نص كلمة سماحته بالحليلة: شذرات من حياة الإمام الكاظم عليه السلام
مر علينا وعليكم ذكرى شهادة الإمام المظلوم المسموم الكاظم من آل محمد صلوات الله وسلامه عليه والإمام الكاظم عليه السلام مظهر للكثير من الكمالات رغم ان هذا الإمام صُب عليه من الأذى الشيء الكثير من قبل حكام الزمن الذي عاش فيه. العباسيون لم يكونوا اقل سوءاً من الأمويين ان لم يكونوا قد تجاوزوهم سوءاً إلى مسافات بعيدة جداً وهذا لا يقلل من الدور الظالم الذي مارسه الأمويون والمروانيون ضد أهل بيت محمد (ص) لكن أيضا من غير الصحيح ان نقلل عن ذلكم الدور البشع الذي مارسته الدولة العباسية ومما يعطي المشهد انطباعاً سيئاً أكثر فاكثر، لان العباسيون يشتركون مع أهل بيت النبوة في النسب القريب، رغم ذلك لم تردع تلك الحالة من القربى بينهم في ان يقفوا عن حد في التعاطي مع المعصومين، لو وضعنا ايدينا على مفاصل التاريخ التي عاشها الأئمة عليهم الصلاة والسلام نجد ان الإمام الكاظم عليه السلام عاش في واحدة من اشد الفترات تعقيداً، والاسباب والدواعي التي تقف وراء ذلك كثيرة جدا.
انواع الحراك العلمي والفكري في زمن الامام الصادق عليه السلام
1. نشوء المذاهب
من احد الاسباب المهمة هو ان الحراك العلمي والفكري في زمن الإمام الصادق عليه السلام بلغ أوجه والمذاهب الأخرى باتت تثبت لأنفسها مواطئ قدم والسلطة العباسية كانت تتبنى المذاهب الناشئة على حساب المذهب الجعفري، كلنا يعلم أن أئمة المذاهب في الطرف الآخر هم اما تلاميذة الامام الصادق عليه السلام بالمباشرة يعني سمعوا منه الحديث، ورووا عنه، او بالواسطة اي تتلمذ احدهم على يد احد من تلامذة الامام الصادق ويصح ان نقول بان الامام الصادق عليه السلام هو امام المذاهب الأخرى - طبعا المذاهب الفقهية - وانا اتكلم عن المدارس الاربعة (الحنفية، الشافعية، الحنبلية والمالكية) هذه المذاهب الاربعة كلها عاشت قريبة من مدرسة اهل البيت عليهم السلام خصوصا الامام الصادق عليه السلام ان في المباشرة ام بالواسطة.
2. دخول الفكر اليوناني
ايضا هنالك لونٌ آخر من الوان الحراك وهو دخول الفكر اليوناني المفلسف الى الثقافة الاسلامية جراء ما قام به الأمويون والمروانيون من تقريب لاتباع المدرسة المسيحية والديانة المسيحية وهؤلاء نقلوا افكارهم وكانت تشبّع بالنصوص الدينية من خلال التوراة والانجيل، طبعا تمت رعايتهم، قربوا حتى الى البلاط الحكومي وصلوا بعضهم الى مقام الاستشارة في داخل البلاط الأموي ومن الطبيعي ان يكون المستشار في البلاط ذات حضوة ولا ينتقى الا بناءا على مجموعة من العناصر التي تتواجد فيه ولا تتواجد في غيره، إن في سعة الافق، او في الثقافة الواسعة، او في حركة الفكر الموجودة، بالنتيجة هو يحمل مشروع. وقد نقلت كتب من اليونانية الى الاسلام الذي كان لا يزال غض طري في القرن الثاني ولم تستحكم فيه الامور الا بفضل الدفع الذي قام به الامام الصادق عليه السلام ومن قبله الامام الباقر. كان هؤلاء ولنصطلح عليهم المثقفون الجُدد في تلك المرحلة يتناقلون مجموعة من هذه النصوص ومجموعة من التنظيرات التي تدعم مثل هذه الافكار، الامام الباقر والصادق عليهما السلام كانا يتحركان في مسارٌ طوليٌ واحد والى جانبهم روافد، هي عبارة عن قامات مجموعة من اصحابهم عليهم الرحمة الذين صنعوهم على اعينهم وكانوا يتمايزون ايضا فيما بينهم لذلك الامام ينعت احدهم بقوله: يحلق وينقض بينما الآخر ينقض ولا يحلّق[2]، فبالنتيجة كان هناك تفاوت موجود بين الاصحاب، في اواخر زمن الامام الصادق عليه السلام الدولة الاموية التفتت الى ان هذا المسار المحمدي العلوي الفاطمي اذا ما استمر في وسط الامة، فان مجموعة من مصالحهم سوف تذهب ادراج الرياح او على الاقل تدخل دائرة النزاعات في طابعها العسكري لذلك باتوا يضغطون على الامام الصادق عليه السلام، ولاكثر من مرة استدعي الامام الصادق الى البلاط وقد قدمت له مجموعة من صور الإيذاء، يعني يكفي ان يدخل الامام الصادق عليه السلام ويأمر الخليفة العباسي الحارس - عبارة صعبة لكن هذا التاريخ - ان يقدم الامام الصادق عليه السلام الى مقربة منه وهو ممسك بلحية الامام الكريمة!!
