نص كلمة: تأثير الجانب المادي على حياة البشر
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبينا الامين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على اعدائهم اعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
جاء في الحديث الشريف عن المولى الامام علي (ع) انه قال: «جعل الله سبحانه حقوق عباده مقدمة لحقوقه، فمن قام بحقوق عباد الله كان ذلك مؤديا إلى القيام بحقوق الله»[2]
عمارة الأرض وضروبها
عندما اوجد الله سبحانه وتعالى الانسان الاول على وجه الارض انما اوجده من اجل العمارة، والعمارة في الارض لها ضروبٌ عدة؛ قسمٌ منها مرتبطٌ بالجانب المادي الصرف وقسمٌ منها مرتبطٌ بالجانب المعنوي الصرف وهناك قسم آخر هو مزيج بين الاثنين، سار الانسان في مراحله الاولى مسيرة الهدوء والسكون والتعاون، مما استوجب ان تأخذ العمارة من هذا الكوكب مأخذها، وبطبيعة الحال عند تكثر البشر سيكون هناك احتكاك وتقاطع مصالح فيما بينهم وبالتالي ستبرز بعض المشاكل، كل مشكلة بدؤها صغير اذا تركت كبرت واستفحلت ثم تفرعت ثم تحولت اصولها الى فروع وهي بدورها تتفرع وهكذا الامر دواليك حتى تنقلب المعادلة رأس على عقب، في قضية ابني آدم اشارةٌ واضحة وبينة لمثل هذا النسق الذي اشرت اليه، بالنتيجة صفي انسانٌ لا لشيء الا لتقاطع المصالح، قيمة هذا الانسان وقتها تعادل ربع سكان هذا الكوكب، بعدها عادت البشرية في التناسل والتكاثر، ثم بعث الله الانبياء والرسل من اجل الهداية وسن القوانين العامة والضوابط التي على اساس منها تسير الحيات سيرا سبحا فيما يصب في مصلحة الانسان كفرد والانسان كمجتمع والانسان كشعوب وامم، باتت الحروب ليست بين الافراد وانما بين ابناء القبيلة الواحدة، ثم بين ابناء القبيلة والقبيلة الاخرى، ثم بين الدول وسرعان ما تحولت الى ما بين الامم، حتى العصور المتأخرة وقعت الحرب العالمية الاولى، أي اشترك العالم كله فيها ان بالمباشرة او الواسطة الكل دفع الضريبة حتى اولئك الذين نأوا في الظاهر بأنفسهم، كذلك الحرب العالمية الثانية كانت بنفس النسق ونفس الاتجاه، صراع بين الاقطاب الكبيرة التي تريد ان تصوغ سياسة العالم ذهب ضحيتها من البشر بما لا عد له ولا حصر، ارقام متكهن بها يكفي ان تكون دولة واحدة دفعت خمس وعشرين مليون انسان من ابنائها! هذه الحروب انتهت على تقسيم العالم حصص؛ شمال، جنوب، عالم متقدم، عالم متأخر، عالم ثاني، عالم ثالث، عالم نامي ... قسموا العالم فيما بينهم، لم يتركوا موقعا الا وتركوا فيه ثغرة يعبر عنها ببؤرة التوتر.
تبعات اعمار الجانب المادي واهمال الجانب المعنوي
تحرك بين الفين والاخرى من ذاك اليوم الى اليوم أي منذ سبعين أو ثمانين سنة هذا الانسان، ادار ظهره للعمارة في الجانب المهم وهو الجانب المعنوي واتكأ على العمارة في الجانب المادي، أي ان العالم تطور، انت اليوم تأكل نتاج الشتاء والعكس صحيح، يمر عليك الصيف لا تشعر بإرهاصاته ولهبه، الامراض تهاجم الانسان يتخطاها في الكثير من الحالات جراء العلم، اما المسخر للبعد المادي مداخيل الدول العظمى من الناتج الحاصل عن صناعة والتجارة بالأدوية اكبر مما يتحصلون عليه من صناعة الاسلحة، لكن من يدفعها؟ يدفعه الفقراء البسطاء بالنتيجة هذا وضع، غلبت المادة على الجانب المعنوي لكن الضريبة ما هي؟ هي ذهاب المبادئ والقيم من بين الناس، الحمد لله قسم من آبائنا موجودين الآن، يعني الذين تتجاوز أعمارهم الثمانين سنة أقل أو أكثر بالنتيجة هؤلاء عاشوا زمن الطيبين، بل حتى الذين اصغر من هذا العمر والى ما قبل اربعين سنة ايضا هم عاشوا فترة الطيبين حيث كانت المحبة، الشفقة، التعاون، الحنان، كفالة البعض للبعض الآخر و... موجودة، لكن اليوم هذه المبادئ والقيم والاسس في معظمها ذهبت ادراج الرياح، كنا نقول الاخ لا يسأل عن اخيه بسبب عدم توافق في خطبة أو جراء طلب مساعدة و عدم مد يد العون أو شيء من هذا القبيل، لكن اليوم صارت حتى بين الولد