نص كلمة: تهذيب النفس بالبكاء
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله وسلم على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على اعدائهم اعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
ملازمة الامام علي (ع) للنبي (ص)
كان الامام علي (ع) الزم لرسول الله (ص) من ظله، فما كان النبي (ص) يتفوه بكلمة الا واذن علي (ع) ظرفها ووعاءها الاول، ان يستمع الانسان شيء وان يتأمل ويتدبر فيما سمع شيئا آخر، وأهم من الاول والثاني ان يطبق مفاد ما يسمع بعد ان يتأمل وبعد ان يتدبر فيما سمع، هذه الامور الثلاثة اذا فتشت عنها في زمن النبي (ص) لا تجد لها مصداقا بارزا واضحا يفرض نفسه الا الامام علي (ع) القرآن الكريم يقول: ﴿وتَعِيَها اُذُنٌ وٰعِيَة﴾[2] في الروايات الشريفة هي اذن علي (ع)[3]، كثير من كتب الاحاديث ككتاب بحار الانوار أو تحف العقول وما وراءها نقلت الكثير من الأحاديث من النبي (ص) لعلي (ع) ابتداءً ومن علي الى النبي في مقام الرد والتوضيح والبيان وما بينهما بين الاخذ والرد، في هذه الزاوية وتحت هذا العنوان مجموعة من المفردات المكتنزة بالمعاني الدقيقة والتي لها اثرها على الشخص السامع وهو الامام علي (ع) ومن وصله بالطرق عن علي (ع)، كلام الله سبحانه وتعالى لا يجاريه كلام، وهذا أمر انتهينا منه سواءٌ كان من حيث صدوره فهو قطعي ومن حيث معطاه وان لم يكن سهلاً يسيرا على الكل الا ان اهل البيت عليهم السلام رفعوا الكثير من الغوامض بقي ما فيه من الاسرار الخاصة، امرنا ان نرجع الامر الى اهله ومن يتصف بهذه الأهلية وهم آل محمد (ص)، في يوم من الايام كان النبي (ص) والى جانبه الامام علي (ع)، وكيف يكون هذا المجلس! مجلس نبي الرحمة رسول السماء (ص) وعلي (ع) بمواصفاته الخاصة الاستثنائية، النبي (ص) يبتدئ علي (ع) بالكلام، احيانا كان الامام علي (ع) يسأل وينتدب الأمة للسؤال وهو الذي يقول «سلوني قبل ان تفقدوني» وكان (ع) كثير السؤال من النبي (ص) لانه كان يريد ان يستفيد الحضار في مجلسه من جهة ومن جهة ثانية حتى ينتقل الينا الكلام ونستفيد نحن، ولو ان من عاش عهد النبي (ص) سأل من النبي (ص) وتوضح الامور من النبي (ص) ثم وصلتنا بطرق معتبرة تلك المعارف ما عسى ان تكون الحياة! حياةٌ غذاؤها الروحي من النبي (ص)، واسطتها الامام علي (ع)، شهودها صحابة اتقياءٌ ابرار، الدنيا كيف ستكون!
ثلاث أمور منجيات
النبي (ص) يقول لعلي (ع): «يا علي ثلاث منجيات: تكف لسانك، وتبكي على خطيئتك، ويسعك بيتك»[4] يقول له: يا علي ثلاث منجيات، نحن لو أخذنا بواحدة منها لكانت كافية لنا، فما بالك بالثلاث! ثم اردفها النبي (ص) بثلاث، ثم انتزع منها ثلاث، ثم رد عليها ثلاث، ارجع للاحاديث التي تقول: «علم والله رسول الله عليا الف باب يفتح له من كل باب الف باب»[5] وهذه كلها ابواب موصلة للمعرفة لا ان المعرفة هي مليون باب، بل ان هذه الابواب موصلة للمعرفة يعني كانك تدخل باب رقم واحد فتجد امامك مدرسة وتجد امامك اصول هذه الاصول تتفرع عنها فروع، عددها ربما يكون بعدد أنفاس الخلائق، لذلك ما حال الذي يمسك بحجزتهم، الى اين سيصل، هي اشراقة واحدة تكفي، نحن لا نحتاج كثيرا بل اصلا لا نتحمل كثيرا نحن اشراقة واحدة منهم كفيلة بان تفتح امامنا الآفاق وتشق الطرق وتجعل القضايا واضحة بينة مرئية منهم عليهم الصلاة والسلام.