الفتن والمعاناة فی مدرسة اهل البیت علیهم السلام
لا يتصور احد منكم ان مذهب اهل البيت وصل الينا في طريق معبّد محفوف بالورود! ابداً ما كان هذا، بل كانت الالغام مزروعة فيما دون موطأ القدم الواحدة كان المسير حذر، أثيرت في الوسط الإمامي إمامة اسماعيل ابن الامام الصادق ودفعت ضرائب باهظة من قبل المسلمين، ومذهب الاسماعيلية الى اليوم له اتباعه وانصاره واعوانه والدولة الفاطمية التي اقيمت بالنتيجة كانت اسماعيلية، لكن اين ذهبت الامور كان هذا على حساب مدرسة أهل البيت رغم ان الامام الصادق عليه السلام كان قد نبّه على خطورة الموقف واشهد الجميع على ان ابنه اسماعيل قد توفي في حياته ولا يكون الامام بهذه الكيفية يخرج من هذه الدنيا، لكن قسّموا الصف مرة ثانية بحجة ان عبدالله الافطح الابن الاكبر للامام الصادق هو غير مؤهل، فانحدرت ايضا جماعة في هذا الاتجاه. بقيت معنا قضية الامام الكاظم عليه السلام وهو الكوكب السابع من كوكب الامامة المحمدية، الامام الكاظم عليه السلام ايضا السلطة العباسية كانت تراقبه مراقبة شديدة جداً، لان السلطة كانت تراقب وبشدة المولود الذي سيولد للامام الصادق والذي يحمل صفات الكمال والذي يتوخى ان تكون الوصية فيه. الامام الصادق لم يوصي لابنه اسماعيل الذي مات في حياته ولم يوصي لعبدالله الافطح لعلة في جسده، ثم بقي الامام الكاظم عليه السلام فروقب مراقبة شديدة، بيت الامام الصادق عليه السلام كان مراقبا مراقبة شديدة فيما يتعلق بشأن الامام الذي سيخلف الامام ولمن تكون الوصية له من بعده. الامام الكاظم عليه السلام شبّ ودرج وكان الامام الصادق عليه السلام يحوطه برعايته في الكثير من الامور.
الامام الصادق عليه السلام جعل الوصية في خمسة ولم يجعلها في الامام الكاظم عليه السلام بل سحبها منه، يعني سحب الامام الكاظم من الخمسة، کی یبعد الانظار عنه، الا انه نص عليه من خلال التنصيص بالنصوص الخاصة والتصريح عند اصحابه من قبيل؛ ان هذا هو الامام، اذا كان لديك فسل منه سيجیبك ومن قبیل هذه الامور... كانت محافظة على الامام شديدة لصيقة لعلم الامام الصادق بما تنويه الدولة العباسية من حدث تريد ان تحدثه في جسم مدرسة أهل البيت عليه السلام، استشهد الامام الصادق عليه السلام مظلوماً، اصبح الامام الكاظم عليه السلام اماما.
