نص كلمة: دروس من بيعة الغدير
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
بارك الله لنا ولكم العيد السعيد، واعاده الله علينا وعليكم، تقبل الله من العاملين عملهم، واشركنا الله في صالحها.
الغدير؛ المرآة الصافية لمقام الإمامة
ايام قليلة تفصلنا عن ذكرى عيد الولاية، العيد الاكبر عيد الغدير هذا العيد الذي يمثل مرآت كاشفةً عن مقام الامامة والانسان اذا ما تعمق في جذور هذه المناسبة تتفتح أمامه الكثير من الآفاق التي من خلالها يستطيع ذلك الانسان ان يقف على مكامن العظمة لصاحب المناسبة المتوّج بالإمامة بأمر السماء: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾[2] وعلى يد رسول الله الاعظم محمد (ص) وبمبايعة من المسلمين الذين اجتمعوا في الغدير، عندما رجع من تقدم، وتقدم من تأخر وكانوا قد خرجوا من ذنوبهم كما يكون الانسان عند خروجه من بطن امه، لم يعلق به دم حيث الحج الاكبر غسيلٌ لما وقع من الذنوب، بتلك النفسيات وبتلك الحالة من الروحية الاسلامية العارمة، بايع المسلمون علياً طائعين غير مكرهين، حتى قال قائلهم: بخ بخ لك يا علي اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، الامام علي (ع) كلمة عظيم تقصر أمام عظمته، عليٌ (ع) المرآت التي من خلالها نستطيع ان نقرأ حياة النبي (ص) في كل ابعادها وعليٌ (ع) المرآت التي تعكس لنا تجسيدا لمفاهيم الاسلام ومبادئه وقيمه، عليٌ (ع) صنيعة النبي (ص) منذ نعومة اظفاره.
الدور المتقابل للشباب والكبار في المجتمع
هناك ملاحظة هامة هي ان الطبقة التي آمنت بالنبي بادئ ذي بدء وهي المقصودة بالدرجة الاولى كانت من طبقة الشباب وعندما تقوم بقراءة لحال الرجال الذين التفوا حول الرسول (ص) وآمنوا به في مكة نرى ان الغالبية العظمى كانوا من الشباب الا ما ندر، بل ربما التاريخ لا يسعفنا على اكثر من اشخاص لا يتجاوز عددهم اصابع اليدين في احسن تقدير كانوا من الشيبة، والا فالبقية كانوا من الشباب، في كل حركة مفصلية في التاريخ كان للشباب دور وبصمة، بل ان كفة الميزان ترجح عندما يكون الشباب فيها وهذا لا يعني ان نقلل من اهمية ما للكبار والشيبة من دور، لذلك نرى امير المؤمنين علي (ع) يقول: «رأي الشيخ أحب إلي من جلد الغلام»[3]، أي ان حكمة الكبير، هدوء الكبير، سكينة الكبير، تجربة الكبير، كلها تأتي في كفة راجحة، يعني اذا كان للفتوة دور واهمية كذلك للشيخ الكبير دور وأهمية، لذلك لاحظوا المجتمعات والامم التي يتقدم صفوفها كبارها تسير سيرا سجحا، لكن عندما يغيب الكبير يبدأ الخلل في كل حركات التاريخ سواء كانت مرتبطة بالجانب الديني او كانت مرتبطة بالجوانب الوضعية التي وضعها الناس فيما بينهم، الكبير عندما يغيب في الاسرة يترك خلل والمدير في الشركة يترك خلل والرئيس في الدولة يترك خلل وعلى هذا فقس ما سواه..
الغرور؛ معناه واثره على الانسان
كان الغرور من اشد الامراض فتكاً بين اصحاب القرن الاول وبمراجعة بسيطة وسريعة لما دوّن في التاريخ تجد ما يعينك من الشواهد الكثير، ومعنى الغرور والتكبر هو ان لا ترى الغير، لا ان تحتفي وتعتز بما هو في يديك شريطة ان لا تلغي الآخر، يعني ان يعدد الانسان مناقبه ليس فيه شيء من التكبر والغرور، لكن عندما يكون الهدف من ذلك اسقاط الآخر هنا تكون العملية دخلت في نفق مظلم، حديث قصير مروي عن الامام علي (ع) ونحن نعيش في ذكرى الغدير يعالج هذا المرض الفتاك ويحذر منه حيث يقول (ع): «لا يتواضع الا الكبير ولا يتكبر الا الحقير، ولا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع وكم من كبير عقله فارغ»
لا يتواضع الا الكبير، الذي يتواضع هو الكبير الذي عرف نفسه لذلك تواضع لأنه يقرأ من هو اكبر منه ثم يرتقي ويصبح كبيرا اكثر فينظر من هو اكبر منه فيتواضع.
