نص كلمة: دور السيدة زينب في نهضة الإمام الحسين عليهما السلام

نص كلمة: دور السيدة زينب في نهضة الإمام الحسين عليهما السلام

عدد الزوار: 1317

2016-11-09

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على اشرف أنبيائه ورسله حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين

وعلى زينب أخت الحسين

قال المولى الامام زين العابدين (ع) مخاطبا عمته الحوراء زينب (س): «أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة»[2]

مشاهد ولوحات من كربلاء

في مثل غداة غد ذكرى وصول ضعن السبايا إلى الشام ومثول الرأس الشريف لسبط رسول الله الثاني (صلوات الله وسلامه عليهما) بين يدي خليفة الشام يزيد، لكربلاء مساحاتٌ متعددة شغلها أقمار بيت أهل النبوة من الرجال والنساء بعد ان تم إعدادهم إعدادا كاملا، إما بالمباشرة أو بالواسطة من قبل النبي الأعظم محمد وعلي وفاطمة بنت محمد (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين)

اللوحة الاولى: الشهداء الذين ضرجوا بدمائهم ارض الطفوف

المربع الأول الطف، عاشوراء، كربلاء، المعركة، التضحية، الصمود، الفداء، العروج الملكوتي، رسم معالمه ونسج خيوط لوحته اللاهوتية قدرةٌ خارقة في ذوات أناس كانت موضعا للطف الإلهي، سيد الركب والمشهد السبط الشهيد المقتول المظلوم الحسين بن علي (ع) ومن حوله كوكبة في طليعتهم قمر بني هاشم، العبد الصالح العباس بن علي قطيع الكفين، من حوله عليٌ الأكبر قدوة الشباب الرسالي المؤمن الذي يتحرك الإيمان الواعي في داخله، والى جانبه القاسم ابن الحسن الصورة المصغرة لأبيه (ع)، قدوة النشء الطيب المبارك من أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، من حولهم أقمارٌ من بني جعفر وعقيل المظلوم الذي لم يستطع احدٌ ان يغمز فيه طوالة أربعة عشر قرن من الزمن حتى جاءت عمامة السوء المطوية على السوء اللا حبيب لتلعنه جهاراً دون مستنكر، لا من كبير ولا من صغير، ولا من عالم ولا غير ذلك، عقيل الذي يخاطبه الرسول الله (ص) ويقول له: «أنا أحبك حبين: حبا لك وحبا لحب أبي طالب لك، فإنه كان يحبك»[3] لكن عجبا يأتي هذا الخسيس ويلعن عقيل جهاراً على الهواء الطلق والفضاء المفتوح دون ان تتحرك الضمائر الميتة التي تحمل تعاطفاً ربما يكون مسيجاً بسياج لا يعرفه إلا من نسجه على نفسه، أيها الأحبة نحن في منعطف خطير ما لم ننتبه وما لم نلتفت وما لم ندع المجال للإشراقات ان تأخذ نصيبها من قلوبنا لتنعكس على عقولنا، تفكيرا وملامسةً للواقع، لن يكون القادم من الأيام كما كان في السابق فأبناء اليوم ليس هم كأولئك الذين كانوا ومن هو اليوم بين جنباتنا، المشهد يختلف تماما العناصر التكاملية التي يتمتع بها جيل اليوم الناشئ والمتطلع للإشراقة الكبيرة للخلف الباقي من آل محمد هم شباب يستحقون الكثير وليت الأمر وقف عند هذا!

