نص كلمة:تراث الإمام السجاد عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على اشرف المرسلين محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على اعدائهم اعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
أهمية الاستغراق في جميع جوانب حياة الامام السجاد (ع) وعدم الاكتفاء بالجانب المأساوي
تصادف الليلة القادمة ذكرى وفات الامام السجاد (ع)، بقية الطف وسفير الثورة الحسينية للدنيا، نحن في ذكرى شهادة الامام زين العابدين (ع) قد نستغرق في جانب واحد ألا وهو المأساة بعد ذلك لا نلتفت الى الجوانب والزوايا الأخرى ذات العلاقة المباشرة بالإمام (ع) صدوراً وبالناس وعياً، الامام زين العابدين (ع) لا يمكن ان يختصر في موقف سواءٌ كان في كربلاء او في الكوفة أو في الشام أو بعد رجوعه الى المدينة، وإنما الامام (ع) يسع ما هو اوسع من ذلك كثيراً، كان بيت الامام (ع) بعد الطف يمثل منارة اشراق في الجانب العلمي ويمثل قاعدة صلبة لوحدة النسيج الاجتماعي مع تضارب المذاهب والأهواء خصوصا بعد مجريات الطف، بيت الامام (ع) ومن خلال وضع حجر اساس اول جمعية خيرية كما يصطلح عليه اليوم كان مأوى لليتامى والمساكين ومأوى لولائك الذين خلفتهم الحروب الطاحنة بعد وفاة رسول الله (ص) مروراً بالحروب الثلاث المعروفة وما قبلها وما بعدها، نحن سنسمع كثيراً في مجالس العزاء التي تقام لإحياء ذكرى شهادة الامام زين العابدين (ع) ان الامام كان يذهب الى السوق ثم ينظر لاحد القصابين يريد ان يذبح كبشاً يسأله هل سقيت الكبش ماءاً الى آخر القصة ... ثم تذهب للمجلس الثاني والثالث والعاشر وما فوق.. لكنك قد لا تخرج بغير هذه القضية وهي بقدر ما تحمل من التشفير وبقدر ما تحمل من الامور المكتنزة الخطيرة الا انها ليست القضية الأم.
بعض جوانب حياة الامام السجاد (ع)
أـ المحافظة على مبادئ النهضة الحسينية خاصة مبدأ الاصلاح
القضية الأم هو محافظة الامام (ع) على مبادئ الحركة والنهضة والثورة التي قام بها ابوه الامام الحسين (ع) الا وهو «طلب الاصلاح» هذا اللواء المرفرف بعبارة: «طلب الاصلاح في امة جدي» وان سقط في كربلاء، إلا ان كف الامام السجاد (ع) كانت قريبة لذلك لزمته ورفعته وخفقت به وقطعت به البلدان حتى استقر في المدينة هذا هو الامام، لكن الاصلاح في أي جانب؟ الاصلاح في بناء الانسان، الامام الحسين (ع) ورث تركة خطيرة هي عبارة عن الانسان المحطم المدمّر المستهلك في سلوكه وادبه واخلاقه وتعاونه، اراد ان يرجّع للإنسان تلك المكتسبات والقيم التي ضاعت من يده جراء امر هنا او أمر هناك، هذا هو زين العابدين الذي يحافظ على المبدأ، على المنطلق الاساس في حركة أبيه (ع)، هذا مختصر القول، لذلك من اراد ان يعيش الامام السجاد (ع) فليدلف الى رسالته في الحقوق ليرى ان هذا الامام على أي درجة من التقدم في الاخذ بالراية والاندفاع بها ـ أي الاصلاح ـ الى المسافات التي لا تحد منها الازمنة ولا الاماكن، كل انسان يبحث عن الكمال هذا شيء طبيعي، لكن لابد ممن يؤمن له ذلك الطريق الموصل، يوقد له المصباح كي يستضيء به، يعبد له الطريق كي يسير عليه، يرفع عنه الحواجز حتى لا يتعرقل في مسيرته.. كل هذه الامور الامام السجاد (ع) قام بها ونحن في هذه الفترة الزمنية مطالبون في ان نعود للإمام السجاد (ع) في تأسيساته.
ب. رسالة الحقوق
رسالة الحقوق من حق الله على الانسان الى حق الانسان على الانسان، خمسون حق، كل حق ينطق بالقوة وبالعلم وبالهدي وبالإصلاح، نسال من انفسنا نحن ايها الاحبة: هل قربنا من هذه الحقوق؟ بمعنى آخر هل للرسالة أي رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) حضور في وجداننا وحضور في واقعنا؟ بعبارة ادق هل نظم حياتنا متوافق مع ما جاء في رسالة الحقوق او متباين؟ حقوق الله عليّ هل انا منتظم فيها وقائم بعهدتها؟ حقوق النبي وآل النبي عليهم الصلاة والسلام هل انا ملتزمٌ بأدائها وناهضٌ بإحيائها؟ بعبارة مختصرة: لأجل أي شيء استشهد الامام الحسين (ع) ومن معه من اهل بيته واصحابه؟ أليس من اجل طلب الاصلاح؟ فهل ان مبدأ الاصلاح يتحرك فعلا في وجداني ووجدانك؟ هل له في واقع الامة مساحة يجتاحها وترتب عليها الآثار؟ الامور من أين تقرأ؟ طبيعي تقرأ من خلال النتائج، فنحن اذا كنا نحمل صفة الانسان الحسيني عنواناً ومدعاً وكان ثمة شاهد بيّن في الخارج على ذلك فنحن كذلك وإلا فلا، لان الامام الحسين (ع) يدعو الى الخير واذا كنا نتجنب طريق الخير فلا يحق لنا ان يدعي الواحد منا انه حسيني، الامام (ع) يدعو للمحبة، يدعو للصدق، يدعو للسلام، يدعو للتعاون و... فاذا كانت هذه الامور لها واقع، نعم، والا مسألة الامام الحسين (ع) ونهضة الامام الحسين من اول يوم كانت لطلب الاصلاح، أي اصلح نفسي، اصلح بيتي، اصلح مجتمعي وهكذا تسلم الامة وتصلح وترشد وتتقدم وإلا كما ترون الحال.
