نص كلمة: حياة النبي (ص) مدرسة عطاء دائم

نص كلمة: حياة النبي (ص) مدرسة عطاء دائم

عدد الزوار: 746

2018-12-01

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

مدرسة أهل البيت عليهم السلام والعطاء المستمر

اسعد الله ايامنا واياكم وثبتنا الله واياكم على الولاية لمحمد وآل محمد عليهم السلام، جاء في الحديث الشريف عن النبي (ص) انه قال: «زينوا مجالسكم بالصلاة عليّ فإن صلاتكم عليّ نور لكم يوم القيامة»[2]

الحديث عنهم عليهم السلام يمثل مدرسة إذا أمسك الواحد منا بأي طرف من الأطراف الموصلة إليها استطاع ان يبني مكونه كما أرادته تلك المدرسة التي هي عبارة عن اصلين أساسيين وهما: القرآن الكريم الذي انزل على قلب الحبيب المصطفى وبلغ رسالته والسنة المطهرة التي رواها الائمة عن النبي الاعظم محمد (ص)، هذه الليلة من الليالي التي لها خصوصيتها ألا وهي ليلة الجمعة، الليلة المباركة اضواء ذكرى المولد الشريف للنبي الأعظم (ص) والامام الصادق (ع) لها اشراقاتها من عوالم الانوار والامتدادات تأخذ جميع الفضاءات من حولها وتتسلل الى القلوب الطيبة والطاهرة والصافية والنقية من كل كدر.

الصدقة التي يحبها الله سبحانه وتعالى

روي عن الامام الصادق (ع) انه قال: «صدقة يحبها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا»[3]، نحن عندما نسمع بالصدقة المتبادر لأذهاننا هو عبارة عن بذل المال في جهة، انفاق الغني على الفقير، أحياناً رغبةً في زيادة الخير، أحياناً لدفع الشر، أحياناً لقضاء الحوائج، أحياناً لشفاء المرضى وهكذا ... يعني صدقة من أجل شيء، لكن الصدقة ليست حصراً في هذه الأمور وعلى هذا الجانب وان كان هو المصداق الأبرز الذي يسبق إلى ذهني وذهنك، لكن المقصود في حديث الامام الصادق (ع) هو ما يأتي به النص: صدقةٌ يحبها الله؛ لكن ما هذه الصدقة؟ قال: إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا، نحن في هذه الأزمنة نظراً لسيطرة الجانب المادي على حياتنا على حساب الجانب الروحي من الطبيعي ان تطرأ على المشهد مجموعة من الخلافات والمشاكل وعدم التوافق سواءٌ كان ذلك في ضمن مكوّن الأسرة أو المجتمع أو الطائفة أو الأمة وهذا شيء طبيعي، عندما ننصرف إلى الجوانب المادية ونلغي الجوانب الروحية وما لها من الأثر تكون الأرضية مهيئة لان تنموا فيها بذور الشقاق والنفاق والاختلاف والتقاطع ثم بعد ذلك ما هو الأسوأ ألا وهو التصفية والعياذ بالله والذي ابتليت بها بعض المجتمعات ونسال من الله سبحانه وتعالى ان تكون المجتمعات التي نحن فيها محصنةً، اذن علينا ان نعمل في تحصيل ما يؤمّن مصداقا لهذا اللون من الصدقة، ان نسعى في طريق الاصلاح إذا ما وجدنا حالة من عدم الاتساق أو حالة من الانحراف في بادئ بدئها علينا ان نبادر لإصلاح الخلل، لترميم العطل، لسد الفرجة؛ لأننا متى ما تركنا هذه الامور ستستفحل وتتسع ثم يزيد الفتق على الراتق وقتها ولات حين مناص ما كان يحل بكلمة الكلمات لا توفيه بعد ذلك، ما يحتاج إلى البذل القليل البذل الكثير لا يؤمنه ... نسال من الله سبحانه وتعالى ان يكون المجتمع الذي نحن فيه يعيش هذه الحالة من المبادرة في الاصلاح.

