نص كلمة: خديجة عليها السلام قدوة

نص كلمة: خديجة عليها السلام قدوة

عدد الزوار: 1246

2018-02-06

ليلة الثلاثاء 1439/5/12 هـ في مسجد العباس بالمطيرفي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على نبينا الأمين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

«فاطمة مني وأنا من فاطمة»[2]

السيدة خديجة عليها السلام؛ المرأة القدوة الكاملة

إذا فتشت عن اقصر نسب عرفه التاريخ فذلك هو النسب الذي تشرف بفاطمة بنت النبي محمد (ص)، فإذا قيل «فاطمة بنت محمد» لا يحتاجون إلى ما وراء ذلك، كيف لا وهو النبي (ص) كل الكمال في ذاته وما انحلّ كمال وشاع إلا من نمير عطائه، هو الذي اصطفاه الله سبحانه وتعالى بين البشر كافة ليكون سيدهم وليكون القدوة التي يسير على هداها من أراد الوصول إلى الكمال، أمها خديجة أم المؤمنين، أول امرأة صدّقت النبي وآمنت به، ثم التحقت بركبه كزوجة لترسم مع النبي مكوّن عائلة لا تضاهيها عائلة، خديجة عليها السلام في زمانها كمال المرأة وسمو المرأة وصلاح المرأة وإيمان المرأة، خديجة ضحت بكل شيء، ليس بالمال فحسب، وإنما قدّمت روحها الزكية بين يدي النبي إيماناً واعتقاداً، وأما إنفاق المال فهو من آثار هذا ولا عكس في البين، خديجة سلام الله عليها ملكة العرب في عصرها بمقاييس اليوم حيث كانت أغنى امرأة عرفتها جزيرة العرب، فيها من الأدب والنبل والكمال ما تقصر الكلمات عن بيانه، لو لم يكن من حسناتها إلا ذلك الوقوف إلى جانب النبي في زمن العسرة لكفاها في مسار الجهاد الطويل والبلوغ من خلاله إلى الهدف الأسمى.

السيدة خديجة عليها السلام؛ وعاء لأكمل انسان

أما ثمة شيء مهم؛ الزهراء سلام الله عليها أكمل إنسان عرفها الوجود، هذا الكمال الانساني في جانبه الأنثوي يحتاج إلى وعاء وإلى ظرف يتناسب مع كمال هذا الانسان المتجسد في الزهراء سلام الله عليها، تلكم هي خديجة سلام الله عليها، خديجة متقدمة في كل جوانب حياتها على كل النسوة من حولها؛ مثلاً اعتاد العرب ان يخطبوا لأنفسهم وان يقدموا هداياهم حين ذلك، خديجة على العكس من ذلك هي من خطبت لنفسها، لكن الخطبة ليست عشوائية كما يحصل اليوم وإنما تلك الخطبة التي تكشف عن كمال تلك المرأة ورشدها وحالة النضج العقلي التي كانت تتمتع بها، خطبت النبي لنفسها النبي استجاب ثم جاءت بعض الرسوم المتعارف عليها، نتاج هذا الزواج المبارك هي الزهراء بنت النبي محمد (ص)، أيضاً هنا يقول الانسان قف وكفى!

وقفة قصيرة عند معنى «الكوثر»

الزهراء ليست كغيرها من النساء، الزهراء الكوثر بصريح القرآن: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ[3]، هناك اكثر من خمسين رأي في بيان معنى الكوثر، لكن يتقدم على جميع هذه الآراء ما جاء فيه من طريق الفريقين ان المراد بالكوثر في هذه الآية الشريفة والمستفاد من السياق تارة وسبب النزول أخرى والقرائن المكتنفة أنها الزهراء سلام الله عليها، على العكس من الآراء الأخرى التي تحتاج إلى المزيد من بذل الجهد في تثبيت الدلالة والمفاد من اللفظ بخصوص معنى آخر كما قالوا مثلا هو نهر في الجنة وهذا يحتاج إلى دليل، او قالوا بان المقصود هو الاسلام وهذا ايضا يحتاج إلى دليل وهكذا بقية الأقوال..