اللوحة الثانية: الحوراء زينب (س) في كربلاء

المشهد الثاني بعد ان نسجت معالم المشهد الأول من خلال مداد دم مقدس جرى من نحر الطفل الرضيع والأكبر الشهيد والقاسم الشبل ليتوج بأقدس أقدس أقدس دم في المنظومة الكسائية بعد أبيه وأمه وأخيه وجده واعني بذلك السبط الثاني الشهيد المظلوم الحسين بن علي (ع) الذي قتلوه وما تركوه وإنما فرقوا بين رأسه وجسده وأوطأوا الخيل صدره وظهره حتى تركوه على الأرض مزقا، زينب الكبرى (س) حملت اللواء وجاءت تدرج إلى المعركة، تتعثر في ذيلها لشدة الخفر الذي كانت فيه والستر الذي ضرب عليها، زينبٌ (س) يلفها ستاران ستارٌ تعبدي وهو الحجاب الذي أمر به القرآن وصرحت به السنة وجاءت عليه الفتيا وإذا لم تكن زينب (س) هي المصداق الاجلى والأبرز لهذا الأمر وهي بنت فاطمة (س) وربيبتها فعسى من تكون تلك المرأة؟! قبلتنا كأنموذج أسمى بين النساء هي فاطمة (س)، وخير من يحكيها هي زينب الكبرى الغريبة، المظلومة، جاءت إلى قلب المعركة صامدة صابرة متكلة على الله سبحانه وتعالى وضعت يديها تحت ظهر الإمام الحسين (ع) الذي لم تترك حوافر الخيل موضعا إلا ووطأته محاولةً ان تسند له قليلا... لكن الجسد الشريف لم يساعد زينب (س) على ان يرتفع من الأرض لما ناله من الدهس والتقطيع، إلا أنها بقيت على ذلك الحال منحنية ترمق السماء بطرفها وهي تقول: «اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ منا حتى ترضى، اللهم تقبل هذا القربان»[4]، هذه زينب التي نعرفها، وزينب التي نعشقها، وزينب التي نذوب فيها، وزينب التي نقرأ فيها قبلة وقدوةً لنسائنا، لبناتنا، لأخواتنا بل لكل امرأة حرةً شريفة كريمة تعشق العفاف وتعيش من اجله، أنها زينب!

اللوحة الثالثة: الحوراء زينب (س) في الكوفة

ثم خرجت زينب (س) من كربلاء وهي ترمق أخاها ولسان حالها يقول: لمن تركتنا يا ابن أم، لمن تركتنا يا ابن والدي، لعدو يبتزنا ويخيفنا ويرعبنا، زينب (س) العارفة والعالمة الغير معلمة لو لم تكن في مستوى الحدث لما أسندت إليها المهمة، زينب (س) وصلت إلى الكوفة وقرعت الطاغية فيها اشد تقريع عرّته، جرّدته من جميع صفات الرجولة ناهيك عن الإنسانية في معانيها المعروفة، انها زينب ولا غرابة ان تكون الأفصح والابلغ والأصدق والأقوى والأشجع، الرسول الكريم (ص) يقول: «أن أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر»[5] هذا اجلى وأصدق نوع من أنواع الجهاد وأفضله وأتمه وأكمله، زينب العزلى، زينب الوحيدة، زينب التي تحمل عبء النساء الثكالى والأطفال واليتامى إلا ان ذلك لم يحن ظهر زينب (س) وإنما أعطاها المدد والقوة والقدرة والصمود وخرجت زينبٌ (س) إلى الكوفة مسيرةٌ قطعت فيها أكثر من ألف كيلومتر على ناقة عجفاء لا غطاء ولا وطاء فأي قتب وأي محمل يتحدث عنه البعض والذي نطحت زينب (س) رأسها به، وأي رواية ترشد إليه وعلى فرض وجودها أين أرباب الصنعة! لماذا يعطون للعدو ذريعة يتذرع بها ليخفف الأمور التي قام بها في ابشع ألوان الاجرام والتنكيل لذرية آل محمد (ص)، زينب (س) أخذ منها التعب الشيء الكثير، لكن الشموخ والاباء يعتلج في داخلها يعطيها الرؤيا البعيدة ان المسافة التي تقطعها ماديا يترتب عليها من الأثار المعنوية الشيء الكثير الذي لا يعلمه إلى الله سبحانه وتعالى، حملت على جمل بلا غطاء ولا وطاء، انهكها، اتعبها، اجهدها..