أدب الحوار في مدرسة النبي الأعظم (ص)

الامر الثاني نقتبس من حياة النبي الاعظم (ص) قبس ألا وهو ادب الرسالة وروح الحوار، اليوم شبابنا يختلف الحال عندهم عما كان الشباب عليه قبل عقود من الزمن، الذين يشكلون اليوم الطبقة المتقدمة من ناحية العمر على من جاء بعدها من الأولاد والأسباط والاحفاد، ذهنية شبابنا اليوم متفتحة متنورة سواءٌ اكتسبت تلك الثقافة والحالة من التنوير من خلال القراءة والمتابعة او من خلال السماع، اليوم مسارات الفكر ليست محصورة في زاوية معينة أو محصورة باتجاه معين او ... وإنما هي متعددة ومتشكلة ومتقلبة الاحوال والاطوار بناء على ما لها من المسارات المفتوحة، فانا اقتبس منها شيء وانت تقتبس منها شيء آخر من خلال قراءاتي ومتابعات الآخر من خلال الحوار الذي يحصل في مجالس الشباب وفي ملتقياتهم واستراحاتهم في مجاميعهم فتحصل الكثير من الأمور، الشيء الذي ينبغي ان أنبه عليه هو الحفاظ على أدب الحوار، ان يتأدب الانسان في حواره مع الطرف الآخر سواء كان ذلك الطرف من مكون الاسرة أو من مكون المجتمع أو من محيط آخر أو من طائفة أخرى أو من مذهب آخر أو من دين آخر، أصلا حتى مع من لا دين له على الانسان ان يلتزم حدود الادب، اسوتنا في هذا هو صاحب المناسبة النبي الاعظم محمد (ص) في أي مجتمع عاش النبي (ص)؟ في مجتمع مكة، في مجتمع المشركين الذين صبوا الوان العداء وكل اشكال الاذى على النبي (ص) في المقابل ماذا فعل الرسول (ص) سوى أن قال: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون»[4]، أي طلب لهم الرحمة والهداية والتوفيق والصلاح، بعض الانبياء دعا على قومه، الا أن النبي (ص) دعا لقومه وفرق بين «على» و«الى» هذا هو النبي (ص)، نحن ايضا ينبغي ان نسير على نهجه على الطريق الذي خطه لنا، ان نحمل صدور واسعة، نفسيات مطمئنة بما هي عليه وتسري الطمأنينة في الطرف المقابل كي يبوح بما يجول في خاطره وقتها ترتقي الافكار فيما بينها، من بيده الدليل سوف يبقى ومن يفتقد الدليل سوف يذهب هو وما يدعيه وهذه الحالة طبيعية.

