نص كلمة:دروس من كربلاء
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
غفر الله لنا ولكم وتقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال
عاشوراء؛ وانطباعاتها على الفرد المتلقي
وانتهت ايام ذكرى شهادة الامام الحسين (ع) في عاشوراء وفي ارض الطفوف وبقي دروسها تعمر كيان الانسان المؤمن الذي يرى في الامام الحسين (ع) قدوته، في كربلاء رسم الامام الحسين (ع) لوحةً في منتهى الروعة، حبرها الدم الطاهر، فرشاتها أنامل الفكر والوعي والدين والتقى والعلم والادب والشجاعة والصبر وتضحية.. هذه اللوحة تعددت الوانها وكان لكل لون من الوانها عطاؤه واثره وبصمته واشراقه ونورانيته وانعكاسه وانطباعه على الفرد المتلقي، في كربلاء كان للرجل الكبير قدوة مثّلها حبيبٌ ومن قاربه في سنه حيث ادار ظهره للدنيا بكل تفاصيلها وهو شيخٌ في قبيلته، لأنه يمم شطراً لا يضارعه شطر ألا وهو القبلة المتحركة في وسط الامة المتمثلة في الحسين بن علي (ع)، الشباب هم الآخرون لهم قدوتهم التي يستوحون منها الدروس والعبر ويتخذون منها منارات يهتدون باشراقاتها عند الحاجة ألا وهو عليٌ الاكبر، اما الذين يعيشون الكهولة انجبوا الابناء ويستشرفون الاحفاد والاسباط فلهم في العباس قدوة، رمز الاخوة، رمز الصفاء، رمز المحبة، الاخ الذي لم يتخلى عن اخيه، لان أخاه يمثل الايمان كله والدين كله والرابطة بين الارض والسماء، هذا هو العباس بن علي (ع)، واما اولئك الشباب اليافعين او الذين يعيشون فترة مراهقة فهنالك من يمثلهم ويرتسم امام مخيلتهم شخص ألا وهو القاسم بن الحسن (ع)، هذا الفتى الذي لم يعبه بطابور جيش بدايته في الكوفة ونهايته في الشام، بل كان واثقا من نفسه، ذلكم الفتى الذي يشد شراك نعله غير عابئ بجلجلة او بتصارع فيما بينهم أيهم ينال من الفتى نصيبه، هذا هو القاسم (ع) يسلم لولي امره لسيده الامام الحسين (ع) تسليماً، قدم نفسه على مذبح التاريخ ليبقى شاهدا وشهيدا على الامة في دينها في دنياها في آخرتها هذا هو القاسم.
الطفل الرضيع؛ الشاهد الشهيد
الامام ذهب الى اكثر من ذلك قدم بصمة تنسى الكثير من الاحداث وتمحى الكثير من البصمات لكن هذا البصمة تبقى خالدة، تبقى شاخصة، تبقى توجد حالة من اللهب الذي يشعل في داخل الانسان المحبة والشوق والانقطاع والولاء الثابت ومحاولة المحاكاة الا وهو الطفل الرضيع، الذي لا ذنب له بالمطلق الا انه من الحسين ولد ولأنه ينتسب لرسول الله ولأنه من فاطمة سلام الله عليها ولد ولأنه يمثل المنظومة في الكساء، انه هذا الطفل الرضيع الشاهد والشهيد.