ولا يتكبر الا الحقير؛ الذي ليس لديه وزن وقيمة تكون النظرة عنده عكسية.
ولا تقاس العقول بالأعمار، ليس من الضروري ان يكبر عقل الرجل مع كبر سنه، يوجد بعض الناس الأمر عندهم عكسي كلما يكبر عمره يقل من عقله وهذه مصيبة وليس من الصحيح ان نقيس ونقول بما ان فلان عمره اكثر اذن عقله اكبر، أو لأني أنا اكبر من فلان فإذن أنا اعقل منه وهذه مصيبة ليست حديثة بل هي كانت منذ القرن الاول وجرت ويلاتها الى اليوم حتى أصبحنا نحن لا نعتقد الا في صاحب اللحية البيضاء والظهر المنحني! في حين هذا ليس شرطاً احياناً القراءة، الاحتكاك، السفر أو ... كلها امور تنمي الوعي والادراك وتطور من هذه الملكة.
فكم من صغير عقله بارع؛ نحن ذكرنا في ليلة من الليالي قصة هشام ابن الحكم رضوان الله تعالى عليه صاحب الامامين الصادقين الذي كان عمره سبعة عشر سنة عندما دخل على الامام (ع) في منى في مثل هذه الايام، والامام جالس بين اصحابه كيف ان الامام استوى قائماً يستعد لاستقباله! وكان ذلك بسبب عقل هشام الكبير لا سنه الصغير.
وكم من كبير عقله فارغ؛ عوامل التكبر كثيرة منها الاموال انا عندي اموال، انت ليس لديك اموال، اتكبر عليك ولا ادري ان هذا المال احيانا يكون امتحان للإنسان، أو يكون التكبر على حساب العلم قد يتصور شخص بانه يحضر الدروس وصاحب علم لذلك يبدء يتكبر حتى يصل به الامر ان يتكبر حتى على ابويه ويرى نسبته لأبيه في المحافل والمجالس العامة منقصة له! هذا موجود، يعني هو قبل ان يحصل على الشهادة كان يقبّل رأس ويد والده، لأنه كان يعتبره صاحب النعمة عليه، لكن بعدها اصبح يستثقل بل حتى يستنكف ان يقوم بذلك! انا اقول لكم يا شبابنا الاعزاء ويا اولادي! صغار اليوم كبار غد؛ اقول لكم تقبيل يد ورأس الاب أو الأم أوجب عليكم من ان تطبع قبلة على رأس أي شخص كان، حتى اذا كان من رجال الدين! تقبيل رأس والديك اثقل في الميزان عند الله، وان اردت من التقبيل احترام العلم الذي يحمله ذلك الانسان، لكن بالتالي ابدء بأبيك، لا تتكبر، لا تترفع لا تتغطرس فهو اصلك الذي تفرعت عنه وولي نعمتك الذي غذاك من عرقه لقمة طاهرة طيبة حلال، ولولا ظله وتعبه وسهره لما وصلت الى ما وصلت اليه، هذه النقطة يجب ان يركّز عليها، هذا يعطينا وقود للتواضع مع الآخرين، وهذه الأمور الاعتبارية الموجودة في المجتمع كون فلان رئيس جهة معينة أو فلان مدير مؤسسة أو مسؤول فلان مكتبة، أو اتقدم لإمامة الجماعة او... هذه كلها امتحان وتكليف وليس تشريف، اذا تعاملنا على هذا الميزان حينها ستختلف الأمور عندنا، ولا يفهم احد من كلامي باني اخالف تقبيل يد أو راس العلماء، لكن اقول اذا كان عندك حالة من التكبر جراء شيء وصلت اليه على ابويك فلا حباً ولا كرامة لأي قبلةً تطبعها على رأس عالم مهما كبر ذلك العالم، انظروا الى السيرة العملية لأمير المؤمنين علي (ع) هو بتلك العظمة الا انه يقول: «أنا عبد من عبيد محمد (ص)»[4] علينا أن نأخذ الدروس والعبر من الامام علي (ع) ونقتدي به. وفقنا الله واياكم لكل خير، جعلنا الله واياكم من المتمسكين بولاية علي (ع) الولاية العملية اي لابد ان نطبق ما يريده الامام (ع). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.