الانفتاح وتقبل الآخرين وعدم الغائهم

 القرآن يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[5] هذه الاسوة الحسنة ينبغي ان نحافظ عليها، هذا البعد المعنوي المقتبس من هدي النبي (ص) في بلاغ رسالته ينبغي ان يكون هو سيد الموقف الذي نحن نعيش فيه ويترتب على هذا عدم إلغاء الآخر مهما كان معتقده وفكره وأسلوبه في الحوار، نحن إذا تمسكنا بطريقة النبي (ص) المثلى في التعامل مع الآخر حينها سوف لا نلغي الآخر، لأنه هل كان النبي يلغي الآخر؟ أم كان ينفتح عليه ويتبسط له؟ عندنا في الروايات ان النبي (ص) اذا اقبل عليه من ليس على دينه وهو دين الاسلام يقوم له النبي (ص) احتراما ثم يبسط رداءه له والنبي يفترش الارض، نحن اليوم أصبحنا مع شديد الاسف حتى في داخل مكوننا المذهبي في دائرة ضيقة اصبح الواحد منا لم يتحمل الآخر في الجزء الصغير ناهيك ان تكون الكلمة بالمطلق، لذلك اصبحنا طرائق، اصبحنا نقدم من نرجع اليه في امورنا العبادية البسيطة جدا جدا على حساب ما هو الاهم، لذلك ينبغي ان نلتفت الى‌ ان المرجعيات هي بمثابة عصمة لما نقوم به من قول وفعل فعلينا ان نحافظ على هذا المكوّن في حدود ما يؤمّن لنا لا أن نجعل منه سيفاً قاطعاً على من لا نتفق معه في وحدة التقليد، بل على العكس من ذلك تماماً، قد لا نكون قد ابتلينا بهذا الأمر ولكن قد نبتلي به في المستقبل مع تكثر الناس وتلاقح الافكار وانفتاح المجتمعات على بعضها يجب ان نعدّ العدة كاملة كي نتجاوز ما قد يترتب على ذلك من مخاطر كما عاشتها المجتمعات الأخرى والا فتعدد التقليد أمر مشروع وينبغي ان يحترم، وكل شخص له الحق في الرجوع الى مرجعه ويحترم الآخرين في الرجوع الى مراجعهم هذه الحالة الطبيعية التي ينبغي ان تسود المشهد.

زرع روح المحبة من خلال الأخلاق الحسنة

الأمر الآخر هو زرع روح المحبة مع من نحاوره علينا ان نشعره أنه الحبيب وأنه المقرب وأنه المراد وأن ما يدور من نقاش إنما من اجل ان نصل الى نتيجة فيها صلاح الطرفين المتحاورين، اذا جعلنا هذا الامر نصب اعيننا حين الحوار والأخذ والرد وتكون النية الراشدة هي التي تسود الموقف حينها سنصل الى نتيجة طيبة وحسنة، لكن اذا تخلف هذا الامر فليس وراء ذلك إلا القطيعة والتدافع والكل يفتح ناره على الآخر، نسال من الله سبحانه وتعالى لمجتمعاتنا العصمة والثبات والاستقرار وان يبعد عنا وعنكم وعن المجتمعات المؤمنة اين ما كانت والمسلمة في دائرة اوسع شر الاشرار وطوارق الليل والنهار، لكن كيف نزرع الثقة ونزرع روح المحبة والاطمئنان في الطرف الآخر؟ هناك صورتان لوجه واحد قد تجتمع وقد تفترق، هناك وجهٌ بشوش لإنسان يحمل طلعة بشرة جميلة، وهناك شخصٌ آخر عبوس قمطرير، في بيته عبوس قمطرير، مع ابنائه عبوس قمطرير، مع زوجته عبوس قمطرير، مع اصحابه عبوس قمطرير، في المدرسة مع الناس في عمله ومع المراجعين، مع الموظفين الذين يشاطرونه نصف العمل أيضا عبوس قمطرير ما عسى ان تكون حيات هذا الانسان؟ ليس الا الجحيم والعياذ بالله، العكس من ذلك إذا كان الانسان مبتسم ويرسم اشراقة الابتسامة عندما يلتقي اخاه في الطريق، في الدائرة، في المدرسة، في البيت، عند الفرح ومناسبات الافراح كثيرة هذا أيضاً ايها الاحبة لابد ان نلتفت له ونركّز عليه.

