نص كلمة: دور الجهل في إيذاء المصلحين

نص كلمة: دور الجهل في إيذاء المصلحين

عدد الزوار: 570

2018-12-06

كلمة في مسجد العباس بالمطيرفي ليلة الثلاثاء 1440/3/19هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (ع) وهي شذرةٌ من شذراته الكثيرة التي يمكن أن نقتنصها في ذكرى مولده الشريف عليه الصلاة والسلام حيث قال (ع) كما في المروي عنه: «إن قائمنا إذا قام استقبل من جهة الناس أشد ما استقبله رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جهال الجاهلية»[2].

الانسان إما عالما وإما متعلم على‌ سبيل نجاة

ما من نبي إلا وقد أوذي وما من وصي أو إمام إلا وقد أوذي وما من مصلح إلا وقد أوذي والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو القاسم المشترك بين هؤلاء القوم الذين يقومون بدور الأذية للأنبياء والرسل والأئمة والأوصياء وللمصلحين عامة على وجه الأرض؟ الجواب يختصر في كلمة واحدة الجهل، والجهل تتفرع عنه أمورٌ كثيرة، هما مساران أيها الأحبة إذا ما التفت الانسان إليهما شخّص معالم الطريق واهتدى اسلك الطرق إلى حيث الهدف، المسار الأول: العلم والمعرفة، والمسار الثاني الاقتداء، الانسان تارة لديه حصيلة علمية يمكن أن يعوّل عليها يشق طريقه نحو الهدف، وتارة الانسان مجرد من هذه الحقيقة ومن هذه المعاني، أي لا يمتلك هذا النصيب وهذه النعمة من العلم والمعرفة فعليه ان يقتدي، لكن يقتدي بمن؟ ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[3] ما دام الانسان لا يعلم في المسالة الأولى أو الثانية والثالثة‌ ... الى أي مقدار كان فهو في حدود ما يجهل جاهل، كما ان في الاتجاه الآخر بقدر ما يمسك الانسان من اسباب العلم بالشيء في المسألة الأولى أو الثانية والثالثة و ... الى أي مقدار كان أيضا يصبح عالماً، في مفهوم العالم وفي مفهوم الجاهل الامور تتسع وتضيق، لأنها ليست من المفاهيم المركبة وإنما هي من المفاهيم البسيطة وحيث أنها من هذا القبيل فهي لا تتشكل من أجزاء وإنما هي قوة قابلة للضعف وقابلة للقوة والاستحكام، الانسان لا يولد عالماً إلا هم أشخاص اختصهم الله واجتباهم من بين بني البشر وهم الأنبياء والرسل والخاتم محمد (ص) ما عدا هؤلاء يأتون إلى الدنيا ومفهوم الجهل يفرض نفسه على مكونهم، الناس الكمل أو الذين يولدون في بيئة حاضنة سليمة تبدأ معهم مسيرة استكشاف المعلومة والوقوف على اصل العلم منذ البداية لذلك في زمن الأنبياء بيوتات وصفت بهذا المعنى، كذلك في زمن الأئمة بيوتات وصفت بهذا المعنى، والى الازمنة الاخيرة التي نعيشها ايضا هنالك بيوتات لها ثباتها واستقرارها في الجانب العلمي.

السؤال وأثره في معرفة الحقائق

 وجود العالم في قبيلة، وجود العالم في قرية، وجود العالم في مدينة، وجود العالم في أمة أو في طائفة يترك أثره المباشر من خلال تحفيز الطرف الآخر على تحصيل المعلومة من خلال زرع حب السؤال، لأن مفتاح كل علم هو السؤال، ايها الاحبة علينا ان لا نخجل من السؤال، أن لا نتحرّج من السؤال في ذاته وعلينا أيضاً ان لا نتحرّج من المسؤول الذي نسأل منه، أي العالم، لأن صاحب المناسبة الامام الصادق (ع) امام مذهبنا يقول: زاحم العلماء، بماذا تزاحمهم؟ المزاحمة على بساط العلم والمعرفة، ان تلحّ عليهم في السؤال، نحن علينا أن نسقط هذا الامر على مجتمعاتنا، الوضع اليوم كيف هو؟ هل ان جلساتنا هي جلسات استثارة المعلومة والاستحواذ على المعرفة أو لا؟ ان كانت كذلك فنورٌ على نور وهي السعادة الكبرى، لأنه بقدر ما نتعلم بقدر ما نصل إلى الدرجة المتقدمة من المعرفة وبقدر ما نسموا في ذواتنا ينعكس ذلك على بيتنا، ثم يخرج إلى الدائرة الأوسع فالأوسع، ثم بعدها نعيش مجتمعاً عالماً واعياً مفكراً، والعكس ضريبته جدا كبيرة وخطيرة في نفس الوقت، أي سيطرة الجهل، اذا غاب العالم عن وسط الامة بطبيعة الحال يكون ثمة تراكم من الجهل شيئا فشيئا يستحوذ على معالم المشهد ويفرض سيطرته بعد ذلك على ما يمكن ان ينعت بالرمز أو بالعالم أو بالعارف أو بالحكيم في داخل المكون الضيّق، اذا قضى عليه حينها اقرأ على البقية آلاف التحايا والسلام هذا شيء مسلم، لكن هل أن الذين نابذوا النبي والذين حاربوه والذين وقفوا بوجه النبي (ص) يتصفون بالمفهوم الأول ويتحركون في ضمن دائرة المفهوم الأول أم المفهوم الثاني؟ حتماً المفهوم الثاني، لأنهم يجهلون حقيقة النبي (ص)، بل اكثر من ذلك كانوا يجهلون ما كان يرغب النبي (ص) في أن ينقلهم منه وهو حضيض الجهل والسقوط إلى عالم النور والمعرفة والارتقاء.