والوالد وبين الوالد والولد وبين الام والبنت وبين البنت والام! فماذا بقي اذن! وهل يوجد رباط اليوم هو أقدس من رباط الابن بابيه أو البنت بأمها؟! اذا بات هذا الرابط على وشك الانقطاع ان لم يكن قد انقطع في الكثير من مراحله ما عسى ان تكون النتيجة؟! يعني اذا غاب ذلك التأصيل الذي بذل الانبياء والرسل والاولياء والصلحاء والعلماء جهودهم الجبارة في سبيل تثبيته بين آحاد البشر النتيجة ما هي، حينها ستكون النتيجة صعبة، قد اليوم نحن لا نشعر بوجود بعض البقية المتبقية من رجال ذلك الزمن الجميل، غداً بعد ان يرحلوا ماذا سيكون الحال! يعني انت اذا تريد ان تضع يدك على الجرح كلف نفسك وقم بزيارة أحد مخافر الشرطة وأنظر كيف أن الاخ يجر اخيه على حطام دنيا، أو كيف أن البنت تقيم على أمها دعوى من أجل حطام الدنيا، أو الزوج على زوجته أو اذهب الى المحاكم وشاهد ماذا يجري؟ الولد يجر والده، انا كنت في يوم من الأيام عندما ذكرت بان الامام الصادق (ع) احضر ذات يوم لبيت الخليفة العباسي لكن على أي حال! الشرطي يأخذ الامام من لحيته الكريمة ويدفعه بالأخرى! حينها كنا نستعظم هذا الأمر لكن بالتالي هذا شرطي عند الخليفة العباسي لكن كيف بنا اليوم حيث الولد يمسك ابوه من لحيته ويدفعه باليد الثانية! وهذا ليس مجرد كلام وسرد قصص انا عندما أتكلم لا أريد ان أقص عليكم القصص، لأني غني عن قص القصص هذا واقع يؤلمنا ويجرح قلوبنا لابد ان نلتفت، ايها الاحبة اعياننا امانة في أيدينا لابد ان نحرص على تأديتها وعلى الحفاظ عليها وايصالها الى الموقع التي كفلنا في ايصالها اليه هذه ابوة مادية، لنرى في جانب الابوة المعنوية كيف هو الأمر، في السابق كان العالم محترم، العالم مقدر، العالم يضرب له الف حساب، لكن اليوم ماذا يحدث؟! سابقا عندما كان يأتي الخال السيد ناصر المقدس الى المطيرفي وحينما كان يصل الى مشارف الرفيعة جميع رجالات اهل المطيرفي ـ حفظ الله الباقين منهم ورحم الله الذين مضوا منهم ـ كانوا يجتمعوا عند الدروازة الى أن يأتي لهم طفل ويقول لهم بان السيد قرب من القرية، حينها يهرعون لاستقباله، هذا تاريخنا، هذا تاريخ آباءنا، والذي ليس له تاريخ ليذهب ويشتري لنفسه تاريخ، هذا تاريخ هذه الديرة التي تعرف بالهاشمية، لسلوكها، لطيبها، لكرامتها، لنخوتها، لعزتها، لحفاظها على كل مكتسب من مكتسباتها، لكن اليوم مع الأسف نصل الى هذه الحالة والى هذا الوضع!
الاحسان الى الناس وأهميته
الامام علي (ع) يقول لنا: «أحسن إلى من شئت تكن أميره؛ احتج إلى من شئت تكن أسيره»[3] عليك ان تحسن للناس، لا تقسم الناس الى فئات، ازرع الحب في الجميع كي يعطيك الجميع الحب؛ احتج إلى من شئت تكن أسيره؛ اللهم لا تجعل لي عند لئيم حاجة، الله لا يبتلي أحد من المؤمنين في حاجة عند انسان يعيش هذه الحالة صفة اللؤم يشح عليك عند الحاجة يقطعك عند طلب الصلة لنرجع قليلا ونتأمل قليلا، هذا كلام أئمتنا، هذا هدي اهل البيت عليهم السلام، هذا القرآن الناطق وهم الذين لا ينطقون عن الهوى، وانما كلامهم كلام النبي الاعظم محمد (ص)، نسال من الله سبحانه وتعالى الذي اكرمنا بنعمة الاسلام والايمان والاخوة ان يجعلنا ثابتين مستقرين عليها وان نتعاون فيما بيننا، ان نحافظ على كل المكتسبات في جانبها المادي وجانبها المعنوي، لا قدر الله ان حصل منا تقصير وقتها لا ينفعنا ندم، عندما تدير عائلتي ظهرها عليّ، لا نقول لماذا تفعل عائلتي هذا علينا ان نقول ماذا فعلنا نحن، ذكرنا الذين رحلوا علينا ان لا ننساهم من قراءة سورة الفاتحة فهم اصول وثوابت، قسمات وجوه الآباء والاجداد كانت قسمات الايمان ومن وجوههم اشراقات النور كانت تشع من جباههم التي عفروها على تربة المولى الحسين (ع) فما ازدادت وجوههم الا اشراقا، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يكتب لنا ولكم التوفيق، ولأرواح من مضى من رجالات ونساء وشباب هذه البلدة الطيبة باهلها ان شاء الله الفاتحة مع الصلوات.