الابتسامة من اجلى‌ مصاديق المعروف

 عندما تبتسم في وجه أخيك المؤمن تتفتح جميع أسارير الروح والنفس عند الطرف المقابل وقتها خذ ما شئت، لكن إذا كان العكس! فينبغي لكل شخص ان يدخل تجربة مع ولده في البيت في اليوم الذي يرسم الابتسامة ويجعلها جسرا بينه وبين ولده وبين اليوم الذي يسحب الابتسامة ويستبدلها بالنقيض ويرى ماذا سيحدث وينظر الى الفارق الكبير بين هذين الأمرين ومن اقرب لك من ولدك؟ فما بال الانسان في الشارع، والانسان في المدرسة والانسان في العمل والانسان في السفر، الابتسامة جزء من مشروع المعروف الذي ينبغي ان نكثر من مصاديقه حتى يكبر. جاء في الحديث النبوي الشريف: «لا تحقرن من المعروف شيئا ومن المعروف ان تلقى أخاك بوجه طلق وبشر حسن»[6]، اذا لم يكن لديك الامكانية في ان تساعده على الاقل استقبله بوجه طلق وبشر لترتسم في وجهك حسن اشراقة طيبة مع ابتسامة ناعمة وهذا اقل المعروف لابد للإنسان ان يحافظ عليه. رواية أخرى أيضاً مروية عنه (ص): «تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة»[7]، لاحظوا الصدقة ليست اصل ولا فرع وانما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروع الدين لكن لاحظوا النص في صدره جاء بالصدقة وفي ذيله جاء بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل ان التضحيات في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اكثر ام التضحية في الصدقة؟ الصدقة قد تتحقق بإعطاء‌ مثلا ريال واحد لكن النبي (ص) يقدمها في هذا الحديث الشريف فيجب ان نلتفت الى‌ هذا الشيء، المعروف مهما صغر فله قيمته، لأنك لا تصنع المعروف الا رغبةً في القبول من الله سبحانه وتعالى.

حفظ الأسرار وأهميتها

الامر الآخر هو حفظ الاسرار ايها الاحبة أيضاً اخواني ابنائي حفظ الاسرار من شيم الكبار، اليوم احيانا نرى شخص عنده صديق فترى كل اسرار البيت عند صديقه! من الذي اباح له ذلك؟ أو ترى المرأة مع صديقتها كل اسرار البيت من الغرفة الى الصالة الى المطبخ الى الاولاد الى الزوج عند صديقتها! من خول لها ذلك؟ اذا وجدت انساناً يكشف اسراره للآخر فهو صغير في نفسه، فعلى الانسان أن يكون كبيراً، شيمة الكبار هي كتم الاسرار وفي المحافظة على كل ما يجري وان يجعله في صندوق، أنا اجلس معك تتحدث معي واتحدث معك ثم نتوادع وننصرف انا في سبيلي وانت في سبيلك كأن شيئا لم يكن هكذا تحصن المجتمعات، هكذا يحافظ على الهوية، هكذا تكون للكلمة قيمة تستحق أن يضحي الانسان من اجلها، أما إذا كانت المجالس مكشوفة بمجرد ان تتحدث بكلمة في مجلس ما وإذا بك تنتقل الى مجلس آخر وترى الكلمة تجتاح مساحات ذلك المجلس خصوصا مع وسائطنا اليوم، يعني الكلمة التي تحدثت بها في هذا المكان تصل للمكان الثاني قبل ان تصل انت اليه! وهذا موجود اليوم في أوساطنا، فكتم وحفظ الاسرار شيء مهم، لذلك القرآن الكريم يركز على هذا حيث يقول: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا[8] فيجب ان نحافظ على عهودنا ومواثيقنا.