المرأة الكريمة؛ ودورها السامي
وكذلك بالنسبة للمرأة نصيب في كربلاء، لكن التاريخ يغفل في الكثير من الاحايين عن دور ام وهب، هذه المرأة الشجاعة الكريمة الشريفة التي لا تقاس برجالات مكة ممن لم يواكب الامام الحسين (ع) في مسيرته والتضحية بين يديه، هذه المرأة الجليلة عندما قتل ولدها لم تستسلم، لم تكن خانعة، لم تكن ضعيفة وانما انحدرت لعمد من اعمدة الخيام التي من حولها وسارت به الى الميدان، قيل قتلت اكثر من واحد ثم ضربت على رأسها وهي اول شهيدة في ارض كربلاء، من حقنا ان نسال لماذا تطوى صفحتها؟ لماذا هذا التجاهل لدور المرأة؟ هل للفكر الذكوري الذي نعيشه الذي يمقت المرأة ويقلل من قيمتها وحجمها دور؟ انها امرأة تصل الى مقام الشهادة، المقام الاعلى والاسمى بين المقامات التي تعيشها الامم فيما بينها تنقل من نبي الى نبي ومن وصي الى وصي ومن فقيه جامع الى فقيه جامع هكذا كان حال هذه المرأة، واما المدينة التي تخلت بقضها وقضيضها عن الشهيد الحسين، واما مكة التي تخلت عن الحسين (ع) في آخر لحظات المغادرة واحلال الاحرام واما اهل الكوفة وهم الاكثر مسؤوليةً عما جرى من الاحداث من الاول الى الاخير فهم من كاتبوا وهم من شيعتنا وليسوا من شيعة بني امية بادئ ذي بدء لكن العواقب هي التي تحكم المسار، بالعاقبة ايها الاحبة نفتح ابواب الجنان وايضا العاقبة التي نعيشها ربما نفتح على انفسنا ما لا يحمد عقباه، ايها الاحبة اوصي الشباب خاصة ان لا يغادروا مساحة هذا الامر، اللهم ثبتنا على ولاية محمد وآل محمد (ص).
انتزاع الدروس من عاشوراء
أيها الاحبة كلنا وفقنا لإحياء مراسيم عاشوراء وكلنا وفقنا للزيارة، كلنا وفقنا للمشاركة، كلنا بكينا، كلنا لطمنا، كلنا تفاعلنا .. وانقضت الايام .. لكن ما الذي جنيناه؟ ما الذي استفدناه؟ لا شك بالمطلق في ان الصحائف قد رفعت وان الاعمال قد ثبتت والحسنات رصدت وهي تنتظرنا في ذلك اليوم ما لم نقدم على عمل نسقطها من صحائفنا، لكن كربلاء درس كربلاء مدرسة كربلاء عطاء.. هل تقلبنا في جنباتها؟ هل سجلنا اسماءنا في سجل القبول فيها؟ هل قدمنا اوراق الاعتماد؟ هل قبلت؟ هل رفضت؟ نحن عندما نقدم على الالتحاق الى فصل من مفاصل الدراسة الاكاديمية التي نعيشها في دنيانا نسعى جاهدين في سبيل ان نحقق الدرجات العلى ونذلل الصعاب التي ربما اعترت طريقنا في الدخول اليها والانضمام اليها كمعاهد وجامعات وكليات وما فوق ذلك، لكن السؤال المهم: هل اعددنا هذه الوريقات لكي نقبل في جامعة الامام الحسين؟ في معهد الامام الحسين؟ في كلية الامام الحسين (ع)؟ واذا قدمناها وقبلنا في احسن الظروف هل تجاوزنا جميع المراحل؟ هل خرجنا بنجاح؟ هل دروس الطف ما زالت شاخصة وحاضرة؟ ام هي عشرة ايام نسال من الله سبحانه وتعالى ان يقضيها والسلام، بلغنا الله واياكم القادمة من الذكريات المربوطة باهل البيت عليهم السلام لكن على ان نستفيد منها، على ان ننتزع الدروس منها، نحن في مسيس الحاجة لها، هم قدموا على رب كريم، الحسين (ع) بن علي وعليٌ (ع) قسيم الجنة والنار سينتقينا سيخلصنا لكن علينا ان نساعد الامام الحسين (ع) في تحقيق ذلك في ان لا نوجد حالةً من الفصل والعزل بيننا وبينه، علينا ان نكون كالعباس فيما كان والاكبر فيما كان والقاسم فيما كان والمنظومة النيرة من الصحابة الذين قدموا ارواحهم بين يدي ابي عبدالله الحسين (ع) دروسٌ اعطاها الامام الحسين في الصبر في الاستقامة في الرحمة، كان رحيما بعدوه لم يكن فظا غليظا وانما كان رحيما كان يدعو لهم بالجنة والخلاص مما هم فيه وليس بينهم وبينه الا ضربة سيف! لماذا لا نأخذ هذا الدرس فيما بيننا؟ لماذا لا نعيش المحبة فيما بيننا؟ لماذا لا نتعاون فيما بيننا؟ لماذا لا نقدم التضحيات من اجل احبتنا، ثم نقول بعد ذلك «لبيك يا حسين»، لماذا نقول «لبيك يا حسين» هل من أجل قطيعة ارحامنا، أم في خيانتنا للامانات التي تحت ايدينا؟ نقول «لبيك يا حسين» ونحن نسعى للفحشاء والمنكر وهدم البيوتات وتسقيط الشخصيات ومحاربة الذوات وتدمير المجتمعات! «لبيك يا حسين» تبحث عن المصداقية، عن النفس المتكاملة، عن القلب الطاهر، عن اللسان الصادق، من تصدق افعاله اقواله هذا الانسان الذي يحق له ان يقول «لبيك يا حسين» والا زحفٌ طال او قصر من حيث العدد، يهتف ليلاً ونهارا ثم لا يجد لذلك مصداقية في عالم الشهود في العالم الخارجي لا يقدم ولا يؤخر، اعظم من زيارة الامام الحسين والحضور في مجالسه الحضور في الحج الاكبر وكم هم اولئك الذين يذهبون ويعودون وليس في ما هم يأملون من نصيب؟ الرواية الشريفة تقول: «ما أكثر الضجيج والعجيج وأقل الحجيج»[2]، ما اكثر الزوار وليسوا بزوار، ما اكثر المستمعين وليسوا هم بمستمعين، ما اكثر اللاطمين وليسوا بلاطمين، لان الحسين لم يتحرك في وجدانهم، الحسين دين متحرك، الحسين قرآن متحرك، الحسين رحمة متحركة، نقرأ في الحسين النبوة والامامة هذا هو الحسين (ع).
عطاء من منهل الامام الحسين (ع) العذب
درسٌ نأخذه من مدرسة الامام الحسين (ع) على نحو السرعة حيث يقول (ع): «دراسة العلم لقاح المعرفة، وطول التجارب زيادة في العقل، والشرف التقوى، والقنوع راحة الأبدان، ومن أحبك نهاك، ومن أبغضك أغراك»[3]
دراسة العلم لقاح المعرفة؛ هذه دعوة من الامام الحسين (ع) هل استجبناها؟ اليس الحديث يقول اطلبوا العلم من المهد الى اللحد؟ نحن فعلا نحقق هذا الطلب للنبي (ص) ولدعوة الامام الحسين (ع) من خلال هذا النص أم لا؟ كيف ادرس؟ هل ادرس فقط من أجل الوظيفة؟ انا رجل دين هل ادرس حتى اصلي بالناس وأصبح وكيل على رأسهم وقد اتوفق في يوم من الايام كي اكون مرجع! العلم مفتاح يوصلنا الى المعرفة، أي معرفة؟ المعرفة الخاصة بمحمد وآل محمد والحسين بن العلي (ع) هذا هو المقصود، انا احضر في دروس الحوزات، احضر في مجالس الذكر و... في سبيل ان اتعرف عليهم، لان هذا باب من الابواب التي يمكن من خلاله ان اتعرف عليهم، لان يوم القيامة يجب ان تتعرف عليهم، أنت عندما تريد ان تتخذ لنفسك صديقا الم تتعرف على مكوناته؟ فكيف بالإمام الذي يفترض عليك طاعته والذي سوف ينجيك وينتظرك.
وطول التجارب زيادة في العقل؛ هناك كلمة جميلة معروفة عند الاحسائيين تقول «اكبر منك يوم اعرف منك بسنة» هذا كلام سليم ومنطقي، أنت جرّب مع والدك، سترى انك تقرأ المشهد من زاوية واحدة، ووالدك يقرأ المشهد من زوايا كثيرة ومختلفة؟ لأنه سمع من عمه ومن ابوه ومن خاله ومن صديقه ومن الشخص الذي اكبر منه ومن جلس عن يمينه ومن جلس عن يساره وصارت عنده تجربة، صارت معارف الحيات في يديه، لذلك اهمس في اذن شبابنا الطيبين: الله الله في تجارب آبائكم واعمامكم وخؤولتكم والكبار في مجتمعاتكم فان علوم الحيات في ايديهم، خذوها من عندهم، لانهم مروا بالدنيا، مروا بالكوارث، بالمصائب، بالجوع، بالعطش، بالجهل ... كل هذا مروا به، مرت عليهم احداث يعرفون من يحتال عليهم ويخدعهم، من يكذب عليهم، من ... كل هذه الامور مرت عليهم عليك ان تأخذ منهم هذه الاشياء، لان ليس كل شيء موجود في المدرسة، ولا في الجامعة ولا في الحوزة، هؤلاء الشيبة كبار السن الموجودين وغيرهم هؤلاء هم جامعات وكليات في اوساطنا.