اللوحة الرابعة: الحوراء زينب (س) في الشام

وصلت العقيلة الى الشام في مثل غداة غد، الطغاة أوقفوهنّ عند باب الساعات، أنزلوا النسوة واليتامى من على الجمال والنياق بعد ان نوخوها على الأرض، ووقفوا ينتظرون الأمر في ان يدخل الركب على يزيد ابن معاوية في مسجد الامويين المعروف، ليتهم أدخلوهم في حال يتناسب مع وضعهم، بل عمد آمر الركب عليه ما يستحق ان يربطهم بالحبال وان يساقوا كما تساق الماشية! هذا يضربهم بعصا، وآخر يضربهم بسوط، وآخر يعترض طريق طفلة برجله فتقع على الأرض فيشج ما يشج من رأسها وتجري الدماء.. أخذوهم بعد ان أخذت الشمس منهم نصبيها وغيرت معالم وجوههم، كل هذا ورأس الحسين (ع) أمامهم يشرق كالبدر في ليل تمامه وكماله، الدماء التي تسيل منه، تزيده إشراقاً كأنها الوقود الذي يعطيها القدرة على الإشراق، دخلوا بهذا الحال ويزيد يحرك قضيب في يده ذات اليمين وذات الشمال كأنه ينتظر ان يتشفى من زينب (س) ومن علي بن الحسين زين العابدين الإمام المفترض الطاعة (ع)، أدخلوهم، ثم بعد هنيئة جيء برأس الإمام الحسين (ع) هذه المرة الرأس الشريف لم يكن فوق رأس الرمح وإنما وضع في طشت من الذهب، هكذا كان ديدن الجبابرة إذا ما تمكنوا من المستضعفين على وجه الأرض، طرحوه بين يديه، اخذ يتصفح وجوه الحاضرين من النساء والأطفال، ثم سأل: أين زينب؟ يقال أن في الركب زينب، فأين زينب؟ وزينب سلام الله عليها السيدة الجليلة الخفرة الطاهرة المطهرة النسمة الكريمة لعلي وفاطمة (عليهما السلام) وضعت رأسها بين ركبتيها هذا مشهدٌ يحكي لنا ذلك المشهد، تبحث عن الخدر، عن الحجاب، عن العفة تدفع عن نفسها، هناك نصٌ يقول بان يزيد لما تعرف عليها، قال: ما لي أناديك ولا تُجيبين؟ فقرعها بالسوط الذي كان في يده! عينا كما فعل من فعل قبله بأمها فاطمة سلام الله عليها، حتى خلفها وفي يدها كالدملج، ثم رجع إلى محله وقضيبه في يده، رفع الغطاء عن الطشت، فبان وجه الإمام الحسين (ع) اخذ يتغنى بأبيات من الشعر وهو شاعرٌ، اما شاعر مجون، شاعرٌ أججت قريحته قداح الخمر ليلا ـ أجلكم الله والمكان ـ اخذ يحرك شفتي الإمام الحسين (ع) بمقصرته كي يستشفي من قتلى قريش في بدر،  أيها الأحبة رغم ذلك زينب (س) لم تنكسر، انحدرت في خطبتها المشهورة التي أكملت من خلالها المربع الأخير والوجه الأخير من معركة كربلاء، من معركة الصمود، من ثورة الخلود، من لغة انتصار الدم على السيف وانتصار المظلوم على الظالم، وانتصار القلة على الكثرة، والنور على الظلام، أنها زينب ..