ج ـ مدرسة الدعاء
أما بالنسبة الى مدرسة الدعاء عند الامام زين العابدين (ع) فحدث ولا حرج، والحمد لله الناس قريبين منها نوعا ما و يعيشونها، مثل ادعية الصباح، ادعية الايام، ادعيه الشهور و ... هناك دعاء الامام زين العابدين (ع) لوالديه ودعاء لأبنائه، انا اقول للأبناء لو يقرأ الانسان هذه الأدعية ويتأمل فيها وينظر الى الخطوط العريضة التي وضعها الامام (ع) ويسير وفق معطياتها حينها سترى الحياة كيف تتغير، انا كنت قد ذكرت سابقا في أحد المجالس بان احد الاشخاص في ايام الصيف والحر الشديد كان يمسك والده والذي يتجاوز عمره الثمانين عاما بمهانة ويسير به في الطرقات! وهذا الشخص كان يدعي انه حسيني! وكان يلطم على الامام الحسين (ع) وكان مواظب على العزاء وكان يمشي الى الكربلاء و ... فالمسألة ليست مجرد شعار واقع، نحن لا نقول لهذه المراسيم شعار وانما نقول شعيرة، لان الشعيرة منطوية على شيء، على نواة اساسها هو من شرع الشعيرة، وأنت انظر الى من شرع الشعيرة وشاهد حاله مع آبائه ومع ابنائه.
اشراقة من هدي الامام السجاد (ع)
احاديث تروى عن الامام السجاد (ع) كثيرة ومناقبه عند الفريقين لا تحصى وقد اجمع الفريقان (شيعة وسنة) على عظمة هذا الامام والكل انحنى تعظيماً له، من هديه يقول (ع) كما هو مروي عنه: «يغفر الله للمؤمن كل ذنب، ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين: ترك التقية، وتضييع حقوق الاخوان»[2]
يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة؛ يعني ان شاء الله ومن خلال توفيق رب العالمين وجهد الانسان سوف تكون امورنا طيبة في الدنيا والآخرة بلطف الله ورحمته، لأنه بالتالي الانسان يرتكب ذنبا على ذنب في هذه الدنيا فتكون هناك ظلمات فوق ظلمات ولا توجد هناك نورانية ولا خير والحديث الشريف يشير الى هذا المعنى »إذا بلغ الرجل أربعين سنة ولم يتب، مسح إبليس وجهه وقال: بأبي وجه لا يفلح»[3]، الامام يقول ان الله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمن كل ذنب ويطهره في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين؛ يعني لا يمكن التخلص من هذين الذنبين لا في الدنيا ولا في الآخرة حتى تدركه الشفاعة الكبرى، الامر الاول:
ترك التقية، اليوم صرنا في وضع بحيث آخر ما نفكر فيه هو التقية، في حين ان التقية وكما يقول الحديث الشريف: «إن التقية ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له»[4] لا كما يقول بعضهم بان التقية مخدرة واماتة لاتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام! بل بالعكس التقية حافظت على الوجود الشيعي وهي لباس اهل البيت عليهم السلام، نحن سوف نخلع لباس اهل البيت عليهم السلام عندما نتجاوز حد التقية، يعني الشخص الذي يتجاوز حد التقية ليس من المعلوم ان يخرج من الدنيا تائب وليس من المعلوم ان لا تتعرقل أموره في الآخرة أيضا والامر الثاني هو:
تضييع حقوق الاخوان، واليوم اذا لم تستعين بالإمام السجاد (ع) في معرفة العناوين العريضة لحق اخيك المؤمن عليك حينها لا يمكن ان تدرك المعنى الحقيقي لهذا الحديث، قضاء حوائج الاخوان شيء في غاية الأهمية، يروى ان احد اصحاب الامام الصادق (ع) يقول كنت أطوف مع أبي عبد الله (ع) فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إلي فكرهت أن أدع أبا عبد الله (ع) وأذهب إليه فرآه أبو عبد الله (ع) فقال: اذهب إليه، قلت: فأقطع الطواف؟ قال: نعم، قلت: وإن كان طواف الفريضة؟ قال: نعم[5] وقال الامام الصادق (ع) «قضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف حتى عد عشرا»[6] لنرى حالنا اليوم كيف هو؟ يعني لو طلب شخص منا ان نقضي له حاجة هل نقضيها ام نأتي بالأعذار مثل: انا مشغول ولا يوجد عندي مجال ووضعي المادي لا يسمح و... وفقنا الله وإياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.