نص كلمة تأبين الشيخ الأوحد رضوان الله عليه في ذكرى وفاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعداءهم أعداء الدين
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
﴿اِنَّما يَخشَى اللهَ مِن عِبادِهِ العُلَمـٰاء﴾[2]
الرموز ركائز الأمم
كل أمة من الأمم تفخر بعظمائها، لذلك حق للمسلمين كأمة ان يفخروا بالنبي الأعظم محمد (ص)، كما ان الشعوب فيما بينها تفخر برموزها وكذلك المناطق تفخر برموزها ثم تضيق الدائرة شيئا فشيئا حتى تصل النوبة إلى الأسرة، العائلة والقبيلة فتفتخر أيضاً بعظمائها، العظيم قد يكون نبي أو إمام أو ولي أو فقيه أو أديب أو مخترع أو... لكن له رمزية ويشغل رمزية واسعة وحضور سجله من خلال نتاجه الذي قدمه للبشرية، وان البشرية استفادت من ذلك النتاج، بعبارة وضع بصمته على صماخ التاريخ، تمر الليالي والأيام وربما تتشكل قرون ويبقى ذلك الرمز له قيمته، الأمة التي لا تحتفي برموزها ولا تعتز برموزها امة تعيش خارج التاريخ، لأنها لا تبحث عن العمق وعن الركيزة التي تلوذ بها ساعة الساعة وتستفيد من هديها، من عطائها، من انتاجها، وان كل الأمم المتحضرة تعيش هذا الواقع، أنا بظني ان سيدة الأمم كما هو الذي أراد الله لها ان تكون هي الأمة الإسلامية، لكن الإشكال ليس في الدين بما هو المضافة إليه الأمة لكن في هؤلاء الأفراد الذين يفترض ان يجعلوا من الإسلام بقدر ما هو عنوان، هوية، بقدر ما هو واقع يتحرك معه في جميع جوانب حياته.
الشيخ الأوحد الشمس البازغة في سماء الاحساء
في مثل هذه الليلة انتقل إلى رحمة الله تعالى شيخ المتألهين العلامة احمد بن زين الدين الاحسائي رضوان الله تعالى على روحه الطاهرة هذا الرجل العظيم هذا الرجل ابن هذه البلاد تكوّن من ترابها، شرب ماءها، أكل من زادها، تنسم هواءها، عاش الناس وعاشوه الناس، وجد فيهم ضالة ووجدوا فيه أيضاً ضالتهم الرجل كان يعيش طموحا عاليا ونفسا كبيرة، سافر إلى الأقطار والأمصار في سبيل تحصيل الروافد العلمية حتى أصبح شمسا بازغا لا يمكن ان يحجب الاشعاعات الصادرة منها اي إنسان مهما تلبس بلباس المكابرة، لان الاشعاع الصادر من شمسه رضوان الله تعالى من القوة بمكان بحيث يفرض اشراقه على كل إنسان، الشيخ الأوحد رضوان الله تعالى عليه ابن قرية المطيرفي يعني فيها وُلد وفيها عاش الأيام الأولى من حياته، في تلك الفترة كانت القرين هي الحضن والتي كانت فيها الحوزة العلمية تعيش واحدة من أحسن مراحلها، تلقى فيها علومه ومعارفه حتى أصبح يمسك بآلة استنباط الحكم مع سبر غور اعقد المسائل الحكمية والفلسفية، ثم سافر إلى العراق، إلى البحرين، إلى إيران ثم رجع وهكذا كان يتردد بين هذه البلدان حتى ختمت حياته وهو في طريقه لأداء مناسك الحج على مقربة من المدينة في قرية تدعى هدية أو هدية فاضت روحه الطاهرة.
الشيخ الأوحد؛ المجتهد المبدع
هذا الشيخ الجليل رضوان الله تعالى عليه إلى اليوم هو مسار جدل بين الكتّاب والباحثين، لأنه لم يشأ لنفسه في لحظة من اللحظات ان يكون مقلدا وإنما أراد لنفسه أن يكون مجتهدا ويملك القدرة على الإبداع والتجديد، يعتبر الشيخ الأوحد من احد مصاديق الذين كانوا يمسكون بآلية الاجتهاد ويعملونها ويذهبون معها إلى مسافات بعيدة بحيث إلى اليوم لا يكاد باحث أو عالم أو فقيه يرجع إلى كتب هذا الرجل العظيم إلا ويجد مساحة كبيرة للأخذ والرد، أيها الأحبة ان يكون الرأي له أكثر من قراءة هذا يدل على ان صاحب الرأي لديه رؤية واسعة لذلك تعددت الأنظار في القراءة لذلك الرأي، واحسب ان شيخنا الأوحد رضوان الله تعالى على روحه الطاهرة كان يملك هذه الرؤية الواسعة لذلك اتعب الكثيرين ممن جاؤوا بعده، لكن مع شديد الأسف على ما هو عليه من العظمة وأوج العظمة والاقتدار في المطالب العلمية والبحثية وما الى ذلك إلا انه إلى اليوم لم يحظى بنصيب يتناسب مع عظمة شخصه كما حظي بها الآخرون ومن حقنا ان نسأل لماذا؟ الإشكالية الكبرى أننا دائماً نتلمس الأعذار خصوصا إذا كان النقص صدر منا، نبرر لأنفسنا حتى نخرج من دائرة أننا قصرّنا، أننا لم نقم بالواجب بما ينبغي، الاحساء ولود كانت وما زالت لكن بحاجة الى شيء من الالتفات، شيء من الاحتضان، شيء من التوجه حينها يصل علمائنا إلى مقامات الرمزية وليس ذلك على الله بعزيز، إذا طابت النوايا ووحدت الجهود فيما بين الجميع.
لروح شيخنا الأوحد رضوان الله تعالى على روحه المقدسة وإلى أرواح علمائنا ومراجعنا وإلى أرواح والدينا ووالديكم ومن مات على الايمان الفاتحة مع الصلوات.