نص كلمة سماحته بالحليلة: الزهراء عليها السلام أنموذج المرأة الكاملة

نص كلمة سماحته بالحليلة: الزهراء عليها السلام أنموذج المرأة الكاملة

عدد الزوار: 643

2014-04-06

 قضية المرأة، والادوار التي مرت بها

تعتبر ذكرى شهادة الزهراء (سلام الله عليها) واحدة من أهم المواد المذهبية التي ينبغي ان تستغل كما هو المفترض والمبتغى من وراءها في تفعيل جانب وركيزة من ركائز المجتمع هي في طابعها العام معطلة خلى بعض الشذرات الثابتة هنا وهناك ألا وهي المرأة، المرأة الانسانة التي مرّت بادوار كثبرة عبر التاريخ البشري، توقفت في محطات وتقدمت في محطات أخرى، أيضا البشرية تعاملت مع هذا الكائن اللطيف بأكثر من لون ولون حتى ان المرأة عند البربر كانت تسمن من أجل ان تذبح وتقدم للضيف، في بعض الأمم وفي الأزمنة السابقة في روما مثلا كن النساء يجمعنا ويطعمنا كأحسن ما ينبغي من اجل جزَ شعورهن على رأس الموسم! وبعضهم استغل النساء في جانب البغاء، وبعضهم استغل النساء إلى ألوان وأطوار عاملة كانت تعمل من طلوع الشمس حتى غروب الشمس من اجل ان تحصل على لقمة تقوَم بها أودها وتحافظ على حياتها، والمرأة عند العرب لم تكن أحسن حال كانت توأد ﴿و اِذَا المَوءودَةُ سُـئِلَت ٭ بِاَى ذَنبٍ قُتِلَت[iii] مع وجود تفاسير كثيرة لهذه الآيات لكن واحد من مصاديقها بل وربما من أقربها هو بيان وسرد للواقع الذي كانت تعيشه المرأة في الجاهلية قبل الاسلام حتى ان بعض الخلفاء الذين تقدموا كان يجلس مع نفسه ويبكي احيانا ويستغرق في الضحك كثيرا ويحاول ان يوجد موازنة بين الامرين وحينما كان يسأل كان يقول: كنت اتذكر ما كنت عليه من وأد البنات يقول حتى ان ذات يوم رزقت طفلة واردت ان أضعها في البئر والقي عليها التراب لأطمرها، فامسكت الطفلة ونفضت التراب عن لحيتي يقول فتراجعت لكني تذكرت انها تسود الوجه يقول فألقيتها في البئر واتبعتها بالحجر.[iv]

 الاسلام يقدم نماذج لمقام المرأة:

كانت المرأة بهذه الصورة جاء الاسلام ونقل المرأة من هذا المحور الى ذلك المحور المتقدم وهو محور الجلال، الكرامة، العظمة، العلم، النورانية الخدمة بالتوازن، الصبر والاستقامة، التربية وهي بيت القصد، بطبيعة الحال حتى يثبت هذا الامر الجديد في ذهنية الأمه لابد وان تقدم نماذج يصدق عليها:

 ولو كن النساء كمثل هذا [كمن فقدنا] لفضلت النساء علي الرجالي[v]

واذا فتشنا عن هذه المصاديق الجلية فسوف لا نجدها الا في بيت محمد (ص)، النبي (ص) تزوج الكثير من النساء من مات عنهن تسع، وتزوج اكثر من ذلك، هذه النسوة يختلفن في مراتبهنّ حيث كان فيهن الكمّل؛ لأن نساء النبي وكما هو معلوم لسن طبقة واحدة إذ يختلفن من حيث الإيمان والالتزام والطاعة والاستقامة؛ حال حياه النبي وبعد وفاته.

السيدة خديجة عليها السلام؛ انموذجاً

 هناك مطلب مهم وحالة ملفتة للباحث والمتتبع في سيرة النبي الاعظم (ص) وهي ان السيدة ام المؤمنين خديجه عليها السلام هي المرأة التي لم تشرك بمرأة ثانية رغم انها حضيت بفترة أساسية في عمر النبي، شباب النبي، فتوة النبي، الحالة الجديدة في واقع الأمه بفضل النبي المرسل، خديجة متقدمة على نساء عصرنا بمن؟ بما هو منسجم مع واقع المرأة، معلوم أن خديجة هي التي خطبت النبي لنفسها، النبي اعلن النبوة بعد ان اقترن بخديجة ولو كانت النبوة قبل الاقتران بخديجه الأمور قد تكون سهلة لكن بعدما اقترن بخديجة حصلت النبوة الظاهرة فهذا يدلل على ماذا؟ يدلل على عظمة هذه المرأة، على قراءتها الصحيحة، على انها قرأت ولو لم تكن قد قرأت لما استطاعت ان تستنبط وتستقرئ ما وراء الطبيعة ـ أي عالم الغيب ـ وما يعنيه هذا الرجل العظيم، فتتبعت شخصية النبي (ص) ووجدت انه لا كفؤ لها بين العرب الا هذا الرجل، ايضا هي «الملكة غير المزوجة» كما يعبر عنها وصاحبة اكبر خزانة مالية في جزيرة العرب ويفترض ان تخطب ومعروف ان البيوتات الثرية يكثر خطابها؛ بينما السيدة خديجة هي التي تخطب وتخطب من؟ ﴿و وَجَدَكَ عائِلاً فَاَغنىٰ[vi] يعني الرسول (ص) ما كان غنياً وقت الخطبة، بل وحتى بعد الخطبة، المال كان لخديجة، والنبي كان يتصرف بالمصالح العامة يعني لم يختص بثروتها، رغم انه كان الوارث الوحيد لها، ما الذي ورث من خديجة؟ فترة الحصار أجهزت على أموال خديجه، لان المال الذي يؤخذ منه ولا يوضع مكانه إلى النقيصة أقرب، فهذه الإنسانة العظيمة يقدمها النبي انموذج للمرأة التي يريد لها امثلة كثيره ومتكثرة في واقع الأمة. الأمين جبرئيل يهبط على قلب النبي ويقول له: السلام يقرئك السلام ويقول لك اقرئ خديجة عنا السلام[vii] أي عظمة هذه!؟ متى يصل الانسان الى هذا الموقع؟