أهمية القراءة‌ الصحيحة لحياة السيدة خديجة عليها السلام

لكن يبقى هنا سؤال وهو أن السيدة‌ خديجة عليها السلام كم تشغل من المساحة في مجالسنا، أو بعبارة أدق ما هو الأمر الأكثر حاجة لما كانت عليه أم المؤمنين خديجة سلام الله عليها في بنائها لأسرتها ان تكون قدوة لها هي المرأة المؤمنة المسلّمة للنبي بالرسالة، هي عبارة عن زوجتي وزوجتك وأختي وأختك وابنتي وابنتك ممن يعتقدون في خديجة ما ينبغي ان يعتقد من كمالها وكيف لا يكون ذلك والنبي (ص) هو المصدر في تلك الحالة من الكمال التي تعيشها خديجة سلام الله عليها، حركات ذلك البيت، سكنات ذلك البيت، ما يقال في جنبات ذلك البيت المحمدي كله تحت رعاية السماء من البداية حتى النهاية، اليوم بعض النساء كم من المجالس تحضر؟ أصلا بعض النساء تفرط في واجبات الزوج في سبيل ان تقيم مجلس في بيت فلانة وبيت فلانة أو في حسينية النساء الفلانية، أو تحضر فلان مجلس عزاء أو فلان مجلس ذكر، بحيث لا تقوم حتى بلوازمها البيتية كما ينبغي بسبب ذلك، نعم حضور هذه المجالس مطلوب وشيء جيد لكن يجب ان يكون له الأثر الحسن عند المرأة، لكن نحن نشاهد مع الأسف في بعض الاحيان حينما تسألها أو تطلب منها ان تتكلم عن السيدة خديجة خمسة دقائق لا تتمكن من ذلك، أو تطلب منها ان تتكلم عن ادب خديجة، عن علم خديجة، عن سلوك خديجة، عن تربية خديجة، عن ابعاد شخصية خديجة سلام الله عليها أبداً لا تتمكن، المرأة اليوم في مسيس الحاجة ان تقرأ خديجة سلام الله عليها كي تسير على نهجها، لابد ان تتمعن في حياة خديجة سلام الله عليه تلك العابدة في الليل المجاهدة في النهار، السيدة خديجة كان جهادها في بيتها، جهادها خلف النبي في خارج بيته أيضاً كانت تصحبه إلى غار حراء تسمع الوحي هذه هي خديجة سلام الله عليها، الله سبحانه وتعالى ينعم عليها بالزهراء سلام الله عليه، لنرى كيف كانت خديجة تتعامل مع الزهراء سلام الله عليها ونرى كيف تتعامل نساءنا مع بناتنا!

المجالس المحببة عند اهل البيت عليهم السلام

أنا لا اقول لا تقيم المجالس ولا تذهب اليها، لان في ذلك ثواب وأجر عظيم ان شاء الله، لكن بالتالي أهل البيت عليهم السلام لا يريدون فقط أن نحضر عامة المجالس التي قد يكون البعض منها مجرد كلام وشعر وكرامات لا اساس لها والتي لا تقدم من مكون المرأة كي تنهض ببناء أسرة ناهيك عن مجتمع، بخلاف ما لو تحولت مثل هذه المجالس إلى مجالس فيها علوم أهل البيت، روايات أهل البيت الصحيحة المنقحة، قراءات العلماء البررة الأتقياء العارفين.. حينها سترشد المرأة وتكمل الأسرة وبعدها يكمل المجتمع ويرشد، حينئذ لا تحدث مثل هذه المصائب وهذه البلايا.

مظلومية السيدة خديجة عليها السلام

السيدة خديجة سلام الله عليها ضحت بكل شيء، كانت تستطيع ان تعيش عيشة الملوك كما يقولون، الا انها انفقت كل شيء في سبيل الرسالة، في سبيل ان تقدم انموذج كامل للمرأة هذه هي خديجة، اليوم ومع شديد الاسف السيدة خديجة لا تذكر واذا ذكرت تذكر مرور عابر مع ابنتها الزهراء سلام الله عليها، حتى اسمها اليوم البعض يستثقل ان يضعه على بناته بحجة ان هذا تخلف! هذا من أين جاء؟ عندما نلغي عقولنا وتتحرك فقط عواطفنا (وليتنا كنا نحن الذين نتصرف بعواطفنا، بل يتصرف غيرنا فيها)، فخديجة في ذكرى شهادة ابنتها الزهراء سلام الله عليها ينبغي ان يسلط الضوء عليها، والمفروض اني أتلكم في هذه الليلة عن السيدة الزهراء سلام الله عليها لكن أرى ان هناك اجحاف بل اكثر من ذلك في حق السيدة خديجة عليها السلام، نسال من الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المتبصرين لمدرسة أهل البيت من خلال آثارهم، السيدة خديجة عليها السلام امرأة من قريش لكن يهبط الأمين جبرائيل على النبي محمد (ص) ويقول له: يا محمد! السلام يقرئك السلام ويقول لك ابلغ خديجة عنا السلام[4] هذا مقامها، لكن مع الاسف نحن لا نسمع عنها في إذاعة ولا نسمع عنها في تلفاز ولا نسمع عنها في الصحف ولا نسمع عنها في المجلات ولا حتى في الكتب ... وفقنا الله وإياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة لله وبركاته.