سمات الامام الكاظم علیه السلام
الامام الكاظم عليه السلام من ابرز السمات التي يتمتع بها كظ الغيظ وهذه السمة اليوم لو كانت موجودة في اوساط الامة لهانت الكثير من المشاكل والقضايا لكن لا الاب يكظم الغيظ مع اولاده وزوجته، ولا الزوجة تكظم غيظها معه، ولا العامل مع من يرأسه ولا ... كل الدنيا محمومة والكل یدعي ويقول انا محب للامام الكاظم عليه السلام! حسنا! لکن کظم الغیظ صفة الامام الكاظم عليه السلام نحن کمحبین کیف نتعاطاها؟ الامام الکاظم علیه السلام أربعة عشر عام سجن، من سجن إلى سجن اقل الروايات تقول سبع سنوات وهذا لیس بالامر البسیط إمام يُحجب عن الأمة من سبع إلى أربعة عشر سنة يعني الشيء الكثير. خير من يقدم لنا الإمام الكاظم عليه السلام الإمام المعصوم حیث يقول إمامنا الرضا عليه السلام كما جاء في کتاب عيون اخبار الإمام الرضا علیه السلام قال الصادق عليه السلام عن ابنه الإمام السابع موسى عليه السلام: «... وفيه العلم والحكم والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم وفيه حسن الخلق وحسن الجوار وهو باب من أبواب الله تعالى عز وجل»[3] العلم صفة جداً كبيرة وسامية في تلك الفترة، العلم له قيمة، العلم المادي ما حُرك كما ينبغي رغم ان الامام الصادق زرع بذرته في الكيمياء والفيزياء والجبر وأعطى الكثير من الأرقام، لكنها لم تحتضن ولم تطور! لعل السائل يسأل لماذا؟ الجواب لان الدولة العباسية التفت الی ان الحراك العلمي في الجانب العملي یعنی الذی یکون خارج دائرة التنظير ربما سيوجد انقلاباً واقعياً في داخل الأمة فعمدوا إلى الهاء الأمة فيما لا يعنيها ألا وهي فتنة خلق القرآن، أحدثوا علم اسموه علم الكلام فصاروا يتحدثون؛ هل ان القرآن قديم أو حادث، تعصبت جماعة حتى وقع السيف بينهم وصُبغ ماءُ دجلة! الیوم يتصور البعض ان المشاهدة الارهابية والدمویة التی نشاهدها هی وليدة ساعة او موقف او شخص، ابداً! تاريخ المسلمين هو هذا! الاسلام يدعوهم الى الرحمة، الى المحبة الى السلام، الى إعمار الارض، الا ان البعض منهم تمسكوا بحجة الجهاد الغير المبرر الذي صار تدفع ضريبته اليوم النساء والاطفال، هذا فی السابق کان موجوداً ایضاً، والفهم والسخاء، الفهم شيء جيّد لابد للفرد المؤمن ان یكون لدیه فهم ومعلومات قد یکون عنده ثقافة لكن فهمه محدود، هذا أثره سیصبح محدود، والسخاء أهل البيت عرف عنهم أنهم يعطون ما يدفعونه بحيث يقال فی النص التاریخی هكذا: عجبت لمن يشكوا فقره وصرار موسى بن جعفر تصل إليه[4] کیف يقول هذا الشخص انا فقير مادام الإمام الكاظم يرفد بيته وکیف يصير فقيرا مادام اخذ من الامام. والمعرفة فيما يحتاج اليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم الخلاف کان فی ذلك اليوم موجود، و الیوم الخلاف موجود ایضا على كافة الاصعدة بين الاديان الخلاف موجود، بين المذاهب الخلاف موجود، في وسط المذهب الواحد ايضاً الخلاف موجود، سواءً كان على مستوى الفتوى او كان على مستوى التوجیه، او کان علی مستوى المعاملة، بالنتيجة الخلاف في داخل المذهب الواحد ايضا موجود، وفيه حسن الخُلُق وحسن الجوار هذه الامور مهمة جدا لکن الوقت ما يخدمنا لکن هذه هی عناصر الكمال وصفات في منتهى الرفعة ونحن الیوم بمسيس الحاجة لها وهو باب من أبواب الله تعالى عز وجل نحن بحاجة الی الامام سواءً كان الامام موجوداً وهنيئاً لمن عاش الامام في ادوار وجوده الخارجي، او كان الامام قد توفاه الله اليه، لكن نحن اتباع مدرسة نعتقد ان غياب الامام وموته بالنسبة لنا لا يقدم ولا يؤخر شیئاً بحساب من يرى ان الانسان اذا مات لا اثر له! بل نحن نعتقد ان الامام حتى بعد موته مؤثرٌ في ذرات الكون من حوله هذه عقيدتنا، ولا نساوم عليها ولا نتنازل عنها، نعتقد فيهم انهم الابواب کما ذکرنا فی الحديث الشريف وهو باب من أبواب الله تعالى عز وجل نعتقد فيهم انهم ابواب؛ سواء کانوا احياء ام اموات يسمعون الكلام ويردون السلام ويقضون الحوائج، وذلک بما أفاض الله سبحانه وتعالى عليهم من الكرامة، هذا شيء لیس من عندنا هذا القرآن يدلل عليه وکذلک السنّة تدلل عليه، واما التجربة فهي ايضاً خير برهان ودلیل فكم منا من مكروب فُرج الكرب عنه بفضل واحد من هذه الأنوار المحمدية نسأل من الله سبحان وتعالى ان ينفعنا وإياكم بأنوار أهل البيت علیهم السلام، وان يجعلنا من الثابتين المستقرين حباً وولاءً لهم عليهم الصلاة والسلام، ان يجعلهم الشفعاء فينا وان يقبل شفاعتهم فينا، انه ولي ذلك، نسأل من الله سبحانه وتعالى ان لا يخرجنا من الدنيا الا على ولاية محمد وآل محمد، فهذا اغلی شيء نخرج فيه من هذه الدنيا ای نخرج من الدنیا على الولاء، غفر الله لنا ولكم، والسلام علکیم ورحمة الله وبرکاته.