نص كلمة: ثمار الارتباط بالإمام الحسين عليه السلام

نص كلمة: ثمار الارتباط بالإمام الحسين عليه السلام

عدد الزوار: 1134

2017-10-13

ليلة الثلاثاء 1438/12/28 في مسجد العباس بالمطيرفي

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد آله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين

جاء في الحديث الشريف عن الإمام الرضا (ع) انه قال: «فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام»، ثم يصف (ع) حال والده الإمام الكاظم (ع) عندما كان يدخل شهر محرم فيقول ـ أي الامام الرضا (ع) ـ في حق ابيه: «كان أبي (صلوات الله عليه) إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (صلوات الله عليه)»[2]

محرم؛ حركة وتضحية وعطاء متجدد

محرم على الابواب، محرم عَبرةٌ وعِبرة، محرم تضحيةٌ وعطاء وتجدد، محرم قبسة من سبط النبوة، محرم قبسة من الحسين بن علي الإمام الثائر المصلح المضحي بكل غال ونفيس ولا يوجد أغلى من روح المعصوم المتمثلة في ذاته وقتها وقد ضحى بها من اجل ان يحفظ للدين حدوده وليحفظ للإنسان كرامته وليحفظ للإسلام بعده وحركيته في وسط الأمة، اراد من حركته ان يفعّل فرعا دخلت في دائرة النسيان وتخلى عنها الكثير من المسلمين حتى وكما يقول هو (ع): «أني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»[3]، الصلاة، الصيام، الحج وهكذا بقية التشريع لا تستقيم الا بناءاً على حركة الامر بالمعروف في وسط الامة، كما ان اجتناب الناس للمحرمات لا يتحقق الا اذا فعّل الفرع الآخر أي النهي عن المنكر، اذا غاب التناهي بين الناس عن المنكر سادت الفحشاء وضاعت الامة وتهدمت البيوت وشلّت حركة الامة في جميع جوانبها، لذلك الامام الحسين (ع) اراد للإسلام ان يبقى حياً طرياً وبقاءه يحتاج الى وقود دائم هذا الوقود هو عبارة عن ذلك الدم الذي جرى من ذلك المنحر الطاهر، المنحر الذي طالما لثمه النبي الاعظم (ص) بشفتيه الكريمتين ولكن في كربلاء استبدل ثغر النبي (ص) بسيف الطاغية شمر بن ذي الجوشن، الامام الحسين (ع) استطاع (ع) أن يأخذ بالمسيران وأن يرفع اللواء ويحقق ما قاله النبي (ص): «حسينٌ مني وأنا من حسين[4]» في مفهوم الامتداد الطبيعي من جهة، والامتداد الإيماني من جهة أخرى.

قيمة البكاء على‌ الامام الحسين (ع) وأثره في المجتمع

بالنتيجة البكاء وسيلة وليس بغاية ولا يمكن ان يقلل من قيمته وثمنه، فالبكاء على الامام الحسين (ع) له قيمة وقيمته كبيرة وتترتب عليه آثار وتلكم الآثار كثيرة منها سلوكية شخصية ومنها آثار ترتبط بالمجتمع وأخرى ترجع لصالح الامة، لذلك ايها الاحبة تجدون ان المجتمعات التي يأخذ الامام الحسين (ع) نصيبه من واقعها وحركتها وفعلها وانفعالها في موقع متقدم على غيرها من المجتمعات والمكونات، وبقدر ما يكون الامام الحسين (ع) حاضرا في اوساطنا وفي بيوتنا بقدر ما نكون قريبين منه، لذلك يتحقق ترتيب الآثار على ما اراد ولا اقل من استحضار الامام الحسين (ع) من خلال الاسماء كأن نسمي ابناءنا باسمه الشريف ليكون للإمام الحسين حضور، اصلا اسم الامام الحسين بركة، ذكره بركة، ان تذكر اسم الحسين في حد ذاته هو بركة وان تنادي وتستحضر تلك الذات المربوطة بهذه الذات فيه بركة، فيه انعكاس، بعضنا قد يكون في بادئ ذي بدء يعني عند وضع الاسم يلتفت نوعا ما لمكون الاسم وباعثيته، لكن بعد ذلك شيئا فشيئا ينسى او يتناسى أو يغفل او يتغافل حال انه ينبغي ان نربط الابناء الذين حملوا مثل هذا الاسم الشريف اسم الامام بالمسمى أو في الفتيات اسم مثل الزهراء، فاطمة، البتول، الحوراء ... وافضلها جميعا اسم النبي الاعظم محمد (ص)، اذا أشعرنا هذا الولد اننا انما سميناك حسينا لكي تعيش الحسين (ع) في جميع مكونات حياته؛ في الشرف؛ في النخوة؛ في النجابة؛ في الاباء؛ في الجود؛ في التضحية؛ في الشجاعة؛ في الصبر؛ في الوعي .. اذا احضرنا هذه المنظومة من المفاهيم المكتنزة باسم الامام الحسين (ع) المنطوي على ذات الامام الحسين (ع) في ذهنية الطفل اقرأ ذلك الطفل بعد حين سترى فيه السمو والرفعة والشموخ والتطلع لما هو الافضل، لان المبدأ الذي ينطلق منه والذات التي يرتبط بها هي واحدة من الذوات المجللة المقدمة المعظمة من قبل الله سبحانه وتعالى: ﴿اِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ اَهلَ البَيتِ ويُطَهِّرَكُم تَطهيرا﴾.[5]