1. كف اللسان عن الاذى
يقول تكف لسانك، عن ماذا تكف لسانك عن الكلام الطيب!؟ قطعا لا التسبيح كلامٌ طيب لا يمكن ان تكف لسانك عن التسبيح، بل لابد ان تكثر من الدعاء، وقطعا ليس عن قراءة القرآن، ولا عن تعليم الاحكام ولا عن التعلم، بل عما يشينك ويشين الآخرين، لانه احيانا شخص يتفوه بكلام ويتصور انه من خلال هذا الكلام يسيء للطرف المقابل، وهو لا يلتفت بان هذا الكلام هو اساءة الى نفسه، لان الناس سوف تنتقده وتقول لماذا تكلم بهذا الكلام ينبغي ان يكون هو ارفع من هذا الكلام، لنفرض ان الطرف المقابل يستحق الكلام لكن لماذا لا يترفع هو، طبعا انا احاول ان اطوي الكلام حتى لا يطول المطلب، فتكف لسانك اي لا تؤذي جارك، لا تؤذي ربة البيت، لا تؤذي الاولاد، الزملاء، الاصدقاء، بل اي اناس، اصلا لماذا تؤذي خلق الله، ما هو الموجب لأذية أناس لم تكن بينك وبينهم شيء!؟ تؤذيهم من خلال كلمة غير طيبة، لماذا لا تقدم لهم الكلمة الطيبة بعدها انتظر وانظر الى أثرها، احيانا الانسان يتصور انه اذا أسيء اليه له الحق بان يكيل الكيل بكيلين لا يكتفي بواحدة، حجته في ذلك انه هو الذي اعتدى عليّ، من الذي اجبره على الاعتداء عليّ! حال ان القرآن يقول ﴿فَاعتَدوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدىٰ عَلَيكُم﴾[6] لكن هذا الانسان لا يتنازل من حقه، بل اذا ما وصل الى مرحلة اليد العليا خير من اليد السفلى فان الوضع سوف يختلف ايضا، فلابد ان يبدأ بالكلمة الطيبة أليست الكلمة الطيبة هي صدقة كما في كلامهم عليهم الصلاة والسلام[7].
2. البكاء على الخطيئة
وتبكي على خطيئتك لا يمكن لاحد ان يقول انا انسان ومن البشر الا اني لم ارتكب خطيئة! هذا اما مختل عقليا، أو عنده حالة من الغرور والترفع على الناس ولا يرى الخطأ الا عند غيره من الناس، وهو لا يخطئ ولم تقع منه زلة لسان، هو يزكي نفسه حال ان القرآن يقول ﴿فَلا تُزَكّوا اَنفُسَكُم هُوَ اَعلَمُ بِمَنِ اتَّقىٰ﴾[8] يقول انا لم اعتدي، انا لم اغلط! كيف علمت بانك لم تخطئ! عند ساعة الغضب الشخص لا يملك اعصابه فاذا فلتت الاعصاب من الانسان يصدر منه ما لا يعلم، يقول هناك مساحة موجودة بعد ان تفرغ وترجع الى النفس ويتحرك الضمير «الانا الاعلى» وتجلس منفردا مع نفسك احسن الحالات هي البكاء، البكاء يغسل الخارج والداخل ،كم نعتني نحن بأبداننا نستعمل افضل انواع الشامبو عند غسل الابدان وحتى نحاول اليوم ان نستخدم الماء المصفى، يعني صرنا لا نتحمل حتى ماء الشبكة العادية! بل اكثر من هذا سياراتنا نغسلها بالماء الحلو! هذه الامور موجودة، لكن نفسه كيف يغسلها، عليه ان يغسلها بالاستغفار، بالندم، بالاعتراف، بالعزم على عدم الرجوع، بالبكاء على النفس، لان قطرات الدموع المتساقطة من العينين على الخدين في جوف الليل لها فعل السحر في نفس الانسان، وهذه ليست هي المواد المنظفة التي نستخدمها والتي صنعها البشر وفيها بعض الآثار المخربة، بل هذه الدموع هي صناعة ربانية تنظف ولا تترك عطب ولا تحدث خلل في المادة التي جرت عليها، وهذا الذي يحتاجه قلب الانسان، لا تتصور بان الدموع فقط تجري على الخد، بل ان الدموع تنفذ الى الداخل ولها اثر سحري.
3. الزام البيت
ويسعك بيتك، احيانا الانسان يقول انا لا اتحمل ان يغلط ويعتدي عليّ شخص وانا لا ارد له عليه، اذا اعتدى عليّ بواحدة رديت له بواحدة او باثنين، فاذا انت شعرت بالندم اين تذهب؟ تذهب للبكاء لم توفق للبكاء او البكاء لم يفعل فعله ماذا يبقى عندك؟ الزم دارك اجلس في بيتك واكف الناس آذاك، نحن في هذه الليلة او البارحة دخلنا الشهر الجديد المفروض ان كل واحد منا يجلس مع نفسه قليلا ويتأمل في وضعه، مع الناس كيف وضعه، مع اهل بيته، مع نفسه، لابد ان يفتح صفحة جديدة ويطلع للعالم من حوله من خلال رؤية مغايرة للرؤية التي كان عليها وكان يتبصر الامور من حوله هذا شيء مهم جدا، كلنا ندفع صدقة اول الشهر لتدفع عنا البلاء، لكن المقدم على هذا ان يجلس الانسان في اول كل الشهر مع نفسه ويراجع ما له وما ينبغي ان يكون له ويحدث حالة من التوازن، اهل البيت عليهم السلام طيبون ولا يقبلون الا الطيب ولا يرضون لشيعتهم الا ان يكونوا في اعلى درجات الصدق والمصداقية والطيب. وفقنا الله واياكم لكل خير، اخذ الله بايدينا وايديكم، وجعل الله القادم من الايام افضل من ما مضى والحمد لله رب العالمين.