والشرف التقوى؛ الشرف ليس هو عباءة ولا عمامة ولا نجوم وتيجان على الكتف وليس تاج سلطنة وملك، الشرف هو التقوى، قد يكون هناك شخص يمتلك اموال طائلة لكن ليس لديه تقوى، فترى اموره مع الناس ومع الله غير صحيحة فهو ظالم لهذا وحاسد لذاك، بعض الناس يقولون فلان ليس لديه شرف، كيف يعني؟ لأنه ليس لديه تقوى، ولم يجعل الله نصب عينيه.
والقنوع راحة الأبدان؛ سيرتاح ذهنك عندما تكون انسان قنوع ترضى بما قسم الله لك من الرزق، لان مفاتيح ومغاليق الارزاق بيد رب الارزاق وليس بيد البشر، فاذا قسم الله لك شيء سوف تأخذه ولا يستطيع احد ان يحول بينك وبينه، واذا لم يقسم الله لك ذلك فلا تحاول ولا تخالف قانون ولا ترتشي ولا تزوّر لانك لن تصل اليه ـ هذا طبعا مع الجهات الرسمية ـ ولا تكذب ولا تدجل ولا تنافق ولا تقول بعد اسبوع سوف اسدد دينك ولم تسدده أو سوف اسدده لك بعد شهر ولم تسدده، اجعل القناعة عندك والا فان ذهنك سوف لن يرتاح ولن تستطيع ان تنام ولا يمكنك ان تستقر ولا تستطيع ان تتذوق الطعام والشراب ولا... هذا كلام الامام الحسين (ع) وليس كلامي.
ومن أحبك نهاك؛ الشخص الذي يحبك عندما يرى منك عمل غير صحيح لا يشجعك ولا يقول لك فعلت حسنا، وانما يقول لك توقف الى اين تريد ان تسير، تأمل في عاقبة هذا الأمر لان هناك حساب وكتاب، دنيا وآخرة، اليوم قد تمشي امورك وقد الناس تستر عليك، لكن غدا قد تنكشف وقد تقع في يد الجهة الرسمية ولا تستطيع ان تخلص نفسك منها، وأنا أقول لكم ان من اكبر النعم علينا كعباد لله سبحانه وتعالى هو ارخاء الستر علينا، الرواية الشريفة تقول: «لو تكاشفتم ما تدافنتم»[4] لذلك نحن عندما نصلي على الميت نقول: «اللهم انا لا نعلم منه الا خيرا» لاننا لا نعرف الواقع، والانسان الذي يدعي ويقول انا اعلم عما في ضمائر الناس فهو انسان كذاب اشر، ما في قلوبنا لا يعلم به سوى الله سبحانه وتعالى، قلوبنا منطوية على خير أو منطوية على شر أو على محبة أو على كره فقط الله الذي يعلم بذلك وهو الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور، قد أنا أكذب عليك وأنت تكذب علي لكن على الله لا يستطيع احد ان يكذب وهو الذي يعلم بكل شيء وبيده كل شيء.
ومن ابغضك اغراك؛ والشخص الذي يمدحك ويؤيد افعالك في كل شيء ليس بالضرورة انه يحبك، عندما يرى ان علاقتك بزيد من الناس غير جيدة، لا يشجعك على قطيعته ويصور لك بان فعلك هذا هو الصواب، وانما عليه ان يسعى كي يصلح بينكما، لابد ان يقول اني اخذت درسي من الامام الحسين (ع)، الامام في كربلاء يرسل اخيه العباس في آخر اللحظات كي يتحدث مع القوم لهدايتهم، يلتفت لولده الأكبر ويقول له: لماذا لا تسمع نداء ابناء خؤولتك! هذه كربلاء، كربلاء ليست فقط طبخ وتوزيع بركة، أو ضرب صدور او سلاسل او تطبير! كربلاء يعني الحسين واصحاب الحسين، اين يمكن لنا ان نتعرف على الحسين وهؤلاء الكوكبة النيرة، اذا انت مستعد ان تصلح وضعك بحيث تصير مجسمة صغيرة لهؤلاء نعم.. وفقنا الله واياكم لكل خير، اخذ الله بأيدينا وايديكم، جمعنا الله واياكم على خير، ولأرواح من مضى من شيعة امير المؤمنين علي (ع) الفاتحة تسبقها صلوات.