أهمية البكاء الحركي على الامام الحسين (ع)

البكاء وكما قلنا مهم لا يمكن ان نقلل من أهمية البكاء، لكن علينا ان نتعامل مع البكاء كما اراد هو الامام الحسين (ع) لنا ان نبكي، الامام الحسين لا يرضى لنا ان يكون بكاءنا بكاء الخنوع والضعة وانما يريد دمعة الصبر والحركة، لذلك مثلا زينب سلام الله عليها عندما كانت تودع الامام الحسين (ع) بعض النصوص تقول اجهشت بالبكاء، في رواية دمعت عيناها، يعني عبرت عن الحزن لكن لم ترفع صوتاً، فمد الامام الحسين (ع) رداءه وكفكف دموعها وقال لها: صبرا يا أبنة فاطمة! وفي هذا القول اشارة واضحة الى كينونة الصبر في الزهراء استحضر لها الزهراء من خلال اسمها، وقال لها ان امامك من المحن ما يشغلك عن هذا ومثله! كذلك الامام السجاد (ع) لما ساله ابوحمزه الثمالي قائلا سيدي يابن رسول الله؛ اي المصائب امر عليك؟ فاجابه الامام السجاد (ع) قائلا: الشام الشام الشام في تلك اللحظة نسي كربلاء لبيان هول ما وقع في الشام، ولان في كربلاء كانوا الرجال في قبال الرجال، اما في الشام فكانت النساء فقط مع رجل واحد عليل، لكن انظروا الامور الى اين وصلت، فللبكاء ايها الاحبة اهمية، قد يكون هنا شخص لا يستطيع ان يبكي في هذا الشهر ومحروم من هذا الاجر والثواب لكن على الأقل عليه ان لا يبدي مظاهر الفرح والسعادة والسرور...، مواساةً للإمام الحسين (ع) واهل بيته، كان النبي وآل النبي في شهر محرم في حالة من الحزن..

البكاء المطلوب عند أهل البيت عليهم السلام

علينا ان ننظر الى حالنا نحن اليوم كيف هو، اليوم اصبحنا نتساهل كثيرا، حتى ان البعض أصبح يقول: ما هو الضير في ان يكون في ليلة العاشر من محرم مجلس عقد وزفاف وفرح!! وهذا الكلام في بعض الأحيان يصدر من الذين يحسبون علينا ومن داخل البيت، هو انت لولا الحسين (ع) وتضحيته هل بقيت لك قيمة؟ هذه العين الباكية على الامام الحسين (ع) لها مقام في يوم القيامة، الرسول الاعظم (ص) يقول: «كل عين باكية يوم القيامة الاّ عين بكت على مصاب الحسين فانِّها ضاحكة مُستبشرة بنعيم الجنة».[6]؛ أيضا الامام الصادق (ع) يترحم على تلك العيون ويقول: «اللهم ... وارحم تلك الاعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم الصرخة التي كانت لنا»[7]، لكن أي بكاء وأي جزع؟ كما قلت بكاء الحركة، جزع التغيير في الداخل ولا تغيير يحدث الا ان يبدء الانسان في تغيير نفسه، كثيرا تقرأون وتسمعون في المقاتل بان فلان من اصحاب الامام الحسين (ع) لم يكن في ركبه الا انه في الطريق حول رحله الى رحل الحسين (ع) وفي هذا درس لنا، يجب ان لا ييأس احد من رحمة الله، لان رحمة الله اوسع ولطف اهل البيت عليهم السلام كبير بنا، وواحدة من الطاف الله وكرامة اهل البيت علينا هي هذه المجالس التي ندخلها في حالة نبكي فيها على الامام الحسين (ع) ولا نحمل حقد وضغينة وحسد على الآخرين ولا نكذب ولا نخون الامانات ونكون طيبين في بيوتنا، حنينين على ابنائنا في منتهى اللطف مع زوجاتنا وفي منتهى العطف والرحمة والشفقة على آبائنا وامهاتنا، وان نلطف على جيراننا وان نكون صادقين مصدقين لإخواننا الذين يتعاملون معنا، وان يكون ظاهرنا وباطننا هو التعامل الصادق مع اخواننا، لان هذا هو الذي يريده الامام الحسين (ع) منا، علينا ان نؤدي الامانة الى أهلها لا ان نتساهل ونهمل الموضوع الى ان نموت وبعد الموت يأتي صاحب الأمانة ويعاني الأمرين من الورثة! هذا موجود! الامام الحسين (ع) لا يقبل دمعة من شخص يبتز الميراث ولا يقبل دمعة انسان يبتز مال اليتيم ولا يقبل دمعة انسان يعبث بحقوق الاخرين ولا يؤدي الحقوق والواجبات الشرعية، جمعنا الله واياكم على حب الحسين (ع)، رزقنا الله واياكم زيارة الحسين (ع)، جعلنا الله واياكم ممن يشفع له الامام الحسين (ع) في ذلك اليوم، غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.