الزهراء عليها السلام أنموذج المرأة الكاملة

 الزهراء كذلك بل أكثر من ذلك الزهراء شرّفن بها نساء العالمين من الماضين ويشرّفن بها من يأتين من الآتين هذه الزهراء (سلام الله عليها) والتي نعيش موسمها الثقافي الكبير لنسأل من أنفسنا كيف نقدم هذه المرأة لمجتمعاتنا ولبناتنا؟ لو كانت الزهراء قد قُدّمت لنساء الأمة وبناتها كما ينبغي لما آل الوضع إلى ما نحن فيه اليوم، اصبحت رغبة المرأة في السوق أكثر من رغبتها في مجالس الذكر، ورغبتها في الشوارع والطرقات أطيب لنفسها من الجلوس في بيوت الله والتردد عليها! وعلى هذه فقس ما سواها.. فما هو السبب؟ السبب يكمن في أننا إلى الآن لم نقدّم الزهراء كما ينبغي، نعم نحن نقدم جانباً واحدا ألا وهو المشهد المأساوي، ولا يختلف احد على ماساة الزهراء وضرورة التركيز على هذا الجانب لكن ما وراء المأساة أمر مهم وما قبله ايضا امر مهم، لماذا حصل ما حصل من الإجهاز على الزهراء (سلام الله عليها)، من تغييب الزهراء عن الدنيا في هذا المشهد المأساوي تغييب للأنموذج الأكمل للمرأة، تصوروا! الزهراء استشهدت في الربيع الثامن عشر من عمرها الشريف وكل عمر الزهراء لا يتجاوز ثمانية عشر سنة ماذا لو كتب لها البقاء إلى ستين سنة؟ وما عسى ان تكون؟ ماذا وراء كل هذا الميراث الضخم؟ النبي (ص) عندما يقول: ما أوذي نبي قط مثلما أوذيت[viii] يشير إلى هذا المعنى إلى ان الانبياء أوذوا كثيراً في حياتهم لكن بعد مماتهم تنتهي أذيتهم، إلا ان اذية النبي (ص) كانت في حياته وبعد مماته أيضاً، بل أذيته بعد وفاته كانت اشد وامر وافضع واخطر من أيام حياته، في أيام حياته، حاربوه فحاربهم، ارادوا ان يكسروه فكسرهم لكن بعد وفاته... تصل الامور بالزهراء بحيث تقول يا علي ولا يجيب... ثم تقول يا فضة اليك فاخذيني والا صدرك فأسنديني فوالله قد اسقطوا محسناً...[ix]

نحن الى الان الفن التشكيلي لم يخدم الزهراء في قضيتها لماذا؟ فن التصوير الضوئي الى اليوم لم يخدم الزهراء كما ينبغي لماذا؟ فن الخط لم يقدم الزهراء كما ينبغي لماذا؟ الشعر محصور في زاوية وفي قالب العزاء والمصيبة حال أن اشراقات الزهراء اكثر بكثير من هذا الجانب، موروث الزهراء، صحيفتها، تهجدها في الاسحار تقدّمه لنا روايات اهل البيت عليهم السلام ولو التزمت به المرأة المسلمة وسارت على هديه ونهجه لرشدت وكملت. يوم القيامة يأتي النبي يباهي بهذه الأمة، لكن بأي شيء يباهي بالامة؟ هل بسياراتها الفارهة والحديثة؟ ام ببيوتها الكبيرة؟ ام بملابسها الأنيقة؟ ام بموائدها الطويلة العريضة؟ بل يباهي بسلوكها، في آدابها، في علمها، اخلاقها، عباداتها، بتواددها، بتراحمها، بمحبتها، بصدقها، باخلاصها. الزهراء (سلام الله عليها) تدعوننا في مهرجانها كي نقترب منها، ان نعيشها كما ينبغي. وفقنا الله واياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.