المجالس بالأمانات

‌ القرآن الكريم يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ[9] هؤلاء هل هم ممدوحين ام مذمومين؟ مذمومين طبعاً، الكل معرض للخطأ والاشتباه ولا يوجد أحد يدعي العصمة لنفسه، لنفرض ان شخصا سواء كان كبيراً أو صغيراً صدر من عنده خطأ في قول أو اشتباه في فعل أو ارتكب ذنباً، العصمة فقط موجودة عند أهلها لا يوجد معصوم إلا الانبياء والرسل ومحمد وآل محمد، غير هؤلاء ليس لديهم العصمة، وليس لديهم القدرة في ان يدفعوا عن انفسهم، نعم على الانسان ان يسال من الله سبحانه وتعالى لنفسه ان يكون معصوما في ذلك الموقف، والا لو ابتلي الانسان وامتحن فليس معلوما أن يتخلص من موقف مفاجئ، القرآن الكريم يقول: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ[10] الفتنة تلاحقهم ليلا ونهارا، اصلا احيانا هناك من يخطط للفتنة لإيقاعك وايقاعي بها، فينبغي على الانسان ان يكون حذرا واعيا ملتفتاً الى ذلك، النبي (ص) يقول كما في الرواية: «إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة»[11]، نعود لأصل المطلب يعني حفظ الأسرار، انا جالس معك في جلسة أخوية في مكان ما وتناولنا قضية معينة تتعلق بزيد من الناس او عمر من الناس، الاخوات أيضاً نفس الشيء عرضت لأختها أو خالتها قضية معا، فبعد ان يفترقا انتهى الأمر أصبح امانة في رقبة الانسان، فهل ان الامانة تؤدى يعني يحافظ عليها، أم تنشر وتشاع بين الناس؟ طبعا لابد أن تحافظ عليها.

أهمية تجنب الغيبة

 الأمرُ الآخر هو تجنب الغيبة، واليوم الغيبة حاضرة في حواراتنا وبشكل قوي جداً جداً، بل قد تكون فاكهة بعض المجالس (حاشى هذا المجلس الطيب بكم) في بعض المجالس الغيبة لو لم تكن حاضرة ترى البعض بعد مدة قصيرة يكرر النظر الى ساعته ويقول الوقت قد طال ويريد الخروج من ذلك المجلس، لأن فاكهة المجلس غير موجودة (أي الغيبة) وتعتبر الغيبة من أسهل الذنوب إذا ما أراد الانسان أن يرتكب ذنباً، يجلس مع زيد من الناس ومجرد ان يسأل ما رأيك بفلان؟ فترى الطرف الآخر يقدم لك تقرير كامل وكأنه قد شكل لجنة قبل هذا! فيسرد لك كل الماضي والحاضر وربما اللاحق (لأن الذهن والخيال يعمل وهو في حالة‌ استنباط).

سوء الظن ومساحاته

واوسع الطرق الموصلة الى الغيبة هو سوء الظن بالآخرين ـ والعياذ بالله ـ لذلك القرآن يشدد بقوة ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ[12]، لأنه لو كان هناك حسن ظن فهو لا يذهب الى الغيبة، لكن لان السلّم الذي يصعد من خلاله هو سوء الظن ـ والعياذ بالله ـ احيانا لم يفهم الكلام، فبدل ان يرجع ويستعلم الحال ويدفع حالة الاشتباه بالسؤال منك يذهب لشخص آخر ويسأل منه! في حين يجب ان يأتي اليك لأنك انت صاحب القضية وصاحب العلاقة في المشهد، نحن اليوم هل ان هذا البند مفعّل في حياتنا أم معطل؟ طبعاً معطل وبكل وضوح، يكفيك أن تقول كلمة لشخص لم يفهمها بشكل صحيح ماذا يحدث؟ هو الآن بجانبك فلم يسأل منك ويستوضح الأمر منك، بل يذهب الى مكان آخر ويقول انا سمعت من فلان يقول هكذا! يقال أن احد الاشخاص بلغه أن فلان انتقل إلى رحمة الله تعالى فبعد يومين أو ثلاثة‌ أيام رأى ذلك المتوفى أمامه! فقال له يا حاج فلان ألم تمت لحد الآن، فقال له الحمد لله انا أمامك حي، قال له لكن الآن هذه مشكلة لأن فلان من الناس قال لي بانك ميت وانا الآن مصدوم لأنك لم تمت! نحن احياناً ندخل الأمور من هذا الباب، في حين انك لا بد ان تهتدي بهدي النبوة‌ والرسالة ويجب ان تصدق اخاك وتكذب نفسك، إذا قال لك انا لم اقل هذا الكلام عليك ان تصدقه، أنت صدق اخاك وكذب نفسك وأنظر الى الحياة كيف ستكون.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا لا داعي بان تشغل نفسك، لأن هناك ملائكة وملكين موكلين بك وأمامك طاولة الحساب يوم القيامة عليك أن تذهب وتناقش وتدافع عن نفسك: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا لماذا يأتي الينا بصفة منفرة وبشعة: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وهي الميتة لكي نتعظ! الانسان اذا خرج من الباب وأغلق الباب فهو في حكم الميت بالنسبة لك، أي كلمة لا يرتضيها في حقه تنطق بها في حال غيبته كذلك الانسان الذي جالس على جسد ميت ويقطع ويأكل! بل اشد بشاعة عند من يملكون البصيرة اشد بشاعة، القرآن ضرب مثلا لان كل الناس تفهم ما معنى أكل لحم الميت.

استبدال حالة سوء الظن بحسن الظن

 ﴿وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ورد في الحديث عنهم عليهم الصلاة والسلام: «من رد عن عرض أخيه المسلم وجبت له الجنة البتة»[13]، والرد عن العرض ليس فقط للتجاوز الذي ينصرف اليه ذهني وذهنك، وانما هذا ايضا من سياق الكلام الذي يستخدم من خلاله الصور البشعة حتى ينفر الانسان من الشيء القبيح، هذا الانسان عندما يغلق الباب ويترك المجلس أمّنك عرضه، عليك ان تحافظ عليه، اذا ما اراد شخص ان يتكلم في هذا الجانب عليك ان تقطع الطريق عليه لا يوجد هنا مجال للمجاملة، نحن مشكلتنا اليوم المجاملات الموجودة فيما بيننا، لكن على حساب من؟ هل على حساب الدين وعلى حساب المجتمع في وحدته وانسجامه وتعاونه ومحبته، إذا ما سادت روح اللحمة الواحدة حينها سوف تستبدل حالة‌ سوء الظن بحسن الظن، مثلا فلان من الناس مرّ ولم يسلم عليّ، فبدل ما أذهب الى‌ المجالس واشهر به وادعي بان فلان انسان اهملني ولم يسلم عليَّ، أخذ جانب حسن الظن واستبدله مكان سوء الظن وأقول لعل فلان يمر بمشكلة، عليّ ان اتصل عليه واستفسر منه وأقول له ان شاء الله لم يحدث لك سوء واذا تحتاج الى‌ مساعدة فانا في خدمتك، فهذا الانسان قد يكون ذهنه مشغول في مصيبة ومن منا اليوم ليس لديه مشاكل وقضايا تجعل ذهنه مشتت، إما امراض، إما امور مادية، إما ينتظر وظيفة ولم يوفق لها، وإما يريد الزواج ولم يتم، أو يطلب طفل بعد الزواج، أو يريد بيت أو ... فكل هذه الأمور ممكن ان تشغل ذهنه، فعليك ان تحمله على محمل الخير، أفضل من أن تأخذ الشق الثاني. رواية أذكرها واختم بها حديثي روي عن النبي (ص) انه قال: «إن في الجنة ثمره أكبر من التفاح أصغر من الرمان أحلى من العسل أبيض من اللبن قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: لمن سمع اسمي وصلى عليّ»[14] وفقنا الله واياكم لكل خير، اخذ الله بأيدينا وايديكم، جمعنا الله واياكم تحت راية الامام علي (ع) يوم القيامة، اوردنا الحوض إن شاء الله جميعاً، كتبنا الله واياكم من الزائرين والمداومين على الزيارة لمحمد وآل محمد، نسال الله سبحانه وتعالى ان يشافي جميع المرضى وان يدفع البلاء وان يجمعنا واياكم في القادم من الايام تحت قبب الائمة الأطهار عليهم السلام ان شاء الله، اعتذر لكم على الاطالة وعن كل تقصير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.