أسباب ابتعاد البعض عن الحقائق

قد يقول قائل لماذا لم يتيحوا لأنفسهم الفرصة في التعرف على مراد النبي (ص)؟ القرآن الكريم يذكر هؤلاء بتعبيرات هي في منتهى الدقة ويستخدم لفظ في منتهى الدقة حيث يقول في ذم امثال هؤلاء: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[4] يقول شيخنا المحمدي (أطال الله في عمره إن كان حياً ورحمه الله إن كان ميتاً، لان فترة الفراق بيني وبينه أصبحت طويلة جدا وشرفنا الله بالنظر الى وجهه إن كان حيا) يقول في معرض بيانه لهذه الآية: القلب صحيفة بيضاء، لو أخذنا الأمر في جانبه المعنوي وليس في جانبه المادي،‌ لان في جانبه المادي القلب عبارة عن مضغة في الجسد[5]، لكن في منظومة المعنى هي صحيفة بيضاء، «الرين» يأتيها بمثابة النقطة المتناهية في الصغر يقول بادئ ذي بدء اصلا لا تشخصها انت ايها الانسان، هي عبارة عن نقطة صغيرة متناهية في الصغر، لكن عندما تكبرها تراها بشكل واضح.

الجهل وما يخلفه من ويلات

أنت اليوم مع كل هذه المجاهر والنعمة العلمية وهذه الطفرة التقنية العالية الموجودة في جهازك الحاسوب أو الهاتف النقال الموجود عندك يمكن ان تجري عملية التكبير لبعض الاجسام لآلاف المرات وبعض البرامج منزّلة اليوم في جوالك جربوا ذلك، لا يكون الجوال فقط لنقل الفتن والمشاكل والتسقيط والحرب يمينا وشمالا علينا ان نتحرك في الجانب العلمي فيه، لان الجوال نعمة كبرى إذا أحسنا التعامل معه وقنبلة موقوتة (أو لنقل لغم عندما تضغط عليه ينفجر) إذا ما أسأنا التصرف معه، فيمكنك من خلال أحد برامج الجوال ان تكبر اصغر جسم مادي وترى كل معالمه وتشكيلاته، أنت قد تمر على آلاف النمل وتسحقها ولم تلتفت، لكن لو تجعل نملة‌ واحدة تجت المجهر في جهازك وتكبرها حينها سترى عظمة الله سبحانه وتعالى في ذلك الكائن الصغير، بالنتيجة الذنب في البداية غير مشخص ولكن عندما يأتي الذنب الثاني تتضح النقطة، في الثالث الى العاشر وإلى المائة بعد ذلك وإذا بتلك الصحيفة البيضاء أصبحت عبارة عن قلب سوداء غير قابلة للنقش نهائياً، الجهل بهذه المثابة يفتح كل ابواب الشر على الانسان، الجهل يعني الفقر، الجهل يعني الحقد، الجهل يعني التكبر، الجهل يعني المرض، الجهل يعني الانقياد للآخر ويعني تسليم العقل للآخر، الجهل ... النبي (ص) عندما يقول: «ما أوذي نبي مثل ما أوذيت»[6] أنتم لو قرأتم قضية نبي الله يحيى (ع) سترون العجب العجاب، البعض عندما يرى العالم الفلاني يحارب أو رجل الدين الفلاني يحارب يستغرب، في حين ان الانسان الذي يستغرب لا يلتفت الى ما يقرء في كتاب الله ولا ينتزع الدروس والعبر منه، عندما يقرأ الانسان فقط قضية يحيى بن زكريا لماذا قتل؟ ولماذا نشر، (لأنه قطع نصفين بعد القتل) لماذا؟ ألم يكن يحيى نبياً؟ ما هو السبب؟ فنحن اليوم مع شديد الاسف الجهل يطاردنا واشد من ذلك خطورة اننا لا نقبل ممن لديه العلم والمعرفة ان يضيء لنا الطريق وان يسرج في قلوبنا نورا، حال ان اهل البيت عليهم السلام ينتدبوننا الى هذا المسار، هذا امامنا الصادق (ع) الذي عندما يسأل أي شخص مني ومنك ويقول من امام مذهبك نجيبه بكل شموخ وافتخار هو عن جعفر بن محمد الصادق، لكن كم يتحرك الامام جعفر بن محمد الصادق في وجداننا؟ كم يقنن الاقوال والافعال الصادرة عنا؟ اين نكون مع الأمام الصادق (ع) وهل نترك الامام الصادق (ع) ونتخلف ونتصرف من ذواتنا في بعض الأوقات؟ نسال من الله سبحانه وتعالى ان ينير قلوبنا بذكر محمد وآل محمد والسلام عليكم ورحمة‌ الله وبركاته.