خلفيات الاعتداء الآثم على شخصية عميد المنبر الحسيني الشيخ الوائلي

والكلام عين الكلام أربعة عشر قرن من الزمن لم يستطع احدٌ ان يمس بكرامتها وعلو شأنها وشرفها ورفعتها حتى جاء الخطيب المهاجري لينال من عزتها وكرامتها وشرفها من خلال قالب لفظي أدلى به في أكثر من موطن ليس في موطن واحد، أيها الأحبة وعندما أخذتني الغيرة على عمتي وسيدتي وشرفي وملاذي وحصني وشفيعتي فظهرت حسيكة النفاق في قلوب البعض وتحرك الشيطان بين جنباتهم يستشفون ممن؟ ممن يدافع عن زينب (س) أين هم؟ صمتوا من أول محرم إلى هذا اليوم، لم ينبس احدٌ منهم ببنت شفة أبدا، ولم يشأ احدٌ منهم ان يدافع عن زينب (س) ولو كان لتم ذلك قبل ذلك، ولكن أرادوا التصفية في الحسابات .. وجاءت الأمور تطوي شيئا فشيئا، ربما البعض يقول وما الفائدة مما جرى؟ بلى والله! الوائلي الشيخ الكبير وعميد المنبر خير من سافر بقضية كربلاء وأعطاها بعداً في مسارات الافق العالمي عندما كانت المقدرات الإعلامية معدودة القدرة والإمكانيات.. ويأتي مرة أخرى جماعة الجهل، جماعة الخرافة، جماعة الأحلام، جماعة الأساطير ليخرجوا في موكب دون حياء ولا خجل من الامام الحسين بن علي الذي قضى الوائلي عمره في خدمته، ودون حياء ولا خجل من العباس بن علي الذي صب الوائلي جهوده من اجل بيان الواقع الذي هو عليه والعظمة التي يتمتع بها العباس (ع) ليتحرك ذلك الموكب المشؤوم سيئ الصيت ليلعن ويشتم الوائلي بين الحضرتين، وعند باب القبلة، أيها الأحبة وما خفي عنكم كثير! أيها الأحبة: إنهم لم يلعنوا الشيخ الوائلي لوحده وإنما لعنوا ثلاثة من الأعلام: لعنوا الشهيد الصدر (رضوان الله تعالى عليه) في موكبهم ولعنوا العلامة المرجع السيد فضل الله (رضوان الله تعالى على روحه) ولعنوا عميد المنبر ورددوا لعنهم في حدود ذات هذا الرجل اكثر، بسبب تلك المقاطع التي سهل تكرارها وتردادها ووصولها، أيها الأحبة من الذي دافع عن الوائلي؟ أي فتوى صدرت من اجل ان تدافع عن الوائلي وتجرم أمثال هذه المواكب كي لا تتكرر؟ أيها الأخوة: ان تم السكوت عن هذا فلتنتظروا ما هو أسوأ، ومن حلقت لحية جاره فليسفك الماء على لحيته يهيئها للحلق كائنا من كان وفي أي مكان كان، نعم صوتٌ خافت وفي وقت متأخر هذه واحدة من ثمرة ما كنت أؤسس له في جامع الإمام الحسين (ع) ومن خلال منصته، العلامة السيد علي تحرك ليدافع عن عميد المنبر من خلال مقال رصين محكم ثابت القواعد والأصول والتفريعات، أقول له لا جف يراعك، طابت نفسك ان أخذتك الغيرة وان جاءت متأخرة أيها السيد، لان الوائلي خدم أجدادنا، الوائلي خدم شرعة أجدادنا، الوائلي خدم مذهب أهل البيت عليهم السلام، الوائلي بنانا وربانا، الوائلي اخذ بأيدينا في زمن كانت تتلاطم فيه الأمواج الفكرية في أكثر من اتجاه.

الشام ومآسيها

زينب سلام الله عليها تقول للطاغية: «كد كيدك ، واجهد جهدك فوالله الذي شرفنا بالوحي والكتاب، والنبوة والانتخاب، لا تدرك أمدنا، ولا تبلغ غايتنا، ولا تمحو ذكرنا، ولا يرحض عنك عارنا، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد»[6]، هذه هي زينب التي اعشقها وأذوب فيها ولا أرى لنفسي قيمة وقدر أمام جلالها وعظمتها إلا اني أتشرف أنها عمتي وارفع رأسي عاليا، واشمخ، لأنها عمتي، رضي من رضي وأبى من أبى، رزقنا الله وإياكم زيارتها ونيل الشفاعة على يديها وسهل الله لنا ولكم قصدها، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يزيح هذه الغمة عن هذه الأمة، وأساله ان يحقن دماء المسلمين، وان يجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين مستقرين، انه ولي ذلك وفقنا الله وإياكم لكل خير، أخذنا من وقتكم الكثير، لكن السيدة زينب (س) تستحق كثيرا من عندنا، نحن جلسنا هنا ربع ساعة أو نصف ساعة أكثر أو أقل تحت مكيف واضاءة، لكن سيدتي زينب (س) جلست في خربة الشام، إذا صاح طفل، كل الأطفال يضربون، إذا طلب واحد من الأطفال شربة من الماء فلا تسأل ما عسى أن يكون الحال.. هذا يركل الطفل برجله وهذا يضربه بيده وهذا يلقي بوجه على الأرض وهكذا كان المشهد لا تظنوا ان الشام كانت نزهة وإنما كانت الشام التي يقول فيها الإمام زين العابدين (ع): الشام الشام الشام[7] الفاتحة لمن مضى من شيعة أمير المؤمنين (ع) ولممن مضى من آباء وأمهات وأخوة وأخوات من أهل هذه القرية الطيبة المباركة، ولروح شيخنا وعميدنا وقدوتنا وجذوة المسير وفق معطاها الشيخ الوائلي ولأرواحهم جميعا نهدي لهم ثواب سورة الفاتحة مع واحدةٌ من الصلوات التي تصل إلى الغري الشريف.