمثل أقصر الطرق، أسهل الطرق، أوثق الطرق في إثبات الصانع؛ لأنها الأكمل واذا ما اردنا أن نستكشف عالم ما هو الأكمل فالذي يقربنا من الكمال هم أهل الكمال ولا كمال بالمطلق النسبي بطبيعة الحال إلا ما اختزن في هذه الذوات المعدودة المخصوصة لا تزاد ذاتاً ولا تنقص ذاتاً زيادتها نقيصتها خروج عن دائرة الإيمان ﴿قُل لَم تُؤمِنوا و لـٰكِن قولوا اَسلَمنا﴾[7] وهذا تنبسط على الجميع الروح أيضا هذه التي نتحرك على أساس من معطيات القوة مركزة فيها وتدفعنا باتجاه هنا أو باتجاه هناك ﴿و ما اُبَرِّءُ نَفسِى اِنَّ النَّفسَ لاَمّارَةٌ بِالسّوءِ اِلّا ما رَحِمَ رَبّى﴾[8] هذه الروح أيضاً رغم إننا نتلبس بها أو هي تلبسنا كقالب مادي حدي إلا إننا لا ندركها؛ لأننا لا نستطيع أن نمسك بها سرٌ من الأسرار هي ضرب من ضروب العلم الإلهي الخاص أما بالنتيجة لا يستطيع أحد ان ينفي الروح ويقول بان الروح غير موجودة، الروح غير موجودة في جسد الميت والبدن الممدد، أما البدن الذي يستطيع أن يقدر ويبسط، ان يمد وأن يقصر وما إلى ذلك فهذه ثمة قوة وإلا فالميت يداه مبسوطتان، عيناه مفتوحتان، أذناه ربما تكون أكثر اتساعاً، وربما يموت وهو فاقر لفمه ولكن لا يتكلم، لا يسمع، لا يبصر، لا يبطش، لا يتقدم ولا يتأخر إذاً هنالك قوة أقوى من هذه الاشياء نحسها من خلال الآثار، لكن نحن لا ندركها ولا نستشعرها بما هي هي.
حقيقة عالم الموت
العوالم كثيرة احد هذه العوالم هو عالم الموت وقد جاء في دعاء الصباح: وقهر عباده بالموت والفناء، لا يوجد أحد يرغب في الموت ولا ترى أحد يقول لك: انا أتمنى الموت حقيقة واذا ما ادعى احد ذلك، فقل له: اعرض نفسك على اقرب مصحة عقلية. القرآن الكريم هو الذي يقول: ﴿و لا يَتَمَنَّونَهُ اَبَدًا بِما قَدَّمَت اَيديهِم﴾[9] لا يتمنى الموت لا الحي الكبير ولا الحي الصغير ولا المريض ولا السليم ولا الغني ولا الفقير ولا الحاكم ولا المحكوم حتى المحكوم بالإعدام لا يتمناه بل يأمل ان يشمله عفو ملكي او عفو جمهوري كي ينجو من الموت. لكن ما هو الموت؟ الموت عالم آخر، يسأل الانسان عما قام به في الحياة الدنيا:
كيف كانت حياتك في هذه الدنيا، علاقتك مع الناس، محبتك مع الناس، إخلاصك للناس، دفاعك عن الناس، اضاءتك الطريق للناس، التخلي عن حقك من اجل الناس هذا شيء مهم، عالم البرزخ أيضاً عالم مجهول لا ندري ما هي حقيقة البرزخ وما هو الموت هل هو حلو، مرّ، صعب، بسيط أما بالنتيجة انني سوف انتقل اليه كيف هو لا ادري يقولون لنا بان هناك سوف يكون سؤال و جواب ويأتي منكرا ونكيرا لكن لا ندرك حقيقة هذا الشيء سوى ان ذلك المكان سوف يكون أما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، لكن ما هو العالم الذي يعيشه زيد من الناس والذي رحل عن هذه الدنيا؟ لا ندري ليس بإمكاننا ان نقول بان فلان منعم واذا كان منعم باي شيء منعم ولم منعم كذلك بالنسبة للطرف الآخر لا نستطيع ان نقول فلان معاقب او غير معاقب فذلك العالم يختلف عن عالمنا هذا، لكن لابد لنا من التسليم له؛ لان الدليل النقلي عليه والدليل العقلي يساعد عليه ولا يأباه الدليل العقلي. ربما نتعرض في الليالي القادمة لشطر من هذه الجانب إذن ما هو الذي يؤمن لنا أدراك هذه الأمور؟ حتى القيامة لا يوجد أحد يدرك حقيقة الجنة وما فيها؟ هناك الحور العين لكن ما هي حقيقة حور العين؟ فيها الخمر لكن ما المقصود من الخمر وما حقيقته؟ فيها القصور لكن ما هي حقيقة تلك القصور؟ لا ندري، فيها النار لكن ما هي حقيقة النار، لا ندري؛ لان هذه عوالم تختلف، والناس بحسب مقاماتهم وتميزهم الدنيوي سوف ينعكس عليهم هذا التميز في الآخرة فبقدر ما يكون الإنسان صادق مع ربه، صادق مع نفسه، صادق مع معتقده، صادق مع الأمة من حوله بقدر ما يتحقق ذلك الشيء امام ناظريه في عالم الآخرة، وهذا له مراتب، لذلك قد يقال ان فلان قد خسر خسرانا مبينا، فليس بالضرورة ان يكون المقصود أنه خسر الحور العين لا قد يحصل على الحور في الجنة، ولكن اذا ما اراد ان يقابل الامام الكاظم عليه السلام فسوف يقال له لا انك لا تستطيع ان ترى الامام عليه السلام لان زادك لا يوصلك الى هذه المرتبة فهذا هو الخسران المبين. يقول انا أنا عشت مع الإمام علي عليه السلام وأحببته، دعوني انظر الى الامام فيقال له لا يمكن لك ذلك لان زادك قليل و ما يؤمن لك الوصول اليه.
انا لا اريد ان آئسكم إنشاء الله الشفاعة والرحمة و... موجودة لكن بالنتيجة ذاك العالم له خصائصه، وخاسر الصفقة يوم القيامة هو الذي لا يشرف بالنظر الى وجه محمد وآل محمد (ص) وإن حصل له متاع الآخرة؛ حور العين وغيره لكن الفائز هو الشخص الذي عندما يقولون له في أي المربع انت يقول أنا في مربع علي، وفي مربع الزهراء، وفي مربع العسكري، وفي مربع المهدي، وهكذا كوكبة الإمامة هذا الفوز الحقيقي، وهل ان هذا الامر بأيدينا ام لا؟ الجواب نعم، قطعاً مشروعه بأيدينا فتفعيل آليات هذا المشروع او عدم تفعيل آلياته يرجع الينا. نسأل الله سبحان الإيمان والتسليم والطاعة والتطبيق والإخلاص في العمل وان يحشرنا مع محمد وآل محمد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته